كيف تأثّر أزمة المياه والصرف الصحّي على حياة سكان سبها؟
تفاقمت أزمة المياه والصرف الصحّي بفعل درجات الحرارة المرتفعة، والانخفاض النسبي في الرطوبة، وندرة تساقط الأمطار في المدينة.[2] وما زاد الأمور سوءاً توقُّف المضخّات التابعة لمحطة الرفع الرئيسة ومحطة التنقية والمعالجة، والتي يعتمد عليها القطاع لتقديم خدمات الصرف الصحّي. وبالفعل أثّرت الأزمة على سكان المدينة الذي يتراوح عددهم من 170 ألف نسمة إلى 200 ألف نسمة،[3] إضافةً إلى 20700 من النازحين،[4] و 60 ألفاً من المهاجرين.[5]
اتّضحت هذه الأزمة المتواصلة بدايةً في العام 2018 بعد تسرّب كميات من المياه من شبكة الأنابيب، وغرق بعض الشوارع في الأحياء القريبة من موقع محطة الرفع الرئيسة—كالمهدية، وسكرة، والجديد، وعبد الكافي—وانسداد أغلب خطوط الشبكة. أدى ذلك إلى ازدحام الطرق الرئيسة بالسيارات، فتعرقلت الحركة اليومية لسكان هذه الأحياء، وتعذّر عليهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.[6] كما اضطر بعض السكان إلى إغلاق محلاتهم، ومغادرة أماكن سكنهم إلى مناطق ذات خدمات أفضل. وقد دفع الأمر بعضهم إلى الاحتجاج على أداء السلطة المحلية، والتهديد بتصعيد الموقف.[7]
ما العوامل التي أدّت إلى تفاقم الأزمة؟
ساهم عدم الاستقرار الأمني والمجتمعي في تراجع خدمات المياه والصرف الصحّي، وتدهور البيئة المناسبة لتشغيل مرافق منظومة الصرف الصحّي وصيانتها. فقد تعرّضت محطة التنقية والمعالجة الواقعة في منطقة المهدية للاعتداءات في كانون الأول/ديسمبر 2017، حيث قامت مجموعة مسلحة بسرقةٍ منظمةٍ لقطع الغيار ومعدّات المحطة. وعلى مدى أشهر لم تتدخّل الجهات الأمنية أو السلطات المحلية.[8] نتيجةً لذلك، توقّفت المحطة عن العمل،[9] كما توقّفت عملية معالجة المياه، واقتصر عمل المحطة على ضخّ المياه الملوّثة، والتخلّص منها في البحيرة الصناعية في منطقة حجارة.
كما فاقم الضررَ المباشرَ على الشبكة الرئيسة للصرف الصحّي اعتداءات بعض السكان عليها، حيث يعمد البعض إلى رمي مخلّفات القمامة بجانب غرف التفتيش. فكثيراً ما عُثِر على إطارات وحجارة كبيرة الحجم في غرف التفتيش للمسارات الرئيسة في الناصرية في المدينة الرياضية، ومفترق الخنساء في المهدية.[10] كان من الطبيعي إذاً أن تتكرّر الانسدادات نتيجة تراكم هذه المخلّفات من غرف التجميع.
فضلاً عن ذلك، تعاني المدينة من ضعف البنية التحتية، وتهالك شبكة المياه والصرف الصحّي. يرجع تاريخ تنفيذ شبكة المياه في المدينة إلى بداية سبعينيات القرن الماضي، ولذا تقادمت وانتهى عمرها الافتراضي، وأصبح 80 في المئة منها بحاجةٍ إلى تجديد.[11] فخطوط المياه في حيّ الإذاعة مثلاً مصنوعة من مادة الأسبستوس، وهي قديمة وأقطارها غير متناسبة مع زيادة عدد السكان والتوسّع العمراني. وهكذا، جرّاء تهالك الخطوط تتسرّب مياه الصرف الصحّي، فلا يصل منها إلى محطة الرفع في المهدية إلا 10 آلاف متر مكعب من أصل 40 ألف متر مكعب، والباقي يتسرّب عبر الأنابيب المتآكلة تحت الأرض.[12] أَضِف إلى ذلك أن خطوط الأنابيب التي بدأ في تنفيذها جهازُ تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق في العامَين 2009-2010 لم تُستكمَل، ما شكّل عائقاً لفرق الصيانة التابعة للشركة العامة للمياه والصرف الصحّي.[13] فلا يمكن العمل على هذه الشبكة المتهالكة من دون خرائط وإرشاد، وعلامات دالّة على موقع الخطوط ووضعها وحالتها.[14]
والواقع أن محطات الصرف الصحّي تتغذّى من شبكة الكهرباء العامة، وفي الفترة السابقة ازداد استهلاك التيار الكهربائي، وتكرّرت انقطاعاته لساعات طويلة عن محطة الرفع الرئيسة والمحطات الفرعية. فلمحطة الرفع الرئيسة في منطقة المهدية دور أساسي، إذ إنها تعمل على ضخّ مياه الصرف الصحّي القادمة من الأحياء السكنية إلى محطة التنقية والمعالجة.[15] وقد اضطرت الشركة العامة للمياه والصرف الصحّي إلى تزويد محطة الرفع الرئيسة في منطقة المهدية بمولّداتٍ كهربائيةٍ لتشغيلها، إلا أن الشركة غالباً ما عجزت عن توفير الوقود اللازم لتشغيل هذه المولّدات ذات السعات المختلفة. تعتمد الشركة على مستودع سبها النفطي في الحصول على احتياجاتها اليومية من وقود الديزل اللازم لتشغيل المولّدات، ولكن لم يُخصَّص لها سوى 10 آلاف ليتر/ شهرياً، في وقتٍ تستهلك 1000 لتر ديزل يومياً. وهذا الأمر يزيد انقطاع الكهرباء عن المحطات أثناء ساعات طرح الأحمال خلال فترة الـ20 يوماً المتبقّية من الشهر.
ما التحدّيات الإدارية التي تواجه قطاع المياه والصرف الصحّي؟
ساهمت أربعة عوامل في تراجع أداء منظومة الصرف الصحّي، وعدم الالتزام بتنفيذ جداول الصيانة الدورية لمرافق القطاع.[16] أولاً، شهد القطاع سوء إدارةٍ في السنين الأخيرة، حيث ازداد كلٌّ من انعدام الشفافية واللامبالاة إزاء معاناة قطاع المياه والصرف الصحّي في المدينة. فالشركة العامة للمياه والصرف الصحّي مثلاً لم توفّر الوقود اللازم لتشغيل المولّدات الكهربائية التي منحتها إيّاها منظمات دولية.[17] ثانياً، كان التنسيق بين المجلس البلدي، السابق والحالي، والشركة ضعيفاً. فأسفر ذلك عن تنفيذ مشاريع من دون استشارة الشركة،[18] ما أدّى إلى أخطاء في مناسيب خطّ أنابيب الصرف الصحّي، بسبب إسناد هذا الخطّ إلى شركة غير متخصّصة. ثالثاً، تضاربت الصلاحيات بين المجلس البلدي والشركة العامة للمياه والصرف الصحّي، إذ كثيراً ما تدخّل المجلس البلدي السابق في اختصاصات الشركة في تنفيذ المشاريع المستعجلة. رابعاً، قام بعض المواطنين بالتعامل مباشرةً مع شبكة خطوط المياه والصرف الصحّي بحفر آبار على نحو عشوائي لحلّ المختنقات.[19]
إضافةً إلى ذلك، عانت الشركة من صعوبات في التمويل من الحكومة المركزية، ولم تتحصّل على الدعم اللازم للقيام بأعمال الصيانة والتشغيل. فواجهت صعوبة في استيراد قطع الغيار ومعدّات التشغيل اللازمة لصيانة المحطة.[20] كما اصطدمت بعراقيل في الحصول على اعتمادات مصرفية، وتناقصت العُهد المالية لرؤساء أقسامها ومكاتبها. قبل العام 2011، كان يُخصَّص لفرع الشركة في سبها مبلغ 150 ألف دينار شهرياً كعهدةٍ ماليةٍ لمدراء المكاتب ورؤساء الأقسام من أجل تسيير العمل اليومي.[21] إلا أن العُهدة المالية لمكتب الشركة في سبها في العام 2021 بلغت 2000 دينار شهرياً، وهو مبلغ لا يغطّي احتياجات المحطات وآليات الشركة من وقود وزيوت.[22] وهكذا شكّلت قلّة الدعم تحدّياً أمام إدارة الشركة في تسيير العمل اليومي للقطاع.
خطّة الحكومة في التعامل مع مشاكل القطاع
وضعت حكومة الوحدة الوطنية أزمة الصرف الصحّي في سبها ضمن أولوياتها لتطوير القطاعات المختلفة في جميع الأقاليم. فقام وزير الإسكان بزيارةٍ للمدينة في 20 تموز/يوليو 2021، وتفقَّدَ موقع محطة التنقية والمعالجة في منطقة الحجارة.[23] عقب زيارته وضعت الحكومة خطّة تنفيذية لاستكمال مشروع محطة المعالجة كجزء من مشروع "عودة الحياة". ومنحت حكومة الوحدة الوطنية الإذن لجهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق لتنفيذ المشروع، وخصّصت مبلغ 285 مليون دينار لتنفيذ مشاريع أخرى متعلّقة بالمياه والصرف الصحّي في المدينة.[24]
باشرت الحكومة إجراءات تنفيذ مشروع محطة التنقية والمعالجة المتوقّف منذ أكثر من 5 سنوات، في 12 أيلول/سبتمبر 2021، بالتعاقد مع ائتلاف شركات مصرية. ويشمل تنفيذ المشروع توسعة المحطة الحالية، وتنفيذ محطة جديدة بسعة 30 ألف متر مكعب من المياه.[25]
من شأن هاتين المحطّتَين، إذا ما استُكمِل العمل عليهما، أن تساهما في التخفيف من جزءٍ من أزمة الصرف الصحّي في المدينة. ومع ذلك، يبقى جزء كبير آخر من المشكلة قائماً، أي ضعف شبكة أنابيب المياه، وهو ما يستوجب توفير دعم شامل لتشغيل نظام الصرف الصحّي واستدامته. لا يزال عددٌ كبيرٌ من عقود مشاريع تجديد شبكة أنابيب المياه متوقّفاً منذ العام 2011، وبحاجةٍ إلى تفعيل، فيما توجد مشاريع أخرى استُكمِلَت ولم تُسلَّم إلى شركة المياه الصرف الصحّي.
تحدّيات تنفيذ مشروع محطة المعالجة ومستقبل القطاع في المدينة
يتّسم مشروع محطة التنقية والمعالجة بأهمية كبيرة لمدينة سبها، وفي حال استكماله سيساهم في وضع حدّ لمعاناة السكان والسلطة المحلية مع أزمة الصرف الصحّي. لكن عملية التنفيذ دونها عقبات أبرزها التحدّي الأمني، إذ إن مشروعاً بهذا الحجم يحتاج إلى وجود قوة أمنية لتأمين طواقم الشركة المُنفّذة للمشروع، وللمحافظة على الموقع وما يحتويه من معدّات وآلات. فطبيعة الحوادث التي تعرّض لها موقع المحطة في السابق تشير إلى ضرورة اتّخاذ إجراءات ذات طبيعة خاصة.
وما لا يقلّ أهميةً عن التحدّي الأمني تحدّي التمويل والتنسيق الإداري بين السلطات المحلية المختلفة. فإسناد صلاحيات إدارة قطاع المياه والصرف الصحّي وفقاً لما ينصّ عليه قانون الإدارة المحلية وتجنّب تداخل الاختصاصات، سيكون عاملاً مهمّاً في نجاح استدامة المشروع في حال استكماله. بيد أن التجربة أثبتت غياب التنسيق والعلاقة غير المنسجمة بين السلطة المحلية وإدارة الشركة المُشغّلة لمنظومة الصرف الصحّي، وهي الجهة التي ستكون مسؤولةً عن محطة التنقية والمعالجة عند الانتهاء منها، واستلامها من الجهة المُنفّذة. لذا، من شأن خطط تدريب الفرق الفنية التابعة للشركة أن تساهم في تعزيز استدامة المشروع، وتقليص الاعتماد على الإدارة المركزية من ناحية توفير الدعم الشهري أو السنوي لمعالجة أعطال أو استبدال قطع معيّنة، وبالتالي ضمان عدم توقّف المحطة عن العمل.
[1] أبوبكر مصطفى، "الدبيبة يعلن عن “عودة الحياة” لمشاريع البنية التحتية والكهرباء وتحريك الاقتصاد بعد توفير الموارد"، الناس، 27 آب/أغسطس 2021، https://bit.ly/3tKZ7kC
[2] أحمد عتيق، عيسى بن نزهه (2018)، بحث تخرّج بعنوان "دراسة تنفيد حفر بئر مياه بواسطة آلة الحفر الدقاقة بمنطقة المنشية"، كلية العلوم، جامعة سبها، قسم علوم الأرض.
[3] برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، "نبذة عن مدينة سبها، ليبيا" (بالإنكليزية)، تشرين الأول/أكتوبر 2018، https://bit.ly/3IkxUJt
[4] المنظمة الدولية للهجرة، مصفوفة تتبع النزوح، كانون الأول/ديسمبر 2020، https://bit.ly/3Kq6pQu
[5] المنظمة الدولية للهجرة، مصفوفة تتبع النزوح، حزيران/يونيو 2020، https://bit.ly/3Kq6pQu
[6] ملاحظات شخصية.
[7] بيان صادر عن عدد من سكان حيّ المهدية، 17 نيسان/أبريل 2018.
[8] المرجع السابق.
[9] مقابلة مع محمد السنوسي، متابع محطات الصرف الصحّي في الشركة العامة للمياه والصرف الصحّي، فرع سبها، 10 تشرين الأول/أكتوبر2021.
[10] مقابلة مع أحمد أمجبر، مدير مكتب الشركة العامة للمياه والصرف الصحّي في سبها، 10 حزيران/يونيو 2021.
[11] مقابلة مع عيسى الصالحين، عضو مجلس إدارة شركة المياه والصرف الصحي، سبها، 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
[12] مقابلة مع علي القايدي، مختار محلّة المهدية، سبها، 10 تشرين الأول/أكتوبر2021.
[13] مقابلة مع أحمد أمجبر، المرجع السابق.
[14] مقابلة مع عبد الله الأمين، عضو المجلس البلدي، سبها، 14 أيلول/سبتمبر2021.
[15] مقابلة مع محمد السنوسي، المرجع السابق.
[16] مقابلة مع عيسى الصالحين، المرجع السابق.
[17] مقابلة مع علي القايدي، مختار محلّة المهدية، سبها، 13 أيلول/سبتمبر 2021.
[18] المرجع السابق.
[19] المرجع السابق.
[20] مقابلة مع محمد السنوسي، متابع محطات الصرف الصحّي في الشركة العامة للمياه والصرف الصحّي، فرع سبها، 12 أيلول/سبتمبر 2021.
[21] مقابلة مع عيسى الصالحين، المرجع السابق.
[22] مقابلة مع أحمد أمجبر، المرجع السابق.
[23] أخبار ليبيا، "وزير الإسكان يجري زيارة تفقدية في مدينة سبها"، 20 حزيران/يونيو 2021، https://bit.ly/3fFUtMr
[24] صحيفة الوسط الإلكترونية، "مجلس الوزراء يخصص 285 مليون دينار لتنفيذ 4 مشروعات في سبها"، 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، https://bit.ly/3KtMPms
[25] صدى، مجلس الوزراء يعطي الإذن لجهاز تنفيذ مشروعات المواصلات والإسكان والمرافق لتنفيذ عدة مشروعات"، 12 أيلول/سبتمبر 2021، https://bit.ly/3nFAz8M