Home page

انتخابات المجالس المحلية في سوريا ٢٠٢٢: المزيد من تجذّر شبكات النظام

  • الكاتب: زياد عواد
  • التاريخ: الإثنين, 09 كانون الثَّاني 2023

تحميل الملف pdf

ملخّص تنفيذي

أعاد حزب البعث في الانتخابات المحلية ٢٠٢٢، تكرار أدواره المعهودة في الانتخابات المحلية والبرلمانية السابقة، وأهمها صناعة كتلة مرشحين ضخمة من أعضائه بغرض الدعاية، في محاولة لإخفاء تدني المشاركة الشعبية أو غيابها، وتنظيم العملية الانتخابية نفسها، والتحكم المسبق بنتائجها. ومجدداً، أحرز البعث أغلبية كبيرة داخل المجالس المنتخبة، ولا سيما على مستوى رؤسائها وأعضاء مكاتبها التنفيذية، مع بعض الاختلافات من محافظة إلى أخرى أو من مجلس إلى آخر.

هيمن نموذج الموظف الحكومي، ولا سيما البعثي، في المكاتب التنفيذية للمجالس المحلية الجديدة. ومن خلاله تنشأ المزيد من الروابط بين المجالس والمركز الحكومي والسياسي. ومن فئة الموظفين الحكوميين تحديداً، يأتي التكنوقراط كضمانة لقدرة المجالس على تأدية الحد الأدنى من أعمالها في المجالات المختلفة. وعلى العكس من سردية النظام وتعليمات قيادة حزب البعث، التي ركزت على تمثيل النساء والشباب، بقي هذا التمثيل منخفضاً، ما يؤكد الاستخدام الدعائي لتمثيل هاتين الفئتين.

وبينما نفذ حزب البعث استراتيجية النظام للسيطرة على المجالس المحلية، كان لعلاقات المحسوبية الدور الرئيسي في اختيار المرشحين الفائزين. فلكل عضو داخل المكاتب التنفيذية للمجالس مركز قوة أو شخصية كبيرة متنفذة تدخلت لصالحه في عملية الاختيار النهائي. وكان لهذا التدخل تأثير حاسم، يضاف إليه تأثير الرأسمال السياسي لكل عضو، وفي بعض الحالات تأثير الأسرة إن كان لها تاريخ بارز داخل السلطة. وبدا أن لكل محافظة خصوصيات تؤثر في مستوى الشخصيات المتدخلة ونوع الرأسمال السياسي الفعال. فبينما أثر بعض المسؤولين المركزيين في دمشق، ظهرت مراكز قوى محلية أخرى، مثل أجهزة المخابرات وقادة حزب البعث وبعض الشخصيات المحلية المتنفذة، في محافظات ريف دمشق وحمص وحلب واللاذقية.

ومن مناصبهم القيادية داخل المجالس، يطور رؤساؤها وأعضاء مكاتبها التنفيذية علاقات نفعية مع الشخصيات المتنفذة التي تدخلت لصالحهم؛ فمقابل الدعم والحماية التي تقدمها هذه الشخصيات، يخدم أعضاء المجالس مصالحها المادية. ومن ناحية أخرى، تتيح المجالس لأعضائها فرصاً متنوعة لخدمة مصالحهم الشخصية، الاقتصادية بالدرجة الأولى، اعتماداً على تنوع أعمال المجالس وتقاطعها مع مجالات اقتصادية مختلفة، ولا سيما البناء وتجارة العقارات. كما تتيح عضوية المجالس فرص الصعود السياسي، حيث تعدّ هدفاً مرحلياً، قد يساعد على الترقي نحو مناصب أعلى مستقبلاً. وأخيراً تساعد عضوية المجالس على الصعود الاجتماعي، حيث تصنع المكانة بالنسبة للقادمين من الهوامش، أو ترسخها بالنسبة للوجهاء وأصحاب المكانة العائلية المتوارثة.

مقدمة

في ١٨ أيلول ٢٠٢٢، أُجريَت انتخابات مجالس الإدارة المحلية في سورية، لشغل ١٩٫٠٨٦ مقعداً مُوزَّعة على ١٫٤٧٠ وحدةً إدارية على أربعة مستويات (محافظات، مدن، بلدات، بلديات) لكافة أنحاء البلاد.[1] شملت هذه الوحدات المناطق الواقعة خارج نطاق سيطرة النظام العسكرية، وذلك بافتتاح مراكز انتخابية خاصة بها، في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، أو عبر التزكية أي اختيار المرشحين الفائزين من دون اقتراع. وفي تشرين الأول اللاحق، نظمت المجالس الجديدة انتخابات داخلية لاختيار رؤسائها وأعضاء مكاتبها التنفيذية، وهي مناصب تتركز فيها سلطة المجلس على نطاقٍ واسع.

جاءت هذه الانتخابات، وهي الثالثة من نوعها منذ اندلاع الثورة في آذار ٢٠١١، في وقت عجزت فيه الحكومة السورية عن تقديم حل للأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تواجهها البلاد، في حين بدا حليفا النظام متورطين في أزماتهما الخاصة (روسيا في حربها في أوكرانيا، وإيران في مشكلاتها الاقتصادية ثم الاحتجاجات الشعبية التي تواجهها). وللخروج من المأزق الذي وصل إليه، يراهن النظام السوري على عملية التطبيع التي بدأتها بعض الدول العربية مع دمشق، وعلى مساعدات وكالات الأمم المتحدة التي زادت مشاريع التعافي المبكر في المناطق الحكومية. لذلك، وبالرغم من الانهيار البطيء في قدرة المؤسسات الحكومية على تقديم الخدمات، ركزت السردية الرسمية حول الانتخابات المحلية على دور المجالس في التنمية، واستهدفت المانحين الدوليين على نحو خاص.[2] تسببت الظروف الراهنة، وفي مقدمتها التدهور الحاد في الظروف المعيشية اليومية، بتفاقم اللامبالاة الشعبية بالانتخابات المحلية، وهي ظاهرة قديمة لكنها بدت أشد وضوحاً في هذه الانتخابات.[3] كما انعكست حالة الجمود العام في انخفاض مستوى التعبئة مقارنة بالانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية الأخيرة. وبدا أن هذه الانتخابات، بالرسائل السياسية القليلة التي حملتها، ليست حدثاً سياسياً مهماً للنظام، بل استجابة روتينية لاستحقاقات الدستور.[4]

رغم ذلك، تظل دراسة التركيب البشري للمجالس المحلية الجديدة مفيدة في فهم تحولات شبكات النظام على المستوى المحلي في هذه المرحلة المعقدة من الصراع. فبعد اندلاع الثورة، ثم الحرب، كانت الانتخابات فرصة للنظام لإعادة بناء شبكات سلطته وتجديد قواعده الاجتماعية.[5] وكما في الماضي، اُستخدمت المجالس المحلية التي لم تعد تمتلك سلطة صنع القرار منذ بداية عهد حافظ الأسد (١٩٧٠-٢٠٠٠) كأداة إضافية للسيطرة على المناطق والسكان.[6] في محاولة لتعميق الدراسات النادرة حول الانتخابات المحلية،[7] يطرح هذا البحث سؤالاً رئيسياً هو: ما طبيعة العلاقة بين أعضاء المجالس المنتخبة في ٢٠٢٢ والنظام السوري؟ للإجابة على هذا السؤال، تبحث هذه الورقة في مستويين اثنين لهذه العلاقة، يتناول الأول المعايير التي استخدمها حزب البعث لاختيار أعضاء المجالس، فيما يتناول الثاني موقع هؤلاء الأعضاء في شبكات المحسوبية التابعة لمراكز القوى المختلفة في النظام.

ولصعوبة دراسة تركيب جميع المجالس في جميع المحافظات، بسبب عدد أعضائها الكبير، اكتفى الباحث بعينة من ٥ مجالس محافظات و٣ مجالس مدن مراكز محافظات، وذلك في كل من دمشق وريف دمشق وحمص واللاذقية وحلب،[8] وهذه هي المحافظات الأكبر من ناحية عدد السكان والأكثر تنوعاً في مكوناتها السكانية، والأهم من الناحيتين السياسية والاقتصادية بالنسبة للنظام. وداخل هذه العينة، ركز الباحث على قيادات المجالس، المتجسدة برؤسائها وأعضاء مكاتبها التنفيذية، مع المقارنة كلما أمكن مع تركيب هذه المجالس في مستوى العضوية الأدنى داخلها. استندت هذه الدراسة على قاعدة بيانات عن ٨٢ عضو (رؤساء المجالس وأعضاء المكاتب التنفيذية في المحافظات الخمسة)،[9] جمعها الباحث بين أيلول وتشرين الثاني ٢٠٢٢، وذلك خلال مقابلات جرى معظمها عبر الإنترنت مع ٥٠ شخصاً من المحافظات والمدن المدروسة، بعضهم من الأعضاء الحاليين والسابقين في المجالس ومن المرشحين الخاسرين في هذه الانتخابات، إضافة إلى العديد من الموظفين الحكوميين وبينهم بعثيون، وكذلك أقارب وأصدقاء وزملاء عمل لبعض أعضاء المجالس.[10] كما شمل البحث فحص البيانات الرسمية الخاصة بالانتخابات، ومتابعة تغطيات الإعلام الرسمي والموالي لها، وتغطيات المكاتب الإعلامية الخاصة ببعض المحافظات والمدن، وأخيراً صفحات الفيسبوك العامة والشخصية وضمنها الصفحات الخاصة ببعض أعضاء المجالس المنتخبين.[11]

الجزء الأول: تركيب المجالس المحلية يلائم المركز الحاكم

كالمعتاد في كل انتخابات محلية أو برلمانية، اضطلع حزب البعث بدور محوري في انتخابات ٢٠٢٢، سواءً على مستوى العملية الانتخابية أو التركيب البشري للمجالس الجديدة. عكس هذا التركيب استراتيجية السيطرة لدى النظام على المجالس، ولا سيما من نواحي الانتماء السياسي للأعضاء، والقطاعات المهنية التي جاؤوا منها، ونسبة تمثيل النساء والشباب. وعكس التركيب أيضاً مدى قدرة النظام على تجديد سلطته ضمن قواعده الاجتماعية.

١.١ دور حزب البعث: الدعاية وتنظيم السيطرة على المجالس

مجدداً، أكدت الانتخابات أهمية حزب البعث بالنسبة للنظام، فبالاعتماد على الحزب الذي يبلغ عدد أعضائه ١.٢٥ مليون،[12] حاول النظام إخفاء التفاعل المتدني للسكان مع انتخابات ٢٠٢٢، بما في ذلك مؤيديه. ففي مرحلة الترشيح، تقدم آلاف البعثيين بطلبات ترشح لخوض الانتخابات استجابة للتعليمات التي وجهتها القيادة المركزية في الحزب لفروعها في المحافظات، ليصل العدد الكلي لهذه الطلبات إلى ٥٩,٤٩٨ طلباً، بزيادة قدرها ٢٥ ألف طلب عن الانتخابات المحلية ٢٠١٨.[13] بهذه الأرقام المتضخمة، صنع الحزب كتلة المرشحين التي تبرر بداهة حدوث انتخابات، لكن ذلك لم يُخفِ ضعف التعبئة خارج إطار الحزب، كما تثبت قلّة عدد طلبات الترشح التي تقدم بها المستقلون[14] (٤,٨٢٥ طلباً لمختلف أنواع المجالس في جميع المحافظات).[15] وبعد انتهاء مهلة الترشح، نظمت فروع الحزب في المحافظات ما يعرف بعملية الاستئناس، وهي انتخابات داخلية تسلسلية لاختيار المرشحين الأوليين، تنتهي برفع قوائم الفائزين فيها إلى قيادة الحزب التي تنتقي منهم - وأحياناً من خارجهم - مرشحي الحزب النهائيين فيما يعرف بقوائم الوحدة الوطنية التي تضم ايضاً مرشحي الأحزاب التسعة الأخرى المتحالفة مع البعث في الجبهة الوطنية التقدمية. وباستثناء المرشحين ضمن هذه القوائم، ينسحب جميع البعثيين الآخرين الذين تقدموا بطلبات ترشح،[16] لتنخفض بذلك أعداد المرشحين الفعليين الذين يخوضون الانتخابات في يوم التصويت.

في مستوى آخر، كان لحزب البعث دور تنظيمي غير مباشر في العملية الانتخابية، وذلك من خلال المحافظين واللجان القضائية للانتخابات، وهما الطرفان الحكوميان اللذان أدارا رسمياً العملية الانتخابية. فكل محافظ، وبحكم منصبه، عضو في قيادة فرع حزب البعث في المحافظة التي يعمل بها، وهو من يشكل لجان الانتخابات ويعيّن مديري المراكز الانتخابية. وينتمي معظم - إن لم يكن جميع - القضاة المشرفين على الانتخابات لحزب البعث، وتثبت سيرهم الذاتية افتقادهم لأي درجة من الحياد والاستقلالية عن النظام.[17]

وكما كان متوقعاً، فازت جميع قوائم الوحدة الوطنية في جميع المحافظات، باستثناء خروقات هامشية تركزت في انتخابات مجالس المدن الأصغر ومجالس البلديات والبلدات.[18] وبفوز تلك القوائم، شكل البعثيون مع حلفائهم في الجبهة الوطنية التقدمية أغلبية ساحقة في المجالس المنتخبة، تراوحت بين ٧١ و٩٥ بالمئة في مجالس المحافظات، وبين ٧٠ و٨٢ بالمئة في مجالس المدن مراكز المحافظات (الشكل ١ و٢). وفي الانتخابات الداخلية اللاحقة، فاز البعثيون برئاسة جميع المجالس، وشكلوا مع حلفائهم أغلبية في جميع المكاتب التنفيذية (الشكل ٣). وبالعموم، وعلى مستوى جميع المجالس، بلغت نسبة الأغلبية لحزب البعث وحلفائه ٧٠ بالمئة مقابل ٣٠ بالمئة للمستقلين، وهي مساوية تقريباً لنسب التوزيع السياسي في انتخابات ٢٠١٨.

الشكل ١: توزيع المقاعد حسب الانتماء السياسي في مجالس المحافظات الـ ١٤

المصدر: المؤلف، بناء على المقارنة بين قوائم الوحدة الوطنية المنشورة بتاريخ ١٢ أيلول ٢٠٢٢ وقوائم الأعضاء المنتخبين المنشورة بمرسوم رئاسي بتاريخ ٢ تشرين الأول ٢٠٢٢.

 

الشكل ٢: توزيع المقاعد حسب الانتماء السياسي في مجالس المدن ال ١١ (مراكز المحافظات)

المصدر: المؤلف، بناء على المقارنة بين قوائم الوحدة الوطنية المنشورة بتاريخ ١٢ أيلول ٢٠٢٢ وقوائم الأعضاء المنتخبين المنشورة بمرسوم رئاسي بتاريخ ٢ تشرين الأول ٢٠٢٢.

 

الشكل ٣: توزيع المقاعد حسب الانتماء السياسي في المكاتب التنفيذية لمجالس المحافظات والمدن (عينة الدراسة)

المصدر: المؤلف، بناء على نتائج انتخابات المكاتب التنفيذية المنشورة على صفحات الفيسبوك الخاصة بكل مجلس بتاريخ ١٨-١٩ تشرين الأول ٢٠٢٢.

وخارج حزب البعث، الذي أعلن عن آلية تحديد مرشحيه الأوليين عبر الاستئناس، لا تُعرف الآلية التي اعتمدتها قيادات الأحزاب الأخرى في الجبهة الوطنية التقديمة لاختيار مرشحيها ضمن قوائم الوحدة الوطنية. فمعظم هذه الأحزاب لم تعلن رسمياً عن أسماء ممثليها في تلك القوائم، ما يصعب التحليل المقارن لتمثيل أحزاب الجبهة.[19] ولكن تمثل كل حزب منها في بعض المجالس، على مستوى المحافظات والمدن مراكز المحافظات باستثناء حركة الاشتراكيين العرب التي تعاني من صراعات داخلية على الرئاسة تسببت بتجميد عضويتها في الجبهة، كما ضم كل مكتب تنفيذي عضواً واحداً من هذه الأحزاب.[20]

ترك حزب البعث للمستقلين مقاعد أكثر من تلك التي خصصها لأحزاب الجبهة، ولكن مع بعض الفروقات بين ما ناله المستقلون من عضويات عادية من محافظة لأخرى وبين مجلس وآخر. ويمكن تحديد ثلاثة عوامل حددت نسب تمثيل البعثيين والمستقلين. أولاً: موقع المحافظة في خريطة السيطرة العسكرية والأمنية. ففي المحافظات التي تقع أجزاء واسعة منها خارج سيطرة النظام، مثل الرقة ودير الزور وإدلب، ارتفع تمثيل البعثيين إلى أعلى نسبة (الشكل ١)،[21] ما يشير إلى اعتماد النظام على حزب البعث في الحفاظ على هياكل المؤسسات الحكومية في المناطق التي ما تزال في حالة حرب أو شبه حرب، حتى وإن انتقلت إدارات هذه الهياكل إلى مناطق سيطرته وبقيت بلا عمل. ثانياً: تباين الصلاحيات التي يحددها القانون بين أنواع المجالس المختلفة، فكلما ازدادت هذه الصلاحيات ارتفعت نسبة البعثيين، ومن هنا جاءت نسب البعثيين هي الأعلى في مجالس المحافظات لأن صلاحياتها أكبر من صلاحيات مجالس المدن. ثالثاً: تنوع القطاعات الاقتصادية، خصوصاً في المدن المركزية في المحافظات، حيث ارتفعت نسبة المستقلين في مجالس المدن الكبيرة مثل دمشق وحلب. ويأتي هذا الارتفاع، المألوف انتخابياً في هاتين المدينتين، لاستيعاب مجتمعات التجار والصناعيين والحرفيين من المرتبتين الدنيا والمتوسطة. ولكن التصنيف الحزبي لا يعبر عن طبيعة الولاء السياسي، فالمستقلون موالون جميعاً للنظام، وبدرجة تساوي ولاء البعثيين وربما تزيد في بعض الحالات. اذ تولى بعض المستقلين مناصب قيادية في الجمعيات الحرفية التابعة لاتحاد العمال التابع بدوره لحزب البعث، أو في الميليشيات التي قاتلت سابقاً إلى جانب قوات النظام، أو منصب المختار الذي يحتكره عادة عملاء الأجهزة الأمنية في الأحياء.

في بيئة انتخابية موالية بالمطلق للنظام، تؤكد هيمنة حزب البعث دوره الأساسي في تحقيق سيطرة منظمة على المجالس، ومن ناحية أخرى تمكّن هذه الهيمنة قيادة الحزب من توزيع مكافآت العضوية داخل قواعده النشطة، بما يحافظ على ارتباطها المادي والنفسي بالحزب ومن ثم بالنظام. وبينما يعكس تمثيل المستقلين محاولات استيعاب قواعد موالية من خارج الحزب، يثير التمسك بالأحزاب الأخرى في الجبهة الوطنية التقدمية، التي أصبحت ظاهرة سياسية بالية وتحولت إلى إقطاعات عائلية متوارثة، أسئلة عن معنى هذا التمثيل وجدواه السياسية بالنسبة للنظام. إلى حد ما، يرتبط هذا التمثيل بطبيعة تكوين النظام ذاته، المستندة على الأيديولوجيا القومية العربية بنسختها اليسارية، والتي استُخدمت لتبرير كل سياساته الخارجية ومعظم سياساته الداخلية. كما يعني تمثيل أحزاب الجبهة افتقاد النظام للمرونة اللازمة لتغيير الديكور السياسي، والأهم غياب البديل المناسب عن هذه الأحزاب. فالأحزاب العشرة المرخصة بعد العام ٢٠١١ أصغر حجماً (تضم عشرات إلى مئات الأعضاء) من أحزاب الجبهة (مئات إلى آلاف)، وليس لها أيديولوجيا واضحة، كما أن بعضها يعاني من مشكلات داخلية.[22] وقد جاءت مشاركة هذه الأحزاب الحديثة هامشية، رغم إعلان بعضها قوائم بأسماء مرشحين فاز بعضهم بعدد قليل جداً من المقاعد، ومن دون أن يصل أي منهم إلى عضوية أي مكتب تنفيذي.[23]

٢.١ المجالس تحت قيادة الموظفين الحكوميين

إضافة إلى توزيع المقاعد بين أعضاء المجالس الجديدة على أساس الانتماء السياسي، فرضت قيادة حزب البعث عدة معايير أخرى، منها ما يرتبط بالسردية الرسمية المتمحورة حول أهمية دور المجالس المنتخبة في التنمية المحلية. وانعكست هذه السردية، أولاً، باشتراط قيادة الحزب أن يكون أعضاء المكاتب التنفيذية خريجي جامعات، وثانياً، بتشديدها على تمثيل النساء والشباب، خاصة خلال مرحلة الاستئناس، كما فعلت في الانتخابات المحلية والبرلمانية الأخيرة. ونُظمت عدة حملات لتشجيع هاتين الفئتين على المشاركة. لكن يبدو أن سيطرة الحكومية المركزية على المجالس كانت تتقدم كل أولوية أخرى.

يظهر البحث في السير الذاتية لأعضاء المكاتب التنفيذية، الذين يبلغ عددهم ٨٢ عضواً في العينة المدروسة، أن ٧٨ عضواً يحملون شهادات جامعية، و٢ من خريجي الكليات العسكرية التي تعادل شهادتها الشهادة الجامعية حسب القانون. وداخل كل مكتب تنفيذي، هناك على الأقل مهندس واحد، وخريج اقتصاد، وطبيب أو صيدلاني، وخريج حقوق وغالباً ما يكون محامياً. وإلى جانب الشهادة الجامعية، اشترطت قيادة الحزب أن يتمتع أعضاء المكاتب التنفيذية بخبرة إدارية أو حزبية لا تقل عن أربع سنوات. ولا يعني ذلك أن الجميع يتمتع بخبرات عملية في مجال تأهيلهم العلمي، فالعديد من الأعضاء لا يعملون بالأصل في مجال دراستهم الجامعية. ويبدو أن المشترك الرئيسي بين رؤساء المجالس وأعضاء المكاتب التنفيذية هي تبعيتهم للقطاع الحكومي العام، وتبعيتهم للتنظيمات المهنية التابعة بدورها لحزب البعث. فجميع رؤساء المجالس في المحافظات والمدن المركزية، ومعظم نوابهم كذلك، موظفون حكوميون، وبين أعضاء المكاتب التنفيذية المدروسة هناك ٤٢ موظفاً حكومياً على الأقل، نصفهم تقريباً شغلوا في الماضي أو حتى الانتخابات مناصب إدارية مهمة في المؤسسات التابعة للوزارات المختلفة،[24] الحال الذي يمتّن ارتباط قادة المجالس بالمركز الحكومي. وفي مستوى آخر، تنتمي الأغلبية الساحقة من رؤساء المجالس وأعضاء مكاتبها التنفيذية إلى نقابات المهن الحرة والتنظيمات المهنية التي تتبع جميعها لحزب البعث. فجميع المهندسين على سبيل المثال، سواء كانوا موظفين حكوميين أو غير ذلك، هم منتسبون حكماً لنقابة المهندسين؛ وكذلك حال المحامين والأطباء والصيادلة. من خلال هذه القطاعات المهنية التابعة للحكومة أو لحزب البعث، تتحقق تبعية المجالس وانسجامها في الوقت نفسه مع طبيعة الحكم وقوانينه المركزية.

ومن هذه القطاعات أيضاً جاء معظم التكنوقراط، وهو ضرورة في تركيب المجالس. فالتكنوقراط - البعثي غالباً، والذي اكتسب خبرته العملية ضمن القطاع الحكومي -يضمن توافر القدرات البشرية داخل المجالس كي تؤدي الحد الأدنى من وظائفها. ويبدو أن نسبة التكنوقراط في المكاتب التنفيذية تراوحت بين ٥٠ بالمئة (دمشق) و٣٠ بالمئة (ريف دمشق). وأخيراً، ومع الإشارة إلى الأعمال والاستثمارات الخاصة التي تتبع لعدد من الموظفين الحكوميين الأعضاء في المكاتب التنفيذية، ولا سيما تجارة العقارات، يبدو التجار والصناعيين الذين ترشحوا للانتخابات بهذه الصفة أقل داخل المكاتب التنفيذية، وأكثر نسبياً على مستوى المجالس ككل، بخلاف النسبة المرتفعة لرجال الأعمال في مجلس الشعب ٢٠٢٠. وبالإضافة إلى أولوية الموظفين الحكوميين، يعود انخفاض تمثيل هذه الفئة إلى عاملين رئيسيين: أولاً انخفاض جاذبية المجالس بالنسبة لمعظم التجار والصناعيين نتيجة لتدني مرتبة المجالس داخل طبقات السلطة؛ وثانياً شرط التفرغ أو الدوام الكامل في المكاتب التنفيذية، ما يصرف اهتمام رجال الأعمال عن عضوية المكاتب لأنها قد تتسبب بانشغالهم عن أعمالهم الخاصة.

وبخلاف التعليمات التي أصدرتها قيادة حزب البعث لفروعه في المحافظات، كان تمثيل النساء منخفضاً، ومتناقصاً من مرحلة إلى أخرى. وبلغت نسبة النساء بين المرشحين ١٨.٨ بالمئة، ونسبتهن بين الأعضاء الفائزين في المجالس المدروسة ١٤.٣ بالمئة، ونسبتهن بين أعضاء المكاتب التنفيذية ٦ بالمئة. كما غابت النساء تماماً عن المكاتب التنفيذية في ثلاثة مجالس ضمن العينة المدروسة، هي مجالس محافظة حلب ومحافظة اللاذقية ومدينة اللاذقية.[25] ووصلت غالبية النساء إلى المجالس بفضل الكوتا غير الرسمية لهن في قوائم الوحدة الوطنية، وضمت هذه القوائم ٨٣ من أصل ٩٣ امرأة في المجالس المدروسة، فيما كان عدد البعثيات في المكاتب التنفيذية ٤ من أصل ٥ نساء (الشكل ٤). ومع ذلك، يشير الانخفاض التدريجي في نسبة النساء من مرحلة إلى أخرى خلال الانتخابات إلى استخدام المرأة لأغراض الدعاية أثناء الحملة الانتخابية،[26] كما يشير ذلك إلى هامشية الموقع الذي تشغله النساء ضمن شبكات النظام ذكورية الطابع. ويُظهر تتبع السير الذاتية لأغلبية النساء في المكاتب التنفيذية تدخل متنفذين لصالحهن. ومن أمثلة ذلك المهندسة المدنية سمر قريو، عضوة المكتب التنفيذي بمجلس مدينة حلب، وهي زوجة جان مغامز، المدير المتنفذ لمكتب مؤسسة الأمانة السورية للتنمية في حلب. من ناحية أخرى، لا يتناسب تمثيل النساء الضعيف مع تزايد حضور النساء السوريات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، ولا سيما بعد الثورة والحرب والأزمات.[27]

الشكل ٤: عدد النساء في المجالس والمكاتب التنفيذية حسب النتمائ السياسي (عينة الدراسة)

المصدر: المؤلف، بناء على نتائج انتخابات المكاتب التنفيذية المنشورة على صفحات الفيسبوك الخاصة بكل مجلس بتاريخ ١٨-١٩ تشرين الأول ٢٠٢٢.

وفي سياق مقارب، جاءت دعاية تمثيل الشباب على نحو فضفاض وغير واضح. وبالرغم من أن البيانات الرسمية المنشورة عن المرشحين لا تشير إلى أعمارهم، باستثناء المرشحين في محافظة حمص داخل العينة المدروسة، إلا أن البحث الميداني المتعلق بتاريخ التخرج من الجامعة أو الانخراط في أعمال رسمية يكشف تمثيلاً منخفضاً لفئة الشباب - الذين عرّفتهم التصريحات الرسمية بأنهم الأعضاء تحت سن الأربعين عاماً. ففي المكتب التنفيذي لمجلس محافظة حمص، لا يوجد أي عضو تحت سن الأربعين، في حين ضم المكتب التنفيذي لمجلس مدينة حمص عضواً واحداً تحت هذا السن. وفي الحالات القليلة التي تمثلت فيها شريحة الشبان الأصغر سناً، أو تحت سن الثلاثين عاماً، جاء ممثلو هذه الشريحة من مواقع قيادية في المنظمات التابعة لحزب البعث، ولا سيما الاتحاد الوطني لطلبة سورية. من هؤلاء الشاب باسل علي زيدان (تنفيذي محافظة حلب)، وهو خريج كلية الحقوق وعضو قيادة فرع اتحاد الطلبة بجامعة الاتحاد الخاصة، وكذلك ابن عضو سابق بمجلس الشعب؛ ومنهم أيضاً الشابة آلاء محمد سمير الشيخ (تنفيذي محافظة ريف دمشق)، خريجة كلية الصيدلة والرئيسة السابقة لهيئتها الطلابية الإدارية، وكذلك كانت إعلامية في كتائب البعث وعضوة في قيادة شعبة ضمن فرع حزب البعث بجامعة دمشق.

أثبتت الانتخابات أن النظام غير قادر على التجديد في تركيب المجالس المنتخبة، لأنه يفتقد المرونة الكافية ويفتقد الثقة بجدوى التجديد ونتائجه، من الناحيتين الأمنية والسياسة خصوصاً. تسبب ذلك بتضييق خيارات النظام، ما جعل التجديد نسبياً وبالأشخاص فقط وضمن الفئات والشرائح ذاتها في كل انتخابات محلية،[28] واعتماداً على الأدوات والآليات ذاتها أيضاً. وقد ظل الموظف البعثي النموذج المهيمن والمستمر كقاعدة تقليدية لنظام الأسد داخل المجالس المحلية منذ ما قبل عام ٢٠٠٠، وهي القاعدة التي يحاول إعادة بناء سلطاته عليها.

الجزء الثاني: مراكز القوى المؤثرة في الانتخابات: دعم المحاسيب لخدمة المصالح الخاصة

بينما تترسخ سيطرة النظام على المجالس المحلية عبر الموظفين الحكوميين البعثيين الذين يقودون هذه المجالس، تخلق علاقات المحسوبية التي كانت عاملاً حاسماً في اختيار مرشح دون آخر، المزيد من القيود على المجالس الجديدة. إذ استفاد أعضاء المجالس - وخصوصاً رؤسائها وأعضاء مكاتبها التنفيذية - من دعم شخصيات متنفذة أو مراكز قوة داخل شبكات النظام، تختلف إلى حد ما من محافظة إلى أخرى، لكنها انطلقت جميعها في تدخلها بالانتخابات من مصالحها الخاصة، وضمناً مكافأة محاسيبها، الذين يسخّرون بدورهم عضوية المجالس لخدمة مصالحهم: اقتصادياً للتكسب وجمع المزيد من الثروة، وسياسياً لمزيد من التأثير والصعود، واجتماعياً لمزيد من المكانة، ودوماً بما يتعارض مع المصلحة العامة.

١.٢ بين العاصمة والمحافظات الأخرى: شبكات النظام في المجالس الجديدة

ساهمت الأنواع المختلفة لرأس المال السياسي لدى بعض المرشحين في اختيارهم، مثل الأعمال الحكومية والمهمات الحزبية والأنشطة الأمنية والعسكرية، إضافة إلى السيرة الأسرية البارزة في بعض الحالات. لكن ذلك لم يكن كافياً للوصول إلى المجالس من دون الاستناد على دعم مباشر من شخصية كبيرة متنفذة، أو الانتساب لمركز قوة كبير مؤثر. وبدا أن لخصوصيات كل محافظة تأثيرها في تحديد مراكز القوى المتدخلة بالانتخابات، وفي نوع الرأسمال السياسي الفعال. ففي دمشق ظهر تأثير بعض المسؤولين المركزين، وفي ريف دمشق وحمص وحلب واللاذقية ظهر تأثير أجهزة المخابرات وقادة حزب البعث وبعض الشخصيات المحلية المتنفذة، إلى جانب بعض المحافظين (حلب) وبعض ضباط القصر الجمهوري (اللاذقية).

ويمثل مجلس محافظة دمشق حالة خاصة إلى حد ما، بحكم وقوع العاصمة تحت أنظار القصر الجمهوري مباشرة. ففي انتخابات المكتب التنفيذي، ظهر تأثير الشبكة الخاصة بأسماء الأسد، زوجة الرئيس، وبنسبة أقل تأثير بعض الوزراء، في حين انحسر تأثير أجهزة المخابرات. كمثال على التأثير المباشر للوزارات، كانت العلاقة الشخصية بين وزير الإدارة المحلية حسين مخلوف ومدير المجالس المحلية في الوزارة (حتى يوم الانتخابات) المهندس المدني محمد إياد الشمعة، عاملاً مهماً في فوز الأخير برئاسة المجلس، هذا إلى جانب تمتعه بمواصفات التكنوقراط النموذجي، فضلاً عن انتمائه لأسرة دمشقية عريقة. وبخلاف المحافظات الأخرى، كان لبيئة المجتمع المدني الذي تقوده أسماء الأسد، رئيسة مؤسسة الأمانة السورية للتنمية، امتداد نسبي داخل المكتب التنفيذي لمجلس محافظة دمشق. فثلاثة من أعضائه يمكن تصنيفهم كمنتمين لهذه البيئة، اثنان منهم عملوا مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.[29] يتيح القرب من الأمانة فرصة بناء علاقات إضافية في شبكات النظام. إذ تميز المسار الخاص بنائب رئيس المكتب التنفيذي محمد علي المبيض، بتراكم أشكال دعم مختلفة. في الماضي تنقل المبيض بين العديد من المناصب الحكومية، كان أهمها معاون وزير الثقافة (٢٠١٦-٢٠١٩) وطور من هناك علاقته بالأمانة السورية للتنمية، قبل أن ينتقل للعمل كمدير لمشروع الإرث الثقافي في حي ساروجة، الذي اشتركت فيه وزارة الثقافة والأمانة السورية للتنمية وموّله برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (٢٠٢٠-٢٠٢٢). وإلى جانب قربه من الأمانة، تمتع المبيض بدعم كل من عضو القيادة المركزية بحزب البعث عمار ساعاتي، الذي يعد من المقربين شخصياً لبشار الأسد، ومحافظ دمشق طارق كريشاتي، الذي يحسب هو الآخر على أسماء الأسد ويدين لها بصعوده السياسي السريع منذ ٢٠٢٠.[30] وإلى حد ما، كان لمحافظ دمشق دور بارز في تشكيل المكتب التنفيذي، ولا سيما مع سعيه لتأسيس فريق عمله الخاص داخل هذا المكتب الذي خلا من أي من أعضائه السابقين. ومع ذلك، كان عليه أن يتصالح مع المحاصصات الضمنية التي يفرضها حزب البعث تقليدياً في دمشق على أساس الانتماء السياسي أو الطائفي. تسهّل هذه المحاصصات تدخل شخصيات متنفذة أخرى، مثل تدخل الأمين العام لحزب العهد الوطني لصالح شقيقه المهندس عبد العزيز عثمان لشغل المقعد المخصص لأحزاب الجبهة الوطنية، وتدخل رجل الدين المقرب من القصر الجمهوري الأسقف أرسانيوس دحدل لدعم صديقه وقريبه البعيد المدرّس نديم دحدل في شغل المقعد المخصص للمسيحيين.  في حين تعددت مراكز القوى التي استند عليها الضابط المتقاعد عمار غانم الذي عمل مع القوات الروسية بعد التقاعد وحتى الانتخابات، بين رئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء كفاح ملحم ورئيس رابطة المحاربين القدامى اللواء المتقاعد عدنان مخلوف، لشغل المقعد الذي يبدو أنه قد تخصص للعلويين في دمشق منذ انتخابات ٢٠١٨.

وبخلاف دمشق، كان لأجهزة المخابرات تأثيرا كبيرا في انتخابات مجلس محافظة ريف دمشق، التي مرت بتجربة حرب خلقت أنواعاً جديدة من الفاعلين المحليين. اذ شكّل الدعم الذي تلقاه رئيس مجلس المحافظة إبراهيم جمعة من رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، إضافة حاسمة سهلت وصوله إلى هذا المنصب، إلى جانب رأسماله السياسي المتجسد بمنصبه السابق كعضو في قيادة فرع حزب البعث بجامعة دمشق، وإلى حد ما التاريخ البعثي لأسرته التي انحدر منها ضباط بارزون في الجيش والمخابرات والشرطة.[31] أما نائب رئيس المجلس جاسم المحمود فقد جاء من مسار مختلف. فمن منصبه السابق رئيساً لمجلس بلدة عدرا البلد منذ العام ٢٠٠٧، طوّر المحمود المنحدر من المكون العشائر الذي يشكل نصف سكان البلدة، علاقته بالمخابرات الجوية، ليصبح واحداَ من أبرز عملائها ومن ثم واحداً من أهم الفاعلين المحليين في البلدة التي وقعت تحت سيطرة المعارضة بين العامين ٢٠١٣ و٢٠١٤، وظلت قرب جبهات القتال حتى ٢٠١٨.[32] وبخلاف المشاركين في أنشطة أمنية أو عسكرية، لم يحظ وسطاء المصالحات التي مكنت النظام من استكمال سيطرته على آخر معاقل المعارضة في ريف دمشق بأي تمثيل في المجلس، باستثناء عضو واحد هو إبراهيم العاشق، أحد وسطاء المصالحة والتسوية وأمين فرقة حزب البعث في بلدته يلدا جنوب دمشق.[33]

وعلى نحو أوضح، يظهر تأثير أجهزة المخابرات في انتخابات مجالس مدن ريف دمشق، حتى لو أظهرت النتائج مشهداً انتخابياً أكثر تنوعاً من ناحية العلاقة بين مراكز القوى المتدخلة في الانتخابات. فمن بين ٢٥ عضواً في مجلس مدينة داريا، جاء ٧ أعضاء من المحسوبين على المخابرات الجوية، مع عدد من المقرّبين من شخصيات محلية متنفذة في داريا.[34] وفي انتخابات جارتها، مدينة معضمية الشام، ظهر تأثير مشابه للمخابرات الجوية، ولكن من دون توافق كامل مع حزب البعث الذي خسر ثلاثة من مرشحيه لعضوية مجلس المدينة أمام مستقلين محسوبين على الجوية،  قبل أن تلغي المحكمة الإدارية بريف دمشق نتائج الانتخابات في هذه المدينة.[35] وبقيت مدينة صيدنايا، التي يشكل المسيحيون أغلبية سكانها، استثناء وحيداً صنعته شخصياتها المتنفذة والمستقلة عن هيمنة حزب البعث، ولكن بالاعتماد مباشرة على القصر الجمهوري. ففي هذه المدينة، كان لأبنائها المغتربين، ولا سيما الأثرياء الذين يرسلون الأموال لصيانة بعض المنشآت العامة أو لعون الفقراء، دور مؤثر في هزيمة ٧ من مرشحي البعث وفوز مستقلين يتمتعون بقبول شعبي، لكن ذلك لم يكن ليحدث لولا العلاقة الخاصة مع القصر لبعض رجال الدين.[36]

وكلما ابتعدنا عن العاصمة، يزيد تأثير مراكز القوى المحلية، والمستندة بدورها على مراكز قوى أكبر. ففي كل من انتخابات حلب وحمص، تدخلت قيادات الفروع المحلية لحزب البعث وضباط المخابرات إلى جانب المتنفذين المحليين مثل أعضاء مجلس الشعب وأثرياء الحرب الكبار. وفي حلب، يبدو أن عضوة قيادة فرع حلب لحزب البعث رنا اليوسف لعبت دوراً محورياً في تشكيل قوائم الوحدة الوطنية، بالنيابة عن صديقها الشخصي الأمين العام المساعد للحزب هلال هلال الذي ينحدر من محافظة حلب. وتقف اليوسف وراء اختيار صديقها الآخر محمد حجازي رئيساً لمجلس المحافظة، وهو مدير دار الكتب الوطنية والمسرح القومي في حلب والذي لا يمتلك سيرة مهنية أو حزبية لافتة. وتُتهم اليوسف بأنها سمسارة، تلقت رشاوى لدعم فوز بعض المرشحين استناداً على علاقتها بهلال.[37] وبالرغم من التأثير الواضح لهلال هلال، الذي نجح بتحييد عضو القيادة المركزية للحزب شعبان عزوز، المنحدر من حلب أيضاً، إلا أن ذلك لم يغيّب دور مراكز قوى أخرى. مثل الإخوة قاطرجي، أثرياء الحرب الكبار، الذين دعموا المهندس المعماري محمد جميل كنيفاتي (تنفيذي مدينة حلب) الذي أدار بعض مشاريعهم العقارية.  واللواء رياض عباس، قائد الشرطة العسكرية في سوريا الذي خدم سابقاً في حلب، وشقيقه العقيد فادي عباس، الضابط البارز في المخابرات الجوية بحلب، وهما الداعمان الرئيسيان للقائد السابق لفرع المتابعة بقوات الدفاع الوطني إبراهيم مكتبي (تنفيذي مدينة حلب).[38] وكذلك تدخل المحافظ القوي حسين دياب، وهو ضابط شرطة سابق، في اختيار المهندس المدني كميت الشيخ ليصبح نائباً لرئيس المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة.  في تنافس مراكز القوى أو توافقها، يعتمد الجميع على مراكز قوى أكبر، وعلى قراءاتهم الخاصة لتوجهات القصر الجمهوري بشأن منافسيهم: سواءً نحو الاستبعاد، كما يوحي تراجع نفوذ عضو القيادة المركزية شعبان عزوز؛ أو نحو الصعود، كما يوحي الترقي المستمر للأخوين عباس في الجيش والمخابرات؛ أو نحو الثبات، كما يوحي استقرار هلال هلال في منصبه منذ ٩ سنوات، وحسين دياب في منصبه منذ ٦ سنوات.

وكما في حلب، تشابهت إلى حد ما مراكز القوى المتدخلة في تشكيل المكتب التنفيذي لمجلس محافظة حمص، وفي مقدمتها أجهزة المخابرات، ثم فرع حزب البعث، ثم الشخصيات المحلية المتنفذة. فبفضل دعم المخابرات العسكرية، أصبح مدير المالية السابق في حمص فواز الهاشمي رئيساً لمجلس المحافظة. وبفضل دعم المخابرات الجوية، وتحديداً اللواء سالم داغستاني، أصبح صديقه وابن بلدته دير فول المهندس عمار داغستاني، وهو مدير المعهد التقاني للنفط والغاز حتى الانتخابات، عضواً في المكتب التنفيذي على المقعد المخصص لأحزاب الجبهة الوطنية. وبفضل دعم عضو مجلس الشعب المتنفذ فراس السلوم، الذي ضخم ثروة العائلة خلال الحرب، أصبح شقيقه الأصغر فادي عضواً في المكتب ذاته. واختلف مسار المهندس أحمد شحود، الذي احتل المقعد المخصص للشيعة، حيث تقرّب من رجل الدين الشيعي البارز عبد الله نظام ونال دعمه في الانتخابات بعد عمله في الشبكة الخيرية التابعة له، بالإضافة للنفوذ الشخصي لشحود، والذي اكتسبه من انخراطه الموازي في الشبكة الخيرية التابعة لحزب الله ومن الثروة التي راكمها جراء العمل في الشبكتين.

وأخيراً أكدت الانتخابات المحلية في اللاذقية خصوصية هذه المحافظة من ناحية ارتفاع مستوى القوى المتدخلة في الانتخابات. ويبدو أن التأثير الأهم جاء من القصر الجمهوري في دمشق، ولكن ليس من أذرعه الناعمة التي رأيناها في انتخابات دمشق، بل من ضباطه الذين ينحدر الكثير منهم من محافظة اللاذقية. ويبدو أن التأثير الأبرز كان للحارس الشخصي لبشار الأسد حتى ٢٠٢١ العميد ربيع عجيب، الذي أصبح مدير المكتب الخاص في مجلس الوزراء - وهو المكتب الذي يعد عين القصر الجمهوري في هذا المجلس. من هذا الموقع، تدخل عجيب المنحدر من بلدة حرف المسيترة التابعة لمدينة القرداحة - مسقط رأس عائلة الأسد - في تشكيل المكتب التنفيذي في مجلسي محافظة ومدينة اللاذقية. حيث دعم مثلاً المقاول والمهندس المدني ناجي حميدوش ليبقي في المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة، متجاهلاً شهرة حميدوش كأحد أعلام الفساد المزمنين في اللاذقية.[39] وكما في المحافظات الأخرى، لم تكن الانتخابات خاضعة لتأثير طرف واحد. فقد ظهر للمخابرات العسكرية دور مؤثر، وتحديداً رئيس فرعها في اللاذقية العميد طاهر سليمان، وبالنيابة عن رئيس الجهاز كله اللواء كفاح ملحم، حيث دعم الضابطان تيسير حبيب، ليصبح وللمرة الثانية رئيساً لمجلس المحافظة، والذي يتمتع بدوره بعلاقة شخصية ممتازة مع الضابطين. كما دعما عضو المكتب التنفيذي في المجلس نفسه المحامي دريد مرتكوش.[40] على مستوى مجلس مدينة اللاذقية، برز تأثير مراكز قوى إضافية منها الفرقة الرابعة، والتي يحسب عليها رئيس مجلس المدينة المهندس حسين زنجرلي. وكان الأخير مديراً للاستثمار والعمليات في مرفأ اللاذقية، الأمر الذي عزز علاقته بالشبكة الاقتصادية للفرقة التي تدير أعمالاً مختلفة داخل المرفأ.[41] وعلى الشبكة ذاتها يحسب رامز جميل الكشي، تاجر الخضار الثري والمتنفذ الذي موّل بعض الحفلات الداعمة لبشار الأسد في انتخابات الرئاسة عام ٢٠٢١، كما قدم مساعدات مالية لعائلات القتلى في قوات النظام.

لم يكن التدخل لصالح بعض المرشحين مجانياً في جميع الحالات، بل ثمة مقابل: إما رشوة، أو خدمات لاحقة يؤديها العضو لصالح داعميه، ويشمل ذلك أحياناً العمل من داخل المجالس كوكيل لهم. ووفق شهادة موظف حكومي في اللاذقية للباحث، كان "عنوان انتخابات اللاذقية هو الفساد"، وكان فساداً تنافسياً بين المرشحين.  حيث دفع المهندس المدني الثري والمقاول وائل لايقه هدايا ورشاوى بقيمة ١٠ آلاف دولار أمريكي، توزعت بين اللاذقية ودمشق، بهدف الفوز في انتخابات مجلس المحافظة، وهو ما حدث، وانتخابات مكتبه التنفيذي وهو ما لم يحدث، لأن لايقه، لم يكن سخياً بما يكفي لينال مقعداً في هذا المكتب وفق الشهادة ذاتها، رغم الدعم الذي تلقاه من صديقه الشخصي رئيس فرع أمن الدولة، ومن خاله صف الضابط المتنفذ ثابت لايقه الذي يعمل في مكتب وزير الداخلية.

٢.٢ الانتفاع بعضوية المجالس

تتيح المجالس المحلية لأعضائها، على مستوى قيادتها خاصة، خدمة مصالحهم الشخصية ومصالح مراكز القوى والشخصيات التي أوصلتهم إلى المجالس، في تبادل منافع مستمر بين الطرفين. كما تتيح عضوية المجالس فرصة تطوير علاقات مع قوى أخرى، ما يعزز موقع الشخص داخل شبكات النظام، ويزيد عدد رعاته وداعميه، ومن ثم يزيد فرص صعوده السياسي وصعوده الاجتماعي أيضاً.

الشراكة أو الحماية مقابل الخدمة

يعبر تدخل مراكز القوى والشخصيات الكبيرة المتنفذة لصالح محاسيبها المرشّحين عن تطور العلاقة بين الطرفين وارتفاع مستواها، حيث يحتاج العضو المنتخب رعاية مستمرة من داعميه من ناحية الحماية على وجه الخصوص، يأتي ذلك مقابل تقديم الخدمات، وخصوصاً المادية، من داخل المجالس. فمقابل رعاية اللواء مملوك لرئيس مجلس محافظة ريف دمشق إبراهيم جمعة، سيخدم جمعة على الأرجح، أعمال نزهت مملوك، ابن اللواء الذي يملك شركات تعمل حصراً في المشاريع التي تمولها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، والتي تعد محافظة ريف دمشق ساحة عمل رئيسية لها. وغالباً ما يعود نشوء العلاقة بين القائد الأمني المركزي والمسؤول المحلي في إحدى المحافظات إلى تاريخ سابق، وتحديداً أثناء مرور هذا القائد خلال مسيرته المهنية بتلك المحافظة. فبعد تعيين كفاح ملحم، المنحدر من طرطوس رئيساً لفرع المخابرات العسكرية في اللاذقية في العام ٢٠١٢، استطاع المهندس المدني تيسير حبيب، الذي يعمل مقاولاً عقارياً إلى جانب وظيفته الحكومية الأصلية في مؤسسة المياه، خلق شراكة عمل ومحاصصة مع ملحم، استمرت بعد انتقال ملحم من اللاذقية في ٢٠١٥ ثم ترؤسه شعبة المخابرات العسكرية في ٢٠١٩. ومع اقتراب ملحم من التقاعد، ازداد اهتمامه بجمع المال وبأعماله الاستثمارية الخاصة المتوزعة على عدة محافظات، الحال الذي زاد من أهمية حبيب بالنسبة له، ليبقى وللمرة الثانية على التوالي رئيساً لمجلس محافظة اللاذقية، وهو عضو مزمن فيه منذ ٢٠٠٧.

وبما أن   لمجالس المدن المركزية، بحكم اختصاصاتها، دوراً كبيراً في الاقتصاد العمراني في هذه المدن، وأن العقارات رغم اضطراب أسواقها ما تزال مجال استثمار آمن في بلد تعطل اقتصاده الإنتاجي، تزداد أهمية الخدمات التي يقدمها بعض الأعضاء في إدارات هذه المجالس بالنسبة لمراكز القوى والشخصيات المتنفذة المهتمة بهذه الأسواق. فمن المرجح مثلاً أن يكون للمهندسة المعمارية ملك حمشو (تنفيذي محافظة دمشق) دور في خدمة مشاريع التطوير العقاري في بعض الأحياء الطرفية بمدينة دمشق، وذلك امتداداً لعملها السابق في هذه المشاريع التي ترمي إلى إعادة الهندسة الديمغرافية لتلك الأحياء، وتحقيق موارد مالية للقصر الجمهوري. الجدير بالذكر أن حمشو قد عملت في السابق في مكتب المتابعة بين القصر وأمانة محافظة دمشق. ومن المرجح أيضاً أن يقدم المهندس المعماري محمد جميل كنيفاتي (تنفيذي مدينة حلب) خدمات متعددة لداعميه الإخوة قاطرجي، والذين وظفوا جزءاً من رأسمالهم في شراء الأراضي المخصصة للبناء، سواءً الواقعة داخل المخطط التنظيمي للمدينة أو التي قد تدخل في هذا المخطط ضمن توسعاته وتعديلاته المستقبلية.

إن الامتيازات الصغيرة التي يمنحها القانون لرؤساء المجالس وأعضاء مكاتبها التنفيذية، مثل سيارة الخدمة والراتب الشهري الذي لا يزيد على ٤٠ دولار، لا تعد امتيازات مغرية، قد تشكل دافعاً مادياً لديهم، إنما تشكل ذلك أوجه الانتفاع المادي غير القانونية المتنوعة، والتي يمكن لمناصبهم أن تحققها، مثل الرشوة بشكلها الشائع مقابل تسهيل استثناء أو ترخيص ضمن ما تشرف عليه المجالس من قطاعات اقتصادية متنوعة، أو الشراكات الضمنية المتنوعة مع بعض المقاولين وتجار العقارات. وحتى وإن استغنى بعض الأعضاء عن الرشوة وعن الشراكة مع الآخرين، تقدم عضوية المجالس أوجهاً متنوعة لتطوير الأعمال الخاصة، وعلى الأقل حمايتها من غرامات وعقوبات موظفي المجالس ذاتها، سواء كانت هذه الأعمال في قطاع البناء أو السياحة أو التجارة أو النقل أو الحِرَف. كما تتيح عضوية المجالس فرصاً لبناء العلاقات مع مديري معظم المؤسسات الحكومية، إضافة إلى بعض الأجهزة الأمنية، والتي تعين مندوبين لها من رتبة صف ضابط، شبه مداومين في المجالس، لمراقبة أعمالها بشكل مستمر.

ومن شواهد الفساد والانتفاع الشخصي المتجذرة في بيئة المجالس المحلية تعدد مهن أعضاء المجالس، وخصوصاً مديريها، بين مهنة علنية وغالباً ما تكون حكومية، وأخرى غير معلنة وغالباً ما تكون في تجارة العقارات. ويقدم المهندس عمار داغستاني مثالاً واضحاً عن تسخير المنصب للانتفاع المادي الخاص. فإلى جانب وظيفته الحكومية الأصلية في وزارة النفط، يعمل داغستاني في تجارة الأراضي والعقارات، وفي مسيرته كتاجر حدثت القفزة الكبرى أثناء ترؤسه السابق لمجلس بلدته دير فول (٢٠٠٧-٢٠١١) في ريف حمص. وقد استغل داغستاني هذا المنصب في شراء أراضٍ زراعية بأثمان بخسة، وخصوصاً المتنازع عليها بين الملاك، ثم تحضيرها قانونياً للبيع بالاستفادة من علاقاته بالمؤسسات الحكومية ذات الصلة، قبل بيعها بأسعار مرتفعة. وتحول مجلس البلدة حينذاك، وفق شهادة أحد أبنائها، إلى "مكتب عقاري خاص بداغستاني وليس مكتب لخدمة البلدة".

الصعود السياسي والاجتماعي

في مسار الطامحين السياسيين، تبدو عضوية المجالس محطة مألوفة في طريق صعودهم. توفر هذه العضوية فرص الصعود السياسي نحو مناصب أعلى، فقد انتقل عدد من أعضاء المجالس في ٢٠١٨ إلى مكاتبها التنفيذية في ٢٠٢٢ (٤ في تنفيذي محافظة دمشق و٣ في تنفيذي مدينة حلب)، وترقى بعض رؤساء مجالس الوحدات الإدارية الأصغر إلى المكتب التنفيذي في مجلس المحافظة (٤ في ريف دمشق)، وكذلك احتفظ بعض رؤساء المجالس وأعضاء مكاتبها التنفيذية بمناصبهم (٤ في تنفيذي محافظة اللاذقية). ويبدو أن العديد من المحافظين بدأوا حياتهم السياسية في المجالس المحلية، مثل المحافظَين الحالي والسابق لدمشق (طارق كريشاتي وعادل علبي) وقبل ذلك سلفهما (بشر الصبان)، وكذلك محافظ ريف دمشق صفوان أبو سعدى، وإن اختلفت مسارات كل محافظ ومراكز القوة التي كانت وراء ترقيته. فمثلاً، يدين الصبان في صعوده لرجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، ومع تراجع نفوذ مخلوف، عُزل الصبان عن منصب المحافظ في ٢٠١٨ بعد ١٢ عاماً في هذا المنصب. من جهة أخرى، سبق أن فاز العديد من أعضاء مجلس الشعب لدورة ٢٠٢٠ بانتخابات المجالس المحلية في ٢٠١٨، وبالعكس شكلت عضوية المجالس المحلية ٢٠٢٢، بديلاً لبعض المرشحين الخاسرين في دورة ٢٠٢٠، مثل رئيس مجلس محافظة حمص فواز الهاشمي (ترشح للاستئناس الحزبي الخاص بانتخابات مجلس الشعب).

في بعض الحالات، تبدو المجالس المحلية محطة أولية في عمليات التوريث، من أحد الأبوين السياسيين أو من الشقيق الأكبر للأفراد الأصغر سناً في العائلة.  ويظهر بين أعضاء المجالس الجديدة العديد من أبناء أو أشقاء أعضاء مجلس الشعب الحاليين أو السابقين بمختلف انتماءاتهم السياسية، مثل الشابين مجد محمد حلاق (تنفيذي محافظة دمشق) وباسل علي زيدان (تنفيذي محافظة حلب) وكلاهما ابن عضو مجلس شعب سابق. وبالنسبة لقادة أحزب الجبهة، يبدو أن عضوية أقاربهم في المجالس هي تمهيد لتوريثهم قيادة الأحزاب ذاتها أو فروعها في المحافظات، فالشابة كلثوم حسن (عضوة محافظة حلب) هي ابنة عضوة مجلس الشعب ثناء فخر الدين، والتي تترأس فرع حزب الاتحاد الاشتراكي بحلب. وفي حالات أخرى، تبدو عضوية المجالس هدفاً نهائياً لبعض الأعضاء، إما بحكم التقدم بالسن الذي يخفض من الطموحات السياسية ويركز الاهتمام على الثروة فقط بوصفها ضمانة التقاعد المريح، أو بحكم الطبيعة الشخصية لبعض الأعضاء القليلي الطموح والقانعين بالمصلحة الاقتصادية فحسب. وهذا ما يفسر العضوية المزمنة لبعض أصحاب المطاعم وصناع المأكولات والصناعيين الصغار والحرفيين، ولا سيما في دمشق، مثل أعضاء مجلس المحافظة المزمنين الصناعي محمد شمس الدين دخان (منذ ٢٠١١) وصانع المرطبات أيمن عبد الواحد (منذ ٢٠٠٧) وصانع الحلويات ماهر نفيسة (عضو في ٢٠٠٧ و٢٠١١ و٢٠٢٢).

أخيراً، قد تعزز عضوية المجالس المحلية المكانة الاجتماعية. فبالنسبة للأعضاء الصاعدين من القاع الاجتماعي، يُعد الفوز بالانتخابات لحظة انتقال من طبقة إلى طبقة في مجتمع يهاب أو يحترم السلطة التي تتسم أساساً بالبيرقراطية. من ناحية أخرى، يُعد الفوز بالانتخابات اعترافاً رسمياً بارتفاع المكانة الاجتماعية، وهو الاعتراف الذي يبحث عنه بعض أثرياء الحرب وقادة الميليشيات القادمين من الهوامش. من أمثلة هؤلاء وليد عمر البوشي (عضو مجلس محافظة حلب) وهو قيادي سابق بميليشيا قوات النمر، ينحدر من مدينة الواحة الفقيرة التي تسكنها أكثرية مختلطة من العاملين في مؤسسة معامل الدفاع، وكان مسجوناً بتهمة التزوير. ومنهم أيضاً العضو في المجلس ذاته عبد الحميد مشنوق، المنحدر من حي باب النيرب، والذي تحول من تسهيل ألعاب القمار قبل الثورة إلى تجارة المخدرات بعدها. وبخلاف مشنوق، يبدو أن البوشي يتطلع نحو منصب أعلى، كما يظهر من تعدد نشاطاته العامة مثل ترؤسه لجمعية خيرية، إلا أن كليهما استفاد من عضوية المجلس في ترسيخ مكانته على مستوى مجتمعه الصغير على الأقل.

ومثلما كانت المجالس محطة في عملية التوريث السياسي داخل بعض الأسر، تبدو محطة أيضاً في عملية توريث الزعامة الاجتماعية. مثلاً، يتحضر إياد النادر (تنفيذي ريف دمشق) لوراثة أبيه العضو في مجلس الشعب في زعامة فرع صغير من قبيلة النعيم. كما يتطلع ابن عضو مجلس الشعب السابق محمد شعبان بن أحمد بري (تنفيذي مدينة حلب)، لوراثة عمه حسن، وهو عضو بمجلس الشعب، في زعامة عائلة بري ومن ثم عشيرة جيس في مدينة حلب. ويعكس تولي محمد شعبان بري قطاع لجان الأحياء ضمن أعماله في المكتب التنفيذي لمجلس المدينة طموحه الاجتماعي الخاص، حيث يساهم إشرافه على هذه اللجان التي تضم المختار وأبرز الفاعلين في كل حي، في تعزيز مكانته الشخصية ومكانة عائلته على مستوى المدينة. وبعكس هؤلاء الزعماء الوراثيين، صنع بعض الأعضاء زعامتهم الاجتماعية من داخل هذه المجالس. فإلى جانب الثروة والنفوذ الذي اكتسبه تيسير حبيب من موقعه في رئاسة مجلس محافظة اللاذقية منذ ٢٠١٨، اكتسب أيضاً مكانة اجتماعية بارزة بفضل الخدمات الفردية الكثيرة التي قدمها لأصدقائه ومعارفه، ولا سيما لأبناء قريته زغرين والقرى المجاورة لها شمال اللاذقية، مثل تسهيل التوظيف وتقديم الرخص والاستثناءات ضمن ملاك المحافظة والمؤسسات الحكومية الأخرى. وإلى حد ما، يعكس لقب الشيخ غير المألوف بالنسبة لموظف حكومي، الذي يُخاطب به حبيب من موظفي المجلس، وكذلك من زواره ومراجعيه، اعترافاً شعبياً بمكانته الاجتماعية.

يأتي كل انتفاع خاص في عمل المجالس المحلية على حساب المصلحة العامة، والتي يمثل تركيبها الداخلي القائم على علاقات المحسوبية تحدياً آخر، يضاف إلى التحديات الأخرى التي تعاني منها المجالس وفي مقدمتها شح الموارد وضخامة المسؤوليات.

خاتمة

كما في الانتخابات السابقة، كرّر حزب البعث دوره المهيمن في قيادة العملية الانتخابية وفي تكوين المجالس الجديدة. وبخلاف سردية النظام وتعليمات قيادة البعث عن ضرورة تمثيل النساء والشباب، جاء هذا التمثيل منخفضاً في النهاية. وأكّد توزيع المقاعد الواضح حسب الانتماء السياسي والفئة المهنية ثبات خيارات النظام، سواء كانت هذه الخيارات متعمدة لمنح حزب البعث دوراً متزايداً في ترسيخ السيطرة المحلية، أو كانت خيارات اضطرارية، فرضتها محدودية قدرة النظام على التعبئة خارج البعث، وحتى ضمن قواعده الاجتماعية.

كانت الانتخابات المحلية ٢٠٢٢ مناسبة لتجديد سيطرة مركز السلطة على المجالس. فبعكس التوجه المفترض نحو اللامركزية الإدارية، أعاد البعث تقييد المجالس بمزيد من الروابط مع المركز السياسي والحكومي عبر الموظفين الحكوميين البعثيين، الذين يشكلون أغلبية بين أعضاء المجالس ولا سيما رؤسائها وأعضاء مكاتبها التنفيذية. في هذا التركيب ثمة طبقتا سيطرة للنظام على المجالس، ترتكز الأولى على العلاقة العضوية التي تربط أعضاء المجالس بمركز السلطة وبالوصف الاعتباري للطرفين، وترتكز الثانية على العلاقات الشخصية التي تربط هؤلاء الأعضاء بمراكز القوى والشخصيات الكبيرة المتنفذة داخل النظام.

وبرزت علاقات المحسوبية كعامل حاسم في اختيار المرشحين الفائزين، وإن ساهم الرأسمال السياسي والتاريخ الأسري في هذا الاختيار. كما بدا أن لخصوصيات كل محافظة تأثيرها في مستوى ونوع مراكز القوى المتدخلة بالانتخابات. لكن باستثناء الوضع الخاص بدمشق، كان تدخل قادة أجهزة المخابرات وقادة حزب البعث ملحوظاً في تشكيل المكاتب التنفيذية، بالإضافة إلى المحافظين المعيَّنين من القصر الجمهوري. ودوماً يأتي تدخل مراكز القوى والمتنفذين الكبار انطلاقاً من مصالح خاصة، اقتصادية تحديداً، ومتبادلة مع محاسيبهم المحليين، في حلقة متكررة ومتصاعدة من الفساد الذي يجلب المزيد من المنتفعين وأصحاب المصالح الخاصة إلى المجالس. كما تمثل عضوية المجالس فرصاً للترقي إلى منصب سياسي أعلى أو لبناء المكانة الاجتماعية.

مقارنة بالانتخابات السابقة منذ اندلاع الثورة في ٢٠١١، وخصوصاً مع انتخابات مجلس الشعب (٢٠١٦ و٢٠٢٠) والانتخابات المحلية في ٢٠١٨، لم تكشف انتخابات ٢٠٢٢ عن تحولات إضافية ذات أهمية داخل شبكات النظام. وبدلاً من نشوء كتل من عدة محافظات محسوبة على مركز واحد من مراكز القوى الكبيرة، ظهرت تأثيرات غير منتظمة، واعتباطية في العديد من الحالات. كما لم تظهر أنواع جديدة من المتنفذين المؤثرين، ولم تتغير الديناميات الأساسية لتشكل المجالس، وإن تراجع إلى حد ما تأثير الرأسمال السياسي الشخصي مقارنة بتأثير علاقات المحسوبية. ولا يبدو أن هذه الانتخابات وُظِّفت لخدمة المصالح السياسية والاجتماعية للنظام، فلم يتم استقطاب فاعلين محليين جدد ولا إطلاق وعود خاصة - باستثناء حديث فضفاض ودعائي عن التنمية - ولا توجيه رسائل مصالحة أو تسوية لمعارضيه. وفي مرحلة اللاحرب واللاسلام التي يبدو أنها ستطول مزيداً من السنوات، وفي سياق تدهور اقتصادي واجتماعي مستمر، أكدت هذه الانتخابات ثبات رؤية النظام حول الإدارة المحلية، وحول مجالسها كمؤسسات حكومية يصنعها هو ولا يصنعها الناخبون، وأكدت طبيعته الثابتة والعصية على التغيير رغم ضعفه المتزايد. وما يزال النظام قادراً على إدارة هذا الضعف لكن على حساب السكان، وكأن صراعاً لم يتفجر في هذه البلاد، وكأنه لا يراها آخذة بالتفسخ.

 

 * زياد عواد باحث سوري يعمل في مشروع المسارات السورية الذي يشرف عليه مركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة في معهد الجامعة الأوروبية. تركز أبحاثه على الديناميات السياسية والأمنية والاجتماعية في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا. شاركت أغنيس فافييه، مديرة المبادرة السورية في معهد الجامعة الأوروبية والمستشارة العلمية لمشروع المسارات السورية، في صياغة هذا البحث.

 

[1] إدارياً تتكون الجمهورية العربية السورية من ١٤ محافظة، ١١ منها لها مدينة مركز. ويحدد عدد أعضاء المجالس حسب المستوى التمثيلي لها وحسب عدد سكان الوحدات الإدارية المسجلين في مديريات الأحوال المدنية، وفق ما يلي: ممثل لكل ١٠ آلاف مواطن في مجلس المحافظة وبما لا يقل عن ٥٠ عضواً في هذا المجلس ولا يزيد على ١٠٠؛ ممثل لكل ٤ آلاف مواطن في مجالس المدن، بما يلا يقل عن ٢٥ عضواً ولا يزيد على ٥٠؛ ممثل لكل ٢,٠٠٠ مواطن في مجالس البلدات بما لا يقل عن ١٠ أعضاء ولا يزيد على ٢٥؛ و١٠ أعضاء في مجالس البلديات.

[2] تزامن تنظيم الانتخابات مع عدة زيارات رسمية رفيعة المستوى قام بها مديرو وكالات الأمم المتحدة إلى دمشق. في ١٩ أيلول، التقى وزير الإدارة المحلية حسين مخلوف رئيس برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وشدد على ضرورة تنفيذ مشاريع تساعد على تنمية قدرات المجالس المحلية، انظر: سانا، "مخلوف لمدير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية: ضرورة تنفيذ مشاريع تعزز خدمات الإدارة المحلية"، ١٩ أيلول ٢٠٢٢، https://bit.ly/3Wr98yi. وفي الأسبوع نفسه، التقى رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، وزير الداخلية اللواء محمد رحمون، لبحث عودة اللاجئين. في هذا السياق، من المهم التذكير أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يشجعان تنفيذ مشاريع التعافي المبكر على أساس "مقاربة مناطقية"، أنظر: مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، "إطار عمل الأمم المتحدة الاستراتيجي للجمهورية العربية السورية ٢٠٢٢-٢٠٢٤"، مارس ٢٠٢٢، https://bit.ly/3vKDRuU

[3] أغنيس فافييه وماري كوسترز، "الانتخابات المحلية: هل تتجه سوريا نحو إعادة إحكام السيطرة المركزية"، تقرير مشروع بحثي (فلورنسا، إيطاليا: "مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا")، معهد الجامعة الأوربية، شباط ٢٠١٩، https://bit.ly/3hdy65d

[4] غابت خطابات "الانتصار السياسي بعد الانتصار العسكري" كما في انتخابات ٢٠١٨، واتسمت هذه الانتخابات بتغطية إعلامية ضعيفة، وبدا أنه لا يوجد أي إكراه على المشاركة في التصويت.

[5] زياد عواد وأغنيس فافييه، "الانتخابات في زمن الحرب: مجلس الشعب السوري (٢٠١٦-٢٠٢٠)"، تقرير مشروع بحثي (فلورنسا، إيطاليا: "مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا")، معهد الجامعة الأوربية، نيسان ٢٠٢٠، https://bit.ly/3PExker . زياد عواد وأغنيس فافييه، "انتخابات مجلس الشعب السوري ٢٠٢٠: نحو انكماش القاعدة الاجتماعية للنظام"، مشروع تحديات الانتقال في سوريا، مركز جنيف للسياسات الأمنية ومعهد الجامعة الأوروبية - مسارات الشرق الأوسط، تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3G2MtCY

[6] أخضع نظام الأسد المجالس المحلية كلياً لسلطته، وجعل انتخاباتها شأناً محتكراً لحزب البعث. فابريس بالانش، "البلديات في سوريا البعث: لامركزية إدارية وسيطرة سياسية" (بالفرنسية)، روفو تيير موند،٢٠٠٨، ١٩٣ (١): ١٦٩ – ١٨٧، https://bit.ly/2RMfgV5

[7] فافييه وكوسترز، مرجع سابق؛ أيمن الدسوقي، "إدارة النظام للمحليات.. بماذا تخبرنا نتائج انتخابات الإدارة المحلية؟"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تشرين الثاني ٢١٨، https://bit.ly/2R04EgZ؛ مريم يوسف وريم تركماني ومازن غريبة، "تقدم في الاتجاه الخاطئ: انتخابات مجالس الإدارية في سوريا ٢٠١٨"، برنامج بحوث الصراع، كلية لندن للاقتصاد، شباط ٢٠١٩، https://bit.ly/3k0MHSL

[8] تتمتع محافظة دمشق ومحافظة ريف دمشق بوضع إداري خاص، حيث تضم محافظة دمشق وحدة إدارية واحدة هي مدينة دمشق، ويؤدي مجلس المحافظة فيها دور مجلس المدينة إضافة إلى دور مجلس المحافظة، في حين تفتقد محافظة ريف دمشق لمركز إداري أو مدينة مركز، بينما يوجد لكل من حلب وحمص واللاذقية مجلس محافظة (١٠٠ عضو) ومجلس مدينة (٥٠ عضواً).

[9] ضمن العينة المدروسة، يبلغ عدد الأعضاء في المكتب التنفيذي لكل مجلس محافظة ١٠ أعضاء، ولكل مجلس مدينة ٨ أعضاء. وتجدر الإشارة إلى الوضع القانوني الخاص بمجالس المحافظات من ناحية الرئاسة، ففي كل مجلس رئيس منتخب، ورئيس آخر لمكتبه التنفيذي هو المحافظ - الذي يعيَّن بقرار خاص يصدره رئيس الجمهورية في سياق منفصل عن الانتخابات، في حين يتولى منصب النائب لكلا الرئيسين شخص واحد منتخب.

[10] هذه المقابلات مصدر المعلومات التفصيلية في الأمثلة المستخدمة في هذا البحث، ما لم تُشِر الهوامش إلى مصادر أخرى.

[11] تجدر الإشارة إلى أن هذا البحث واجه عدداً من التحديات المنهجية، مثل: غياب الشفافية في العملية الانتخابية وندرة البيانات الرسمية (مثلاً لا توجد أرقام واضحة حول عدد المرشحين وتوزيعهم حسب الوحدات الإدارية، ولا أرقام رسمية حول المشاركة، ولا بيانات مركزية على موقع وزارة الشؤون المحلية)، إضافة إلى بعض الأخطاء والتناقضات في البيانات الرسمية القليلة، وأخيراً صعوبة الوصول إلى معلومات دقيقة عن بعض الأعضاء غير المعروفين.

[12] وفق تقدير ياسر الشوفي، عضو القيادة المركزية لحزب البعث ورئيس مكتبي التنظيم والتربية. انظر: تلفزيون البعث، "مراجعة لنتائج انتخابات الإدارة المحلية مع قيادة الحزب"، يوتيوب، ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٢، https://bit.ly/3BJ4dAL

[13] سانا، "اللجنة القضائية العليا للانتخابات لـ سانا: عدد المقبولين لانتخابات الإدارة المحلية ٥٩,٤٩٨ مرشحاً"، ٢١ آب ٢٠٢٢، https://bit.ly/3V8G79G؛ سانا "اللجنة القضائية العليا للانتخابات توافق على ٥٧,٣٥٤ طلب ترشيح وترفض ١٠,٨٢٤ طلباً"، ١٦ آب ٢٠٢٢، https://bit.ly/3YBqZ7p

[14] المقصود بالمستقل المرشح غير المنتمي لحزب البعث أو الأحزاب الأخرى في الجبهة الوطنية التقدمية.

[15] تلفزيون البعث، "مراجعة لنتائج انتخابات الإدارة المحلية"، المصدر السابق. وتظهر البيانات الخاصة بمحافظتي حمص وطرطوس أن ٩٠ بالمئة من طلبات الترشح قدمها بعثيون. المكتب الصحفي لمحافظة حمص، فيسبوك، ١٥ آب ٢٠٢٢، https://bit.ly/3iWRhAI؛ المكتب الصحفي لمحافظة طرطوس، فيسبوك، ٢٢ آب ٢٠٢٢، https://bit.ly/3XYOCXo

[16] تنفيذاً لأنظمة الحزب الداخلية التي تمنع البعثيين من خوض الانتخابات منفردين خارج قوائم الوحدة الوطنية.

[17] تظهر ثلاث تصنيفات رئيسية لرؤساء اللجان القضائية. أولاً: قادة سابقون بحزب البعث، مثل رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات جهاد مراد، وهو أمين فرع حماة لحزب البعث بين العامين ٢٠١١ و٢٠١٣، ومثل رئيسة اللجنة القضائية الفرعية للانتخابات في حلب أمل شوشة، وهي عضو سابق بقيادة فرع حلب لحزب البعث وابنة ضابط سابق في الأمن السياسي. ثانياً: رؤساء سابقون لمحاكم الإرهاب، التي تشكلت لإسباغ القمع السياسي للثوار شرعية قانونية، مثل رئيس اللجنة القضائية الفرعية للانتخابات في دمشق ميمون عز الدين، الذي ترأس في السابق محكمة الإرهاب وعمل قبل ذلك مستشاراً في محكمة أمن الدولة العليا. ثالثاً: عملاء سابقون لأجهزة المخابرات في الوسط القضائي، مثل ياسر غازي، رئيس اللجنة القضائية الفرعية للانتخابات في ريف دمشق، وهو معروف بين محامي ريف دمشق بأنه مخبر قديم للمخابرات العسكرية. المصدر: العمل الميداني.

[18] كان أبرز هذه الخروقات في مدينة صيدنايا بريف دمشق، حيث خسر ٧ من أصل ١٨ مرشحاً في قائمة الوحدة الوطنية لعضوية مجلس هذه المدينة.

[19] بسبب غياب البيانات الرسمية التي تحدد الانتماء السياسي الدقيق لممثلي هذه الأحزاب. ولا يمكن الاكتفاء بالعينة التي ركز عليها البحث لإجراء هذه المقارنة.

[20] باستثناء المكتب التنفيذي لمجلس محافظة إدلب الذي ضم عضوين، والمكتب التنفيذي لمجلس محافظة القنيطرة الذي غابت عنه هذه الأحزاب. ضمن العينة المدروسة، كان تمثيل الأحزاب الأخرى في الجبهة الوطنية التقدمية على مستوى المكاتب التنفيذية لمجالس المحافظات كما يلي: مقعد لحزب العهد الوطني في دمشق، ومقعد للحزب السوري القومي الاجتماعي في ريف دمشق، ومقعد للحزب الشيوعي السوري في حمص، ومقعد لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في حلب وللحزب ذاته في اللاذقية. واختلف التمثيل على مستوى المكاتب التنفيذية لمجالس المدن مراكز المحافظات كما يلي: مقعد لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في حمص، ومقعد لحزب الوحدويين الاشتراكيين في حلب، ومقعد للحزب الشيوعي السوري في اللاذقية.

[21] تشكل محافظة اللاذقية حالة مغايرة يصعب تفسيرها من ناحية استقرار السيطرة العسكرية والأمنية فيها، وارتفاع أغلبية البعث في مجلسيها مقارنة بباقي المحافظات المستقرة عسكرياً وأمنياً.

[22] مثلاً، تلاشى حزب سوريا الوطن تقريباً بعد وفاة مؤسسته مجد نيازي في العام ٢٠١٩. ولوحق مؤسس حزب الشباب الوطني، ماهر مرهج، بقضايا نصب وتزوير.

[23] قدم حزب الشعب وحزب الشباب الوطني وحزب التحديث والتطوير عشرات المرشحين لانتخابات مختلف أنواع المجالس في عدة محافظات، ولم ينجح معظمهم، فمن بين ١٨ مرشحاً مثلاً من حزب الشباب الوطني في عدة محافظات، فاز مرشح واحد بعضوية مجلس محافظة حماة.

[24] مثل رئيس مجلس محافظة دمشق محمد إياد الشمعة، الذي كان مديراً لقسم المجالس المحلية والتنمية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة. وكذلك نائب رئيس مجلس محافظة اللاذقية فراس السوسي، الذي كان مديراً لمديرية النقل في اللاذقية حتى انتخابه أول مرة في ٢٠١٨ نائباً لرئيس المجلس.

[25] تظهر المقارنة الجندرية بين انتخابات ٢٠٢٢ وانتخابات ٢٠٠٧ انخفاضاً في تمثيل النساء على مستوى المكاتب التنفيذية ورئاساتها، فمقابل ٦ نساء في ٢٠٢٢ كان هناك ١٠ نساء في ٢٠٠٧، بينهن رئيسة مجلس (مدينة حمص) ونائبة رئيس مجلس (محافظة دمشق).

[26] في السياق الدعائي ذاته، أطلقت الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، وهي هيئة حكومية، حملة اشتركت فيها بعض الوزارات لتعزيز مشاركة المرأة في الانتخابات المحلية. انظر: الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، "إطلاق الحملة الوطنية لتعزيز مشاركة المرأة في المجالس المحلية تحت شعار: أنت تستطيعين، أنت تستحقين"، ٩ آب ٢٠٢٢، https://bit.ly/3WmsZ2d

[27] سينابس، "سوريا اليوم وغداً.. النساء والمساومة الصعبة"، ١٥ آب ٢٠٢٢، https://bit.ly/3PPDkBj

[28] من أصل ٨٢ عضواً في إدارات المجالس المدروسة، كان ٣٠ أعضاء سابقين في المجالس، من الدورات الانتخابية ٢٠٠٧ أو٢٠١١ أو٢٠١٨.

[29] هم نائب رئيس المكتب، المهندس المدني محمد علي المبيض؛ والمحامي محمد قيس رمضان الذي يعمل كخبير قانوني مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دمشق ويرأس في الوقت نفسه جمعية الشباب الخيرية؛ وأخيراً المحامي مجد حلاق عضو مجلس إدارة الجمعية ذاتها.

[30] إلى منصب المحافظ في القنيطرة، ثم حماة، ثم دمشق. في تفحص العلاقة بين كريشاتي ومبيض، تبرز ثلاث تقاطعات مشتركة، هي انحدارهما من حي ساروجة، وعملهما السابق في وزارة السياحة، والأهم التحاقهما بشبكة أسماء الأسد.

[31] مثل والده محمد، اللواء السابق في الجيش، وعمه عصام العميد السابق في المخابرات العسكرية، وصهره اللواء حسين رئيس إدارة الأمن الجنائي، زوج شقيقته هيفاء عضوة مجلس الشعب.

[32] وفق مسار مقارب، أصبح المدرس عدنان الحسن، رئيس مجلس بلدة قرية خيارة دنون، أميناً لسر مجلس المحافظة بالاستناد إلى دعم قيادة مركز ريف دمشق لقوات الدفاع الوطني، وكان قائداً في صفوفها.

[33] مازن عزي، "مصالحات ريف دمشق: هل من تمثيل باقٍ للمجتمعات المحلية؟"، تقرير مشروع بحثي (فلورنسا، إيطاليا، مشروع "زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا" معهد الجامعة الأوربية)، تشرين الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/3Yrl84R

[34] ثلاثة أعضاء من المحسوبين على الشقيقين حكمت العزب عضو مجلس الشعب، وعماد العزب وزير التربية السابق، ويعرف الاثنان بقربهما من أسماء الأسد. وعضوان محسوبان على الوجيه المحلي ورجل الأعمال المتنفذ عبدو نور الدين الحو، وهو عضو مجلس محافظة ريف دمشق ومعروف بعلاقته القديمة بقيادة الفرقة الرابعة.

[35] أخبار سوريا والعالم، "القضاء يصدر حكمه بقضية تزوير انتخابات الإدارة المحلية ويحل مجلس مدينة معضمية الشام"، ٣٠ تشرين الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/3Vbe7C7

[36] انتُخب الدكتور عبد الله سعادة رئيساً لمجلس المدينة للمرة الثانية. ومن رجال الدين القريبين من القصر الجمهوري جورج نجمة، الكاهن في دير سيدة صيدنايا الذي زاره بشار وأسماء الأسد مرات عدة.

[37] كان السمسار الرئيسي الآخر هو المحامي سامر جنيدان، شقيق عضو مجلس الشعب فارس جنيدان. حسب شهادة مرشح خاسر، وشهادة موظف حكومي في مدينة حلب، بلغت تكلفة الحصول على بعض المقاعد في المكتب التنفيذي بمجلس المحافظة أو بمجلس المدينة ٣٠ ألف دولار، وتكلفة الحصول على بعض المقاعد في المجلسين ١٠ آلاف دولار.

[38] كذلك تلقى القاضي زكريا حوران (تنفيذي محافظة حلب) دعم تجار بارزين في الشبكة الاقتصادية للفرقة الرابعة هم أبناء العميد مصطفى التاجر، الرئيس الشهير السابق لفرع المخابرات العسكرية في حلب.

[39] طرد حميدوش من شركة ريما الحكومية بقرار من رئيس مجلس الوزراء في العام ٢٠٠٧، قبل أن يتمكن داعمه وراعيه السابق وصهره اللواء راقي عمار، مدير الكلية العسكرية البحرية ثم مكتب الشهداء حتى تقاعده في ٢٠١٣، من مساعدته وتنظيف سجله القانوني، ثم إنقاذه لاحقاً من فضائح فساد عدة في عمله الجديد حينذاك كمقاول إنشاءات.

[40] دريد مرتكوش هو ابن الرئيس السابق لاتحاد فلاحي اللاذقية، الذي يعد حليفاً لحبيب داخل شبكات النظام. وقد تسببا معاً بحل مجلس مدينة اللاذقية وللمرة الثانية في ٢٠٢٠ بعد نزاع مع رئيس هذا المجلس. سناك سوري، "حل مجلس مدينة اللاذقية بعد نحو عام على انتخابه"، ٢٦ آب ٢٠٢٠، https://bit.ly/3W5jGTP

[41] أيمن الدسوقي، "شبكة اقتصاد الفرقة الرابعة خلال الصراع السوري"، تقرير مشروع بحثي (فلورنسا، إيطاليا، مشروع "زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا"، معهد الجامعة الأوربية)، كانون الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/3hCYoyc

من نحن

  •  

    أسَّسَ مركز روبرت شومان للدراسات العليا في معهد الجامعة الأوروبية برنامج مسارات الشرق الأوسط في العام ٢٠١٦، استكمالاً للبرنامج المتوسّطي الذي وضع المعهد في طليعة الحوار البحثي الأورومتوسّطي بين العامَين ١٩٩٩ و ٢٠١٣.

    يطمح برنامج مسارات الشرق الأوسط إلى أن يصبح جهة مرجعية دولية للأبحاث التي تتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تنظر في التوجّهات والتحوّلات الاجتماعية-السياسية، والاقتصادية، والدينية. ويسعى البرنامج إلى تحقيق هدفه هذا من خلال تشجيع البحث متعدّد التخصّصات بناءً على نتائج العمل الميداني، والتعاون مع باحثين من المنطقة. ويفيد البرنامج من خبرة باحثين ناطقين بلغات المنطقة الرئيسة، بما فيها العربية الفصحى والعامية، والفارسية، والطاجيكية، والتركية، والروسية.

    للمزيد ...
Funded by the European Union