Home page

تحولات أدوار الوسطاء في زاكية وكناكر بريف دمشق

  • الكاتب: مازن عزي
  • التاريخ: الإثنين, 20 آذار 2023

تحميل الملف pdf

نبذة

في نهاية العام ٢٠١٦، انتهى الحصار المفروض من قبل قوات النظام السوري على بلدتي كناكر وزاكية في ريف دمشق الجنوبي باتفاقيتي مصالحة قامتا أساساً على عدم دخول قوات النظام العسكرية والأمنية إلى المنطقتين، مقابل تهجير رافضي المصالحة، وتسوية وضع لعناصر المعارضة المسلحة وتسليم سلاحهم. عزز الفراغ الذي أعقب انتهاء فترة حكم المعارضة المسلحة حاجة المجتمعات المحلية لممثلين عنها، للقيام بالوساطة مع سلطات النظام المستجدة. وقد استفاد فاعلون متعددو المنابت والخلفيات من هذا الفراغ، للقيام بالوساطة، وانضموا إلى لجان المصالحة المحلية في المنطقتين. لعب أعضاء لجان المصالحة دور الوسطاء بين المجتمعات المحلية والنظام السوري حتى عام ٢٠١٩ حين بدأ تلاشي وتحول أدوارهم تدريجياً. استناداً إلى مقابلات مع وجهاء محليين، قادة مجموعات مسلحة، صحفيين، وناشطين، وبالاعتماد على أرشيف كبير من المواد الصحفية المنشورة خلال السنوات الماضية، تدرس هذه الورقة مجريات المصالحة في بلدة كناكر ومدينة زاكية، ثم تسلط الضوء على صعود وتحول أدوار الوسطاء فيهما وعلاقتهم مع النظام.

 الملخص التنفيذي

منذ عقدت اتفاقيتا المصالحة في مدينة زاكية وبدلة كناكر المتجاورتين بريف دمشق الجنوبي في العام ٢٠١٦، لعب أعضاء لجان المصالحة دور الوسطاء بين المجتمعات المحلية والنظام السوري. وفي الوقت الذي كان فيه الوسطاء في كناكر مدنيين من رجال أعمال ووجهاء، مالت الكفة في زاكية إلى أشخاص موالين للنظام لهم أدوار عسكرية أو أمنية.

تمكن الوسطاء من الحفاظ على الوضع القائم منذ المصالحة، أي بقاء قوات النظام خارج زاكية وكناكر، ما سمح للمعارضة المسلحة بالاستمرار في الوجود، وجعل من البلدتين ملجأ آمناً للمنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية والمطلوبين أمنياً. في الوقت نفسه، لم يتمكن الوسطاء في المنطقتين، من إحداث اختراق كبير في أي من الملفات الشائكة العالقة بين المعارضة والنظام بما فيها قضايا المعتقلين، المنشقين، والتجنيد الإجباري.

منذ نهاية العام ٢٠١٩، بدأ تلاشي وتحول دور الوسطاء بشكل تدريجي. إذ تمكّن النظام من خلال تكرار التسويات ومواصلة الضغط على المعارضة وإضعافها، من تهميش دور لجنة المصالحة في كناكر تدريجياً، وتحويلها إلى مجرد منفذ لإملاءات النظام. أمر معاكس حدث في زاكية، إذ أن إضعاف المعارضة، ترافق مع تغيير في دور أبرز أعضاء لجنة المصالحة فيها، وتماهيهم تدريجياً مع السلطة وتحولهم إلى قوة أمر واقع تحكم المدينة.

التدخل الروسي منذ مطلع العام ٢٠٢٠ أسهم في منع استفراد النظام كلياً بالمعارضة المسلحة في كناكر، واعطى المعارضة ما يشبه حماية مؤقتة. إلا أن هذه الوساطة الروسية المباشرة بين المعارضة وبين النظام، أضافت مزيداً من التهميش لدور لجنة المصالحة. أما في زاكية، لم يكن هناك من تدخل فعلي روسي في مجريات ما بعد المصالحة.

المقدمة

في نهاية العام ٢٠١٦، انتهى الحصار المفروض من قبل قوات النظام السوري على بلدة كناكر ومدينة زاكية بريف دمشق، باتفاقيتي مصالحة متماثلتين تقريباً، قامتا أساساً على عدم دخول قوات النظام العسكرية والأمنية إلى المنطقتين، مقابل تهجير رافضي المصالحة، وتسوية وضع عناصر المعارضة المسلحة وتسليم سلاحهم. إلا أن الأمور لم تجر تماماً كما نص الاتفاقان. فقد اندلعت أعمال العنف بشكل دوري، وسط محاولات متكررة من جانب النظام لإعادة فرض الحصار وتكرار فرض التسويات، وسط مقاومة مستمرة من المجتمع المحلي. في الحالتين، سلكت المنطقتان مسارين مختلفين للأحداث بعد المصالحة، وتوصلتا إلى نتيجة متشابهة تقريباً: حافظت المعارضة المسلحة على وجود نسبي فيهما، كما بقي في البلد كتلة كبيرة من المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية وغير المصالحين. في الوقت ذاته، تشكلت ميليشيات محلية موالية في المنطقتين.

ساهم الوسطاء المحليون في تشكيل هذا النموذج الاستثنائي للمصالحة، وأيضاً شكل وعلاقات نظام الحكم المحلي. والوسيط في هذه الورقة، ليس مجرد مرسال بين طرفين، بل هو فاعل محلي، ذو طبيعة عسكرية أو مدنية، لديه القدرة على التوسط لتحقيق مطالب المجتمع المحلي أو المعارضة، لدى سلطات النظام الأمنية أو العسكرية، أو العكس في حالات خاصة. وقد لعب نوعان مختلفان من الوسطاء دوراً رئيسياً في بلورة مساري المصالحة المختلفين في المنطقتين؛ وسطاء مدنيون مستقلون في كناكر، ووسطاء موالون للنظام في زاكية يقومون بدور عسكري أو أمني. كل شريحة من أولئك الوسطاء استندت إلى عوامل قوة متعددة، ونجحت في وساطتها حيناً وفشلت أحياناً. الوساطة في المنطقتين تمحورت حول إيجاد تسويات للقضايا الأمنية الشائكة، ولم يظهر لها أثر واضح في القضايا الخدمية والمعيشية. وبسبب حساسية الملفات التي تعامل معها الوسطاء، فقد بقي دور الوساطة الفاعل في المنطقتين محصوراً بأعضاء لجان المصالحة التي تشكلت بالتزامن مع اتفاقيتي مصالحة العام ٢٠١٦.

تناولت دراسات متعددة مناطق المصالحات في السنوات الأخيرة،[2] بعضها ركز على فعل الوساطة،[3] وبعضها على أدوار الوساطة التي لعبتها مكونات مدنية ومسلحة معيّنة في مرحلة ما بعد اتفاق المصالحة،[4] وبعضها على مقارنة التغيّرات في مناطق المصالحات.[5] تسهم هذه الدراسة عن تحولات الوسطاء المحليين في كناكر وزاكية، في إلقاء المزيد من الضوء على بعض الديناميات المحلية التي تحكم عملية إعادة تركيب هياكل السلطات المحلية، وأيضاً هرمية العلاقات المستعادة بين النظام والمجتمعات المحلية في مناطق المصالحات في ريف دمشق. ويمكن لهذه المعرفة أن تساعد في فهم أسباب استمرار الاحتقان الأهلي، وتكرار اندلاع أعمال العنف في مناطق سيطرة النظام.

تحاول هذه الورقة البحثية الإجابة عن الأسئلة التالية: من هم الوسطاء في كناكر وزاكية في مرحلة ما بعد المصالحة؟ ما هي الأدوار التي لعبوها ومدى فعالية وساطتهم؟ ما هي العوامل التي أدت الى تلاشي أو تحول أدوار الوسطاء في كلا المنطقتين؟ للإجابة على هذه الأسئلة، تقسم الورقة مرحلة الوساطة إلى مرحلتين رئيسيتين؛ الأولى بروز الظاهرة والحاجة إليها والتي استمرت نسبياً حتى نهاية العام ٢٠٢٠، ومن بعدها مرحلة الضمور والتحول المستمرة حتى اليوم. اعتمد الباحث بشكل رئيسي لكتابة هذه الورقة على البحث الميداني، بما في ذلك مقابلات مع وجهاء محليين، قادة مجموعات مسلحة، صحفيين، وناشطين، وبالاعتماد على أرشيف كبير من المواد الصحفية المنشورة خلال السنوات الماضية.

الجزء الأول: لمحة تاريخية

بلدة كناكر ومدينة زاكية متجاورتان، تقعان جنوبي ريف دمشق الجنوبي، بالقرب من الحدود الإدارية لمحافظتي درعا والقنيطرة (انظر الخريطة رقم ١). وتتشاركان كثيراً من السمات المشتركة، كالطبيعة السهلية لهما، ومرور نهر الأعوج الذي ينبع من جبل الشيخ بمحاذاتهما إلى الشمالي الغربي، وتعتبران جزءاً من الغوطة الغربية. المنطقة بالعموم زراعية ذات تربة خصبة، تسود فيها الزراعة البعلية للحبوب والأشجار المثمرة، والزراعة المروية للخضار عبر الآبار قليلة العمق. البنية الاجتماعية للمنطقتين قائمة على الروابط العائلية، وتنتشر فيهما الزيجات المختلطة مع بلدات ريف دمشق ودرعا والقنيطرة. ويسود الإسلام السني الشامي في المنطقتين، وهناك بعض التراث الصوفي فيهما. و على غرار المجتمعات الفلاحية المحيطة بهما، لا ينتشر التحصيل العلمي العالي في المنطقتين. قليل من أبناء المنطقتين انخرطوا في وظائف حكومية رسمية، أو في الجيش والقوات المسلحة. ولأنهما قريبتان من الحدود السورية الإسرائيلية، فقد أقيمت حولهما، اعتباراً من الخمسينيات، قواعد عسكرية كثيرة للجيش السوري خاصة على التلال المشرفة. أبرز القواعد العسكرية تلك تتبع للفرق الأولى، الثالثة والسابعة من الجيش السوري المتمركزة على خط الجبهة.

خريطة ١

 

إدارياً تتبع بلدة كناكر لناحية سعسع في منطقة قطنا بريف دمشق، وكان يقطنها قبل العام ٢٠١١ حوالي ١٨ ألف نسمة. أكبر العائلات فيها عدداً ونفوذاً هي عباس والخطيب، وتأتي بعدها عائلات أصغر مثل حجازي، كنعان وزينة وغيرها. وغالباً ما كانت قضايا البلدة تُحل محلياً عبر مجلس عائلي غير رسمي يضم أبرز وجهاء تلك العائلات. كناكر كانت قبل نزاع العام ٢٠١١ مشهورة بأنها موطن بعض رجال الأعمال الكبار ممن يتعاقدون عبر المناقصات لتأمين خدمات وبضائع لمؤسسات القطاع العام والجيش.

بينما زاكية هي مدينة ومركز ناحية، تتبع لمنطقة مركز ريف دمشق في محافظة ريف دمشق، وبلغ عدد سكانها قبل العام ٢٠١١ حوالي ٢٠ ألف نسمة. وعلى عكس كناكر، زاكية مسرح للعائلات صغيرة العدد؛ آل نور الدين، شعبان، خلوف، طعمة، شودب، الخطيب، الفهاد، ادريس، خلوف، القادري، والنادر. ولكل عائلة وجيه، كانوا قادرين على حل بعض مشاكل الناس الصغيرة عبر الأعراف الاجتماعية. شهدت زاكية منذ التسعينيات هجرة واسعة للشباب للعمل في ورشات البناء في لبنان. واشتهرت البلدة بأفران شمسين وتفاحة، اللتين يملكهما آل القادري، وهي سلسلة مخابز خاصة انتشرت فروع لها منذ العام ٢٠٠٥، في معظم المدن السورية، وهي تنتج خبزاً يعرف بالسياحي، تفريقاً له عن الخبز الذي تنتجه الأفران الحكومية.

مجريات الثورة والحرب

مع اندلاع الثورة في عام ٢٠١١ شهدت المنطقتان مسارين مختلفين نوعاً ما، إذ انتفضت كناكر بغالبيتها ضد النظام، بينما انقسم الأهالي في زاكية بين الموالاة والمعارضة. العائلتان الكبيرتان في كناكر؛ الخطيب وعباس، أظهرتا منذ بداية النزاع في العام ٢٠١١ موقفاً معارضاً للنظام، ما ساهم في تأمين بيئة مساعدة لخروج مظاهرات كبيرة في كناكر منذ آذار ٢٠١١ ، بالتزامن مع أول أوائل الاحتجاجات في سوريا. وظلت المظاهرات مستمرة في كناكر إلى أن اقتحمها الجيش في تموز ٢٠١١ بالدبابات، ثم انسحب منها مكتفياً بنصب الحواجز حولها. في مطلع العام ٢٠١٢ تسبب القصف الجوي لقوات النظام على مدينتي داريا والمعضمية المجاورتين في ريف دمشق، بموجة نزوح كبيرة إلى كناكر، ما رفع عدد سكانها إلى حوالي ٣٥ ألفاً. عدد النازحين الكبير في كناكر دفع بالمعارضة لعقد ما يُشبه اتفاقاً غير معلن مع قوات النظام، يقوم على تحييد البلدة عن مجريات القتال، ما وفّر على قوات النظام فتح جبهة جديدة، وسمح للمعارضة بتأمين المدنيين النازحين وحمايتهم والحفاظ على تواجدها المسلح في البلدة. في الفترة ذاتها، تشكّلت كتائب الفرقان في كناكر، وفي مناطق متعددة من ريف دمشق، والقنيطرة ودرعا.[6]

في نهاية العام ٢٠١٢ تشكل لواء الفرقان من مجموع كتائب الفرقان، وتلقى دعماً من مركز العمليات القتالية "الموك" في الأردن حتى العام ٢٠١٥.[7] لواء الفرقان أصبح العلامة المميزة والفارقة للمعارضة المسلحة في كناكر. في المقابل، وبحسب تقسيمات خلية الأزمة للقطاعات العسكرية-الأمنية لقوات النظام، فقد اعتبرت كناكر قطاعاً خاصاً بالفرع ٢٢٠ مخابرات عسكرية، المعروف باسم فرع سعسع أو فرع الجبهة، ومقره الرئيسي مدينة سعسع المجاورة. في منتصف العام ٢٠١٥، تمكنت قوات النظام من عزل كناكر عن القنيطرة ودرعا، وقطع خطوط إمداد المعارضة فيها، وصولاً إلى إحكام الحصار عليها. وبعد هدنة مؤقتة امتدت من نهاية العام ٢٠١٥ حتى منتصف العام ٢٠١٦، عادت قوات النظام لإطباق الحصار على البلدة، وتكثيف الاعتقالات لأهلها عبر الحواجز. وتزامن ذلك مع انهاء قوات النظام لبؤر المعارضة المجاورة، والتوصل لاتفاق تهجير مدينة داريا، والبدء بمصالحة مدينة معضمية الشام.

في زاكية كانت الأمور مختلفة نسبياً، إذ لم تشهد المدينة حراكاً احتجاجياً كبيراً كما في كناكر. على العكس، انقسم الأهالي بين مظاهرات معارضة للنظام ومسيرات مؤيدة له، طيلة العام ٢٠١١، وجرت حوادث عنف أكثر من مرة بين الطرفين. في نيسان ٢٠١٢، تشكلت كتيبة العاديات المعارضة في المدينة، ثم أصبحت لواء العاديات بعد انضمام كتائب الصحابة في داريا وجنوبي دمشق لها نهاية العام ٢٠١٢. اللواء حافظ على استقلاليته، وأصبح العلامة الفارقة للمعارضة المسلحة في زاكية، رغم تشكل فصائل أخرى في المدينة مثل المجلس العسكري، ألوية الفرقان، أبابيل حوران، وأحرار الشام. في المقابل، اعتبرت زاكية قطاعاً عسكرياً تابعاً للفرقة الرابعة، بمشاركة الفرع ٢٢٧ مخابرات عسكرية المعروف باسم فرع المنطقة ومقره مدينة دمشق. في تشرين الاول ٢٠١٢، حاولت قوات النظام اقتحام المدينة وتمكنت المعارضة من صدها. بعدها، أعطت المعارضة المخفر في زاكية يومين للانسحاب، لتعلن المدينة بعدها خارج سيطرة النظام. وعلى غرار كناكر، قوات النظام نصبت حواجزاً على الطرق الواصلة إلى زاكية، وتمكنت أحياناً من فرض الحصار عليها. وكما كناكر، تحولت زاكية أيضاً إلى قبلة للنازحين من المناطق المجاورة بينما تركز وجود المعارضة المسلحة في منطقة مزارع خان الشيح المجاورة لها. بين العامين ٢٠١٤-٢٠١٦ زاد عدد سكان زاكية بسبب النزوح إليها عن الـ١٠٠ ألف.[8] في منتصف العام ٢٠١٦، أصبحت زاكية أيضاً معزولة كلياً عما حولها، وخضعت لحصار قاس. وبعد قبول المعارضة المسلحة في خان الشيح المجاورة بالتهجير القسري، باتت زاكية وحيدة، بانتظار عرض المصالحة.

مجريات المصالحة

بالتزامن مع تقدمها في ريف دمشق، قدمت قوات النظام مبادرة للمصالحة في كناكر في تشرين الثاني ٢٠١٦، عبر لجنة المصالحة، تضمنت تسليم سلاح المعارضة بشكل كامل، وعودة المنشقين عن الجيش للخدمة العسكرية، وتسوية أوضاع من يرغب من المسلحين المعارضين، وتهجير رافضي المصالحة. شكّلت المعارضة المسلحة، وبشكل رئيسي لواء الفرقان، وفداً تفاوض بشكل مباشر مع قوات النظام، حول جميع تلك الملفات. في كانون الأول ٢٠١٦، توصل الطرفان لاتفاق مصالحة، كان أشبه بتفاهم غير نهائي، وترحيل الملفات الأكثر إشكالية المتعلقة بالمعتقلين والمنشقين وتركها قابلة للتفاوض في المستقبل. وتضمن الاتفاق، عدم دخول قوات النظام إلى البلدة، وإعطاء مهلة للمتخلفين والمنشقين لتسوية أوضاعهم والعودة إلى الخدمة العسكرية في تشكيل مسلح ضمن البلدة، أو في قطع عسكرية قريبة منها. المعارضة أصرت على أن ملفي المعتقلين والمنشقين لهما الأولوية عندها. في ١٣ كانون الأول ٢٠١٦، رفعت قوات النظام العلم السوري على المباني الرسمية في البلدة، وأجرت تسوية وضع أمنية للعشرات من مقاتلي المعارضة.[9] وفي بداية عام ٢٠١٧، وافق فقط ٣٥ شخصاً من البلدة على التهجير إلى محافظة إدلب، ومعظمهم ليسوا من لواء الفرقان، بل مدنيون معارضون للاتفاق. وفي شباط ٢٠١٧، أعلنت قوات النظام كناكر منطقة آمنة وتحت السيطرة بالكامل.

في زاكية سلكت المصالحة مساراً مختلفاً منذ البداية. في منتصف العام ٢٠١٦ بدأت أول مفاوضات بين قوات النظام والمعارضة المسلحة في زاكية. وفي تشرين الأول ٢٠١٦، جرت جولة تفاوض جديدة بين فصائل المعارضة المسلحة باستثناء لواء العاديات، وبين قوات النظام.[10] بعدها تولت لجنة المصالحة في زاكية التفاوض مع قوات النظام، وتوصل الطرفان في كانون الأول ٢٠١٦، إلى اتفاق مصالحة، تضمن تسليم سلاح المعارضة وتسوية أوضاع المطلوبين، وتأمين خروج آمن باتجاه إدلب لرافضي المصالحة، وإعطاء المتخلفين عن الخدمة العسكرية والمنشقين مهلة قبل الالتحاق بقوات النظام. تم تنفيذ الاتفاق في كانون الثاني ٢٠١٧، وغادر المدينة حوالي ٥٠٠ من رافضي المصالحة بعضهم من النازحين إلى زاكية، بينما أجرى تسوية الوضع الأمنية ٦٠٠ شخص. لواء العاديات رفض المصالحة، وبقي في المدينة حوالي ٥٠ مقاتلاً مسلحاً منه، لم يخرجوا ولم يصالحوا.

الحوكمة والوضع الخدمي الراهن

بعد سيطرة النظام عليهما، أُعيد تركيب هياكل السلطة المحلية في كناكر وزاكية، وأهمها؛ المجالس البلدية، وفرق وشعب حزب البعث الحاكم. وقد تم تشكيل تلك الهياكل بشكل رئيسي من الموالين للنظام في المنطقتين. في حين بقيت البلدتان شبه محاصرتين، ومطوقتين بحواجز لقوات النظام، ما يعيق الحركة الحرة للسكان. وفعلياً، الأجهزة الأمنية المسيطرة، هي من تتخذ في نهاية المطاف معظم القرارات الحساسة المتعلقة بالمنطقتين، بما فيها ما يمس الحياة اليومية للسكان.

الوضع الخدمي تحسن قليلاً، إذ تلقت المستوصفات والنقاط الطبية لقاحات الأطفال، وبعض الأدوية، بشكل شبه منتظم. لكن، ظلت المنطقتان تعانيان بشدة من غياب الرعاية الطبية المتناسبة مع زيادة عدد السكان فيهما. ويضطر أصحاب الحالات الحرجة من المرضى والجرحى، لزيارة المشافي في دمشق أو القنيطرة، ما يجعل الرعاية الطبية المتقدمة ممنوعة عن المطلوبين لقوات النظام الذين يتم اعتقالهم على الحواجز. كما أن اتفاق المصالحة كان قد تضمن إدخال المساعدات الدولية بشكل منتظم إلى المنطقتين. فعلياً، دخلت بضعة قوافل مباشرة بعد اتفاق المصالحة، تضمنت مواد غذائية، ومواد تنظيف، قبل أن تتوقف في العام ٢٠١٨.

من جانب آخر، ركزت مقاربات الحكومة السورية على الوضع في كناكر وزاكية، على تأمين بعض المستلزمات الزراعية للفلاحين، من محروقات وأسمدة وبذور، لرفد السوق المحلية بمنتجات المنطقة الزراعة خاصة من الخضار والبطاطا. ورغم بعض المبادرات الأهلية لتأمين الكهرباء عبر مشاريع الطاقة البديلة، ما زالت المنطقتان تعانيان من صعوبات في تأمين الكهرباء لتشغيل مضخات الآبار للحصول على ماء الشرب النظيف، وري المحاصيل الزراعية. ويعود ذلك إلى الجفاف، وتوقف مضخات الآبار نتيجة انقطاع الكهرباء المستمر، وندرة المحروقات.

الجزء الثاني: صعود الوسطاء

خلال انشغال قوات النظام بالقتال على جبهات متعددة في سوريا، بين العامين ٢٠١٦-٢٠٢٠، كانت الحاجة ماسة لاستدامة الوضع والحفاظ على الاستقرار في مناطق المصالحات. كما أن الفراغ الذي أعقب انتهاء فترة حكم المعارضة المسلحة، عزز حاجة المجتمعات المحلية لممثلين عنها، للقيام بالوساطة مع سلطات النظام المستجدة. وقد استفاد فاعلون متعددو المنابت والخلفيات من هذا الفراغ، للقيام بالوساطة، وانضموا إلى لجان المصالحة المحلية في المنطقتين. تمكن الوسطاء من الحفاظ على الوضع القائم منذ المصالحة، أي بقاء قوات النظام خارج كناكر وزاكية، رغم تشكل ميليشيات محلية موالية تابعة للفرقة الرابعة أو الأمن العسكري فيهما، وهذا ما سمح للمعارضة بالاستمرار في الوجود، وجعل من البلدتين ملجأ آمناً للمنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية والمطلوبين أمنياً، الذين يتم اعتقالهم فقط عبر الحواجز إذا ما غادروا المنطقة. في الوقت نفسه، لم يتمكن الوسطاء في البلدتين، من إحداث اختراق كبير في أي من الملفات الشائكة العالقة بين المعارضة والنظام بما فيها قضايا المعتقلين، المنشقين، والتجنيد الإجباري.

من هم الوسطاء؟

في كناكر تشكلت نواة لجنة المصالحة في كناكر نهاية العام ٢٠١٥، بمبادرة من أعضائها، وأغلبهم مقيمين في البلدة أو يترددون عليها بشكل مستمر، بغرض الوساطة بين قوات النظام والمعارضة. وتطور عمل اللجنة مع الوقت حتى أخذت شكلها النهائي مع اتفاق المصالحة. تألفت اللجنة بشكل رئيسي من رجال أعمال كبار، لهم علاقات تجارية تاريخية مع مؤسسات القطاع العام والجيش والقوات المسلحة. وأبرزهم؛ عمر الحافظ المعروف بمجال المناقصات لتوريد الطعام إلى الجيش السوري، وغسان الحوري المتخصص بمناقصات توريد الحبوب مع القطاع العام، وتاجر المقاولات العقارية عصام زينة. ضمت لجنة كناكر وجهاء اجتماعيين من وجهاء العائلات أبرزهم بهجت الحافظ الذي قتل بانفجار سيارة مفخخة في كانون الأول ٢٠١٩. كما ضمت اللجنة شريحة من موظفي البلدية وفرقة حزب البعث الحاكم فيها، مثل الرئيس السابق لفرقة الحزب صبحي الصفدي، ورئيس البلدية أيمن كنعان الذي عاد إلى البلدة بعد اتفاق المصالحة. الملفت أن هذه الشريحة من الموظفين لعبت دور الوساطة بشكل انتقائي للسكان الموالين للنظام وهم في أغلبهم من أبناء العائلات الصغيرة. وتركزت هذه الوساطة على تسهيل قضايا مثل إجراء التسوية الأمنية لمن يصفهم الإعلام الموالي بـ"المغرر بهم" أي البسطاء الذين "غررت" بهم المعارضة خلال فترة سيطرتها. وكذلك، تركزت الوساطة على التدخل في قضايا متعلقة بالتجنيد الإلزامي، مثل فرز المجندين في مناطق قريبة من المدينة، وإصدار التأجيل الإداري لطلاب الثانويات والجامعات. في جميع الحالات، مثلت البلدية وفرقة الحزب ميداناً لنشاط العائلات الصغيرة في كناكر، بينما اتخذت العائلتان الكبيرتان في البلدة (الخطيب وعباس) موقفاً حيادياً بعد المصالحة، واستكفتا عن المشاركة في مجلس البلدية وفرقة الحزب.

الأمر مختلف في زاكية، إذ أن من قام بالوساطة بشكل رئيسي هم القادة السابقون في فصائل المعارضة ممن أجروا تسوية وضع أمنية بعد المصالحة، ومنحتهم الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة في التواصل مع المجتمع المحلي. وأبرز نموذج على هذه الشريحة هما الأخوان الاثنان محسن وعزيز شودب، اللذان كانا يعملان في أفران شمسين، قبل أن يفتتحا محطة وقود في زاكية في العام ٢٠٠٤. بعد العام ٢٠١١، تنقّل الأخوان بين قيادة مختلف فصائل المعارضة المسلحة أثناء سيطرتها على المدينة، وبعد المصالحة انتسبا للمخابرات العسكرية من دون تشكيل ميليشيا خاصة بهما. الأخوان شودب، هما أبرز عضوين في لجنة المصالحة، المؤلفة برمتها من وسطاء موالين للنظام، ومنهم رضوان خالد رئيس مجلس المدينة ٢٠١٣-٢٠١٧، وعامر خلف رئيس مجلس المدينة قبل العام ٢٠١٢. اللجنة ضمت أيضاً الشيخ عبدالله طعمة، الموالي للنظام.[11]

مصادر قوة الوسطاء

في كناكر، استند الوسطاء بشكل رئيسي إلى استمرار وجود المعارضة المسلحة داخل البلدة، كمصدر قوة داخلي يمنحهم هامشاً واسعاً من المناورة مع قوات النظام، في العديد من القضايا الخلافية موضع البحث بين الطرفين. وفعلياً، ظلت قوات النظام بعد المصالحة خارج كناكر، تحيط بها فيما يشبه حصاراً غير معلن لها، فيما بقي معظم عناصر لواء الفرقان داخل البلدة، من دون مصالحة.[12] المعارضة المسلحة في كناكر أبقت على هيكل تنظيمي مرن تقوده لجنة توصف أحياناً بالمركزية، وتضم قياديين سابقين في لواء الفرقان. وكانت لجنة المصالحة، تتوسط في التفاوض بين اللجنة المركزية، وفرع سعسع. وعند كل استحقاق حاسم، أبرزت المعارضة قدرتها على تحشيد مظاهرات معارضة، وتنفيذ احتجاجات سلمية من وقفات واعتصامات وقطع الطرق وتوزيع المناشير الورقية والرسم على الجدران. في أكثر من حادثة، استخدمت المعارضة سلاحها لاستهداف حواجز قوات النظام مع الحرص على عدم وقوع ضحايا، لإظهار القدرة على الردع. مثلاً، في تشرين الثاني ٢٠١٩، استدعى قسم شرطة مدينة سعسع الشيخ صلاح، مُدرّس الشريعة الإسلامية والشرعي السابق في ألوية الفرقان، على خلفية دعوى قضائية ضده، وبعد التحقيق معه تم اعتقاله.[13] ولعدم قدرتها على الوصول إلى مدينة سعسع، حاصرت مجموعة مسلحة من ألوية الفرقان مخفر بلدة كناكر، وسط إطلاق نار عشوائي وتهديد باقتحامه. وهنا، تدخلت لجنة المصالحة لفك الحصار عن المخفر، وإنهاء التوتر الحاصل، متعهدة بإطلاق سراح الشيخ. وهذا ما حدث فعلياً، إذ توسطت اللجنة لدى فرع سعسع للإفراج عن الشيخ الموقوف.[14]

في مدينة زاكية كان الأمر مماثلاً تقريباً وإن قاد إلى نتائج معاكسة. فالوسطاء استفادوا من وجود المعارضة المسلحة، لا لتوسيع هامش المناورة مع النظام، بل لتحقيق مكاسب للنظام، وأيضاً مكاسب شخصية. الأخوان شودب، وظّفا الفوضى الأمنية والاغتيالات التي تنفذها ميليشيات محلية موالية للفرقة الرابعة،[15] للضغط على لواء العاديات واتهامه بالتسبب في تدهور الأوضاع الأمنية، وجّر المدينة إلى ويلات الحرب. وعند حدوث أي توتر بين الميليشيات ولواء العاديات، كان الأخوان شودب، يتوسطان بين اللواء والنظام، لتحقيق مكاسب تصب في مصلحة النظام من تسليم السلاح وتكرار إجراء التسويات. ومع كل تنازل كان يقدمه لواء العاديات، كان الأخوان شودب، يوسعان من سلطاتهما في المدينة، ويراكمان المكاسب الخاصة. في حزيران ٢٠١٨، تعرّض القيادي في لواء العاديات نذير شعبان، لمحاولة اغتيال أثناء مروره بالقرب من أحد حوجز الفرقة الرابعة المحيطة بزاكية. الفرقة الرابعة تمكنت من اعتقال القيادي المصاب بجروح. ورداً على ذلك، أسرت مجموعة من لواء العاديات جنديين من قوات النظام على أحد الحواجز المحيطة بالمدينة. قوات النظام ردت بفرض الحصار مجدداً على زاكية، وتوقيف مئات المدنيين على الحواجز. واشترطت قوات النظام أن يُفرجَ لواء العاديات عن الجنديين المأسورين لديه، قبل فك الحصار عن المدينة واطلاق سراح الموقوفين لديها. وعلى إثر ذلك، وللمرة الأولى بعد المصالحة، انتشر عناصر لواء العاديات في المدينة بسلاحهم. وهنا، تدخل الأخوان شودب للتوسط بين الطرفين، وساهما بالتوصل إلى تهدئة، تتضمن إطلاق لواء العاديات لسراح الجنديين المأسورين، مقابل إطلاق الفرقة الرابعة سراح القيادي المصاب، وفك احتجاز المدنيين. الاتفاق تضمن أيضاً، تسليم اللواء لـ١٢ قطعة سلاح، أو دفع ثمنها. ويبدو بأن جمع بعض الأسلحة، أو تحصيل ثمنها، بات نهجاً للتربّح يتبعه الأخوان شودب، عند كل حادثة أمنية في المدينة.[16]

نجاح وفشل الوسطاء

فعلياً، لم يتمكن الوسطاء في المنطقتين، من إحداث اختراق كبير في أي من الملفات الأمنية والعسكرية العالقة بين المعارضة والنظام، والتي سعوا للوساطة فيها، ولكنهم تمكنوا من منع انهيار اتفاق المصالحة رغم كل التوترات. أي أن البند الرئيسي لاتفاق المصالحة ظلّ صامداً، وهو بقاء قوات النظام خارج كناكر وزاكية، وهذا ما سمح للمعارضة المسلحة بالاستمرار في الوجود داخل البلدتين.

في كناكر التفاهمات العريضة التي جرت في اتفاق مصالحة العام ٢٠١٦، تضمنت وعداً من النظام ببقاء المنشقين في البلدة لحمايتها. وهو ما اعتبرته المعارضة من أبرز مكاسب الاتفاق، والتي دفعتها لقبوله. ومجمل عدد المنشقين في كناكر بلغ حوالي ٢٠٠ عنصر، منهم ثمانية ضباط، وقد انشق معظمهم عن قوات النظام في العام ٢٠١١. ملف إعادة المنشقين لقطعهم العسكرية كان في الوقت نفسه على سلم أولويات النظام وذلك لاستعادة السيطرة على هذه الكتلة المحترفة من المقاتلين، وتفريقها، وعدم السماح بتمركزها في منطقة واحدة. وقد أعيد التفاوض على هذا الملف بين الطرفين، عبر لجنة المصالحة، عند حدوث كل توتر أمني في البلدة، من دون تحقيق أي اتفاق نهائي عليه. من جانب آخر، أبرز جوانب مقاربة النظام الأمنية لكناكر بعد المصالحة كانت فرض التجنيد الإجباري على أكبر عدد ممكن من شبابها، ما يمنع هذه الفئة من السكان من الاستمرار في الاعتراض على النظام، ويتيح في الوقت نفسه لقوات النظام المستنزفة بعد سنوات طويلة من القتال عديداً إضافياً من المقاتلين. وفرضت قوات النظام التجنيد الإجباري بحكم الواقع، عبر الاعتقالات عن الحواجز حول البلدة، للشباب المطلوبين للخدمة العسكرية. ولم تنفع كل محاولات الوسطاء لوقف التجنيد الإجباري قبل انتهاء مهل التأجيل الممنوحة لمن أجروا التسوية، بمن فيهم طلاب المرحلة الثانوية والجامعات.[17] في قضية المعتقلين، لم ينجح الوسطاء بالإفراج عن أي من معتقلي كناكر الـ٣٠٠ على خلفية الثورة وفترة النزاع المسلح.[18] بل كل الذين تم الافراج عنهم، بعد وساطة لجنة المصالحة، هم من المعتقلين بعد اتفاق المصالحة.

أما في بلدة زاكية، سهّل الأخوان شودب انقلاب قوات النظام على تفاهمات اتفاق المصالحة والمتعلقة بالمنشقين، المطلوبين للخدمة العسكرية، والمعتقلين. فعلياً، مارست لجنة المصالحة دوراً في التوسط لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية لتسهيل التسويات الأمنية لبعض المطلوبين أمنياً، ومنح التأجيلات الإدارية للطلاب، واصدار بطاقات أمنية لمنتسبي المليشيات المحلية. في بعض الحالات تدخل الوسطاء لدى فرع الأمن العسكري لإطلاق سراح بعض الموقوفين. من جانب آخر، وبسبب وجود المعارضة في المدينة، لم يتم تنفيذ مداهمات ضمنها إلا في حالات محدودة جداً، واقتصر اعتقال المطلوبين من المنشقين والمطلوبين للخدمة العسكرية على الحواجز المحيطة بالمدينة. وقد ساهم الوسطاء رغم عملهم على اضعاف المعارضة، في عدم انهيار اتفاق المصالحة، وابقاء قوات النظام خارج المدينة. ومنح ذلك الوسطاء، خاصة الأخوين شودب، مجالاً واسعاً للسيطرة والتفرد بشؤون المدينة.

يمكن القول إن صعود الوسطاء في كناكر وزاكية بين العامين ٢٠١٦-٢٠١٩، جاء في الأصل لتلبية حاجة المجتمع المحلي في ملئ الفراغ خلال المرحلة الانتقالية القلقة بين انتهاء حكم المعارضة والاستعادة الجزئية لسلطة النظام. وإذ استند الوسطاء في كناكر إلى استمرار وجود المعارضة المسلحة فيها لتحصيل بعض المكاسب للمجتمع المحلي، فإن الوسطاء في زاكية ضغطوا على المعارضة المسلحة لتحصيل مكاسب للنظام، وأخرى شخصية. في الحالتين، يمكن القول بأن انجاز الوسطاء الوحيد في هذه المرحلة، هو الحفاظ على الوضع القائم بعد المصالحة.

الجزء الثالث: تلاشي وتحول دور الوسطاء

مع الاستقرار الهش للوضع في الجنوب السوري بعد اتفاق المصالحة في درعا منتصف العام ٢٠١٨، تغيير الوضع في كناكر وزاكية. إذ تلاشي دور الوسطاء، وبشكل خاص للجان المصالحة، بدأ تدريجياً منذ نهاية العام ٢٠١٩، مع ازدياد الضغوط على المعارضة المسلحة في المنطقتين، وسياسة الانهاك المطبقة على المجتمعات المحلية. وإذ تراجعت قدرة الوسطاء في كناكر بسبب ذلك الانهاك، فإن دور الوسطاء في زاكية تغيّر مع تماهيهم مع السلطات الأمنية للنظام وتحوّلهم إلى طرف غير محايد.

تكرار التسويات

التسويات المتكررة كانت حلاً يلجأ إليه النظام كل مرة بعد توتر الأوضاع في مناطق المصالحات. ومن خلال هذه التسويات، تُجبرُ الأجهزة الأمنية المعارضة المسلحة على تقديم المزيد من التنازلات، ككشف شبكاتها وتسليم أسلحتها. لكن، تكرار التسويات شكّل أيضاً مصدر انهاك كبير للمجتمعات المحلية، حيث يُعادُ بموجبها اخضاع معظم الذكور البالغين، لذات عمليات التحقيق الأمنية. الخاسر الأبرز في تكرار التسويات في كناكر، هم لجنة المصالحة التي فقدت كثيراً من مصداقيتها لدى المعارضة وتحولت بنظرها إلى طرف منفذ للإملاءات الأمنية، بينما في زاكية تحول الوسطاء إلى طرف سلطوي يفرض إرادته على المجتمع المحلي.

في أيلول ٢٠٢٠، وعقب توتر أمني على خلفية اعتقال المخابرات الجوية ثلاث نساء من كناكر على أحد الحواجز خارج البلدة، اندلعت احتجاجات ومظاهرات تطورت إلى مواجهات مسلحة أصيب فيها ضابط من فرع سعسع، ما تسبب بإعادة فرض الحصار على البلدة.[19] وبعد مفاوضات شاقة خاضتها لجنة المصالحة، دخلت دوريات من قوات الجيش والأمن العسكري للمرة الأول بلدة كناكر، وفتشت ٤٥ منزلاً بحثاً عن مطلوبين.[20] وتوصلت لجنة المصالحة إلى اتفاق بين المركزية، وبين فرع سعسع والفرقة السابعة، على وقف الاحتجاجات، وإجراء عملية تسوية جماعية لجميع أبناء البلدة، مقابل إطلاق سراح المعتقلات، ورفع الحصار عن البلدة. عملية التسوية الجماعية بدأت في ١٠ تشرين الأول، واشترطت التحاق المتخلفين والمنشقين العسكريين بصفوف اللواء الأول في الجيش والذي ينتشر في الجنوب السوري. واستمرت عملية التسوية الجماعية ثمانية أيام، وخضع لها ألف شاب بينهم ٩٠ منشقاً.[21] في نيسان ٢٠٢٢، أعاد فرع سعسع فرض التسوية على مطلوبين من كناكر. وبناء عليه، ومن دون أي تفاوض حقيقي مع الفرع، نظّمت لجنة المصالحة لائحة بأسماء نحو ٤٠٠ شاباً من أولئك المطلوبين الراغبين بإجراء التسوية. وتم تطبيق التسوية في أيار ٢٠٢٢، كجزء من مرسوم العفو رقم ٧ لعام ٢٠٢٢.[22] ومُنِحَ الخاضعون للتسوية من المتخلفين عن الخدمة العسكرية تأجيلاً لمدة ستة أشهر، ومُنِحَ المنشقون مهلة خمسة أيام لتسليم أنفسهم والالتحاق بقطعهم العسكرية. ولا يعني تكرار التسويات فعلياً تنفيذ ما يرد فيها من شروط، بل غالباً ما يدخل الخاضعون لها في دوامة المهل والتأجيلات، وتصبح التسوية شرطاً مكبلاً لهم يزيد ظروف حياتهم تعقيداً. وبنظر العديد من السكان المحليين، فإن التسويات الأخيرة سحبت من لجنة المصالحة في كناكر قدرتها على المناورة والتفاوض، وباتت بحكم الأمر الواقع طرفاً منفّذاً لطلبات الأجهزة الأمنية.

في زاكية تكررت التسويات مراراً بنفس الأسلوب، لكن الأخوين شودب تمكنا من الاستفادة منها لتكريس نفوذهما في المدينة، والتحول إلى طرف سلطوي يفرض إرادته على المجتمع المحلي. في كانون الثاني ٢٠٢، تم الاتفاق مع فرع المنطقة، على إجراء تسوية جماعية لأهالي البلدة لإنهاء ملف المطلوبين من أبنائها. واشترطت التسوية التحاق المنشقين بقطعهم العسكرية بشكل فوري، والتحاق المتخلفين خلال مهلة ثلاثة أشهر. عضو لجنة المصالحة ومنسق عملية التسوية الجارية محسن شودب، تلاسن مع أحد المعارضين الخاضعين للتسوية، واستفزه بتأكيده أن لجنة المصالحة استثنت بند اطلاق سراح المعتقلين من اتفاق التسوية الجديد. وانقلبت الملاسنة إلى شجار مسلح، أطلق فيه عزيز شودب، النار على الشاب وأصابه بجروح، ثم منع الأطباء في البلدة من علاجه، قبل تسليم المعارضة ٣٠ بندقية حربية أو دفع ثمنها.[23] هنا، اتضح بالكامل أن أبرز وسطاء زاكية، بات جزءاً عضوياً من السلطة الأمنية، وفقد بالتالي إمكانية الوساطة. عملية التسوية بحسب التصريحات الرسمية شملت أكثر من ١٤٠٠ شاباً.[24]

استنزاف النظام للمعارضة المسلحة

ظل النظام يستنزف المعارضة في كناكر وزاكية، ساحباً منهما تدريجياً أبرز أوراق قوتهما؛ من فرض التجنيد الإجباري، وملاحقة المنشقين، واعتقال رافضي المصالحة. حالة الحصار غير المعلنة حولت المنطقتين إلى ما يشبه سجناً كبيراً لجزء من سكانهما، ما تسبب بإنهاك قدرة المجتمع المحلي على المقاومة. ويضاف إلى ذلك كل الظروف المعاشية الصعبة في عموم سوريا. تلك الضغوط دفعت جزءاً وازناً من رافضي المصالحة لمغادرة سوريا بطرق غير شرعية، خاصة خلال العامين الماضيين، وذلك بعدما تقطعت بهم السبل وضاقوا ذرعاً بظروف احتجازهم داخل تلك المناطق شبه المحاصرة. وتسبب تراجع دور المعارضة في المنطقتين، إلى تراجع مماثل في دور الوسطاء الذين فقدوا جانباً أساسياً من مصادر قوتهم.

في نيسان ٢٠٢٠، نشرت وسائل إعلام رسمية مقابلات مع معتقلين من كناكر، اعترفوا فيها بزرع عبوات ناسفة وتنفيذ تفجيرات في العاصمة دمشق خلال العام ٢٠١٩. بعض أولئك المعتقلين اعترفوا بأنهم على علاقة مع مسؤولين في لواء الفرقان.[25] وبدا واضحاً أن صبر النظام قد نفذ من استمرار وجود لواء الفرقان في كناكر، وقدرته على المناورة. في المقابل، نفى قائد ألوية الفرقان محمد ماجد الخطيب، في حسابه الشخصي في فيسبوك، تلك الاتهامات، مشيراً إلى أن أربعة من التفجيرات التي تبنى المعتقلون مسؤوليتها، وقعت بعد اعتقالهم.[26] وبعد بث الاعترافات، استدعى رئيس فرع سعسع، لجنة المصالحة، ودعاهم للحفاظ على أمن البلدة محذراً من سحب ملف المنطقة الأمني من فرعه، وتسليمه لجهة أمنية أخرى. وعرض رئيس الفرع رؤيته لإنهاء التوتر الأمني في كناكر، بأحد طريقتين: إما أن يغادر المطلوبون الأراضي السورية من تلقاء أنفسهم، أو أن يتم تهجيرهم قسرياً نحو مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا.[27] وهذا فعلياً ما انتهجته المقاربة الأمنية مع المعارضة في كناكر، الضغط للأقصى، بغرض استسلامها كلياً أو انهاء وجودها. وظهر ذلك بوضوح باللوائح التي بدأت تصدرها منذ العام ٢٠٢٠، مختلف الأجهزة الأمنية للمطلوبين المرفوضة تسوياتهم في كناكر، وشملت المئات منهم.

في زاكية اعتمدت الأجهزة الأمنية على نشر الفوضى، والاغتيالات، لانهاك المعارضة. ولهذا الغرض، لجأت الأجهزة إلى تطويع مقاتلي التسوية في خلايا اغتيال، أو ميليشيات محلية موالية، وأعطتهم امتيازات خاصة، واستخدمتهم لتنفيذ الاغتيالات والتفجيرات، بينما يتولى أعضاء لجنة المصالحة إلقاء اللوم على المعارضة بسبب تلك القوى، وتأليب أهل المدينة عليها. من جانب آخر، كان وجود قائد لواء العاديات في زاكية أنس إدريس، قد لعب دوراً سلبياً ضد وجود المعارضة، واستغلته لجنة المصالحة لاستهدافها واضعافها. ما بين نيسان وآب ٢٠١٩، تعرض ادريس، لمحاولتي اغتيال، أسفرت الثانية منهما عن إصابته بجروح خطيرة، فلم يتجرأ أطباء المنطقة على علاجه خشية الملاحقة الأمنية. وهنا تدخل محسن شودب، عضو لجنة المصالحة، وتعهد بنقل إدريس إلى مشفى في دمشق وإنقاذ حياته، وضمان إعادته إلى منزله. واشترط شودب مقابل ذلك، تسليم سلاح المجموعة المتبقية من لواء العاديات، وتسوية أوضاعها الأمنية. وهذا ما حدث.[28]

التفاوض مع الروس

الدور الروسي ظهر متأخراً في كناكر وزاكية، وساهم بتهميش إضافي للجنة المصالحة فيهما. إذ فضّل الروس اللقاء في كناكر مع المعارضة مباشرة، ولعب دور الوسيط بينها وبين النظام. ولم يتمكن الجانب الروسي من تحقيق أي مطلب أهلي، ولكنه منح حماية للمعارضة في كناكر وأضفى عليها شرعية في مواجهة النظام. بينما في زاكية، لم يتطور الاهتمام الروسي إلى أبعد من تجنيد مقاتلي التسويات فيها للقتال في ليبيا مع ميليشيا فاغنر الروسية.

في نهاية العام ٢٠١٩ أجرى وفد عسكري من مركز المصالحة الروسي بدمشق، زيارة إلى كناكر، بعد تصاعد التوتر فيها.[29] وعقد الوفد اجتماعاً مع أعضاء لجنة المصالحة، وبحضور وجهاء، وأعضاء المركزية المعارضة التي ركزت على ضرورة مساهمة الجانب الروسي بالإفراج عن المعتقلين، مقابل الموافقة على الاجتماع مجدداً.[30] وبعد أقل من شهر، اجتمع وفد روسي آخر بوجهاء البلدة وأعضاء المركزية، مستثنياً لجنة المصالحة بعد الاشتباه بنقل أحد أعضائها مجريات الاجتماع السابق لفرع سعسع.[31] بعدها اجتمعت وفود روسية عدة مرات، مع وجهاء البلدة وممثلي المركزية وأعضاء لجان المصالحة. في كل تلك الاجتماعات تكرر الحديث عن ضرورة الالتزام بالتهدئة، والافراج عن المعتقلين. في الاجتماع الأخير في نيسان ٢٠٢١، حضر أيضاً للمرة الأولى ضباط من فرع سعسع. وهكذا، فالدور الروسي، تمكن من احداث ثغرة مهمة بإجراء تفاوض مباشر بين المعارضة والنظام، للمرة الأولى منذ العام ٢٠١٦، ولكنه تسبب بتهميش دور لجنة المصالحة.[32]

في زاكية، لم يتدخل الجانب الروسي في الوساطة، لأن دور المعارضة كان قد تراجع كثيراً منذ العام ٢٠١٩، وبرز دور الأخوين شودب، ومعهما قادة بعض الميليشيات المحلية الموالية كسلطة أمر واقع في المدينة. لكن الجانب الروسي ساهم في تهميش دور عضو لجنة المصالحة عزيز شودب، بسبب اخلاله باتفاق عقد في نيسان ٢٠٢٠، مع وسطاء سوريين يعملون مع قوات فاغنر، لتجنيد ١٠٠٠ من مقاتلي التسويات بريف دمشق، للقتال في ليبيا إلى جانب قوات الجنرال خليفة حفتر المدعومة روسياً.[33]

الفرقة الرابعة وصعود فاعلين جدد

في المنطقتين، حصلت نزاعات على النفوذ بين قوى النظام المسيطرة، ومجموعاتهم المحلية، ما أثر بشكل مباشر على الوسطاء، وزاد من تهميشهم في كناكر، ومن انخراطهم في معسكر النظام في زاكية. العلاقة مرت بمطبات كثيرة بين الأمن العسكري ولجنة المصالحة في كناكر، إلى حد إصدار برقيات اعتقال بحق رئيس لجنة المصالحة عصام زينية، وأحد أعضائها، في تشرين الاول ٢٠٢١، بتهمة تهريب المطلوبين والمتخلفين عن أداء الخدمة العسكرية إلى خارج المنطقة، وإجراء اتصالات مع المعارضة.[34] وفي محاولة من لجنة المصالحة لموازنة نفوذ فرع سعسع، عقدت في شباط ٢٠٢٢ اجتماعاً مع ضباط من الفرقة الرابعة، للبحث في عملية تسوية أمنية جديدة في كناكر لا يُطرحُ فيها ملف التهجير القسري. ولكن، وعلى أثر ذلك الاجتماع، طلب فرع سعسع من لجنة المصالحة، في آذار ٢٠٢٢، العمل على تسليم مستودع لأسلحة المعارضة، وتهجير شبان من أبناء كناكر، والتحضير لتسوية جديدة. وقد اعتبر رئيس الفرع بأن اجتماع أعضاء لجنة المصالحة مع الرابعة، تجاوزاً لفرعه المسؤول عن ملف المنطقة الأمني. رئيس الفرع وجّه اتهامات لأعضاء لجنة المصالحة، بالتستر على مطلوبين للأفرع الأمنية، ومساعدتهم في التنقل وتنفيذ العمليات، مهدّداً باعتقالهم فور مرورهم الحواجز الأمنية التابعة للفرع.[35]

في زاكية بدا الأمر مختلفاً، إذ أن استفراد الأمن العسكري بملف زاكية عبر الأخوين شودب، دفع بمنافسين للبروز بالاستناد إلى الفرقة الرابعة. فالتنافس على السيطرة على المدينة، صار محصوراً بمعسكر القوى العسكرية المحلية الموالية للنظام، مع التحوّل الذي طرأ على دور الوساطة، وتلاشي دور المعارضة. في نهاية العام ٢٠٢٢، وافقت الفرقة الرابعة على مشروع تقدّم به أحد قادة التسوية محمود عبد المولى طعمة، بتشكيل مجموعة مسلحة تتبع للفرقة في زاكية على أن يقوم هو بتسليحها على حسابه الشخصي.[36] وهذا العرض السخي الذي قدمه طعمة، يعود بشكل مباشر لنزاع شخصي مع الأخوين شودب، على النفوذ في زاكية. طعمة كان قد ترشح لعضوية مجلس محافظة ريف دمشق، في انتخابات الإدارة المحلية الأخيرة التي جرت في أيلول ٢٠٢٢، وخسر أمام المرشح الآخر إياد محمد خير النادر، الذي حظي بدعم الأخوين شودب.[37] حينها اندلع شجار وعراك بالأيدي بين مندوبي المرشحين في أحد مراكز الاقتراع في المدينة، خلال تنافس علني على شراء أصوات المقترعين.[38] الأمور لم تقف عند هذا الحد، بل تطورت لاشتباكات مسلحة أكثر من مرة ضمن المدينة أصيب على أثرها عزيز شودب في تشرين الأول ٢٠٢٢ بجروح.

خاتمة

رغم أن قوات النظام لم تدخلهما، إلا أن المجتمعات المحلية في زاكية وكناكر، وصلت إلى حدود الانهاك القصوى، نتيجة الفوضى، الحصار وتكرار التسويات. كما فقدت المعارضة المسلحة في المنطقتين جزءاً وازناً من قدرتها على حماية المجتمعات المحلية، نتيجة الضغوط المتواصلة من النظام ضدها، في ملفات المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية، والمطلوبين للأجهزة الأمنية. في هذا الجو من التعب العام، أيضاً تراجع دور الوسطاء وإن كان لسببين مختلفين؛ فقدان الوسطاء لمصادر قوتهم في كناكر، بينما في زاكية فقد تخلى الوسطاء عن دورهم في الوساطة نتيجة تماهيهم المتواصل مع السلطة وفقدان دورهم الحيادي.

هذا التراجع العام في دور الوساطة يشير إلى مشكلة كبيرة مقبلة؛ ضعف قنوات التواصل بين سلطات النظام والمجتمعات المحلية، ما يهدد مجدداً بإمكانية تجدد دورات العنف. ويعزز ذلك وجود السلاح العشوائي، وانتشار الميليشيات الموالية، وغياب وسائل الحماية للمجتمعات المحلية مع تراجع دور المعارضة فيها. وبقي دور الوساطة المُجدي حالياً، هو الشكل الأبسط منه، أي الوساطة العائلية لحل المشاكل المحلية الصغيرة. 

ويترافق الانهاك الذي أصاب قدرة المجتمعات المحلية على المقاومة، وغياب أي دور فعال للوساطة مع أجهزة النظام الأمنية، في تعرض الفئات الأكثر ضعفاً لمزيد من المخاطر. إذ أن التضييق المتواصل على المنشقين والمتخلفين عن العسكرية والمطلوبين أمنياً، تسبب بتصاعد موجات النزوح من المنطقتين بشكل محسوس خلال العام ٢٠

 

[1]  * مازن عزي باحث وصحافي سوري يعمل في مشروع المسارات السورية الذي يشرف عليه مركز روبرت شومان للدراسات العليا في معهد الجامعة الأوروبية. وهو أيضاً محرر قسم السكن، الأرض والملكية في موقع سيريا ريبورت. تركز أبحاثه على الديناميات الاجتماعية والاقتصادية في مناطق سيطرة النظام في سوريا.

[2]  أغنيس فافييه، فادي عادلة، "اتفاقيات المصالحة في سوريا"، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا، إيطاليا: مشروع "زمن الحرب وما بعد الصرع في سوريا"، معهد الجامعة الأوروبية)، ا حزيران ٢٠١٧، https://bit.ly/3SFz34s

[3] خضر خضور وكيفن مازور، محرران، "الوسطاء المحليون في سوريا ما بعد ٢٠١١ التحول والاستمرارية"، (بيروت، لبنان: مؤسسة فريدريش إيبرت، ٢٠١٩)

[4] عبد الله الجباصيني، "الحوكمة في درعا جنوب سوريا: أدوار الوسطاء العسكريين والمدنيين"، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا، إيطاليا: مشروع "زمن الحرب وما بعد الصرع في سوريا"، معهد الجامعة الأوروبية)، ٤ تشرين الثاني ٢٠١٩، https://bit.ly/3bDhVa8

[5]  مازن عزي، "مصالحات ريف دمشق: هل من تمثيل باقٍ للمجتمعات المحلية؟"، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا، إيطاليا: مشروع "زمن الحرب وما بعد الصرع في سوريا"، معهد الجامعة الأوروبية)، ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/3kx7k6R

[6] قاد لواء الفرقان منذ تأسيسه محمد ماجد الخطيب، والمقيم خارج سوريا بعد المصالحة. ويمثّل ماجد الخطيب، جسراً بين أبرز وجهاء العائلتين الكبيرتين في كناكر عباس والخطيب، عبر علاقة مصاهرة.

[7] الموك هي غرفة عسكرية خارجية ومقر قيادة وتنسيق أدارتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأردن وبعض دول الخليج، وتشكلت في العام ٢٠١٣ وتلاشي دورها بعد اتفاق المصالحة في الجنوب السوري في العام ٢٠١٨. كانت تضم الغرفة فصائل من المعارضة السورية المسلحة في درعا والقنيطرة وريف دمشق.

[8] مقابلة مع ناشط حقوقي من زاكية، عبر تلغرام، ١٥ كانون الثاني ٢٠١٢.

[9] عملية المصالحة تتضمن تسوية وضع أمنية وهي تحقيق يقوم به ضباط من مختلف الأجهزة الأمنية، ويتعهد الشخص الخاضع له بعدم القيام بأي نشاط معارض. الأجهزة الأمنية تدرس الملف، وبعدها تصدر إما قراراً برفض التسوية فيصبح الشخص مطلوباً لها، أو قبولاً للتسوية ويتبعها اصدار بطاقة تسوية تسمح لصاحبها بالتنقل المقيد ضمن منطقة محددة ضمن مهلة زمنية لالتحاقه بقوات النظام لتأدية الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية. كما تتيح التسوية لصاحبها الانضمام لإحدى المليشيات الموالية للنظام، والملتحقون بهذه الميليشيات يطلق عليهم اسم عناصر التسويات.

[10]  تمت هذه الجولة من المفاوضات بوساطة الإعلامية الموالية للنظام كنانة حويجة، التي قامت في الفترة نفسها بتسهيل التوصل لبعض المصالحات في ريف دمشق الغربي.

[11] توفي الشيخ طعمة بتأثير فيروس كورونا في تشرين الثاني ٢٠٢٠.

[12] هذا، عدا عن كتلة كبيرة من المنشقين والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، والمطلوبين أمنياً لقوات النظام، ممن لم يقوموا بالمصالحة أيضاً.

[13] اتهم الشيخ صلاح بإصدار فتوى خلال فترة سيطرة المعارضة، أجازت قتل عناصر قوات النظام.

[14] صوت العاصمة، "بعد اعتقال أحد شيوخها.. أهالي كناكر يحاصرون مخفر البلدة ويهددون باقتحامه"، ٩ تشرين الثاني ٢٠١٩، https://bit.ly/42bOS7n

[15]  بقيادة قادة التسوية معاوية طعمة وياسر الفهاد.

[16]  شهادة مكتوبة لقيادي في لواء العاديات عن وقائع تلك الحادثة، حصل عليها المؤلف في حزيران ٢٠١٩.

[17]  يعطى من أجرى التسوية الأمنية مهلة ستة أشهر قبل التحاقه بالخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية، في حين يعطى طلاب المرحلة الثانوية والجامعية تأجيلات إدارية لمدة سنة.

[18] مقابلة مع مصدر حقوقي مقيم في فرنسا، عبر واتس اب، ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٢.

[19]  صوت العاصمة، "ريف دمشق: النظام يفضّ احتجاجات “كناكر” بالأسلحة الثقيلة، ومجهولون يستهدفون عميداً في أحد حواجزها"، ٢٢ ايلول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3EKLNB5

[20] صوت العاصمة، "بعد تهديدات متكررة.. جيش النظام في كناكر، واستخباراته تشنّ حملة تفتيش واسعة"، ٣ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3L6Ugmv

[21]  صوت العاصمة، "انطلاق عملية التسوية الأمنية في كناكر، واستخبارات النظام تجتمع بالأهالي"، ١٢ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3YfBlsu

[22]  القاضي بمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة قبل تاريخ ٣٠ نيسان ٢٠٢٢. للمزيد انظر: بيتر بوث، "التلاعب بالصدمة الوطنية: استغلال نظام الأسد العفوَ الرئاسي في زمن الحرب"، ملخص سياسات، (فلورنسا، إيطاليا: مشروع "زمن الحرب وما بعد الصرع في سوريا"، معهد الجامعة الأوروبية)، تشرين الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3y4WpXZ

[23]  صوت العاصمة، "شجار وإطلاق رصاص وإصابة.. ماذا حدث في مركز تسويات زاكية؟"، ٢٣ كانون الثاني ٢٠٢٢، https://bit.ly/3kDpsia

[24] سانا، "بعد تسوية أوضاع المشمولين.. انتهاء عملية التسوية في منطقة الكسوة- فيديو"، ٣ شباط ٢٠٢٢، https://bit.ly/3J8kfsk

[25] سانا، "اعترافات الإرهابيين: شغلنا شخص تابع لما يسمى (لواء الفرقان) وأقدمنا على تفجير سيارات في دمشق وريفها مقابل مبالغ مالية"، ١١ نيسان ٢٠٢٠، https://bit.ly/3y4Z3Np

[26] صوت العاصمة، "إعلام النظام يبثّ اعترافات لشبان عن مسؤولية تنفيذ تفجيرات دمشق وريفها"، ١٢ نيسان ٢٠٢٠، https://bit.ly/3SEMMZA

[27]  أحمد الإبراهيم، "النظام السوري يهدّد سكان بلدة قرب دمشق بالتهجير"، العربي الجديد، ١٩ نيسان ٢٠٢٠، https://bit.ly/3IFLpFf

[28]  مقابلة مع ناشط حقوقي من زاكية مقيم في تركيا، عبر تلغرام، ١٨ كانون الأول ٢٠٢٢.

[29]  سليمان المطر، "عين روسيا على ريف دمشق"، الحل، ٢١ كانون الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/3KLNDWr

[30]  صوت العاصمة، "بعد أيام على التوتر الأمني.. وفد روسي يزور كناكر بريف دمشق الغربي"، ١٩ كانون الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/3SDGrO5

[31]  صوت العاصمة، "صراع الولاء في كناكر.. الأمن العسكري يجتمع بالأهالي، ووفد روسي يزور البلدة"، ٢٥ كانون الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/3IM5FVM

[32] مقابلة مع صحفي من كناكر مقيم في العراق، عبر تلغرام، في ٢ كانون الثاني ٢٠٢٣.

[33] عزيز شودب أبلغ مقاتلي التسوية من زاكية بأن مهمتهم في ليبيا ستكون حماية المنشآت الروسية وحقول النفط. وعندما شرح لهم مندوبون من فاغنر طبيعة مهمتهم القتالية بعد وصولهم إلى مركز تجمع للقوات في حمص، طلب ١٥ مقاتلاً الغاء عقودهم. وعلى إثر ذلك ألغى الجانب الروسي تكليف عزيز شودب بمتابعة مهمة التنسيق مع قوات فاغنر لتجميد المقاتلين في منطقة الكسوة. للمزيد: صوت العاصمة، "بعد ساعات على مسيرها.. مجموعة من أبناء زاكية تُلغي عقود قتالها في ليبيا"، ٢٨ ايار ٢٠٢٠، https://bit.ly/3KLPmen

[34]  صوت العاصمة، "ريف دمشق: برقيات اعتقال بحق رئيس لجنة المصالحة وأحد أعضائها في كناكر"، ٦ تشرين الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/41HMKV0

[35]  صوت العاصمة، "النظام يُهدّد بقصف كناكر والتهجير القسري إلى الواجهة مجدّداً"، ٣ اذار ٢٠٢٢، https://bit.ly/3IKnxQO

[36] كانت الفرقة الرابعة قد انسحبت في كانون الأول ٢٠٢١، من محيط مدينة زاكية بالتزامن مع إعادة انتشار قواتها في الجنوب السوري، وتسلم الأمن العسكري بعض تلك المواقع منها. في نيسان ٢٠٢٢، تسرب تعميم من الفرقة الرابعة تمنع بموجبه ضباطها وعناصرها من دخول زاكية حرصاً على سلامتهم من عمليات "إرهابية" محتملة. ويبدو أن تسريب ذلك التعميم يأتي ضمن الصراع على النفوذ والسيطرة بين الأجهزة الأمنية والعسكرية في المنطقة. للمزيد انظر: المدن، "دمشق: الفرقة الرابعة تمنع دخول عناصرها الى زاكية"، ٣٠ نيسان ٢٠٢٢، https://bit.ly/3mieEXk

[37]  للمزيد عن انتخابات الإدارة المحلية اقرأ: زياد عواد، "انتخابات المجالس المحلية في سوريا ٢٠٢٢: المزيد من تجذّر شبكات النظام"، تقرير مشروع بحثي، ضمن مشروع المسارات السورية في برنامج مسارات الشرق الأوسط ضمن مركز روبرت شومان للدراسات العليا بالجامعة الأوروبية بفلورنسا، ٩ كانون الأول ٢٠٢٣، https://bit.ly/3y37pVA

[38]  صوت العاصمة، "زاكية: بورصة الأصوات تنتهي بشجار بالأيدي خلال انتخابات مجلس المحافظة"، ١٩ أيلول ٢٠٢٢، https://bit.ly/3y2OeeT

من نحن

  •  

    أسَّسَ مركز روبرت شومان للدراسات العليا في معهد الجامعة الأوروبية برنامج مسارات الشرق الأوسط في العام ٢٠١٦، استكمالاً للبرنامج المتوسّطي الذي وضع المعهد في طليعة الحوار البحثي الأورومتوسّطي بين العامَين ١٩٩٩ و ٢٠١٣.

    يطمح برنامج مسارات الشرق الأوسط إلى أن يصبح جهة مرجعية دولية للأبحاث التي تتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تنظر في التوجّهات والتحوّلات الاجتماعية-السياسية، والاقتصادية، والدينية. ويسعى البرنامج إلى تحقيق هدفه هذا من خلال تشجيع البحث متعدّد التخصّصات بناءً على نتائج العمل الميداني، والتعاون مع باحثين من المنطقة. ويفيد البرنامج من خبرة باحثين ناطقين بلغات المنطقة الرئيسة، بما فيها العربية الفصحى والعامية، والفارسية، والطاجيكية، والتركية، والروسية.

    للمزيد ...
Funded by the European Union