يمكن تنزيل منشورات المشروع لأغراض البحث الشخصية فقط. إن أيّ استنساخٍ إضافيّ لأغراض أخرى، سواء على شكل نسخ مطبوعة أم إلكترونية، يتطلّب موافقة المؤلّفين.
أما في حال الاستشهاد بالنص أو اقتباسه، فيجب الإشارة إلى الأسماء الكاملة للمؤلّفين والمحرّرين، إضافةً إلى العنوان، والسنة التي نُشِر فيها، والناشر.
ملخّص تنفيذي
اعتمدت تركيا على القوة العسكرية لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تطويق نشاط وحدات حماية الشعب الكردية، والتي تنظر إليها بوصفها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وشنّت تركيا ثلاث عمليات عسكرية بين ٢٠١٦ و٢٠١٩ في ريف حلب الشمالي وعفرين وريف الرقة الشمالي وغرب الحسكة.
وبينما بقي الهدف الاستراتيجي واحداً خلال تلك العمليات، إلا أن السياسة التركية تجاه تلك المناطق تباينت على عدة مستويات. فعلى المستوى الأمني، فقد أظهرت القوات التركية قسوة شديدة للغاية في منطقة عفرين ("غصن الزيتون")، في حين كانت لينة في منطقة ريف حلب الشمالي ("درع الفرات")، مع تباين واضح في سياستها بين مدينتي تل أبيض ورأس العين رغم وقوعهما في منطقة عمليات واحدة ("نبع السلام"). كما أطلقت تركيا يد الفصائل الموالية لها ضد السكان الأكراد، ولا سيما في عفرين، في حين أبدت الفصائل درجة انضباط أعلى في بقية المناطق. كذلك ميّزت السياسة التركية بين المناطق على المستوى الخدمي مثل الإمداد بالكهرباء وصيانة شبكات الطرق. كما مارست تركيا عمليات استهدفت تغيير التركيبة السكانية لمنطقة عفرين خصوصاً، حيث أسكنت عائلات النازحين والمقاتلين الموالين لها في منازل الأكراد المهجّرين، ونقلت النازحين التركمان من حمص واللاذقية إلى المناطق المتاخمة للحدود السورية-التركية.
ويعود هذا التباين في السياسات إلى هاجس الأمن القومي التركي المتصاعد، والذي يتمحور حول تفكيك مشروع الإدارة الذاتية الكردية وتأمين شريط حدودي بعمق ٥ كم داخل الأراضي السورية، ومن هنا تحظى المدن والتجمعات الواقعة على هذا الشريط بأهمية كبيرة وأولوية الحصول على الخدمات بهدف ترغيب السوريين بالإقامة فيها. أما تشابهات السياسة التركية عبر مناطق النفوذ الثلاث فشملت التمركز في معسكرات كبيرة محدودة ونقاط حراسة متقدمة لمواجهة مقاتلي وحدات حماية الشعب. كذلك تم اتباع التقسيم الإداري التركي نفسه في المناطق الثلاث على حساب أشكال الحكم والقوانين التي عملت بها الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، ليجري تقديم الخدمات عبر المؤسسات التركية نفسها وإن بمعايير وحسابات مختلفة. ويعود هذا التشابه إلى رغبة أنقرة بضبط المنطقة أمنياً وإدارياً عبر نموذج مألوف ومنع الحكومة المؤقتة من لعب دور يتجاوز المصالح التركية.
ملخص تنفيذي
بعد عامين من استعادة النظام السوري سيطرته عسكرياً على جميع أنحاء ريف دمشق، يبدو مصير الفاعلين الإجتماعيين المؤثرين، من وجهاء ورجال دين ورجال أعمال ونشطاء مدنيين وقادة عسكريين، مختلفاً من منطقة إلى أخرى، تبعاً لعوامل متعددة منها مستوى التهجير والتدخل الأجنبي. وقد ظهر نتيجة التحليل وجود ثلاثة نماذج متمايزة.
النموذج الأول، يمثّل المناطق التي خضعت لحرب عنيفة، نتج عنها تهجير قسري لكامل أو معظم السكان، مدعوماً بقوة التدخل الأجنبي. وفي هذه المناطق، التي باتت رهينة النفوذ الأجنبي، خضعت المجتمعات المحلية لصدمة كبيرة، تخلخل معها نسيجها الاجتماعي، وفقدت أبرز فاعليها الاجتماعيين. النموذج الثاني، ويمثّلُ المناطق التي شهدت تهجيراً جزئياً، وسط تدخل خارجي محدود. وفي هذه المناطق تراجع دور وحضور الفاعلين الاجتماعيين المحليين الذين قرروا البقاء بعد المصالحة. النموذج الثالث، ويشمل مناطق شهدت تهجيراً جزئياً، وسط تدخل خارجي محدود، ولكن تمكن الفاعلون فيها من الاستمرار ضمن أشكال متعددة. التمايز في مصائر الفاعلين ضمن هذه النماذج الثلاثة، هو أشبه بمسارات متوازية عاشتها مناطق ريف دمشق ذات الخلفيات الاجتماعية المتقاربة، بعدما أثرت عليها مجموعة مختلفة من العوامل الداخلية والخارجية.
ملخّص تنفيذي
تربط روسيا علاقة وثيقة وقديمة بسوريا تعزّزت استراتيجياً بين الاتحاد السوفياتي ونظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في سبعينيات القرن الفائت، ثم أصبحت متينةً مع نظام نجله، الرئيس الحالي بشار الأسد، على أثر تفعيلها في الحرب السورية. فبعد أن فقد الأسد الابن، منذ بداية الانتفاضة السورية في العام ٢٠١١، السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، جاء التدخّل العسكري الروسي لصالح النظام السوري في أيلول ٢٠١٥ ليغيّر موازين القوى. وقد أفضى هذا التدخّل إلى استثمار الشركات الروسية في قطاعات مهمّة من الاقتصاد السوري المتهالك بفعل الحرب، أبرزها مناجم الفوسفات.
الواقع أن للاستثمار الروسي في الفوسفات بُعداً جغرافياً ومناطقياً في سوريا، حيث يُظهِر اقتصاد الفوسفات الحضور الروسي على شكل مثلّث، ضلعُه الأول مناجم الفوسفات قرب تدمر في حمص، والثاني معمل الأسمدة قرب قطينة في حمص، والثالث مرفأ طرطوس، الذي يُصدَّر الفوسفات والأسمدة منه إلى الخارج. تدير روسيا جميع مفاصل مؤسسات الفوسفات، ويبدو أن استثمارها في المناجم بلغ حدّ الانخراط في المجتمع المحلي السوري، داخلاً في تركيبة التقسيمة المناطقية في الساحل والداخل، ناهيك عن أن الحضور الروسي في المناجم ربَطَ البحر الأبيض المتوسط بالصحراء السورية.
وما كان هذا الحضور الروسي في الاقتصاد السوري ليكون ممكناً لولا الشراكة مع النظام السوري. فهذا الأخير يتواجد أمنياً وإدارياً في الاستثمار الروسي للفوسفات عبر الشراكة المباشرة وغير المباشرة بين الجانب الروسي والفرقة الرابعة التابعة للواء ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري. والشراكة المباشرة أمنيّة، تتكفّل بموجبها شركات الترفيق التابعة لرجال أعمال محسوبين على الفرقة الرابعة، نقل وحماية شحنات الفوسفات الخام الخارجة من المناجم إلى معمل الأسمدة في حمص، ثم مرفأ طرطوس. أما الشراكة غير المباشرة فتتمثّل في الوجود الإداري للفرقة الرابعة بواسطة شركة خاصة تدعى صدى لخدمات الطاقة، وهي شركة وسيطة بين الإدارة الروسية والعاملين السوريين، والوكيل القانوني للشركة الروسية "ستروي ترانس غاز" المستثمرة في المناجم، ومعمل الأسمدة، ومرفأ طرطوس.
لكن على الرغم من استثمار "ستروي ترانس غاز" في القطاع عبر عقودٍ مع الحكومة السورية لاستخراج الفوسفات، وإنتاج الأسمدة، وتصديرهما عبر المرفأ، لا تزال تعترض الإدارة الروسية للمؤسسات السورية عقباتٌ ومشاكل عدّة. ففي الفترة الأولى من الاستثمار الروسي، الذي يُفترَض أن تدوم لنصف قرن قادم، تعاني إدارةُ الشركة الروسية "إس تي جي إنجينيرينغ"، المستثمرة لمعمل الأسمدة ومرفأ طرطوس، والتابعة لـ"ستروي ترانس غاز"، حالةً من الارتباك والتخبّط، جرّاء المشاكل الناجمة عن الهيكلية الإدارية الضعيفة للمؤسسات السورية التي تديرها، والتفشّي الكبير للفساد فيها. وتتفاقم هذه المشاكل أكثر بفعل العقوبات الغربية على النظام السوري، والعلاقة المتوتّرة بالعاملين والموظّفين السوريين في تلك المؤسسات، ما يعيق إنتاج الشركة.
ملخّص تنفيذي
في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أُجريت انتخابات مجلس الشعب السوري في تموز 2020 بعد أن تأجلت مرتين عن موعدها السابق احترازاً من تفشي جائحة كورونا. وبالرغم من أن شعارات الحملة الانتخابية التي أطلقها المرشحون، لا سيما المستقلون منهم، تركزت حول الهم الاقتصادي، واقترنت بمساهمات خيرية دعائية من المرشحين، إلا أنها لم تجعل الانتخابات محل اهتمام لدى أغلبية السكان في مناطق سيطرة النظام.
وكما المعتاد، سيطر حزب البعث على أغلبية المقاعد في المجلس المتشكل، وبحضور ضئيل إلى جانبه تمثلت بعض الأحزاب الهامشية المتحالفة معه ضمن ما يعرف بالجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها البعث نفسه، في حين احتل المستقلون المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد بعد أعضاء البعث، مع التذكير بأن الفرز على أساس الانتماء السياسي لا يُحيل إلى معانٍ سياسية متباينة في الموقف تجاه النظام، فالولاء له شرط بديهي يجب أن يتحقق في حالة جميع الأعضاء الـ٢٥٠ بل وحالة جميع المرشحين.
بالرغم من احتفاظ حزب البعث باحتكار العدد الأكبر من مقاعد مجلس الشعب، إلا أن الانتخابات أظهرت عجز قيادته عن إحياء الحزب كأداة سياسية فاعلة وقادرة بقواها الذاتية على التأثير. فقد كشفت تجربة الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحي الحزب ضآلة المشاركة فيها، فضلاً عن اتهامات الفساد والاعتراضات الواسعة التي طالتها داخل الحزب من جهة، وعجز الحزب عن دفع الناس إلى التصويت وفق ما تثبت نسب المشاركة – الأدنى من أي انتخابات سابقة – من جهة أخرى. وأفرزت محاولات تجديد أعضاء مجلس الشعب المزيد من التناقضات، التي تجسدت باتساع الطيف العسكري وشبه العسكري في كتلة أعضاء الحزب (مع صعود الضباط المتقاعدين من الجيش والشرطة) وتصاعد تأثير رأس المال (مع المزيد من رجال الأعمال) وتأثير مراكز قوى خارج الحزب (مع دخول ناشطين في الحقل الخيري والتنموي مدعومين من أسماء الأسد)، ما خلق كتلاً غير متجانسة ضمن كتلة البعث النيابية التي تعبر إلى حد كبير عن واقع الحزب كله اليوم، ليبدو أضعف مما كان قبل اندلاع الثورة.
وفق المؤشرات التي أظهرتها الانتخابات، لم تكن مقاربة النظام نحو مُواليه واحدة، فبينما أبدى حرصاً واضحاً على تمثيل النخب التقليدية من الأقليات، وتمثيل الناشطين في قضايا جرحى الحرب وعائلات القتلى من الجنود منها، إلا أنه لم يكن مبالياً بتمثيل النخب التقليدية الموالية من العرب السنّة، حيث تناقص عدد شيوخ العشائر، وغاب التيار الديني السني نهائياً عن المجلس، رغم الأدوار التي ما يزال يؤديها القادة الرسميون لهذا التيار. ويبدو أن أثرياء الحرب وقادة الميليشيات والضباط المتقاعدين هم البديل الذي اختاره النظام ليقود الأوساط الموالية في المجتمعات العربية السنية في المناطق الخاضعة لسيطرته.
في وقت تراجعت فيه حدة النزاع المسلح وتصاعدت التحديات الاقتصادية، عكست نتائج الانتخابات سعي النظام لتوسيع شراكته مع أثرياء الحرب، الذين أضفوا على مجلس الشعب ٢٠٢٠ صبغة أموال الحرب. فقد تزايد عدد رجال الأعمال إلى ٤٣ عضواً في دورة ٢٠٢٠، بينهم ٣٠ يدخلونه لأول مرة. ومع استبعاد رجال أعمال بارزين في دمشق وحلب، لم يكن معظم رجال الأعمال الفائزين يحظون بشهرة واسعة في وسط الأعمال قبل ٢٠١١ أو قبل وصولهم إلى مجلس الشعب، فقد راكم هؤلاء ثرواتهم أو الجزء الأكبر منها خلال الحرب، بالاتكاء على العلاقات الوثيقة التي تربطهم بمراكز القرار في دوائر النظام، ومن خلال العمل بأربعة مجالات رئيسية غير منتجة ازدهرت في ظل الحرب، هي أعمال التهريب، ومقاولات البناء وتجارة الغذائيات، والوساطة المالية. وبالمقارنة مع الانتخابات السابقة عام ٢٠١٦، حين كان انخراط بعض رجال الأعمال في الأنشطة العسكرية والأمنية الرصيد الأهم الذي أهّلهم للوصول إلى مجلس الشعب، أصبحت الخدمات الاقتصادية التي قدمها الطامحون منهم بالفوز بعضوية مجلس ٢٠٢٠ في المقدمة. فقد شارك معظمهم في الحملات الوطنية التي أطلقتها الحكومة لمواجهة جائحة كورونا أو لدعم الليرة السورية، أو في تقديم الخدمات المتنوعة في مناطقهم، في وقت تعاني فيه مؤسسات الدولة من العجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. قد تشير الزيادة الكبيرة في تمثيل رجال الأعمال بمجلس ٢٠٢٠ إلى عزم النظام على إشراكهم في محاولات النجاة من تأثيرات الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
أخيراً، كشفت انتخابات ٢٠٢٠ عن جانب من التغيرات التي حدثت في الحلقة الحاكمة العليا المحيطة ببشار الأسد، فقد غاب عنها تأثير رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الأسد، وتصاعد بوضوح دور أسماء الأسد زوجة بشار، ولا سيما من خلال وصول ناشطين في الحقل الخيري والتنموي محسوبين عليها إلى المجلس، بالإضافة لانتخاب أو إعادة انتخاب أعضاء آخرين مرتبطين مباشرة بموظفي القصر الجمهوري أو بالزوجين الرئاسيين. وبرز تأثير أسماء الأسد في دوائر دمشق وطرطوس وريف دمشق على وجه خاص، في حين حافظ ماهر الأسد، شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة، على نفوذه بكتلة متجددة من التجار والمهربين المرتبطين بالشبكة الاقتصادية الخاصة بهذه الفرقة، وبما يتناسب مع خريطة انتشارها في ريف دمشق وأجزاء من محافظتي الرقة ودير الزور. وبأهداف ومصالح متنوعة، تجدد التدخل الإيراني، حيث تلقى ما لا يقل عن ١١ عضواً دعماً واضحاً من الإيرانيين لدخولهم مجلس الشعب عام ٢٠٢٠ (ليصعد من ٨ أعضاء تقريباً في دورة ٢٠١٦). وتركز التأثير الإيراني في المناطق المحاذية لنهر الفرات، في دائرة مناطق حلب خصوصاً ثم الرقة ودير الزور شمال شرقي البلاد.
للإطلاع على كامل التقرير البحثي الرجاء
ملخّص تنفيذي
أدى تحرير الاقتصاد، المتزايد بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة قبل عقد من الانتفاضة السورية، إلى تعميق ظروف المعيشة والعمل الصعبة لدى قطاعات واسعة من القوى العاملة في البلاد. وقد تردّى الوضع العام من النواحي كافّة مع بدء الحرب، إذ تقلّصت القوى العاملة بشكل كبير على خلفية دمار البنية التحتية، والعسكرة، والتهجير القسري لملايين السوريين. وفي الوقت نفسه، ارتفعت مشاركة النساء في سوق العمل بشكل ملحوظ، ولكن دون تعزيز دورهنّ الاجتماعي أو الاقتصادي في المجتمع.
يمارس النظام السوري القمع ضد النشاط المستقل للعمال والفلاحين. وقد فرض آلية للتحكم بهم عبر الاتحاد العام لنقابات العمال والاتحاد العام للفلاحين ومؤسسات أخرى، إضافة إلى سياسات مبنية على الزبائنية، والولاء السياسي والطائفي، والتمييز الإثني فرضت عوائق جدية أمام بروز أي حركة عمالية منظّمة ذاتياً وصاحبة هوية طبقية واضحة. وتحت حكم حزب البعث، أًعيد إنتاج وتصوير اتحادات العمال والفلاحين ونقابات المهنيين بصفتها جزءاً من النظام، في خطاب الدولة وتمثلاتها الداخلية والخارجية، كما في تقديمها لخدمات معينة بعد عام ٢٠١١. لقد كانت وظيفة الاتحاد العام لنقابات العمال تعزيز سياسات النظام وتحكّمه بالمجتمع.
لم تمنع هذه الظروف ظهور أشكال صغيرة من الاحتجاج والمعارضة العمالية ضد تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ولكن تلك المعارضة لم تزعزع استقرار النظام بشكل حقيقي. إن غياب حركة عمالية في سوريا يشكل عقبة حقيقية أمام تحسين الأوضاع المعيشية لمختلف قطاعات القوى العاملة.
ملخّص تنفيذي
وجد رجالات النظام السوري الأمنيون والعسكريون والسياسيون قرار الترخيص للشركات الأمنية الخاصة فرصةً استثماريةً جديدة، ومدخلاً إلى زيادة نفوذهم، وإيجاد موارد اقتصادية جديدة مغطّاة بشكل رسمي. وقد عكست تلك الشركات قوة الشبكات الزبائنية بين رجال الأعمال والمستثمرين، وبين القادة الأمنيين والعسكريين والسياسيين.
جاء ظهور تلك الشركات ردَّ فعلٍ على الخلل الأمني في مرحلة ما بعد العام ٢٠١١، حيث عوّض نشاطها إلى حدّ كبير عن النقص في عديد الشرطة، وساهمت في توفير الحماية لرجال الأعمال ومنشآتهم. كذلك حدّت تلك الشركات من تزايد نسبة الجريمة، وعمليات الخطف والابتزاز التي تعرّض لها رجال الأعمال بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة.
وقد ساعدت الشركات الأمنية أيضاً النظام السوري في الحفاظ على ولاء مقاتلي الميليشيات وأُسَر القتلى، من خلال تأمين فرص عملٍ لهم فيها بعد حلّ عددٍ كبيرٍ من الميليشيات، ناهيك عن فرص العمل التي أتاحتها لطلبة الجامعات من أبناء الطائفة العلوية في حمص ودمشق.
ملخّص تنفيذي
دفع التحول إلى اقتصاد السوق، في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، النظام السوري إلى تبني إطار مرن جديد لحكمه السلطوي. وقد تمثلت هذه المرونة جزئياً في التشجيع الحكومي للمجتمع المدني السوري، بهدف تعويض انسحاب الدولة التدريجي من الضمان الاجتماعي، ولكن مع البقاء تحت وصاية الدولة وإشرافها. وبعد اندلاع الثورة السورية، زادت الدولة من إنفاقها العسكري لمحاربة مجموعات المعارضة المسلحة، ليطال البنية التحتية للبلاد أضرار جسيمة. ولمواجهة الوضع الاقتصادي المتدهور، تم تكليف المنظمات غير الحكومية المنظمة حكومياً والجمعيات الخيرية الموالية، بجذب التبرعات الدولية لتمويل توفير الخدمات، ولتنفيذ نظام مكافآت على نطاق واسع موجه للموالين للأسد، كذلك لتجنيد متطوعين للميليشيات والمنظمات الموالية للنظام.
تعتمد غالبية الجمعيات الموالية على المساعدات التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر. وعادة ما تبدأ هذه الجمعيات بتوفير الغذاء وإمدادات الطاقة للمجتمعات الموالية. وفي مرحلة لاحقة، تعمل على تعزيز دورها تدريجياً عبر بالمشاركة في توفير الخدمات، مثل مشاريع المياه والصرف الصحي وبرامج الإنعاش المبكر. ومع ازدياد نفقاتها، تلجأ هذه الجمعيات إلى تنويع مصادر إيراداتها، والاستثمار في مشاريع وأنشطة مختلفة، مثل تقديم القروض المصغرة وإزالة الأنقاض ومشاريع البنية التحتية الصغيرة والخدمات الصحية.
يُظهر تطور هذه الجمعيات أثناء الصراع ثلاث نتائج مهمة. أولاً، يستغل النظام المنظمات غير الحكومية المنظمة حكومياً لإجراء رقابة صارمة على جهود المساعدات الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة، وتقديم المساعدة إلى مواليه. ثانياً، تستخدم الجمعيات المقربة من النظام هذه المنظمات لتعزيز نفوذهم، وبالتالي التنافس مع أقرانهم على الغنائم التي يتيحها قطاع الجمعيات. ثالثاً، أظهرت الجماعات المسلحة ميلاً قوياً لفرض سلطتها المحلية، عن طريق توفير الخدمات ومشاريع البنية التحتية، وبالتالي تمكنت من زيادة استقلاليتها.
مقدّمة
توالى خروج المظاهرات في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية، منذ ٦ حزيران ٢٠٢٠. ورفعت المظاهرات سقف شعاراتها السياسية إلى حدّ المطالبة باسقاط النظام السوري، وتحميل الرئيس بشار الأسد مباشرة مسؤولية الفشل في معالجة الأزمات الاجتماعية والوطنية. المظاهرات استعادت بعض شعارات الثورة السورية، بعد أكثر من خمسة أعوام على آخر مظاهرة معارضة للنظام في السويداء. وإذ رفعت المظاهرات، للمرة الأولى في سياق الثورة السورية، شعارات ذات أبعاد اجتماعية مثل "خبز، حرية، عدالة اجتماعية"، فإنها ركزت أيضاً على البعد الوطني بالهتاف التضامني مع بقية المحافظات السورية والمطالبة بإخراج القوات الإيرانية والروسية من سوريا.
وتأتي مظاهرات السويداء الأخيرة وسط انهيار متواصل لقيمة صرف الليرة السورية وقدرتها الشرائية إلى حدود غير مسبوقة،[1] وسط ثبات لمتوسط الأجور لعمال القطاعين الخاص والعام.[2] كما أن ملاحقة الأجهزة الأمنية لشركات تحويل الأموال التي لا تلتزم بسعر صرف الدولار الرسمي، أثر على قيمة المساعدات والتحويلات التي يرسلها أبناء السويداء المغتربين في الخليج وأوروبا. وترافق ذلك مع أزمة وباء كوفيد-١٩ عالمياً التي أثرت على أعمال الكثير من أبناء المحافظة العاملين في الخارج، وتسببت في كثير من الحالات بعودة كثيفة لهم إلى سوريا من دول الخليج ولبنان، بعدما فقدوا أعمالهم، خلال شهري نيسان وأيار. ذلك المزيج من العوامل تسبب بتراجع شرائح سكانية واسعة إلى ما تحت خط الفقر، وسط عجز شبكات التضامن الأهلية الدرزية القائمة سابقاً على أسس عائلية أو دينية عن احتواء تداعيات هذا الإفقار غير المسبوق.
وسبق المظاهرات الأخيرة، سلسلة اعتصامات ومظاهرات محدودة مطلع العام ٢٠٢٠ تحت عنوان "بدنا نعيش" ركزت على الجانب المعيشي المطلبي فقط، وتجنبت الخوض في الشعارات السياسية. وتسببت الحرائق المتكررة التي طالت في شهري نيسان وأيار مساحات واسعة من سهول القمح غربي السويداء والمناطق الحراجية شرقاً، بموجة غضب شعبية واسعة، حمّلت مؤسسات الدولة السورية المسؤولية بالفشل في اخمادها. وتداعى عدد من النشطاء لإقامة اعتصامات متعددة للتنديد بالحرائق، نهاية أيار، ومنها انبثقت فكرة المظاهرات الأخيرة.
مقدّمة
منذ استيلائه على الغوطة الشرقية، عمل النظام السوري على إدارة بلداتها عبر مؤسساته الأمنية. ونظراً لهشاشة مؤسسات الدولة بعد تسع سنوات من الحرب، يعتبر فيروس كورونا أحد أكبر الإشكاليات التي يواجهها النظام السوري اليوم، خصوصاً في المناطق التي استعادها مؤخراً. ومع انتشار الوباء في سوريا، حيث تم تسجيل ٤٤ إصابة في بداية أيار٢٠٢٠ في جميع أنحاء البلاد،[1] اتخذ النظام السوري تدابير وقائية صارمة في الغوطة الشرقية عبر وزارة الداخلية، في محاولة للحد من انتشار الوباء.
وفقاً لسلسلة القرارات الصادرة من وزارة الداخلية، فُرض حظر تجوال في ٢٧ آذار ٢٠٢٠ بين دمشق وريفها. إلا أن هذه القرارات لم تشمل جميع المناطق، واقتصرت على المناطق التي استعادها النظام مؤخراً مثل الغوطة الشرقية.[2] وفي مطلع نيسان، أعلنت وزارة الصحة عن إصابات في الغوطة الشرقية (دوما وحرستا وسقبا وحمورية).[3]
تأتي الإجراءات الحكومية المتخذة في الغوطة الشرقية على شكل تدابير أمنية أكثر من كونها وقائية. وبالتزامن مع تزايد إعلانات الحكومة السورية عن انتشار فيروس كورونا، عمد النظام السوري إلى توسيع تواجد الفرق التابعة لحزب البعث بهدف تعزيز سلطته في هذه المناطق.
مقدّمة
قاد النظام وحلفاؤه عدة عمليات عسكرية منذ نيسان ٢٠١٩، قضمت منطقة خفض التصعيد الرابعة، شمال غرب سوريا، وأفضت إلى سيطرة قوات النظام على ريف حماة الشمالي وأجزاء من إدلب. وفي منتصف كانون الأول ٢٠١٩، باشر النظام عملية عسكرية جديدة مدعومة بالقاذفات الروسية، وسيطر خلال شهرين ونصف، على طريق M5، الواصل بين مدينتي حلب ودمشق، وعلى المناطق الواقعة شرقه، ومناطق بعمق ٨ كم غربه، إضافة للسيطرة على جيب صغير شمال حلب. وتقدر المساحة التي خسرتها المعارضة في الهجومين بنحو ٣٠٠٠ كم٢.
أتى الرد التركي في نهاية شهر كانون الثاني ٢٠٢٠ بعد أن سيطر النظام وحلفاؤه على معرة النعمان ثاني أكبر مدن محافظة إدلب، الواقعة على طريق M5، اعتبرت تركيا أن استمرار الصراع يطال أمنها القومي، فسعت الى وقف الهجوم عن طريق إرسال نحو ٢٠ ألف جندي إضافي خلال شهرين، وأنشأت نقاط مراقبة جديدة على طريق M5.[1] في شهر شباط، بدأ أول اشتباك مسلح حقيقي بين تركيا والنظام السوري منذ عام ٢٠١١، حيث قتل النظام وحلفاؤه ٣٤ جندياً تركياً في جبل الزاوية، وردت عليه تركيا بقصف انتقامي واسع عبر عملية أطلقت عليها اسم درع الربيع في ١ آذار.[2]
كان يمكن أن تؤدي هذه المواجهة العسكرية المباشرة الأولى بين الجيشين التركي والسوري إلى تهديد العلاقة بين روسيا وتركيا. فأبرم البلدان سريعاً اتفاقية جديدة، في ٥ آذار (ملحق لاتفاقية سوتشي لعام ٢٠١٨)، أعادت العمل بوقف إطلاق النار الهش، فيما بقي الخلاف حول مستقبل إدلب مستمراً ومفتوحاً على احتمالات عنف متصاعدة.
لذا، يقع على عاتق الداعمين الدوليين مسؤولية كبيرة لحماية المدنيين ومنع انهيار الاتفاق، لأنه سينعكس سلباً على العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، ما يهدد بموجة كبيرة من اللاجئين مترافقة مع مخاطر فيروس كورونا، واحتمالات تدفق أعداد كبيرة من الجهاديين بين اللاجئين.
أسَّسَ مركز روبرت شومان للدراسات العليا في معهد الجامعة الأوروبية برنامج مسارات الشرق الأوسط في العام ٢٠١٦، استكمالاً للبرنامج المتوسّطي الذي وضع المعهد في طليعة الحوار البحثي الأورومتوسّطي بين العامَين ١٩٩٩ و ٢٠١٣.
يطمح برنامج مسارات الشرق الأوسط إلى أن يصبح جهة مرجعية دولية للأبحاث التي تتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تنظر في التوجّهات والتحوّلات الاجتماعية-السياسية، والاقتصادية، والدينية. ويسعى البرنامج إلى تحقيق هدفه هذا من خلال تشجيع البحث متعدّد التخصّصات بناءً على نتائج العمل الميداني، والتعاون مع باحثين من المنطقة. ويفيد البرنامج من خبرة باحثين ناطقين بلغات المنطقة الرئيسة، بما فيها العربية الفصحى والعامية، والفارسية، والطاجيكية، والتركية، والروسية.