مقدّمة
كانت منطقة شمال شرق سوريا قبل اندلاع الصراع السوري، من أقلّ المناطق نموّاً في سوريا، حيث عانت جفافاً حادّاً من العام ٢٠٠٤ حتى العام ٢٠٠٩،[1] فيما وصلت معدّلات البطالة في محافظة الحسكة إلى ٤٠ في المئة، وطالت الهجرة ما لا يقلّ عن ٤٢ في المئة من الأُسَر في العام ٢٠١١،[2] وانخفض دخل المزارعين ومُربّي الماشية بحلول العام ٢٠١٠، إلى ما يقارب الـ٩٠ في المئة.[3] وما كان إلا أن ازدادت هذه الصعوبات منذ العام ٢٠١١، على وقع الحرب وتدفّق النازحين، علماً أن المنطقة، وللمفارقة، تشكلّ سلّة سوريا الغذائية، إذ تنتج معظم القمح، والقطن، والشعير، والماشية، وتضمّ معظم الثروة الحيوانية في البلاد،[4] ناهيك عن أنها تحوي ٨٠ في المئة من نفط البلاد ومواردها من الغاز الطبيعي.[5] مع ذلك، شهدت المنطقة قدراً قليلاً جدّاً من الاستثمار في قطاعَي الصناعة والخدمات، في حين تولّت الحكومة المركزية إدارة مواردها الطبيعية من دون منفعةٍ تُذكَر لسكّانها.
عقب انسحاب النظام في تموز ٢٠١٢، سيطر حزب الاتحاد الديمقراطي فعلياً على بُنيتَي الأمن والحوكمة في شمال شرق سوريا، ثم أنشأ الإدارة الذاتية الديمقراطية في كانون الثاني ٢٠١٤.[6] وعلى الرغم من النجاح النسبي الذي حقّقته الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في مجالَي الأمن والدفاع، رفض النظام تسليم إدارة الموارد الطبيعية لها، ما أضعف شرعية حزب الاتحاد الديمقراطي.[7] ولكن هذا الوضع تغيّر إلى حدّ كبير بعد أن أعلنت الإدارة الذاتية الفدرالية من جانب واحد، في ١٧ آذار ٢٠١٦.[8] وأصبحت الإدارة بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي أكثر حزماً في حكم اقتصاد المنطقة الخاضعة لسيطرتها، بفضل القوّة التي استمدّتها من انتصاراتها المتعاقبة على تنظيم الدولة الإسلامية، بدعمٍ من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وتضمّ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا حالياً[9] أجزاء من محافظات الحسكة والرقّة ودير الزور، وتمتدّ على مساحة أكثر من ٥٠ ألف كيلومتر مربّع، في حين يبلغ عدد سكانها ٣،٢ ملايين نسمة.[10] ولئن كانت المنطقة تتمتّع ببعض العلاقات الدبلوماسية مع بلدان أخرى، لا يعترف النظام السوري، أو المعارضة، أو أيّ دولة أجنبية أو منظمة دولية، باستقلالها رسمياً.
وضع الأكاديميون مجموعةً كبيرةً من الكتابات التي تنظر في بُنية الحوكمة وجهاز الأمن في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا،[11] إلا أنهم لم يستكشفوا ويحلّلوا اقتصادها السياسي وماليّتها. فمعظم الأوراق التي نُشِرَت عن الموضوع تحلّل الأدبيات الرسمية للإدارة أو جوانب محدّدة لإدارتها المالية.[12] أما السبب في هذه الثغرة في الكتابات، فيعود إلى صعوبة الوصول إلى المعلومات، ونقص البيانات الرسمية المُتاحة علناً. وتحليل اقتصاد شمال شرق سوريا من شأنه أن يتيح للأكاديميين والعاملين في المجال تحديدَ الديناميّات التي تحكم تفاعل الإدارة الذاتية مع كلّ من قاعدتها الشعبية، والنظام، والمعارضة السورية، والبلدان المجاورة. وتتّسم محاولة تقديم مثل هذا التحليل بأهميةٍ خاصةٍ في ضوء احتمال عودة النظام إلى المنطقة، والسيناريوهات المحتملة لاندماج اقتصادها المحلي مجدداً مع بقية البلاد.
وسعياً إلى تسليط المزيد من الضوء على الموضوع، تحاول هذه الورقة رسم خارطةٍ لمختلف الأنشطة الاقتصادية القائمة في شمال شرق سوريا. فتستكشف أولاً الحوكمة والبنية الاقتصاديّتَين للإدارة الذاتية، وعملية تطبيق "السياسات الاجتماعية" الخاصة بحزب الاتحاد الديمقراطي. ثم تنظر الورقة في تدفّقات الإيرادات الأساسية للمنطقة، إضافةً إلى أنشطتها الاقتصادية، مع تركيزٍ على الضرائب والنفط والتجارة. أخيراً، تنظر بشكل معمّق أكثر في السياسات التي تنتهجها الإدارة الذاتية في القطاعَين الخاص والإنساني، ومساهمة هذين الأخيرَين في اقتصاد المنطقة. وتستند الدراسة بشكل أساسي إلى المواقع الإلكترونية الأساسية للإدارة الذاتية، وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى مقابلات مع موظّفين ومهنيين في مجالاتهم الخاصة، للحصول على معلوماتٍ وبياناتٍ إضافية.
الجزء الأول: البنية الاقتصادية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا
اعتمد حزب الاتحاد الديمقراطي، بعد إعلانه الأحادي عن تأسيس الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في كانون الثاني ٢٠١٤، دستوراً جديداً قائماً على فلسفة كونفدرالية أوجلان الديمقراطية، والتي سُمّيَت رسمياً ميثاق العقد الاجتماعي،[13] وتأثّرت بشكل أساسي بنظريات استقلال البلديات الذاتي التحرّري التي وضعها موراي بوكتشين.[14] لكن الإدارة الذاتية، وإن كانت تروّج اللامركزية الاجتماعية والسياسية، تحافظ على قدرٍ كبيرٍ من السيطرة على قطاعات اقتصادية رئيسية. ووفقاً للمفهوم اللامركزي للاستقلالية الديمقراطية، لا بدّ أيضاً من قيام تحوّلٍ من الملكية الخاصة إلى الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني. بيد أن عدد التعاونات المُنشأة وتأثيرها بقيا ضئيلَين وهامشيَّين، في حين أصبح رجال الأعمال المحليون ركيزةً من ركائز النظام الاقتصادي الجديد.
هندسة المؤسسات الاقتصادية في الإدارة الذاتية: نهج مزدوج تصاعدي وتنازلي
تشرف الإدارة الذاتية على سياسات المنطقة ككلّ، في حين تتولّى الكومونات، من البلدات وصولاً إلى الكنتونات، إدارة السياسات والممارسات اليومية في مجتمعاتها المحلية. وتتمتّع هذه الكومونات، في المبدأ، بحقّ تطبيق قراراتها وسياساتها الخاصة في الشؤون الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية كافة.[15] أما مسؤولياتها فتشمل الخدمات مثل التخطيط الحضَري، وإنشاء التعاونيات الاقتصادية وإدارتها، وتوزيع الأراضي. وعلى المستوى المركزي، يتولّى المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية[16] إصدار السياسات الموحّدة وتطبيقها بالتشاور مع الإدارات المحلية، وهي سياسات تشمل توحيد رسوم الجمارك، وأسعار الوقود، ورخص السفر، والسفر ما بين مدن شمال سوريا وشرقها، وقوانين العمل، والتعديلات القضائية.
وقد عمدت الإدارة الذاتية منذ إنشائها إلى خفض عدد هيئاتها الفرعية التنفيذية بشكل متواصل، من ٢٢ هيئة في العام ٢٠١٤، إلى ١٦ في آذار العام ٢٠١٦،[17] ثم إلى ١٠ هيئات في آذار ٢٠١٩ (الرسم ١)،[18] كما أُلغيَت بعض الهيئات فيما دُمِجَ غيرها، نظراً إلى تداخل وظائفها. وتختصّ هيئاتٌ ثلاثٌ اليوم في الشؤون الاقتصادية، وهي: هيئة المالية، التي تُعنى بتنظيم جباية الضرائب والرسوم التي تفرضها اللجان التنفيذية الإقليمية، والإدارات المحلية، وعلاقاتها بالمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية؛ وهيئة الاقتصاد والزراعة التي تتولّى توحيد السياسات الاقتصادية في كنتونات الإدارة؛ وهيئة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تُعنى بتنظيم وحماية حقوق العمّال والموظّفين في القطاعَين العام والخاص.
فضلاً عن الهيئات، يتحكّم المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية أيضاً بعددٍ من المكاتب الفنّية التي تخضع لإشرافه المباشر، حيث يدير حالياً ثمانية مكاتب، تختصّ ثلاثةٌ منها بالشؤون الاقتصادية، وهي: مكتب النفط والثروات الباطنية الذي يتولّى متابعة عمل حقول النفط والغاز، وتوزيع عائداتها، وإدارة شبكة الكهرباء، وتوزيع المياه؛[19] ومكتب التنمية والتخطيط الذي يضع الخطط الحضَرية للمدن والمناطق؛ ومكتب الشؤون الإنسانية الذي يُعنى بإصدار التراخيص للمنظمات العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، ومراقبة عملها وتقييمه.
الرسم 1: الهيكل التنظيمي الخاص بالمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا
المصدر: المكتب التنفيذي، الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا[20]
يزعم حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه انتقل من الإيديولوجية الستالينية التي اتّبعها حزب العمال الكردستاني، إلى الإيكولوجيا الاجتماعية، إلا أن المؤشّرات على استمرار إرثه السلطوي لا تزال واضحةً في أدوات حكمه وإدارته الاقتصادية.[21] فمن حيث الممارسة، تقوم قوات الأمن وأنصار حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة الهيكليات التنظيمية المحلية وتجاوزها،[22] وهي ممارسات لا تشكّل عائقاً أمام تشكّل لامركزيةٍ موثوقة، وتؤثّر في النمو الاقتصادي فحسب، بل تولّد أيضاً إحساساً بالانفصال لدى المواطنين، الذي يشعرون بأنهم غير قادرين على المشاركة على قدم المساواة في الشؤون المتعلّقة بالسياسات العامة أو الاقتصاد.[23] وتُعلَّل تدخّلات الهيئات المركزية والمكاتب التابعة للإدارة الذاتية، بأنها ضرورةٌ لا بدّ منها في زمن الحرب حفاظاً على النظام والسلام، كما تُبرَّر على أنها ضرورية لحماية "الديمقراطية" الوليدة في المنطقة. ويوصَف هذا النهج بالانتقال السياسي المزدوج من أسفل الهرم إلى أعلاه، ومن أعلى الهرم إلى أسفله.[24]
نموذج التعاونيات الاجتماعي البديل
يحتفي حزب الاتحاد الديمقراطي بإنشاء التعاونيات الزراعية والنسائية بوصفها مثالاً ناجحاً على نظام إيكولوجي جديد مبتكر. والتعاونيات هي مؤسسات يملكها أعضاء متساوون، ويتحكّمون بها ويديرونها تحقيقاً لرفاهم الاقتصادي المشترك،[25] وهؤلاء الأعضاء يتألّفون من عملاء أو موظّفين أو سكان، يتشاركون حقوق اقتراعٍ متساوية، بغضّ النظر عن مقدار رأس المال الذي يستثمرونه في المؤسسة. أما هدف هذه التعاونيات فيقوم على الإبقاء على فوائض الإنتاج ضمن المجتمعات المحلية، والحفاظ في الوقت نفسه على توازن إيكولوجي طويل الأمد بين الإنتاج وتخصيص الموارد.[26]
أُسّست تعاونيات عدّة في العام ٢٠١٣، في المناطق الريفية والحضَرية لمحافظة الحسكة، ثم وصل عددها إلى العشرات في السنة التالية. وفي تشرين الأول ٢٠١٧، نظّمت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا المؤتمر الأول للتعاونيات الذي حضره ١٨٥ مندوباً.[27] بيد أن عدد التعاونيات الناشطة تراجع في العام ٢٠١٨ بحوالى ٦٠ تعاونية على الأقلّ بسبب صعوبات أو تجاوزات مالية.[28] أما أنشطة التعاونيات ومدى امتثالها للعقد التعاوني، فيتولّى تنظيمهما مجلس التعاونيات الذي تنتخبه جميعة عمومية مُكوَّنة من تعاونيات الإدارة الذاتية كلها، والذي يحقّ له حلّ أيّ هيئة إذا كانت تتعارض مع العقد.[29] كذلك يقدّم المجلس الدعم للتعاونيات عن طريق الاستشارات، والمساعدة أثناء الحالات الطارئة، وإقامة الروابط في ما بينها.
وفقاً للعقد التعاوني، ينبغي أن يُعاد استثمار ٢٥ في المئة من مدخول التعاونية في أنشطتها، على أن يُسدَّد ٢٠ في المئة على شكل ضريبةٍ لهيئة المالية التابعة للإدارة الذاتية، و٥ في المئة على شكل مساهمةٍ سنويةٍ لمجلس التعاونيات.[30] وينصّ العقد أيضاً على أن التعاونيات كافة يجب أن تحترم كلّاً من المبادئ الإيكولوجية والبيئة، علماً أن هيئة الاقتصاد والزراعة التابعة للإدارة الذاتية قرّرت في أواخر العام ٢٠١٦ منح التعاونيات أراضٍ تملكها الدولة السورية، إلا أنها لم تستحوذ على أراضٍ خاصةٍ لهذا الغرض.[31]
في هذا الإطار، تُعَدّ تعاونية "هفكرتن" الواقعة بالقرب من رأس العين، التعاونية الأكبر في المنطقة، وهي تنتج مجموعة من المنتجات الزراعية، وتدير سلسلة متاجر في المدن والبلدات المجاورة.[32] وتوجد تعاونيات أخرى تديرها نساء حصراً، مثل تعاونيات "ورشين، و"شيلير"، و"أدار"، و"دستر"،[33] التي تنتج مجموعةً من المنتجات، بما فيها الأنسجة، ومشتقّات الحليب، والخبز. يُقال إن النساء الأعضاء في هذه التعاونيات يجنين ما بين ٣٠ ألف و٤٥ ألف ليرة سورية (٥٠ - ٧٥ دولاراً) في الشهر من بيع منتجاتهنّ،[34] وهو مدخولٌ، على الرغم من ضآلته (نصف متوسّط الدخل الشهري تقريباً في الإدارة الذاتية)، يتيح لهنّ كسب استقلالية مالية، ولا يمكن التقليل من أهميّته.
صحيح أن حزب الاتحاد الديمقراطي ووسائل الإعلام التابعة له يحتفيان بهذه الإنجازات، إلا أن الإدارة الذاتية فشلت في تقديم أيّ دليل يثبت الأثر الفعلي للتعاونيات على الاقتصاد في المنطقة.[35] فمعظم هذه التعاونيات ليست إلا مؤسسات صغيرة تستخدم عدداً قليلاً من العمّال، في حين أن مجالات الإنتاج ذات الأهمية الاستراتيجية (مثل الكهرباء والغاز والنفط)، إما تخضع للسيطرة المباشرة لهيئات ومكاتب الإدارة الذاتية، وإما لا تزال تُدار من قبل مؤسسات خاصة يملكها متعاونون مع حزب الاتحاد الديمقراطي. وبناءً على ذلك، يبدو أن تطبيق "الاقتصاد الاجتماعي" ومبادئ بوكتشين، ترويجيّ أكثر منه جهد فعلي لتعطيل النظام الإيكولوجي القائم.
قيود على إدارة الاقتصاد
تُعَدّ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ربَّ العمل الأبرز في المنطقة، إذ إن عدد الموظّفين فيها، وفقاً لمقابلاتٍ مع مسؤولين في الإدارة، يتراوح ما بين ٢٠٠ ألف و٢٣٠ ألفاً، ١٠٠ ألف منهم هم مسلّحون إما في قوى الأمن (الأسايش)، وإما في قوات سوريا الديمقراطية، المعروفة بقسد.[36] ويبلغ متوسّط الراتب الذي يتقاضاه الموظّفون المدنيون ٦٥ ألف ليرة سورية في الشهر (١٠٠ دولار)، ويمكن أن يصل إلى ١٠٠ ألف ليرة (١٥٠ دولاراً) للموظّفين العسكريين،[37] مع العلم أن معظم المدنيين يعملون في قطاعات التعليم، والطاقة، والمالية، والإدارة المحلية.
تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الذاتية صادرت معظم الأملاك العامة العائدة إلى الدولة السورية،[38] في حين بقيت معظم المباني تحت سيطرة الحكومة السورية في الحسكة والقامشلي، خصوصاً مبنى السجل العقاري، والمكاتب الأمنية الفرعية، ومبنى إدارة جوازات السفر والهجرة.
مع ذلك، ترزح جدوى التجربة الاقتصادية الخاصة بالإدارة الذاتية تحت ضغوط كبيرة، حيث واجهت منظمات التجارة والتخطيط التابعة للإدارة تحدّيات في تطبيق مُثُلِها، وغالباً ما يُنظَر إليها على أنها تتّسم بالبيروقراطية الصارمة، وتفتقر إلى الهيكلية والشفافية، وأن المحسوبية والمحاباة تتفشّيان فيها.[39] أَضِف إلى ذلك أن الإدارة الذاتية لا تزال تفتقر إلى السيطرة على قطاعات واسعة من الاقتصاد، وهي عرضة للاختراق المستمرّ من جانب النظام وأفراد النخبة القديمة. فعلى سبيل المثال، لا تزال دمشق تسدّد أجور ما لا يقلّ عن ٢٣ ألف موظّفٍ في القطاعات العامة، بما فيها النفط والتعليم. كما إن المنطقة تعتمد في الغالب على المصارف الحكومية السورية لتأمين السيولة في السوق،[40] فالمصرف المركزي السوري لا يزال ينشط في المنطقة، ويُعَدّ المصدر الرئيسي لليرة السورية في السوق.[41] هذا وتنشط مكاتب الحوالات المحلية أيضاً، والسكان يعتمدون عليها لصرف العملة الصعبة، واستلام الحوالات الدولية والمحلية.[42] بيد أن هذه المكاتب تخضع للرقابة عن كثب من جانب السلطات المحلية والوطنية، ويُطلَب منها إيداع رأسمالها في المصارف الحكومية السورية.[43]
فضلاً عن ذلك، يشكّل القطاع الخاص تحدّياً كبيراً لسلطة الإدارة الذاتية. تفتخر هذه الأخيرة بأنها بديلٌ عن كلّ من حكومة إقليم كردستان الرأسمالية وتركيا، وعن رأسمالية المحسوبية والمحاباة التي تقوم عليها الحكومة السورية. ومع ذلك، فشل الميثاق في استبدال المُلكية الخاصة باستقلال البلديات الذاتي التحرّري، بل على العكس، لقد رسّخ المُلكية الخاصة التي تُصوَّر على أنها مُكمّلة للقطاع العام، وتعمل على دعم المجتمعات المحلية. والواقع أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تبقى معتمدةً على مالكي الأراضي، ورجال الأعمال، والمحسوبين عليها للتمهيد لاقتصادها وإدارته.[44]
الجزء الثاني: الإيرادات والأنشطة الاقتصادية الرئيسية
تكاد تكون البيانات عن إيرادات الميزانية الخاصة بالإدارة الذاتية غائبة، كما يصعب تحديداً تعقّب كيفية تحصيلها وإنفاقها نظراً إلى غياب الشفافية حول هذا الموضوع، من ناحية، والغياب شبه التام للقطاع المصرفي في المنطقة، من ناحية أخرى. فعلى الرغم من وجود المصارف الحكومية، أفضل ما يمكن قوله لوصف المنطقة هو أنها قائمةٌ على مجرّد اقتصاد نقدي بدائي. الواقع أن مالية الإدارة الذاتية تُموَّل بواسطة مبيعات النفط لحكومة إقليم كردستان، ونظام الأسد، والسكان المحليين؛ وضريبة الدخل ورسومه؛ ورسوم الاستيراد. وعلى الرغم من الوضع الصعب في سوريا، لا تزال الإدارة الذاتية قادرةً على تأمين خدمات مستقرّة للسكان المحليين. أما المحسوبون المحليون المرتبطون بمسؤولين نافذين في حزب الاتحاد الديمقراطي، فيستفيدون من التجارة مع كلّ من النظام، والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وحكومة إقليم كردستان.
الضرائب
تُعَدّ هيئةُ المالية المؤسسةَ المركزيةَ في الإدارة الذاتية المسؤولة عن إدارة مالية المنطقة، علماً أن للمجالس المحلية أيضاً الحقّ في جباية الضرائب وفرضها، وجمع الإيرادات.[45] وتُفرَض الضرائب على معظم المهن والحِرَف، بما في ذلك المؤسسات الصغيرة مثل الباعة المتجوّلين، والمحال التجارية، والنقل العام. وتبرّر الإدارة الذاتية هذه التدابير على أنها تهدف إلى تمويل الخدمات العامة، ولكن ثمة اعتقاد عام بأن نوعية تقديم الخدمات لا تتناسب وكمّية الضرائب المُحصَّلة.[46] وتقع الضرائب التي تجبيها الإدارة الذاتية والمجالس المحلية في فئتَين رئيسيّتَين: الرسوم على تسجيل الشركات، أو مزاولة مهنة، أو رخص البناء، أو الخدمات التي تقدّمها الإدارات على المستوى المحلي، ومستوى الكنتون؛ وضريبة الدخل على الرواتب.
تتضارب التقارير الواردة من داخل الإدارة الذاتية حول كمّية الرسوم التي تفرضها المؤسسات التابعة لها، ما يثير الشكوك حول طابعها التعسّفي، أو أقلّه حول عجزٍ عن تطبيق المعايير نفسها على المنتجات أو القطاعات الجغرافية كافة. فعلى سبيل المثال، فُرِض في الرقّة رسمٌ شهريٌّ قدره ١٥ ألف ليرة سورية (٢٣ دولاراً) على مالكي الشاحنات وحافلات النقل العام لصيانة الطرق، في حين طُلِب من الباعة المتجوّلين دفع رسمٍ يتراوح ما بين ١٠ آلاف و٢٥ ألف ليرة في الشهر، لبيع منتجاتهم في الأسواق.[47] وبينما فُرِض على الأطبّاء في الرقّة دفع رسم سنوي قيمته ٦٥ ألف ليرة (١٠٠ دولار) لمزاولة عملهم،[48] بلغت قيمة الرسم المفروض على الأطبّاء في الحسكة ما بين ١٠ آلاف و٢٥ ألف ليرة (١٥ – ٤٠ دولاراً).[49]
إضافةً إلى ذلك، فرضت الإدارة الذاتية ضرائب دخلٍ على ١٣ فئة من الأشخاص،[50] بمَن فيهم موظّفوها ما عدا المجنّدين في قسد والأسايش. وتعتمد نسبة الضريبة على الدخل السنوي، وتُقسَم إلى ٩ فئات مختلفة، بدءاً من ضريبةٍ ثابتةٍ قدرها ألف ليرة سورية (١,٥دولار) على المعاشات الشهرية التي تقلّ عن ١٠٠ ألف ليرة (١٥٠ دولاراً)، ثم تتحوّل إلى نسبة من الأجور الأعلى، وتتراوح ما بين ١ و٢٥ في المئة مع وصول الراتب الشهري إلى ٨ ملايين ليرة (١٣ ألف دولار). هذا ويُلزِم المرسوم رقم ٣ للعام ٢٠١٨، الصادر عن المجلس التشريعي لكنتون الجزيرة، المُكلَّفين جميعاً بتسجيل أنشطتهم التجارية لدى الإدارة العامة للضرائب، فارضاً عليهم غرامة في حال تخلّفوا عن ذلك.[51] لكن على الرغم من وضوح الضريبة، تكاد آليات المراقبة تكون غير موجودة، في ظلّ غياب نظام مصرفي أو مالي موحَّد يمكّن السلطات المالية من تتبّع معاملات المواطنين المالية.
إنتاج النفط
تسيطر الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا على حقول النفط كافة في الحسكة ودير الزور، التي تمثّل مجموع النفط المتوافر في سوريا. ولا تزال عائدات هذه الحقول تولّد مبالغ مالية كبيرة للإدارة، وإن كانت تعمل بقدرةٍ متدنّيةٍ جرّاء حاجتها إلى إصلاحات كبيرة. تسيطر الإدارة في الحسكة على حقل الرميلان الذي ينتج النفط الخام الثقيل، إضافةً إلى مليونَي متر مكعّب من الغاز في اليوم؛[52] وحقل السويدية الذي ينتج الخام الثقيل، ويضمّ حوالى ٢٥ بئراً للغاز؛[53] وحقل الجبسة الذي ينتج ١,٦ مليون متر مكعّب من الغاز يومياً؛[54] وحقل اليوسفية. أما في دير الزور، فتسيطر على حقل العمر الذي ينتج الخام الخفيف، ولكن يُقدَّر أن هذا الإنتاج تراجع إلى الخُمس بسبب قصف التحالف الدولي وروسيا البنية التحتية للحقل؛ إضافة إلى حقل التنك الذي ينتج الخام الخفيف، والذي يُعَدّ ثاني أهمّ حقل نفطي في دير الزور؛ وحقل الجفرة؛ وحقل كونوكو.
الخريطة ١: حقول نفط شمال شرق سوريا والنقاط الحدودية (١٥ تشرين الثاني ٢٠١٩)
المصدر: المؤلّف
بيد أن الكمّيات التي تُنتَج حالياً منخفضة، نظراً إلى أن بعض الآبار خارج الخدمة، وأن الإدارة الذاتية تفتقر إلى الوسائل التقنية والمالية لإعادة تأهيلها.[55] فبحسب تقديرات موقع "ذا سيريا ريبورت"، أو التقرير السوري، لا يتجاوز الإنتاج الحالي الـ٧٠ - ٨٠ ألف برميل،[56] فيما تشير تسريباتٌ إلى أنه قد يصل إلى ١٢٥ ألف برميل في اليوم.[57] لكن غياب الشفافية المتعمّد، ومستوى السرّية المرتفع الذي تفرضه الإدارة الذاتية، يجعلان الأرقام الحالية غير مؤكّدة. كذلك تكاد تكون المعلومات الرسمية حول كيفية إنفاق عائدات النفط غير متوفّرة، ولكن ما لا شكّ فيه أن هذه العائدات تشكّل أحد أهمّ مصادر الدخل للإدارة الذاتية.
على نحوٍ مماثل، لم تسعَ الإدارة الذاتية قطّ إلى الكشف عن لائحة زبائنها، وذلك بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على قطاع النفط السوري العام. ونظراً إلى قرب الإدارة من حكومة إقليم كردستان، يمكن الافتراض أن مجموع النفط الخام والغاز المُنتَجَين في الحسكة يُصدَّر إلى تلك المنطقة في العراق، ومن هناك إلى مشترين آخرين.[58] بيد أن تقارير عدّة تشير إلى أن النظام هو من الزبائن البارزين. فوزارة النفط السورية تمتلك مصفاتَي نفط في كلّ من حمص وبانياس، تحتاجان إلى التحديث ولكنهما مجهّزتان لتكرير الخام الخفيف، ولذا أبدى النظام اهتماماً كبيراً في الحصول عليه بسعرٍ منخفضٍ لتلبية احتياجاته المحلية جزئياً. ولهذا السبب، نشط وسطاء عدّة سبق أن عملوا مع تنظيم الدولة الإسلامية، ثم مع قسد، في شراء نفط دير الزور بكلفة مخفّضة. وبما أن الإدارة الذاتية تفتقر إلى المصافي في منطقتها، وجدت مصلحةً في تبادل الخام الذي تنتجه مع النظام، مقابل منتجات النفط المكرّر الرخيصة.
تتوزَّع حقول النفط والغاز في دير الزور على ضفّتَي نهر الفرات،[59] فيما يعاني معظم الآبار من دمار كبير في بينته التحتية، جرّاء القصف الذي تعرّض له في السنوات الأخيرة من جانب النظام وروسيا والتحالف الدولي. وتُعَدّ بئرا التنك والعمر الأكثر تضرّراً من بين الآبار، ويُقدَّر إنتاجهما حالياً بـ١٥ ألف برميل إلى ٢٥ ألفاً في اليوم، ما يعادل سدس قدرتهما ما قبل الحرب. لكن ذلك لم يقلّل من اهتمام دمشق الكبير بهما، فإحدى أبرز الشركات المسؤولة عن استئجار النفط من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، هي مجموعة قاطرجي الدولية. إضافةً إلى قاطرجي، تضطّلع أيضاً شركة عمار السوسي،[60] الحاصلة على عقدٍ بقيمة ١١ مليون يورو لتشغيل معمل غاز الجبسة وصيانته، بدورٍ مهمّ في شراء الغاز المُنتَج في الحسكة لصالح النظام.[61]
وقد أشار تقريرٌ للمرصد السوري لحقوق الإنسان، في أيلول ٢٠١٩،[62] إلى أن تهريب النفط بين الإدارة الذاتية والنظام يجري في منطقتَين رئيسيّتَين.[63] تقع المنطقة الأولى في دير الزور، وتمتدّ من الشحيل إلى بقرس على ضفّة الفرات الجنوبية، مع العلم أن نفط دير الزور يُنقَل عادةً إما على متن عبّارات تعمل ليلاً،[64] وإما عبر مضخّات وأنابيب ما بين ضفّتَي النهر.[65] وتقع منطقة العبور الثانية في الطبقة، إلا أن عدد الناقلات التي تنقل النفط عبر سدّ الفرات، تراجع إلى بضع عشرات في اليوم، منذ نيسان ٢٠١٩، مقارنةً بـ٢٠٠ ناقلة على الأقلّ قبل ذلك التاريخ. تزامن هذا التراجع مع تكثيف التحالف الدولي جهوده للحدّ من تهريب النفط ومشتقّاته من المنطقة، ومع توقّف المفاوضات بين الإدارة الذاتية ودمشق في وقتٍ سابقٍ من العام نفسه.[66]
في ربيع العام ٢٠١٩، فرضت الإدارة الذاتية غرامةً قدرها ٢٠٠٠ دولار على الأفراد الذين يهرّبون النفط إلى مناطق النظام،[67] إلا أن هذه السياسة أسفرت عن عبء إضافي عليها لشراء مادّتَي البنزين والديزل. هذا وأدّى التوقّف الجزئي لتجارة وتبادل النفط بين دمشق والإدارة، إلى نقصٍ في المنتجات النفطية المكرّرة، الأمر الذي أدّى بدوره إلى زيادة حادّة في أسعار الوقود، وأثار تظاهرات واحتجاجات في أماكن عدّة.[68] وهكذا، ما كان من الإدارة الذاتية إلا أن زادت اعتمادها على مصافي النفط المحلية البدائية، المعروفة بالحرّاقات، لإنتاج كمّيات صغيرة من الديزل. وبغية ضبط سعر الوقود في السوق، حظّرت الإدارة على تجّار النفط المحليين والمصافي بيعَ منتجاتهم لأيّ زبون آخر، وأصبحت تؤمّن النفط الخام فقط للمصافي التي تمتثل بذلك.[69] مع ذلك، لا يزال من الضرورة بمكان مراقبة كيفية تطوّر هذه السياسات في أعقاب الاتفاقية الأمنية الأخيرة التي أبرمتها قسد ودمشق في تشرين الأول ٢٠١٩.
التجارة
ازدهرت التجارة في منطقة الجزيرة بدافعٍ من ديناميّات اقصاد الحرب، وعلى أثر نقص الاستثمار العام والخاص في القطاعات المربحة، وإمكانيات الربح السريع. كما إن إقفال المعابر الحدودية التركية الرئيسية منذ العام 2014، والقيود التي فرضتها حكومة إقليم كردستان والنظام السوري على التجارة مع شمال شرق سوريا، أفادا المهرّبين وشركائهم المحليين إلى حدّ كبير. صحيح أنه يصعب تقييم ما إذا كان اعتماد الإدارة الذاتية على رجال الأعمال يعود إلى الحصار الجزئي المفروض على المنطقة، أو إلى هدف حزب الاتحاد الديمقراطي الرامي إلى إدراج هؤلاء في بنيته الاقتصادية الجديدة، إلا أن التجارة ولّدت دخلاً كبيراً للإدارة من الرسوم الجمركية على السلع المستوردة من الخارج، ومن المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام أو المعارضة.
والواقع أن الرسوم الجمركية، بالمقارنة مع عدم انتظام الضرائب المفروضة من الإدارة الذاتية وطابعها التعسّفي، تبدو أكثر تنظيماً نظراً إلى وجود شبكات احتكار على التجارة الخارجية، على حدّ قول مديرٍ ماليّ في مؤسسة تجارية في القامشلي. وبينما تُستورَد مواد البناء، والأدوات الكهربائية، والنفط، والسكر، والشاي، من حكومة إقليم كردستان، يُستورَد النفط، والملابس، ومستحضرات التجميل، والمواد الصيدلانية، والخضار والفاكهة، من المناطق التي يسيطر عليها النظام. أما الآليات والسيارات، ومعدّات البناء، والإلكترونيات، فتُستورَد إجمالاً من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.[70]
بيد أن الرسوم الجمركية تتفاوت وفقاً لمنشأ السلع، ففي حين يُفرَض رسمٌ قيمته ٥ في المئة على السلع الواردة من مناطق المعارضة (عبر منبج)، تخضع السلع الآتية من المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام (عبر الطبقة ودير الزور إجمالاً)، إلى رسمٍ قدره ٤ في المئة فقط.[71] أما الرسم المفروض على السلع الواردة من حكومة إقليم كردستان عبر معبر سيمالكا، فيتراوح ما بين ٢ و٧ في المئة بحسب طبيعة تلك السلع (الخريطة ١).[72] ويُعَدّ الرسم الجمركي المفروض على الآليات والسيارات الأعلى، إذ قد يصل إلى ٢٠ في المئة.[73] تجدر الإشارة إلى أن حركة السلع بين مختلف المناطق تخضع للأجواء السياسية، ورغبة طرفٍ أو آخر في الضغط على خصمه. ففي مناسبات عدّة، أغلقت الإدارة الذاتية نقاط عبورٍ في دير الزور ومنبج والطبقة، مثيرةً بذلك غضب الناس الذين أصبحوا معتمدين أكثر فأكثر على التجارة إما لأنها مصدرٌ مهمٌّ للدخل، وإما لأنها تؤمّن لهم سلعاً غير متوفّرة في السوق المحلية، كالخضار أو الأدوية على سبيل المثال لا الحصر.[74]
ومن المفترض أن تكون أسعار المواد الغذائية ومواد البناء مُنظَّمةً من جانب هيئة المالية في الإدارة الذاتية، في حين ينبغي على التجّار المحليين الحصول على رخصة استيراد وتصدير من غرف التجارة المحلية في مناطقهم، قبل الاضطّلاع بأيّ نشاط. إلا أن كلفة استيراد السلع الأساسية هي أعلى للتجّار المحليين المستقلّين، في حين يخضع شركاء حزب الاتحاد الديمقراطي لتدقيق أقلّ.[75] ومن العوامل الأخرى التي تستفيد منها النخبة الجديدة المتمتّعة بالامتيازات، الصلات والشراكات شبه الحصرية التي تربطها بمكاتب الحوالات، ناهيك عمّا تحظى به من ضمانات تقدّمها لها شخصيات رئيسية في الإدارة،[76] وهو تدبير يمنحها في المقام الأول وصولاً إلى النقد ورأس المال المطلوبَين لتمويل تجارتها. وإكمالاً للحلقة، لا يستطيع رجال الأعمال هؤلاء ممارسة مثل هذا النفوذ من دون عقد صفقاتٍ حصريةٍ مع مصدّرين في حكومة إقليم كردستان، والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام والمعارضة.[77] فهذه العلاقات تقلّص إلى حدّ كبير كلفة وارداتهم، وتولّد انطباعاً بالندرة، ما يثبط عزيمة التجّار المستقلّين.
لقد أثبت رجال الأعمال المحليون بالفعل أنهم أساسيون في التجارة مع القوى المجاورة، ولذا يمارسون قدراً كبيراً من النفوذ على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.[78] ومن الأمثلة على ذلك تعيين أكرم كمال حسو، أحد رجال الأعمال الأثرياء، رئيساً للمجلس التنفيذي لكنتون الجزيرة في العام ٢٠١٤،[79] والصعود السريع لفؤاد فايز محمد (أبو دلّو)، أحد مهرّبي المنطقة سيّئي السمعة، الذي أضحى طرفاً أساسياً في التجارة مع حكومة إقليم كردستان والنظام.[80] وقد شجّع هذا الوضع أفراداً آخرين، بمَن فيهم خصوم سياسيون لحزب الاتحاد الديمقراطي، على اغتنام الفرصة لحصد منافع مالية كبيرة. تلك هي أساساً حالُ رجال الأعمال المقرّبين من المجلس الوطني الكردي، الذين يستغلّون علاقاتهم وشبكاتهم في شمال العراق لتنصيب أنفسهم وسطاء حصريين بين حكومة إقليم كردستان وحزب الاتحاد الديمقراطي.[81]
الجزء الثالث: سياسات الإدارة الذاتية في كل قطاع اقتصادي
تشمل نفقات الإدارة الذاتية، إضافةً إلى الأجور، الإنفاق العسكري، ومشاريع الإنعاش المبكر، وإصلاح البنية التحتية مثل قنوات الريّ والطرق، وصيانة شبكة الكهرباء، إلى جانب كلفة إدارة الصحة العامة، والتعليم، ومؤسسات الإدارة المحلية. وبغية تمويل هذه الأنشطة، تمارس الهيئات التابعة لهذه الإدارة سلطةً قويةً على التنمية الاقتصادية، حيث تقوم أبرز سياساتها على تحديد سقوف أسعار السلع الأساسية، والضرائب، وتنظيم القطاع الخاص. جدير ذكره أن هذا الأخير لم يشهد نموّاً ملحوظاً منذ إنشاء الإدارة الذاتية، ولا يزال يستند في الغالب إلى الزراعة وتربية الحيوانات، والورش والمصانع الصغيرة، والبناء والتجارة. ومع تدفّق الأشخاص النازحين داخلياً، والتحويلات من المهاجرين واللاجئين، شهد قطاع البناء فورةً، وارتفعت أسعار العقارات إلى حدّ كبير. على نحوٍ مماثل، عمدت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية إلى زيادة مساعداتها للفئات السكانية الضعيفة، مخفّفةً هذا العبء على الإدارة الذاتية.
القطاعات الإنتاجية
يحصل مالكو الأراضي المحليون على الدخل من تأجير الأراضي والمحاصيل، وإنتاج القمح، والشعير، والقطن، والبقوليات، والحبوب. لكن تبقى مشكلة شحّ المياه من أكبر مشاكل القطاع الزراعي في الجزيرة، وقد دفعت المزارعين إلى حفر آبار جديدة بشكل عشوائي، ما أسفر عن تراجع مستوى المياه الجوفية.
تسعى هيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية إلى تنظيم أسعار القمح والشعير، إلا أن هذه الأسعار تقوّضها بصورةٍ منتظمةٍ سلطات النظام، التي لا تزال تتمكّن من الحصول على كمّياتٍ كبيرةٍ من المنتجات في الأسواق المحلية.[82] وتشير التقديرات إلى أن الإدارة الذاتية اشترت في العام ٢٠١٩ مليون طنّ تقريباً من القمح، إضافةً إلى الشعير والقطن، ما يمثّل حوالى ٤٠ في المئة من مجموع توقّعات الإنتاج البالغ ٢،٧ مليون طنّ.[83] أما أسعار المحاصيل الأخرى فتخضع للعرض والطلب.[84]
ونظراً إلى تكاليف التشغيل المرتفعة التي يصطدم بها المنتجون المحليون، وعدم تمتّعهم بأيّ دعم مؤسّسي أو ماليّ، يفضّلون تصدير منتجاتهم إلى حكومة إقليم كردستان، الأمر الذي يتسبّب بنقص في الأسواق المحلية، وارتفاع في الأسعار. أما في ما يتعلّق بتربية الحيوانات، فينحصر معظم النشاط في تربية الدواجن، وتصدير المواشي إلى حكومة إقليم كردستان، وهو ما أثبت أنه مربحٌ أكثر نظراً إلى الخدمات اللوجستية الأرخص نسبياً، والطلب الأعلى على اللحوم في العراق.[85] ناهيك عن ذلك، أدّى الجفاف والشحّ في مياه الشرب إلى إثباط أيّ استثمار يُذكَر في قطاع تربية الأبقار، ما أسفر عن اعتمادٍ على الواردات من مشتقّات الحليب. كما إن الطلب العالي على الأغنام في العراق وتركيا شجّع مربّي الماشية المحليين على تصدير مواشيهم، ما تسبّب بنقص في اللحوم، وارتفاع في أسعارها في الأسواق المحلية.[86]
وعلى نحوٍ مماثل، لا يزال القطاع الصناعي صغيراً نسبياً، وغير قادر على التوسّع. فالمعامل المحلية تقوم بمعظمها على الورش الصغيرة لصناعة الأنسجة، ومستحضرات التجميل، والمناديل الورقية، والشامبو، والصابون، والطلاء، والأغذية المعلّبة، والمشروبات الغازية، والأسلاك الكهربائية المنزلية، وهي لا تستخدم إلا بضع مئات من العمّال.[87] أما الأسباب الكامنة وراء الركود في القطاع فتتعدّد، وتشمل مَيلاً إلى استثمار رأس المال المحلي في المشاريع السريعة والآمنة أكثر، مثل العقارات، وصعوبة استيراد المواد الخام من الخارج، ونقص الحوافز المؤسّسية. ولا يخفى أن الطابع البيروقراطي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، غالباً ما يُنظَر إليه على أنه يؤخّر تطبيق المشاريع الأكبر حجماً. فعلى سبيل المثال، أسّست الإدارة مكاتب لمراقبة المعامل، ولكن من دون إجراءات واضحة لإصدار شهادات المنشأ لغايات التصدير، أو أيّ شهادات جودةٍ أخرى ضرورية لإتاحة التنافس مع المنتجات من خارج المنطقة.[88] نتيجةً لذلك، يرى الصانعون المحليون أنفسهم واقعين بين مطرقة بيع منتجاتهم في الأسواق المحلية، وسندان تصديرها إلى الخارج، وفي كلتَي الحالتَين تبقى هوامشهم ضئيلة، فلا يخاطرون إذاً في الاستثمار أكثر في مشاريعهم.
قطاع العقارات
شهد قطاع البناء في الجزيرة فورةً في السنوات القليلة الماضية. وما حفّز إعادة تنشيط سوق العقارات كان بشكل خاص تدفّق الحوالات من المغتربين والمهاجرين السوريين إلى أُسَرهم، والزيادة الملحوظة في الطلب على السكن عقب تدفّق الأشخاص النازحين داخلياً إلى المنطقة. فضلاً عن ذلك، خفّضت الإدارة الذاتية القيود التي كانت فرضتها الحكومة السورية على إصدار رخص البناء، ما ساهم في إظهار القطاع على أنه مصدر مربح للدخل والضرائب. في موازاة ذلك، سجّلت سوق العقارات في مناطق خاضعة لسيطرة النظام، منها دمشق واللاذقية وطرطوس، تراجعاً كبيراً. وحدُها محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة شهدت ديناميّات مماثلة.
تجدر الإشارة إلى أن القطاع الخاص ناشط للغاية في مجال البناء، ويتألّف أساساً من مؤسسات صغيرة ومتوسّطة الحجم تنتظم في اتحادات متعاقدين محلية،[89] في ظلّ غيابٍ واضحٍ للشركات الكبرى من دمشق أو حلب. لقد ساهمت البيئة المستقرّة والآمنة نسبياً التي سادت في القامشلي والبلدات المتاخمة لتركيا حتى تشرين الأول ٢٠١٩، في إفساح المجال أمام البنّائين المحليين ليتوسّعوا ويصبحوا من بين أكثر الأطراف الفاعلة نشاطاً في سوق التوظيف.[90] ومن العوامل الأخرى التي تحفّز النموّ في هذا القطاع ارتفاع سعر المتر المربّع للأبنية السكنية، مقارنةً بما كان عليه في العام ٢٠١١، أي من متوسّط ٦٠ دولاراً للمتر المربّع إلى ٨٥ دولاراً اليوم،[91] ما يمثّل زيادةً إجماليةً بنسبة ٤٢ في المئة. والواقع أن طفرة الأسعار هذه تأتي نتيجة ارتفاع كلّ من تكاليف استيراد مواد البناء الخام، والطلب على العقارات.
في المقابل، أدّى إغلاق المعابر الحدودية المهمّة كافة مع تركيا منذ العام ٢٠١٤، إضافةً إلى الشحّ وصعوبة توفير المنتجات السورية البديلة المحلية، إلى اعتمادٍ على السلع الواردة من حكومة إقليم كردستان. فمعظم منتجات الصلب والإسمنت والسيراميك تركية وإيرانية تُشحَن عبر سيمالكا، فيما الألمنيوم والزجاج من المنتجات التي تُصنَع في سوريا، وتُشحَن عبر نقطتَي العبور الداخليّتَين، منبج والطبقة. وقد شجّعت هذه البيئة قيام احتكارات على استيراد مواد البناء وتجارتها وتوزيعها، وهي مواد يسيطر عليها بشكل أساسي كلّ من نخب الحرب الجديدة، ومهرّبين هم على تفاهمٍ مع حكومة إقليم كردستان، وحاصلين على حقوق تصدير حصرية إلى الجزيرة.
والواقع أن ارتفاع أسعار العقارات جذب استثمار رأس المال المحلي في القطاع، الذي ضخّ فيه المغتربون، والمهجّرون، وأصحاب المؤسسات المحلية، وأمراء الحرب، مدّخراتهم ومكتسباتهم من السوق. ووفقاً لبيانات رسمية نشرتها وزارة الإدارة المحلية السورية، ازداد عدد المعاملات العقارية في الحسكة حوالى أربعة أضعاف بين العامَين ٢٠١٠ و٢٠١٦، علماً أن الحسكة هي المحافظة الوحيدة في البلاد التي شهدت مثل هذه الزيادة.[92] لكن على الرغم من هذه الطفرة، سجّلت الإيرادات المُحقَّقة للحكومة المركزية في دمشق من المعاملات العقارية في الحسكة، تراجعاً ملحوظاً، ما يؤكّد أن الإدارة الذاتية كانت تجبي حصراً الضرائب المفروضة على الأراضي. لكن هذا الاستثمار لم يولّد زيادةً مساويةً في الإيجارات. فقبل العام ٢٠١١، تراوح إيجار الشقّة المؤلّفة من ثلاث غرف ما بين ٣ آلاف و٥ آلاف ليرة سورية (٦٠ - ١٠٠ دولار)، في حين أن الإيجارات الحالية تتراوح ما بين ٣٥ ألف و٥٠ ألف ليرة (٦٠ - ٨٥ دولاراً).[93] وبالمقارنة مع الزيادة بنسبة ٤٢ في المئة في أسعار شراء العقارات، بقيت أسعار الإيجارات على حالها في الغالب.
يقتصر تدخّل القطاع العام الرسمي للإدارة الذاتية في قطاع البناء إجمالاً، على متابعة الخطة الحضَرية التي وضعتها هيئة التخطيط الإقليمي في وزارة الأشغال العامة والإسكان السورية.[94] أما إجراءات الترخيص فهي مماثلة للمسار الذي حدّدته الحكومة المركزية، وتديرها الدوائر الفنّية التابعة للكومونات، التي تتلقّى طلبات البناء، وتقيّم الدراسات الميدانية والخطط المُقدَّمة، ثم تعطي التراخيص. وينبغي أن يضمّ كل طلب أمراً قضائياً يثبت بأن سند ملكية الأرض مُصدَّق عليه وموثَّق من السجل العقاري. وبعد إصدار تراخيص البناء، ينشر الكومون إعلاناً في المباني العامة، وأحياناً على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، لإتاحة المجال لأيّ اعتراضات قانونية ضمن مهلةٍ مدّتها ٣٠ يوماً. ثم تجري الدائرة زيارات منتظمة إلى مواقع البناء لمعاينة المواصفات الفنّية للمباني، ومنع أيّ انتهاكات لقانون البناء،[95] وتتدخّل أحياناً إلى جانب الأسايش لإزالة أيّ تعدّيات يجري اكتشافها.[96]
وتُظهِر الإجراءات التي تتّبعها الكومونات في الإدارة الذاتية، استعداداً للتنسيق مع دمشق لضمان استمرارية الخطط السابقة. مع ذلك، تتفاوت عملية تطبيق القانون من كومون إلى آخر، وغالباً ما تخضع للعلاقة التي تربط المُرخَّص له بالإدارة، ويُنظَر إليها عامةً على أنها عملية غير مُنظَّمة.[97] هذا وأبدى العديد من المجتمعات المحلية مخاوف إزاء قدرة السلطات على مصادرة الأراضي. فقد عمد المجلس التشريعي لكنتون الجزيرة، في أيلول ٢٠١٥، إلى إصدار قانون يتيح له مصادرة الأصول كافة العائدة إلى السكان الذين غادروا المنطقة.[98] لكن بعد الانتقادات القاسية التي صدرت عن منظمات مسيحية، عاد حزب الاتحاد الديمقراطي عن قراره بمصادرة بعض الممتلكات، وسلّمها إلى كنائس مختلفة.[99]
القطاع الإنساني
عقب سنوات من الإهمال الحكومي، والجهود الحربية لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، تركت البنية التحتية السيّئة سكان المنطقة عرضةً للفقر المدقع. قبل الحرب، سجّلت الرقّة والحسكة ودير الزور الانتشار الأكبر للفقر على الصعيد الوطني، حيث ضمّت نصف الفقراء السوريين في العام ٢٠٠٧. ومنذ بداية الصراع، ضمّت منطقة الجزيرة ما يقارب الـ١,٤مليون نازح داخلياً، ٩٠ في المئة منهم تقريباً أتوا من منطقة الفرات الشرقية نفسها. وفي حزيران ٢٠١٩، قدّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن ٤٠ في المئة من هؤلاء الأشخاص ظلّوا في المنطقة، في حين عاد الباقون منهم بشكل عفويّ إلى ديارهم، بمَن فيهم ٤٧٩ ألفاً من الرقّة والحسكة ودير الزور.[100] هذا وتقدّر الأمم المتحدة أن ١,٦٥ مليون مدني يحتاج إلى المساعدة الإنسانية، من رعاية صحية، ومياه، وصرف صحّي، ومواد غير غذائية، ومأوى، وكهرباء، وفرص لكسب الرزق، وحماية.[101]
لقد حفّزت الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي اجتاحت المنطقة، على قيام استجابةٍ دوليةٍ لتخفيف معاناة الفئات السكانية الضعيفة. فوفقاً لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، حصل ١,٣٤ مليون مدني في الجزيرة على مساعدات في العام ٢٠١٩، بما نسبته ٢٠ في المئة تقريباً من المساعدات المُقدَّمة على مستوى البلاد، وفي مختلف القطاعات بما فيها الزراعة، والأغذية، والتعليم، والصحة.[102] وتقدّم ستّ وكالات مختلفة تابعة للأمم المتحدة التوجيه والدعم[103] لـ56 منظمة تضطّلع بأنشطة إنسانية في الجزيرة، ٣٩ منها هي منظمات غير حكومية، و١٠ هي منظمات غير حكومية دولية.[104] تعمل هذه المنظمات بإذنٍ من الحكومة السورية، وهي حاصلة على تراخيص للعمل من دمشق. إضافةً إلى المشاريع التي تضطّلع بها الأمم المتحدة، يقدّم أيضاً عددٌ كبيرٌ من البلدان المانحة الدعم لـ١٤ منظمة غير حكومية دولية في المنطقة.[105] وغالب الظنّ أن هذه المنظمات اختارت العمل في ظلّ المكاتب التي حدّدتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والاستفادة من القرار ٢١٦٥ الصادر عن مجلس الأمن لأسباب سياسية. وقد تكون اتّخذت هذا القرار أيضاً لاعتبارات بيروقراطية، بما أن عملية الحصول على التراخيص من سلطات الحكومة المركزية تشوبها تأخيرات متعمّدة، وتتطلّب تقديم محاضر الاجتماعات، وبيانات مالية مفصّلة، وحتى تعيين ممثّل عن جهاز أمن في المنظمة.
والواقع أن انتشار تقديم الإغاثة ساهم في إيجاد آلاف فرص العمل، في مجالات الخدمات اللوجستية، والمحاسبة، والمالية، والهندسة، وهندسة المعلومات، والمراقبة، والتقييم.[106] وإن كانت المعلومات عن أعداد الموظّفين السوريين العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية ليست متاحة، يُنظَر عموماً إلى هذا القطاع أنه قطاع جذّاب، ولا سيما المنظمات غير الحكومية الدولية، نظراً إلى الأجور الأعلى التي تدفعها بالدولار أو باليورو. فهذه الأجور تتراوح ما بين ٥٠٠ وألف دولار بحسب الخبرة، والمستوى التعليمي، والمسؤوليات، وتُعَدّ أعلى بكثير من معدّل الأجور في المنطقة، والتي تتراوح ما بين ٦٥ ألف و١٢٠ ألف ليرة سورية (١٠٠ - ٢٠٠ دولار). فضلاً عن ذلك، أعاد القطاع القيمة إلى سوق الجملة، ما أدّى إلى رفع أسعار السلع الأساسية، وقيام مؤسسات جديدة تُعنى بالمشتريات والخدمات اللوجستية.
نتيجةً لذلك، أسّست الإدارة الذاتية في العام ٢٠١٥ مكتباً لشؤون المنظمات الإنسانية، من أجل ضبط عمل هذه المنظمات والإشراف عليه.[107] ويحقّ لهذا المكتب التدخّل في عمل أيّ منظمة، في حال حدوث طارئ أو عطل، كما يحتفظ بالحقّ في إجراء زيارات تفتيش، ويُعَدّ مرجعاً للموافقة على نطاق المشاريع والبرامج وتطبيقها.[108] وفي هذا الإطار، أشار حسين محمد، مدير المكتب، إلى أن هذا الأخير منح في العام ٢٠١٧ وحده ما يزيد عن ١٠٠ رخصة لمنظمات،[109] مع أن الرقم أقلّ بكثير وفقاً لمعلومات صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات دولية.[110]
فضلاً عن الرقابة التي يفرضها المكتب، يُقال إن الإدارة الذاتية حاولت فرض رؤيتها الخاصة على عملية توظيف الكوادر المحلية في منظمات الإغاثة، وغالباً ما تتدخّل لتحديد النطاق الجغرافي لأنشطة هذه الكوادر، والمناطق التي يجب أن تستفيد من خدماتها.[111] وعلى غرار سلطات الحكومة المركزية، تفرض الإدارة الذاتية على المنظمات غير الحكومية الدولية رفع نسخٍ من كشوف رواتب موظّفيها إلى مديرية المالية في القامشلي، لكي تُفرَض الضريبة التي تتناسب مع راتب كلّ موظّف.[112]
خاتمة
على الرغم من محاولات حزب الاتحاد الديمقراطي لتصوير اقتصاد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا على أنه نموذج اجتماعي بديل لرأسمالية المحسوبية التي يقوم عليها النظام، لا تزال الإدارة تعتمد إلى حدّ كبير على عائدات النفط والتجارة لتمويل حكمها وإنفاقها العام. وصحيح أن هذه الإدارة غالباً ما توصَف على أنها بنية حوكمةٍ شعبية، إلا أنها تمارس سيطرةً موسّعةً على قطاعات اقتصادية حيوية، الأمر الذي يدفع غالبية قاعدتها الشعبية إلى الشعور بأنها منفصلة ومحرومة من أيّ مساهمة مُجدية في مجال صنع القرار أو المحاسبة. هذا ويزدهر المحسوبون والوسطاء في مجال الأعمال في أرجاء المنطقة، مستفيدين من العزلة والحصار الجزئي المفروض عليها من البلدان المجاورة والخصوم، وهم يحظون بالحماية والحصانة، وينشئون احتكارات على قطاعات أساسية في الاقتصاد المحلي.
تتشابك مالية الإدارة الذاتية بشكل وثيق مع بقية البلاد، وتعتمد عليها، ناهيك عن أن الإدارة فشلت في إرساء اقتصاد مجتمعي مستقلّ كما ينصّ عليه ميثاق العقد الاجتماعي الخاص بها. هذا وأدّت عملية نبع السلام العسكرية التي شنّتها تركيا في شمال شرق سوريا، إلى فكّ الجمود السابق في المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري عن غير قصدٍ. وبعد أن عجزت قوات سوريا الديمقراطية عن الحصول على مستوى الحماية المطلوب من واشنطن، طلبت من موسكو ودمشق ردع أنقرة، ثم توصّلت إلى تدبير أمني متسرّع مع النظام، يسمح لهذا الأخير بإعادة نشر قوات على طول الحدود السورية مع تركيا. هذا التدبير يمهّد الطريق لجولةٍ ثانيةٍ من المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام.
وقد لا يزال من المبكر التنبّؤ بالنتيجة المحتملة لهذه المفاوضات، خصوصاً بعد قرار الولايات المتحدة البقاء في المنطقة، إلا أنه من الصعب التصوّر أن النظام سيحجم عن وضع يده على موارد المنطقة الطبيعية، وأنه في نهاية المطاف لن يسعى إلى إغلاق المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية على المدى المتوسّط أو الطويل. والواقع أن أرجحية هذا الافتراض تزداد في ضوء الحاجة الماسّة للدولة السورية إلى النقد والمشتقّات النفطية.
أما من منظور النظام، فاستعادته السيطرة على المعابر الحدودية المهمّة مع كلّ من العراق وتركيا، من شأنها أن تعيد تنشيط الصادرات والواردات مع المناطق الخاضعة لسيطرته، وأن تولّد مصدراً إضافياً للدخل والضرائب للدولة. وتبقى التساؤلات قائمة حول التقدّم الذي يحرزه المحسوبون الجدد في مجال الأعمال، ومستقبل التهريب وشبكات التجارة، والأدوار الجديدة لمسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي. لا شكّ في أن إعادة دمج شمال شرق البلاد في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، من شأنها أن تعزّز القدرات المالية للبلاد، ولكن سيكون لها أيضاً تأثير سيّئ على الحلّ السياسي للصراع، كما على المدنيين، الذين بدأوا بالفرار إلى حكومة إقليم كردستان المجاورة بحثاً عن ملاذ آمن.
ومن شأن عودة النظام أيضاً أن تترك أثراً على المساعدات الإنسانية الدولية، ذلك أن المنظمات غير الحكومية الدولية التي تضطّلع بأنشطة عبر الحدود، ستواجه واحداً من سيناريوهَين. فإما ستضطّر إلى أن تسجّل عملها في دمشق، وتعمل عبر وكالات الأمم المتحدة، وإما ستوقف أنشطتها برمّتها. وطالما أن الإدارة الأميركية ملتزمة بعدم التعامل مع النظام، فغالب الظنّ أن المنظمات التي تموّلها الولايات المتحدة ستذهب إلى الخيار الثاني. هذا التحوّل يمكن أن يقلّص كمّية المساعدات المُقدَّمة إلى المنطقة، بما فيها إعادة تأهيل البنية التحتية، ودعم الأشخاص النازحين داخلياً، والفئات السكانية الأكثر ضعفاً. وهذا أمرٌ سيقلّص بدوره إلى حدّ كبير قدرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا على تلبية الاحتياجات الأساسية والأشدّ إلحاحاً.
* سنان حتاحت باحث رئيسي زميل في منتدى الشرق، ومركز عمران للدراسات الاستراتيجية، وباحث في مشروع "زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا"، في معهد الجامعة الأوروبية، حيث يتناول ديناميّات الاقتصادَين الوطني والمحلي في سوريا. تشمل اهتمامات حتاحت البحثية الجهات الفاعلة من غير الدول، والحركة السياسية الكردية، والنظام الإقليمي الجديد الناشئ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يحمل حتاحت شهادة الدكتوراه في الأمن السيبراني من جامعة كومبيين للتكنولوجيا في فرنسا.
نُشِرَت هذه الورقة البحثية أولاً باللغة الإنكليزية في ٢٩ تشرين الثَّاني ٢٠١٩. تولّت مايا صوّان ترجمتها إلى اللغة العربية.
[1] فرانسيسكا دو شاتيل، "دور الجفاف وتغيّر المناخ في الانتفاضة السورية: كشف مسبّبات الثورة" (بالإنكليزية)، دراسات الشرق الأوسط ٥٠، رقم ٤ (٢٠١٤): ٥٢١-٥٣٥.
[2] جهاد اليازجي، "هل مشروع الحكم الذاتي الكردي ذو جدوى اقتصادية في سوريا؟" (بالفرنسية) حول سوريا، الاقتصاد السوري وبعض المسائل الأخرى (مدوّنة)، ١ تشرين الثاني ٢٠١٥، https://bit.ly/2OwwKQT
[3] أوليفيه دو شوتير، "تقرير المقرّر الخاص حول الحقّ في الغذاء – ملحق: البعثة إلى الجمهورية العربية السورية" (بالإنكليزية)، تقرير، ٢٧ كانون الثاني ٢٠١١، https://bit.ly/2rd5UoK
[4] اليازجي، المرجع السابق.
[5] "ذا سيريا ريبورت"، "ورقة وقائع: اقتصاد شمال شرق سوريا" (بالإنكليزية)، ١٦ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/33bdZrb
[6] رنا خلف، "حكم روجافا: طبقات الشرعية في سوريا" (بالإنكليزية)، ورقة بحثية (شاتهام هاوس أو المعهد الملكي للشؤون الدولية، ٢٠١٦)، http://bit.ly/339Frpw
[7] غدي ساري، "الحكم الذاتي الكردي في سوريا: البقاء والطموح" (بالإنكليزية)، ورقة بحثية (شاتهام هاوس أو المعهد الملكي للشؤون الدولية، ٢٠١٦)، https://bit.ly/2OyoU9m
[8] لقمان رادبي، "الإدارة الذاتية الكردية في سوريا: نموذج جديد من الدولة ووضعه في القانون الدولي مقارنةً بحكومة إقليم كردستان في العراق" (بالإنكليزية)، المجلة اليابانية للعلوم السياسية ١٧، رقم ٣ (٢٠١٦): ٨٨-٤٦٨، https://bit.ly/2qoFfp9
[9] في العام ٢٠١٤، ضمّت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ثلاثة كانتونات: الجزيرة، وكوباني، وعفرين. وقد تغيّر اسمها إلى "الفدرالية الديمقراطية لشمال سوريا" في آذار ٢٠١٦. وفي أيلول ٢٠١٨، أعاد المجلس الديمقراطي السوري تسمية المنطقة بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي تألّفت من مناطق فرعية ذاتية الحكم في مناطق الجزيرة، والفرات، والرقّة، والطبقة، ومنبج، ودير الزور. تستخدم هذه الورقة مصطلح "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" بشكل مختلف للإشارة إلى هذه المنطقة وبنية الحكم فيها.
[10] "ذا سيريا ريبورت"، المرجع السابق.
[11] بعض هذه الكتابات: بولينت كوتشوك ودجيرين أوزلدجوك، "تجربة روجافا: الإمكانات والتحدّيات في بناء حياة ديمقراطية" (بالإنكليزية)، مجلة "ساوث أتلنتك كوارترلي"١١٥ (٢٠١٦): ١٨٤-١٩٦، https://bit.ly/2OwjhZk؛ دالير بارخودا، "تجربة نظام روجافا في الديمقراطية التشاركية الشعبية: أسسها النظرية، وبنيتها، واستراتيجيتها" (بالإنكليزية)، مجلة الأبحاث في العلوم الإنسانية والاجتماعية ٤.١١ (٢٠١٦): ٨٠-٨٨، https://bit.ly/2KGAD4w؛ تشيلسي فوغيل، "جدوى الحكم الديمقراطي في دول الأمر الواقع: دراسة حالة مُقارَنة لكردستان العراق وروجافا سوريا" (بالإنكليزية)، أطروحة (جامعة جنوب فلوريدا، ٢٠١٨)، https://bit.ly/2QE35b6
[12] دجان دجمغيل وكليمنس هوفمان، "’ثورة روجافا’ في كردستان السورية: نموذج نموّ للشرق الأوسط؟" (بالإنكليزية)، مجلة معهد دراسات التنمية٤٧، رقم ٣ (٢٠١٦): ٥٣-٧٦؛ مايكل كناب ويوست يونغردن، "الديمقراطية الاجتماعية: العقد الاجتماعي والكونفدرالية في روجافا" (بالإنكليزية)، مجلة الدراسات الإسلامية المُقارنَة، ١٠، رقم ١ (٢٠١٤): موبرغ، م. ج.، "بناء الأمّة في روجافا: الديمقراطية التشاركية في خضمّ الحرب الأهلية السورية" (بالإنكليزية)، مجلة Пути к миру и безопасности ٢ (٢٠١٦): ١٥-٣٦.
[13] كناب، المرجع السابق.
[14] أندريا غليوتي، "روجافا: أسطورة تحرّرية تحت المجهر" (بالإنكليزية)، الجزيرة، ٥ آب ٢٠١٦، https://bit.ly/349qS6H
[15] رادبي لقمان وغريغوري روز، "دستور كردي مبتكر جديد في الشرق الأوسط" (بالإنكليزية)، مجلة دراسات الابتكار ١٠، رقم ١ (جامعة فيلنيوس غيديميناس التقنية ، ٢٠١٨)، ٧٢-٨٣.
[16] وفقاً لميثاق العقد الاجتماعي، تتألّف بنية الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من مجلس تنفيذي، ومجلس تشريعي، ومجلس قضائي، ومفوضية عليا للانتخابات، ومحكمة دستورية عليا، ومجالس محلية.
[17] مصطفى بدر، "واقع الإدارة الذاتية في الشمال السوري"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ١ أيلول ٢٠١٦، https://bit.ly/2XBzTCN
[18] كسرا، "تشكيل الهيكلية الإدارية الجديدة للمجلس التنفيذي لإقليم الجزيرة"، Encûmena cîbicîker a herêma cezîrê، ٢٦ آذار ٢٠١٩، http://bit.ly/2QSmapQ
[19] في آذار ٢٠١٩، دُمِج المكتب بمكتب التواصل، وازدادت مسؤولياته وصلاحيته.
[21] غليوتي، المرجع السابق.
[22] غدي، المرجع السابق.
[23] غليوتي، المرجع السابق.
[24] مقابلة مع عضو في المركز الديمقراطي السوري، زيورخ، سويسرا، ٢٢ نيسان ٢٠١٨.
[25] التحالف التعاوني الدولي، "ما هي التعاونية؟" (بالإنكليزية)، https://bit.ly/2D5oCkY
[26] كناب، المرجع السابق.
[27] "جين نيوز"، نتائج المؤتمر الأول لكونفرانس جمعيات "كوبراتيفات" شمال سوريا"، ٢١ تشرين الأول ٢٠١٧، https://bit.ly/2KFYEZB
[28] إركان أيبوغا، "الاقتصاد التضامني والتعاونيات في روجافا" (بالإنكليزية)، التعاون في بلاد الرافدين، ٢٣ نيسان ٢٠١٩، https://bit.ly/2XzuRqw
[29] شبكة روجافا، "الجمعيات التعاونية في قامشلو تجسد مفهوم الحياة التشاركية"، ٢٢ آب ٢٠١٨، http://bit.ly/37yuXTV
[30] التعاون في بلاد الرافدين، "العقد التعاوني للفدرالية الديمقراطية في شمال سوريا" (بالإنكليزية)، ١٧ آب ٢٠١٦، https://bit.ly/334InDS
[31] توماس ساليفان، "الاقتصاد الاجتماعي في روجافا: تمهيد حول النموذج التعاوني" (بالإنكليزية)، معهد هامبتون، ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٨، https://bit.ly/3379mhV
[32] "هفكرتن"، تويتر، http://bit.ly/35hGRj4
[33] التعاون في بلاد الرفدين، "ورشين" (Warshin)، https://bit.ly/2O7qAaD؛ "تعاونية ’شيلر’" (‘Shilêr Co-operative’)، https://bit.ly/2O5yEc7؛ "مخبز ’أدار’" (‘Adar Bakery’)، https://bit.ly/2KGX5dD؛ "دستر" (‘Dastar’)، https://bit.ly/2pE8Ieh
[34] هاوجين عزيز، "تعاونية نسائية في روجافا" (بالفرنسية)، مجلة "بالاست"، ٢٣ كانون الثاني ٢٠١٧، https://bit.ly/34a7kip
[35] توماس شميدينغر، "ثورة روجافا، والحرب، ومستقبل أكراد سوريا" (بالإنكليزية)، (لندن: منشورات بلوتو، ٢٠١٨)، ١٢٠-١٢٤.
[36] "ذا سيريا ريبورت"، المرجع السابق.
[37] مقابلة مع مدير تنفيذي لشركة خاصة، القامشلي، ٢٩ أيلول ٢٠١٩.
[38] تملك هيئة الاقتصاد حوالى ٤٠ ألف هكتار من الأراضي، 5 آلاف هكتار منها محجوز لأغراض خاصة، ما يعني أن ٣٥ ألف هكتار متاح لتسليمه للتعاونيات. تُعطى الأراضي بشكل تفضيلي للتعاونيات المؤلّفة من نساء وشبّان، ومن أُسَر الذين سقطوا في الحرب، والكومونات، والهيئات الأخرى. دنغير غونيش، "روجافا: الفروع الاقتصادية بالتفصيل" (بالإنكليزية)، التعاون في بلاد الرافدين، ٤ أيار، ٢٠١٧، https://bit.ly/2OwYcOb
[39] غدي، المرجع السابق.
[40] مقابلة مع صاحب مكتب حوالات، القامشلي، ١٧ أيلول ٢٠١٩.
[41] المرجع السابق.
[42] مكاتب الحوالات هي عبارة عن نظام تحويل أموال يُستخدَم على نطاق واسع في أجزاء عدّة من العالم الإسلامي. في هذا النظام، يدفع شخص ما لشخص موثوق به مبلغاً من المال يُسدَّد لاحقاً في أماكن مختلفة بواسطة شخص آخر موثوق به. ويمكن أن تتألّف مكاتب الحوالات من أفراد أسرة يتواجدون في أماكن مختلفة من العالم، أو من أفراد شبكة رجال أعمال. في معظم الحالات، لا تُحوَّل الأموال فعلياً إلى وجهتها النهائية. غالباً ما تكون التحويلات عبارة عن مبالغ صغيرة، الأمر الذي يُعَدّ مثالياً للاجئين والمهاجرين الذين يرسلون مخصّصات صغيرة فقط إلى عائلاتهم.
[43] في الحسكة، والمالكية، والقامشلي: المصرف المركزي السوري، والمصرف الصناعي السوري، ومصرف التسليف الشعبي، والمصرف الزراعي السوري، إضافةً إلى بنك بيمو السعودي الفرنسي الخاص.
[44] جوزيف ضاهر، "سوريا بعد الانتفاضات: الاقتصاد السياسي لمرونة الدولة" (بالإنكليزية)، (شيكاغو، إيلينوي: مطبوعات هاي ماركت بوكس، ٢٠١٩)، ١٧٨.
[45] كناب، المرجع السابق.
[46] مقابلة مع صاحب متجر بيع بالتجزئة، القامشلي، ٢٠ أيلول ٢٠١٩.
[47] ستيب، "على خطى الأسد، قسد تفرض ضرائب مالية كبيرة على أصحاب البسطات والأكشاك"، ٥ حزيران ٢٠١٩، http://bit.ly/2XLAdiv
[48] محمد عبد اللطيف، "’قسد’ تفرض ضرائب جديدة.. الحصادات والأطباء والعاملين مع المنظمات هم المستهدفين"، أثر، ١٦ تموز ٢٠١٩، http://bit.ly/2rl8ZmK
[49] قناة حلب اليوم الفضائية، "قسد تفرض ضرائب على الأطباء لمزاولة عملهم"، ١٣ أيار ٢٠١٩، https://bit.ly/33bBmRr
[50] تشمل هذه الفئات هيئات الإغاثة والمنظمات الإنسانية؛ والحرفيين؛ والأفراد العاملين لحسابهم الخاص؛ وأصحاب المؤسسات السياحية والترفيهية؛ والمهن التجارية؛ وأصحاب رأس المال الاستثماري؛ ومالكي المصانع؛ ومحطات الوقود؛ وشركات الأدوية؛ والمؤسسات المالية والمصرفية؛ ومكاتب الحوالات؛ ومالكي العقارات؛ والعاملين في القطاع الزراعي.
[51] هيئة المالية، فايسبوك، ٨ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/35rz56b
[52] بي بي سي عربي، "الثروات الموجودة في مناطق سيطرة الأكراد شرق سوريا"، ٧ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bbc.in/2KGVowY
[53] المرجع السابق.
[54] المرجع السابق.
[55] أحمد عدنان، "النفط السوري بيدي ’قسد’: ملف يهدد بصراع مسلح"، العربي، 24 تموز 2019، http://bit.ly/2OBxRi6
[56] يقدّر الموقع إيرادات البيع السنوية بـ1،1 مليار دولار. "ذا سيريا ريبورت"، "ورقة وقائع: اقتصاد شمال شرق سوريا" (بالإنكليزية).
[57] ميسم رزق، "نفط الشرق السوري بيد إسرائيل!"، الأخبار، 15 تموز 2019، https://bit.ly/35p0pCh
[58] العربية، "’قسد’ تمسك بـ’الأغنى.. نفط الشمال إلى كردستان والنظام"، ٨ كانون الثاني ٢٠١٩،https://bit.ly/336pYXk
[59] تقع الضفّة الشمالية للنهر تحت سيطرة قسد، فيما تخضع الضفّة الجنوبية لسيطرة النظام وعدد من الميليشيات المدعومة من إيران.
[60] السوسي هو أحد ممولّي مؤسسة البستان الخيرية، ومقرّب من رامي مخلوف.
[61] عدنان، المرجع السابق.
[62] المرصد السوري لحقوق الإنسان، "الفساد يتواصل بشكل متصاعد في صفوف قوات سوريا الديمقراطية"، ٢١ أيلول ٢٠١٩، https://bit.ly/2XzVmfo
[63] يُقدَّر أن حوالى ١٦ ألف برميل يُهرَّب في اليوم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بسعر يتراوح ما بين ٢٥ و٢٨ دولاراً للبرميل.
[64] تعمل العبّارات ليلاً تجنّباً لاستهداف طائرات التحالف الدولي إيّاها. أسماء نقاط العبور الرئيسية هي عبد الجبار الحسن، وعبد الله الرباح، والحمد.
[65] جرى التعرّف على حافظ الجدوع، وعبد الوهاب حمد النوفل، وعمار عبود الشعيبي، وخليف العكار، بوصفهم مالكي ومشغّلي المضخّات والأنابيب. هؤلاء تلقّوا رسوماً بقيمة ١٥٠٠ ليرة سورية (حوالى ٢،٣ دولار) للبرميل الواحد.
[66] توقّفت المفاوضات بعد الفشل في التوصّل إلى حلّ لعدد من المسائل، بما فيها الاعتراف الدستوري بالإدارة الذاتية الكردية. محمد محمد، "أزمة المحروقات: ’قسد’ تلاحق المُهربين.. بعدما أوقف النظام ’التعاون’"، المدن، ٢٥ نيسان ٢٠١٩، http://bit.ly/2XHvIFB
[67] المرصد السوري لحقوق الإنسان، "قوات سوريا الديمقراطية تغزو المعابر النهرية مع قوات النظام وتدمّر القوارب والعبّارات المُستخدَمة في عمليات التهريب في الريف الشرقي لدير الزور" (بالإنكليزية)، ٢٥ أيلول ٢٠١٩، https://bit.ly/2r903Rn
[68] وصل سعر وقود الديزل إلى ١٢٥ ليرة سورية، فيما بلغ سعر البنزين ١٠٠ ليرة لليتر الواحد. المرصد السوري لحقوق الإنسان، "استياء واسع للمدنيين في مناطق الإدارة الذاتية بسبب ارتفاع أسعار المواد الرئيسية والمحروقات بالتزامن مع انخفاض قيمة صرف الليرة السورية"، ٨ أيلول ٢٠١٩، https://bit.ly/2QF3wlx
[69] ناصر مهدي، "ماذا تعرف عن بيع النفط بين قسد والنظام في دير الزور؟"، الحلّ، ٦ آب ٢٠١٨، http://bit.ly/2QHTK21
[70] مقابلة مع صاحب متجر للبيع بالجملة، القامشلي، ٢١ أيلول ٢٠١٩.
[71] إذاعة وطن، "ألو حلب – ما هي آلية عمل إدارة الجمارك في منبج؟"، ١٤ تشرين الأول ٢٠١٨، https://bit.ly/2QBSa1o
[72] مقابلة مع صاحب متجر للبيع بالتجزئة، القامشلي، ٢٠ أيلول ٢٠١٩.
[73] المرجع السابق.
[74] المرصد السوري لحقوق الإنسان، "الاستياء يتواصل ضد قرارات الإدارة الذاتية وقسد شرق الفرات"، ٢٤ آب ٢٠١٩، https://bit.ly/2OyZmbX
[75] مقابلة مع صاحب متجر للبيع بالجملة، القامشلي، ٢١ أيلول ٢٠١٩.
[76] مقابلة مع رجل أعمال محلي، إسطنبول، ٢٩ آب ٢٠١٩.
[77] استغلّ مسؤولون سابقون في المجلس الوطني الكردي العلاقات الجيدة مع عشيرة البارزاني لعقد هذه الصفقات.
[78] ضاهر، "سوريا بعد الانتفاضات"، المرجع السابق، ١٧٨.
[79] حسو هو رجل أعمال كردي من مواليد الدرباسية في العام ١٩٧٠، يحمل شهادة في الحقوق، ويُعَدّ أحد أبرز الصناعيين في المنطقة. حكاية ما انحكت، "الحكم الذاتي في الروج آفا"، ٢٧ تشرين الأول ٢٠١٥، http://bit.ly/2qx6lKO
[80] جسر، "علاقة القاطرجي وشريكه (أبو دلو)... بأزمة الغاز في سوريا"، ١٠ شباط ٢٠١٩، http://bit.ly/33jgJmp
[81] يُعرَف شرفان إبراهيم على نطاق واسع بأنه مقرّب من إردال خليل، ووسيط بين إربيل والإدارة الذاتية لشمال وشرق وسوريا. مقابلة مع صاحب مكتب حوالات، إسطنبول، ٢٩ آب ٢٠١٩.
[82] مقابلة مع صاحب متجر للبيع بالجملة، القامشلي، ٢١ أيلول ٢٠١٩.
[83] "ذا سيريا ريبورت"، "تنافس الحكومة والأكراد على محصول أكبر من القمح" (بالإنكليزية)، ١ أيار ٢٠١٩، https://bit.ly/2riUVtR
[84] مقابلة مع صاحب متجر للبيع بالجملة، القامشلي، ٢١ أيلول ٢٠١٩.
[85] مقابلة مع رجل أعمال محلي، إسطنبول، ٢٩ آب ٢٠١٩.
[86] غدي، المرجع السابق.
[87] مقابلة مع أحد مصنّعي الشامبو والصابون السائل، القامشلي، ١٩ أيلول ٢٠١٩.
[88] المرجع السابق.
[89] أحد أكثر الاتحادات نشاطاً هو اتحاد مقاولي القامشلي برئاسة ماجد جمعة.
[90] اشتكى العاملون في قطاع البناء من الأجور المتدنّية على الرغم من ازدياد الطلب على اليد العاملة، إذ بلغ أجرهم اليومي ١٥ - ٢٠ دولاراً. "روداو"، "حركة البناء في القامشلي بكوردستان سوريا تنتعش والتجار يتلاعبون بأسعار المواد"، ٦ شباط ٢٠١٧، https://bit.ly/37t9z2f
[91] مقابلة مع صاحب وكالة عقارات، القامشلي، ١٩ أيلول ٢٠١٩.
[92] لم تُسجَّل المعاملات العقارية في المحافظات التي كانت تحت سيطرة المعارضة، مثل درعا وحلب، في السجل العقاري. لا توجد معلومات عن العام ٢٠١٧ وصاعداً. المديرية العامة للمصالح العقارية – دائرة السجل العقاري، http://bit.ly/34chsqW
[93] مقابلة مع صاحب وكالة عقارات، القامشلي، ١٩ أيلول ٢٠١٩.
[94] المرجع السابق.
[95] بلدية الشعب في الدرباسية، فايسبوك، ٢١ تموز ٢٠١٩، http://bit.ly/2XBpTtt
[96] بلدية الشعب في الدرباسية، فايسبوك، ١١ تموز ٢٠١٩، http://bit.ly/35rMew3
[97] مقابلة عبر الإنترنت مع ناشط، ٧ تشرين الأول ٢٠١٩.
[98] جهاد اليازجي، "لا مجال للتراجع: لماذا اللامركزية هي مستقبل سوريا؟" (بالإنكليزية)، المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ٦ أيلول ٢٠١٦، http://bit.ly/2rYfXyi
[99] سيلفيا أولوا، "الآشوريون تحت الحكم الكردي: الوضع في شمال شرق سوريا" (بالإنكليزية)، تقرير (بروكسل: الاتحاد الآشوري في أوروبا، ٢١٧)، http://bit.ly/335cURJ
[100] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "الآلية التفاعلية لمتابعة الاستجابة الإنسانية (ضمن سوريا) – كانون الثاني - أيلول ٢٠١٩" (بالإنكليزية)، http://bit.ly/37nMxtM
[101] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "الجمهورية العربية السورية، لمحة عن الوضع الإنساني في شمال شرق سوريا" (بالإنكليزية)، ٢٠ حزيران ٢٠١٩، http://bit.ly/34cWE2A
[102] المرجع السابق.
[103] صندوق الأمم المتحدة للسكان، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، واليونيسف، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والأونروا، ومنظمة الصحة العالمية.
[104] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "المنظمات المضطّلعة بأنشطة إنسانية داخل سوريا" (بالإنكليزية)، http://bit.ly/2QD2pmg
[105]موقع "ريليف ويب"، "١٥ وكالة إغاثة تحذّر من أزمة إنسانية في شمال شرق سوريا - المدنيون في خطر مع تصاعد العنف والعمل الإنساني معلّق – الجمهورية العربية السورية" (بالإنكليزية)، ١٠ تشرين الأول ٢٠١٩، http://bit.ly/2D13qwu
[106] أنظر موقع شبكة شمال سوريا الذي ينشر إعلانات عن هذه الوظائف، http://bit.ly/2D3j1vB
[107] مكتب شؤون المنظمات الإنسانية، "النظام الداخلي لمكتب شؤون المنظمات الإنسانية"، ١٥ آب ٢٠١٥، http://bit.ly/2D5JkkA
[108] المرجع السابق.
[109] عكيد جولي، "مكتب شؤون المنظمات الإنسانية ’روج آفا تحتضن ٨٠٠ ألف لاجئ وتقدم لهم المساعدات’"، "ميلله ت بريس"، http://bit.ly/35oI34s
[110] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "الآلية التفاعلية لمتابعة الاستجابة الإنسانية (ضمن سوريا)" (بالإنكليزية).
[111] أحمد سامر، "منظمات الحسكة بين مطرقة (الإدارة الذاتية) وسندان الظروف الإنسانية"، جيرون، ٢٣ تشرين الأول ٢٠١٨، http://bit.ly/2QEkgJv
[112] المرجع السابق.