Home page

يمكن تنزيل منشورات المشروع لأغراض البحث الشخصية فقط. إن أيّ استنساخٍ إضافيّ لأغراض أخرى، سواء على شكل نسخ مطبوعة أم إلكترونية، يتطلّب موافقة المؤلّفين.
أما في حال الاستشهاد بالنص أو اقتباسه، فيجب الإشارة إلى الأسماء الكاملة للمؤلّفين والمحرّرين، إضافةً إلى العنوان، والسنة التي نُشِر فيها، والناشر.

كيف يمكن احتواء التوتر بين درعا السويداء؟

  • الكاتب: مازن عزي
  • التاريخ: الجمعة, 17 نيسان 2020

تحميل الملف pdf

مقدّمة

تطوّرت الأزمة مؤخراً بين محافظة السويداء الحيادية وبين محافظة درعا التي كانت تحت سيطرة المعارضة حتى اتفاق المصالحة في منتصف العام ٢٠١٨، بسبب أعمال الخطف المتبادل الذي كان قد طال ١٥١ مدنياً من أبناء درعا في السويداء، وأبناء السويداء في درعا، خلال العام ٢٠١٩.[1] وسُجّلت حالات تعذيب واغتصاب متعددة، في ما بات أسلوباً ممنهجاً للعصابات بغية ابتزاز ذوي المخطوفين، لضمان دفع الفدية بشكل أسرع.[2] وفي أذار ٢٠٢٠، جرت مناوشات عسكرية، سقط على أثرها عشرات القتلى، ما بات يُهدد بشكل فعلي السلم الأهلي. وتصاعد على أثر ذلك التحشيد على أسس طائفية ومناطقية، بطريقة غير مسبوقة، وانتشرت عمليات الخطف الإنتقامي على نطاق واسع.[3]

وعلى عكس حالات التوتر السابقة التي كانت تجري بين فصائل المعارضة في درعا وقوات من النظام في السويداء، فإن الملفت في الاشتباكات الأخيرة هو حدوثها بين مسلحين دروز من بلدة القريا يتبعون لميليشيات مختلفة موالية للنظام، ومقاتلين حوارنة من بصرى الشام يتبعون للفيلق الخامس، الخاضع للإشراف الروسي المباشر، والتابع للجيش السوري، والذي كان مقاتلوه ينتمون إلى "قوات شباب السنة" المعارضة قبل اتفاقية المصالحة. ويتزامن ذلك مع حظر تنقل رسمي بين المدن والبلدات السورية، بسبب جائحة كوفيد-١٩، ما ساهم بخفض حدة الاشتباكات إلى حدودها الدنيا، وسط إمكانية تجددها في المستقبل القريب.

ويبدو أن الأزمات التي بقيت بلا حلول منذ العام ٢٠١١، قد تراكمت وباتت تنذر بانفجار طور جديد من الصراع الأهلي بين المحافظتين، قد يتخذ شكل اقتتال طائفي/مناطقي متعدد الأطراف، بين السنة والدروز، والشيعة. ويدور ذلك في منطقة حدودية تعني بشكل مباشر الأمن الإقليمي للأردن وإسرائيل، وسط التناقضات الروسية-الإيرانية. خلال السنوات الماضية كانت السويداء قد تحولت إلى ملجأ لمئات آلاف النازحين من المعارك في درعا، وقد بقي منهم عشرات الآلاف بعد إعادة فرض سيطرة النظام على محافظة درعا. وقد شهدت السنوات الماضية عمليات خطف متبادل، غالباً ما وقفت وراءها عصابات لها علاقات بالأجهزة الأمنية. وسبق أن تعرضت مواقع المعارضة في درعا لقصف من قوات النظام المتمركزة في السويداء، وتعرضت مدينة السويداء وقراها أكثر من مرة لقصف من درعا، غالباً ما وقفت خلفه مجموعات متطرفة أو عصابات. ومع ذلك، ظلّت السويداء متنفساً لنازحي درعا، وطريقاً لتأمين الغذاء والبضائع الرئيسية.

ويصبُّ التصعيد الأخير في مصلحة أطراف في النظام، وحزب الله وروسيا، ولا يمكن ضبطه إلا بتغليب المصالحة الأهلية التي يضمنها وجهاء ورجال دين ونشطاء مدنيون، من السويداء ودرعا، وتأسيس لجان لمتابعة وحل قضية المخطوفين بشكل نهائي وضبط عصابات الخطف في الطرفين.

الجزء الأول: الوضع الاقتصادي الاجتماعي وراء تصاعد عمليات الخطف

تتكاثر المجموعات المسلحة والعصابات في مناطق سيطرة النظام بين المحافظتين، بسبب انتشار الفقر والبطالة، وتتعدد انتماءاتها الطائفية وولاءاتها السياسية والأمنية. ووجدت تلك العصابات في الخطف بغرض الفدية، فرصة اقتصادية للتمويل الذاتي، وكذلك وسيلة لتمكين سيطرتها ونفوذها. فالخطف بغرض الفدية بين دروز السويداء وحوارنة درعا، بات مع الوقت من مصادر التمويل الذاتي للعصابات الخارجة على القانون. تردي الأوضاع المعيشية في المحافظتين، وعجز الدولة السورية عن تأمين فرص عمل جديدة أو إحياء مشاريع اقتصادية انتاجية، دفع بالمزيد من الشباب للانتماء إلى مجموعات مسلحة إجرامية.

انهيار قيمة الليرة السورية، والنقص الحاد في البضائع الرئيسية والخدمات الأساسية، وقلة فرص العمل وتعطل القطاعات الإنتاجية، كان قد نشّط اقتصاد الحرب لسنوات خلت بين المحافظتين. لكن، اتفاق المصالحة في درعا لم يجلب الرخاء للجنوب السوري، إذ تواصل انهيار الوضع الاقتصادي للأغلبية الساحقة من السكان، وسط غياب أي خطط بديلة من الدولة السورية لاحتواء الأزمة المعيشية الخانقة.[4] عجز الحكومة عن تأمين الخدمات الرئيسية، بات واضحاً في خفض مخصصات الطحين للأفران، في عموم سوريا منذ مطلع نيسان ٢٠٢٠، وتحديد عدد ربطات الخبز المسموح بيعها للعائلات بحسب عدد أفرادها، ما تسبب بازدحام خانق على الأفران، رغم التحذيرات الطبية بالتباعد الاجتماعي منعاً لانتشار وباء كورونا.

الأوضاع المعيشية المتدهورة، كانت قد دفعت في منتصف كانون الثاني ٢٠٢٠، لخروج احتجاجات سلمية غير مسبوقة في السويداء، تحت شعار "بدنا نعيش"، والتي لاقت تجاوباً اجتماعياً واسعاً. الوضع الخاص للسويداء، المتمثل في انتشار السلاح في يد مجموعة كبيرة من الميليشيات والقوى الأهلية،[5] موالية بمعظمها للنظام، سمح لهذه الاحتجاجات بالتوسع، من دون قدرة النظام على قمعها. الاحتجاجات التي دامت لأقل من أسبوع تلاشت بعد نزاعات داخلية بين منظميها، اتخذت شكل استقطاب حاد بين أنصار الموالاة والمعارضة، ما تسبب بانقسام الناشطين وتبعثر جهودهم. كما أن إطلاق حملة مضادة رسمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "ليرتنا عزتنا"، حوّل أنظار شريحة واسعة من الموالين المشاركين بـ"بدنا نعيش" باتجاه الاستفادة من الحملة الرسمية وتعزيزها على حساب حملتهم الأصلية.

وكمحصلة، فإن تراجع دور القطاعات الانتاجية في الجنوب السوري في تحفيز الاقتصاد المحلي القائم على الزراعة والتجارة، وسط منسوب بطالة هائل بين الشباب، كان قد جعل من تجارة المخدرات والسلاح والخطف بغرض الفدية، والسرقة، من أهم مصادر الدخل لشريحة عريضة من العصابات والميليشيات.

الجزء الثاني: عصابات الخطف: من يستثمر ومن يستفيد؟

يبدو أن ما لم يتمكن النظام من تحويله إلى مواجهات أهلية بين المحافظتين، ما بين العامين ٢٠١١ و٢٠١٨، قد ينجح فيه أخيراً بعد وقوع كامل المنطقة تحت سيطرته الإسمية. فمع غياب القانون وأدواته التنفيذية، تحرص أطراف في النظام على تغذية النزاعات الأهلية بين المحافظتين، لفرض نفسها لاعباً لا يمكن الإستغناء عنه، وكذلك للتعويض عن الشلل في قدرة الدولة السورية على الحكم وتأمين الخدمات الأساسية. ولا يبدو النظام بوضعه الحالي قادراً سوى على إثارة الفوضى واستثمارها، لإبقاء المجتمعات المحلية مشغولة بصراعاتها الجانبية، بدل مواجهة مسببات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة. وترتبط عصابات متعددة، مصلحياً، مع شبكة الميليشيات الموالية التي تديرها أجهزة النظام الأمنية، وتستفيد من دعمها اللوجستي والغطاء الأمني الذي تقدمه. وتعتمد الأجهزة الأمنية أحياناً على العصابات لخطف الناشطين ومعارضي النظام.

الأجهزة الأمنية كانت قد أجرت نهاية العام ٢٠١٩ "تسوية وضع" لعصابات خطيرة في ريفي السويداء ودرعا، ورغم ذلك لم تتوقف عمليات الخطف في تلك المناطق. وبعض العصابات تقوم بالخطف في مناطقها الأهلية، كما كان حال عصابة ناحتة في درعا، وتبيع المخطوفين لعصابات خارج مناطقها، ما يساعدها في انكار المسؤولية عن عمليات الخطف، وبالتالي تفادي ضغط الوساطات الأهلية أو حتى المواجهة العسكرية مع أقرانها، بغرض الافراج عن المخطوفين من أبناء المنطقة ذاتها. كما أن صعوبة عمليات الخطف وما تتضمنه من معرفة وثيقة بالمكان والناس، يجعل من عمل أغلب العصابات معقداً خارج حواضنها الأهلية، ويشجعها بالتالي على إجراء مقايضة أو بيع للمخطوفين من خلفيات طائفية ومناطقية مختلفة، بحسب الطلب. ولمواجهة الجريمة المنظمة، تعمل مجموعات درزية مسلحة، منظمة على شكل مجموعات عائلية، في بعض الأحيان، على ملاحقة أبرز المتهمين بالخطف والسرقة في السويداء، وتقوم بتسليمهم لأجهزة النظام الأمنية. إلا أن النظام أفرج مراراً عن بعض أولئك المطلوبين، بعد تنفيذ العصابات عمليات خطف مضاد لعناصر من قواته.

على العكس من ذلك، النظام كان قد ركز جهوده خلال الشهور الأخيرة على ضبط الميليشيات الدرزية الخارجة عن سيطرته، ولم يتردد باستخدام العنف لتحقيق ذلك، كما حدث في ٢٦ أذار ٢٠٢٠، عندما قتل حاجز للنظام ٤ عناصر من فصيل محلي من بلدة عرمان جنوبي السويداء. وكان النظام قد حاصر، منذ منتصف أذار، آخر مجموعة لقوات شيخ الكرامة في صلخد، بعد إقدامها على خطف عنصرين من حزب الله السوري وعناصر وضباط من قوات النظام، بغرض مبادلتهم بمخطوف منها لدى الأمن العسكري. حصار مدينة صلخد بالحواجز، دفع قوات شيخ الكرامة، بعد انفراط عقد حلفائها في الشريان الواحد، للتفكير جدياً بعرض التسوية المطروح عليها من قبل الظام عبر الهيئة الروحية للدروز ووجهاء محلييين. وبذلك، يكون الأمن العسكري قد نجح في "تسوية وضع" واحتواء معظم الفصائل المسلحة في السويداء.

ويضمن ذلك للنظام، إعادة التجنيد الاجباري إلى السويداء، وتجنيد أكثر من ٤٠ ألف متخلّف عن الخدمة العسكرية، وسحب بعض الامتيازات الشكلية الممنوحة لدروز السويداء بحكم الأمر الواقع. ويبدو أن أهم أهداف النظام تتمثل بإضعاف حركة رجال الكرامة، القوة العسكرية الأهلية الأكبر في السويداء، والتي اتهمت الفيلق الخامس بالمسؤولية المباشرة عن كمين ٢٦ أذار ٢٠٢٠ والذي راح ضحيته ١٤ مسلحاً درزياً بينهم ٦ تمّ إعدامهم. حركة رجال الكرامة حمّلت المسؤولية أيضاً للقوات الروسية والجيش السوري، مؤكدة على ضرورة محاسبة من أعدم الأسرى، وعلى ضرورة وقف الخطف المتبادل، وعلى محاسبة العصابات.

من جهة أخرى، لا يبدو أن الجانب الروسي، قادر على ضبط الفوضى الحالية في كامل المنطقة الجنوبية، في ظل محاولته توحيد فصائل المصالحة في درعا تحت راية الفيلق الخامس،[6] بقيادة أحمد العودة، الذي يعمل حالياً على ضم ١٢٠٠ مسلحٍ من درعا البلد وطفس، ليكون رجل روسيا الأقوى في الجنوب. الفيلق الخامس كان قد تمكن من ضبط نشاط عصابات الخطف في بصرى ومحيطها، في حين بقي الخطف نشطاً في ريف درعا الشرقي الشمالي على يد عصابات من البدو. ولا يبدو أن تقوية موقع ونفوذ العودة في درعا، على الأقل في هذه المرحلة، سيسهم في خفض التوتر مع السويداء. إذ أنه لتجميع الأهالي خلف العودة، الذي ينظر له جزء كبير من أنصار الثورة في درعا على أنه قد ساهم في تسليم المنطقة للنظام، يبدو أن تضخيم حجم خطر عصابات الخطف لدى الدروز شرقاً، سيلعب دوراً في تحشيد المقاتلين تحت راية الفيلق الخامس، واظهار العودة كبطل محلي. ويتناقض ذلك مع مصلحة النظام الذي دفع في أعقاب معركة بصرى-القريا بفرع حزب البعث في السويداء للتفاوض مع الفيلق الخامس، لعقد صفقة تتضمن خفض التصعيد بين بلدتي القريا وبصرى، مقابل إيقاف تمدد الفيلق في درعا، ضداً من الرغبة الروسية. ولا يبدو الدور الروسي جزءاً من الحل فحسب، ولكنه أيضاً جزء من المشكلة، فالوفود الأخيرة التي أرسلها مركز المصالحة الروسي للقاء وجهاء من السويداء ودرعا، لم تكن مؤلفة من ضباط برتب عالية كما جرت العادة من قبل. ويعكس ذلك انشغال الروس بالوضع في إدلب والشرق السوري، وكذلك عدم رغبتهم في هذه المرحلة باحتواء الموضوع بشكل نهائي، وترك أبواب مواربة يمكن للتصعيد بين السويداء ودرعا أن يتجدد من خلالها، عبر التنصل من نتائج الاجتماعات الأخيرة وعدم تنفيذها.

ويضاف إلى ذلك، وجود مصلحة مباشرة، لحزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية السورية عموماً، بإضعاف الفيلق الخامس، وإعادة النازحين الشيعة إلى مدينة بصرى الشام.[7] إذ يشكو شيعة بصرى النازحين عنها من عدم تجاوب الجانب الروسي معهم، والذي غالباً ما يحيلهم لمراجعة السلطات السورية غير القادرة بدورها على فعل شيء. وكان موضوع عدم عودة الشيعة أحد نقاط التوافق في اتفاق المصالحة بين روسيا وقوات شباب السنّة. ويُعتقدُ أن بعض عمليات الخطف للحوارنة في السويداء، تتم على أيدي عصابات درزية، تعمل لصالح حزب الله[8] بغرض إثارة العداء مع الفيلق الخامس في بصرى، خاصة بعد التقارب قبل الاشتباكات الأخيرة بين أحمد العودة وبعض الوجهاء ومشايخ العقل في السويداء. كما أن نفوذاً ايرانياً متعاظماً في الجنوب، سيكون مدخلاً لاثارة الفوضى والإضطرابات مع الأردن وإسرائيل، هذا فضلاً عن إثارة المزيد من موجات الاقتتال الأهلي ودعم سياسية التغيير الديموغرافي، وتمكين حزب الله السوري وميليشياته في المنطقة الجنوبية.

الجزء الثالث: الوجهاء المحليون

يحاول نشطاء ووجهاء محليون وزعماء تقليديون، من المحافظتين، تطويق الأزمة، رغم تصاعد عمليات الخطف المتبادل وامتدادها إلى خارج نطاق بصرى والقريا، وسط تحريض طائفي ومناطقي غير مسبوقين. وكما كانت عليه الأمور أثناء السنوات الماضية، فإن ممثلي المجتمع الأهلي في الطرفين، من زعامات محلية دينية وأهلية وميليشياوية، أخذوا على عاتقهم مسؤولية ضبط تبعات الخطف ومنع خروجها عن السيطرة. ولا تبدو هذه بالمهمة السهلة، في ظل نقص الأدوات، والثقة بين الطرفين. إذ أن باكورة عمليات الخطف بدأت في كانون الأول ٢٠١١، عندما خَطَفت مجموعة مسلحة متطرفة من درعا، ١٦ درزياً بينهم أبرز زعيم عشائري في ريف السويداء الغربي، ليتبين بعد سنوات أنهم قتلوا في ظروف مختلفة.

حل مشكلة الخطف بات الآن أكثر تعقيداً مع ما يفرضه من مواجهة حتمية، بين الزعامات المحلية والنشطاء وبين العصابات، في ذات النسيج الاجتماعي، في كلا الطرفين. وهنا، يجد ممثلو المجتمع الأهلي أنفسهم، لوحدهم بالكامل، بلا موارد وأدوات باستثناء قوة العرف الاجتماعي والقضاء العشائري. وقد تراجعت أهمية هذه الأدوات كثيراً خلال الأعوام الماضية من الحرب، مع تهتك النسيج الاجتماعي وتغير طبيعة علاقات الانتاج، وصعود نشاطات اقتصاد الحرب.

ومع ذلك، تدخلت زعامات عشائرية ودينية، من الطرفين، لاحتواء الأزمة الأخيرة وضغطوا على الجانب الروسي ليتوسط لدى الفيلق الخامس لتسليم جثث الأسرى الدروز القتلى، عبر الهلال الأحمر، إلى الوجيه المحلي الدرزي الأمير لؤي الأطرش، في ٢٧ أذار، ما حوّل المسألة بمجملها إلى قناة الحلول العشائرية-الأهلية. كما أصدرت مجموعة من النشطاء المدنيين، في المحافظتين، بياناً في ا نيسان، يرفض الفتنة ويطالب بإنهاء ملف المخطوفين، وتشكيل لجنة تحقيق مشتركة حول الاشتباك الدموي المسلح.

ويبدو أن أول النتائج غير المباشرة للأزمة في السويداء، كانت الاجتماع الموسع، الذي ضمّ مشايخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، وزعماء عائلات، وقائد حركة رجال الكرامة، في ١٣ نيسان، بهدف توحيد شمل الطائفة في الجبل. وهذا هو الإجتماع الأول من نوعه الذي يحضره مشايخ العقل الثلاثة، بعد قطيعة دامت لسنوات بسبب خلافات محلية على زعامة السلطة الدينية. وكانت عدة مبادرات سابقة، من الأمير لؤي الأطرش، قد فشلت في عقد لقاء يجمع زعماء الجبل التقليديين والروحيين، بعد الوهن الكبير الذي أصاب دورهم الاجتماعي، بسبب مفرزات الحرب وما رافقها من تصدع النظام الاقتصادي-الاجتماعي في السويداء.[9]

خاتمة

يبدو أن السيناريو الأسوأ هو اندلاع اقتتال أهلي بخلفية مناطقية وطائفية، بين المحافظتين، قد يساهم في توتير المنطقة الحدودية الحساسة، وقد يثير مخاوف من إمكانية وقوع مذابح طائفية وموجات لجوء وهجرة. وبغرض وقف هذا السيناريو، يمكن للمانحين دعم وتمكين جهات مدنية ووجهاء يحظون بإجماع شعبي، في المحافظتين. يمكن لهذه الجهات أن تتخذ شكل روابط ولجان أهلية على صعيد الوحدات الإدارية الأصغر كالقرية والحي في المدينة أو البلدة، تتشكل من وجهاء محليين وشيوخ دين وممثلي العائلات ونشطاء مدنيين، من الرجال والنساء، من الموالين والمعارضين غير الصداميين، والمقبولين اجتماعياً والمعروف عنهم نظافة الكف. تشجيع اللقاء بين الزعماء العشائريين ورجال الدين، والنشطاء المدنيين، سيساهم بشكل فعال في توسيع الحاضنة الشعبية المستجيبة لتوجيهات وقرارات هذه اللجان، واعطاءها مصداقية في الأوساط المدينية.

وتكون مهمة هذه اللجان، محصورة في المرحلة الأولى، بالتحقيق والمصالحة لمنع تدهور الأزمة الحالية. تشجيع الجمع بين ممثلين عن المناطق المتنازعة، في لجان مصالحة محلية مستقلة، تعمل على خفض التوتر، وتكون معنية بمتابعة شؤون المخطوفين بحسب المناطق، والعمل على تحريرهم والتعويض عليهم وعلى ذويهم، معنوياً ومادياً. وتعمل هذه اللجان على تشجيع الأهالي لرفض سلوكيات العصابات في الطرفين، ومنع استثمار الجانب الطائفي والمناطقي للتغطية على الجرائم الجنائية، ومحاربة ثقافة الإفلات من العقاب.

وتكون مهمة هذه اللجان متمثلة بضبط المناطق على الأرض عبر الضغط اجتماعياً على زعماء وأفراد العصابات وسحب الغطاء الأهلي عنهم. وبحكم أن هذه المناطق هي تحت السيطرة الإسمية للنظام، فإنه من الصعب جداً تخيّل إمكانية تحول هذه اللجان الأهلية إلى بديل حوكمي، لكنها يمكن أن تعمل على صعيد الوحدة الإدارية كمجالس استشارية ضاغطة على الأجسام التنفيذية.

وفي مرحلة لاحقة، يمكن لهذه اللجان، اقتراح مشاريع انتاجية محلية في السويداء ودرعا وأريافهما، لدعم السلم الأهلي، وتنشيط التعاون والتكامل الاقتصادي والتجاري بين السهل والجبل. وكإجراءات متوسطة وطويلة المدى، يمكن إعطاء هذه اللجان أدوات تعينها على تثبيت دورها، عبر منحها صلاحية اقتراح ودراسة جدوى لمشاريع انتاجية صغيرة، يمكن للمانحين تمويلها، ما يخفف من حدة الفقر، ويساهم بخلق فرص عمل جديدة، بشرط عدم انتفاع شبكات النظام الزبائنية منها. وهذا سيساعد اللجان في اقناع حواضنها الاجتماعية بأهمية دورها، ما يشكل شبكة حماية لها، في وجه أجهزة النظام الأمنية، وفي وجه العصابات. توسيع قاعدة هذه اللجان، لتشمل جميع الشرائح الاجتماعية، سيخلق نوعاً من الروابط الاتحادية/النقابية على صعيد جميع الوحدات الإدارية.

وفي النهاية، يمكن للمانحين الضغط على ضامني اتفاق العام ٢٠١٧ لخفض التصعيد في الجنوب السوري؛ أي روسيا وأميركا والأردن، وتحميلهم المسؤولية عن استقرار الجنوب السوري. كما يجب الضغط على الجانب الروسي لضبط الفيلق الخامس، وعدم دفعه للتورط بصراعات طائفية ومناطقية. كما يمكن تشجيع ضم فصائل الدروز المحلية إلى إطار عسكري أكثر انضباطاً، مشابه للفيلق الخامس، بحيث تتوحد القيادة العسكرية في المنطقة الجنوبية بغرفة عمليات واحدة.

 

*مازن عزي باحث سوري يعمل ضمن المشروع البحثي "زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا"، في برنامج مسارات الشرق الأوسط، الذي يشرف عليه مركز روبرت شومان للدراسات العليا التابع للجامعة الأوروبية في فلورنسا. يركّز عزي عمله على اقتصاد الحرب في سوريا، ومناطق سيطرة النظام.

[1] السويداء ٢٤، "السويداء ٢٤ ترصد ٢٦٧ حالة خطف واعتقال العام الفائت"، ا شباط ٢٠٢٠، https://bit.ly/2XMZ87g

[2] البيانات المذكورة في هذه الورقة مستقاة من ٥ مقابلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، جرت بين أذار ونيسان ٢٠١٩، مع نشطاء وصحافيين، من درعا والسويداء، ونظراً إلى الأوضاع الحالية في المحافظتين، ومن أجل سلامة من تمت مقابلتهم، تم إغفال ذكر الأسماء والتواريخ.

[3]  في ٢٥ أذار ٢٠٢٠، تعرض تاجرا أبقار من منطقة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، للخطف على يد عصابة من بلدة القريا في ريف السويداء الغربي. وساهم الأمن العسكري والجانب الروسي، بتحريض قائد الفيلق الخامس في بصرى، لتنفيذ عمليات خطف مضاد لدروز، والمفاوضة عليهم، بذريعة عدم القدرة على ضبط عصابات الخطف في السويداء. وهذا ما حدث، إذ تسللت مجموعة مسلحة من الفيلق الخامس، في ٢٦ أذار، باتجاه الأراضي الزراعية في بلدة القريا وحاولت خطف بعض الفلاحين، وأردت أحدهم قتيلاً. وسرعان ما تحشدت مجموعات درزية محلية مسلحة، وعملت على تمشيط المنطقة، فتعرضت لكمين مسلح من الفيلق الخامس، خسرت على أثره ٨ قتلى و٦ أسرى تم اعدامهم لاحقاً في بصرى الشام. في الوقت ذاته، حاولت مجموعة مسلحة درزية محلية، محاصرة منزل متزعم العصابة المتهمة بخطف الحوارنة، في القريا، لكنه قام بتفجير نفسه بقنبلة يدوية. وقد سرب فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية، صور الأسرى القتلى، وسط تحريض واسع ضد الفيلق الخامس، في الأوساط الدرزية. كما أن تسريب الفيلق الخامس لمقاطع مصورة تظهر تعذيباً لمخطوفين حوارنة واعتداءات جنسية عليهم، من قبل عصابات السويداء، ساهم باشاعة مزاج معادٍ للسويداء في درعا.

[4]  عبدالله الجباصيني، "تفاقم المظالم والعودة إلى السلاح في جنوب سوريا" (بالإنكليزية)، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا، إيطاليا: مشروع "زمن الحرب وما بعد الصرع في سوريا"، معهد الجامعة الأوروبية)، ٧ نيسان ٢٠٢٠، https://bit.ly/2V69QUO

[5] محمود اللبابيدي، "دروز السويداء: عودة النظام المشروطة بالصراعات الإقليمية والمحلية"، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا، إيطاليا: مشروع "زمن الحرب وما بعد الصرع في سوريا"، معهد الجامعة الأوروبية)، ١٠ آب ٢٠١٩، https://bit.ly/2V348Dg

[6] عبدالله الجباصيني، "من متمردين إلى جنود: فيلق الخامس-اقتحام في درعا جنوبي سوريا" (بالإنكليزية)، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا، إيطاليا: مشروع "زمن الحرب وما بعد الصرع في سوريا"، معهد الجامعة الأوروبية)، ١٤ أيار ٢٠١٩،  https://bit.ly/2xt3tSp

[7] مازن عزي، "التجربة السورية لحزب الله اللبناني"، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا، إيطاليا: مشروع "زمن الحرب وما بعد الصرع في سوريا"، معهد الجامعة الأوروبية)، ٣ أذار ٢٠٢٠، https://bit.ly/2V6arpw

[8] متزعم العصابة من بلدة القريا، الذي خطف شخصين من بصرى، وتسبب في اندلاع المواجهات الأخيرة، كان قد سبق وقاتل إلى جانب الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، في معارك غوطة دمشق الشرقية.

[9] محمود اللبابيدي، "دروز السويداء: عودة النظام المشروطة بالصراعات الإقليمية والمحلية".

من نحن

  •  

    أسَّسَ مركز روبرت شومان للدراسات العليا في معهد الجامعة الأوروبية برنامج مسارات الشرق الأوسط في العام ٢٠١٦، استكمالاً للبرنامج المتوسّطي الذي وضع المعهد في طليعة الحوار البحثي الأورومتوسّطي بين العامَين ١٩٩٩ و ٢٠١٣.

    يطمح برنامج مسارات الشرق الأوسط إلى أن يصبح جهة مرجعية دولية للأبحاث التي تتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تنظر في التوجّهات والتحوّلات الاجتماعية-السياسية، والاقتصادية، والدينية. ويسعى البرنامج إلى تحقيق هدفه هذا من خلال تشجيع البحث متعدّد التخصّصات بناءً على نتائج العمل الميداني، والتعاون مع باحثين من المنطقة. ويفيد البرنامج من خبرة باحثين ناطقين بلغات المنطقة الرئيسة، بما فيها العربية الفصحى والعامية، والفارسية، والطاجيكية، والتركية، والروسية.

    للمزيد ...
Funded by the European Union