Home page

يمكن تنزيل منشورات المشروع لأغراض البحث الشخصية فقط. إن أيّ استنساخٍ إضافيّ لأغراض أخرى، سواء على شكل نسخ مطبوعة أم إلكترونية، يتطلّب موافقة المؤلّفين.
أما في حال الاستشهاد بالنص أو اقتباسه، فيجب الإشارة إلى الأسماء الكاملة للمؤلّفين والمحرّرين، إضافةً إلى العنوان، والسنة التي نُشِر فيها، والناشر.

إدلب: أي سُبل لدعم الاتفاق التركي الروسي وتثبيت هدنة طويلة؟

  • الكاتب: منهل باريش
  • التاريخ: الأربعاء, 06 أيَّار 2020

تحميل الملف pdf

مقدّمة

قاد النظام وحلفاؤه عدة عمليات عسكرية منذ نيسان ٢٠١٩، قضمت منطقة خفض التصعيد الرابعة، شمال غرب سوريا، وأفضت إلى سيطرة قوات النظام على ريف حماة الشمالي وأجزاء من إدلب. وفي منتصف كانون الأول ٢٠١٩، باشر النظام عملية عسكرية جديدة مدعومة بالقاذفات الروسية، وسيطر خلال شهرين ونصف، على طريق M5، الواصل بين مدينتي حلب ودمشق، وعلى المناطق الواقعة شرقه، ومناطق بعمق ٨ كم غربه، إضافة للسيطرة على جيب صغير شمال حلب. وتقدر المساحة التي خسرتها المعارضة في الهجومين بنحو ٣٠٠٠ كم٢.

أتى الرد التركي في نهاية شهر كانون الثاني ٢٠٢٠ بعد أن سيطر النظام وحلفاؤه على معرة النعمان ثاني أكبر مدن محافظة إدلب، الواقعة على طريق M5، اعتبرت تركيا أن استمرار الصراع يطال أمنها القومي، فسعت الى وقف الهجوم عن طريق إرسال نحو ٢٠ ألف جندي إضافي خلال شهرين، وأنشأت نقاط مراقبة جديدة على طريق M5.[1] في شهر شباط، بدأ أول اشتباك مسلح حقيقي بين تركيا والنظام السوري منذ عام ٢٠١١، حيث قتل النظام وحلفاؤه ٣٤ جندياً تركياً في جبل الزاوية، وردت عليه تركيا بقصف انتقامي واسع عبر عملية أطلقت عليها اسم درع الربيع في ١ آذار.[2]

كان يمكن أن تؤدي هذه المواجهة العسكرية المباشرة الأولى بين الجيشين التركي والسوري إلى تهديد العلاقة بين روسيا وتركيا. فأبرم البلدان سريعاً اتفاقية جديدة، في ٥ آذار (ملحق لاتفاقية سوتشي لعام ٢٠١٨)، أعادت العمل بوقف إطلاق النار الهش، فيما بقي الخلاف حول مستقبل إدلب مستمراً ومفتوحاً على احتمالات عنف متصاعدة.

لذا، يقع على عاتق الداعمين الدوليين مسؤولية كبيرة لحماية المدنيين ومنع انهيار الاتفاق، لأنه سينعكس سلباً على العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، ما يهدد بموجة كبيرة من اللاجئين مترافقة مع مخاطر فيروس كورونا، واحتمالات تدفق أعداد كبيرة من الجهاديين بين اللاجئين.

الجزء الأول: العمليات القتالية ترفع أعداد النازحين وتهدد الصحة والتعليم

كانت التكلفة الإنسانية لهذا التصعيد كبيرة خلال العام الماضي، حيث شردت الهجمات المتتالية من قوات الحلف السوري الروسي أكثر من ١.٢ مليون إنسان لجأوا إلى المناطق الحدودية في إدلب وعفرين وريف حلب الشمالي. ومنذ ١ نيسان ٢٠١٩ حتى ١١ نيسان ٢٠٢٠، تسبب القصف بمقتل ١,٨٠٨ من المدنيين، بينهم ٥٠٩ أطفال و٣١٢ امرأة في منطقة إدلب شمال غرب سوريا.[3] عاش النازحون ظروفاً قاسية للغاية، خاصة خلال الشتاء، فبات ٨٠ ألفاً منهم في العراء، وتوفي ستة أطفال تجمداً.[4]

ورغم خيبة أمل النازحين بالاتفاق، وعدم تطرقه لعودتهم إلى ديارهم أو البحث في ضمان ذلك، إلا أنه يبقى فرصة لالتقاط الأنفاس. وفي حال فشل الاتفاق التركي الروسي وبدء الهجوم مجدداً، ستزداد صعوبة الأوضاع الإنسانية لـ١.٢ مليون نازح، وسيعيش نحو ثلاثة ملايين مدني تحت خطر يدفعهم إلى النزوح القسري باتجاه مناطق عفرين وريف حلب الشمالي. كما سيدفع الهجوم ما يزيد عن مليون سوري لمحاولة الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي. وهذا ضمن سياق اجتماعي واقتصادي متدهور للغاية، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي لحقت بالمزارعين والصناعيين في أرياف حماة وحلب وإدلب، إذ تحوّل نحو ٣٠٠ ألف عامل إلى عاطل عن العمل، بشكل شبه نهائي، وهو ما يزيد من الأعباء الإنسانية على وكالات الأمم المتحدة الإنسانية وشركائها المحليين شمال سوريا.

عانى القطاع الطبي أيضاً من استهداف بنيته التحتية بشكل متواصل، وشكل الهدف الأساسي على قائمة بنك أهداف سلاح الجو الروسي، الذي قصف ٧٦ مشفى ونقطة طبية ومستوصفاً منذ ربيع ٢٠١٩.

وتُعرّض الكثافة السكانية في إدلب أرواح مئات آلاف المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة إلى خطر الموت، بسبب سوء البنية التحتية ونقص المياه وقلة التغذية، بالإضافة إلى الخطر المتمثل بتفشي فيروس كوفيد-١٩. فقد يساهم تزاحم الخيم قرب الشريط الحدودي والاكتظاظ البشري في حصول كارثة محتملة عبر تفشي الوباء بشكل سريع وكبير. وينبّه مدير الصحة في إدلب إلى النقص الحاد في أسرّة العناية المركزة، والتي تُقدّر بنحو ١٢٠ سريراً فقط. وقد وعدت منظمة الصحة العالمية بزيادة عددها، وتجهيز ٩٠ سريراً إضافياً وإحداث ثلاثة مراكز عزل، أي سيرتفع عدد الأسرة إلى ٢١٠ في أحسن الأحوال، مخصصة لثلاثة ملايين مدني في إدلب، بمعدل سرير واحد لكل ١٤٢ ألف مدني سوري. وتحذّر مديرية الصحة من وفاة ١٠٠ ألف مدني في حال تفشي وباء كورونا شمال غرب سوريا.[5]

ولحقت أضرار بالغة أيضاً بقطاع التربية والتعليم.[6] فقد حُرم ١٢٢,٨٠٣ من الطلاب من الوصول لنحو ٤٠٢ مدرسة، بعد سيطرة قوات النظام على ٣٠٠ منها، فيما تقع بقية المدارس في مناطق التماس غير الآمنة. وتحولت ٢٨٥ مدرسة أخرى لمراكز إيواء للهاربين من قصف النظام، بسبب ارتفاع أعداد النازحين وعدم توفر مناطق إيواء أو خيم تستوعبهم، ما أدى إلى توقف التعليم فيها نهائياً، وحرمان ٩٧ ألف طالب إضافي من التعليم. وفي محاولة لسد العجز وتخفيف الاحتياجات، سعت مديرية التربية لفتح مراكز تعليمية جديدة، فأحدثت مجمعات تربوية في منطقة سرمدا والدانا، وأسست ٦٠ مدرسة جديدة. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الطلاب المتسربين من التعليم بسبب الضغط الاقتصادي، وانخراطهم في سوق العمل بهدف إعالة ذويهم. وإضافة إلى عدم وجود مدارس بديلة، لا تستطيع المدارس المُحدَثة استيعاب إلا عدد صغير من الطلاب النازحين. وأدى الفرار من قصف النظام إلى تشتت الكادر التعليمي في مناطق متفرقة من مناطق النزوح، ما خلق صعوبات إضافية في حقل التعليم.

وكخلاصة، فإن مديريّتا الصحة والتربية الحرة في إدلب تصارعان للبقاء، وهما مؤسستا حكم محلي فشلت حكومة الإنقاذ، التي أسستها هيئة تحرير الشام في تشرين الثاني ٢٠١٧، في السيطرة عليهما، بسبب كلفتهما التشغيلية الكبيرة، وعدم القدرة على سد احتياجاتهما المادية الكبيرة، التي تأتي من الدعم الأوروبي والأمريكي والبريطاني.

الجزء الثاني: تحرير الشام، المشكلة والحل

يشكل وجود هيئة تحرير الشام مشكلة كبرى بالنسبة لتركيا، أعاقت تطبيقها اتفاق سوتشي ٢٠١٨. وتتجدد المشكلة الآن مع الاتفاق التركي الروسي الأخير، حيث يتعين على تركيا إبعاد تحرير الشام وتنظيمات أخرى صغيرة، أخطرها حراس الدين، عن طريق M4، وإعادة تشغيله، وهو أمر ترفضه هيئة تحرير الشام.

وتحاول الهيئة خلق فوضى كبيرة، من أجل مقايضة وجودها على الطريق بتأمين سلامته، وخيارها الأول في ذلك تنظيم حراس الدين (فرع القاعدة)[7] – المتهم بالهجوم على دورية تركية قرب بلدة محمبل، أسفرت عن مقتل جنديين في ١٩ آذار ٢٠٢٠.[8] أما الخيار الآخر أمام الهيئة فهو أن تختبر الصبر التركي بنفسها، كما حصل في ٢٦ نيسان الفائت حين هاجمت الهيئة مدرعة تركية وقصفت نقطة للجيش التركي بقذائف الهاون، على خلفية قتل القوات التركية عنصرين من عناصر الشرطة الموالية لها على طريق M4. ويأتي هذا التصعيد بعد أن شكلت تركيا ستة ألوية من الفصائل المعتدلة بهدف حماية الطريق، مع استبعاد تحرير الشام، ما يعني إصرار تركيا على فتح طريق M4 دون الاعتماد عليها، وهو ما يرجح حصول صدام عسكري محدود معها بهدف تحجيم دورها. ورغم نجاح الضغط التركي على تحرير الشام بتغيير سياستها وفك ارتباطها بالقاعدة، إلا أن أنقرة فشلت بفرض بنود اتفاق سوتشي على تحرير الشام خلال ١٥ شهراً. وفضلت أنقرة خسارة الأرض على المواجهة مع تحرير الشام.

أما داخل هيئة تحرير الشام، فعلى الرغم من الهزائم المتلاحقة وانحسار مساحة سيطرة المعارضة، مازالت النواة الصلبة في الهيئة تعتقد أن تفاهم المجتمع الدولي معها وإزاحتها عن لوائح العقوبات مسألة وقت.[9] وتعزز هذا الشعور لدى قيادة الهيئة بعد استثناء التحالف الدولي لها في الهجمات في إدلب، والتي استهدفت حراس الدين وأنصار التوحيد.[10] وتعوّل الهيئة على أن المجتمع الدولي سيعتبرها أمراً واقعاً وسيذهب إلى التفاوض معها في الجيب الصغير المتبقي للمعارضة شمالي سوريا، على غرار ما حصل في غزة، ومع طالبان مؤخراً بعد توقيع اتفاق الدوحة.[11] وتراهن هيئة تحرير الشام على أن الدعم الدولي للهدنة في إدلب سيُجبر العالم على البحث عن حل دبلوماسي، يفرض تغيير شكلها وسلوكها من أجل التعامل معها في نهاية المطاف.[12]

في تسجيل صوتي بعد أيام من الاتفاق، رفض قائد حراس الدين فاروق السوري (سمير حجازي) الاتفاق التركي الروسي، وطالب بدعم الجهاد والاستعداد لتغيير تكتيكات الحرب في إدلب،[13] وهو ما ينبئ بتغيير أشكال القتال التي اختبرها الشمال السوري، كما يشير إلى قناعة حراس الدين بهشاشة الاتفاق واستشعار هجوم وشيك للنظام. وقد طالب القيادي الأردني البارز في حراس الدين، سامي العريدي، المهاجرين بالصبر.[14] يمكن تفسير الظهور المتوالي للقياديين في حراس الدين[15] على أنه محاولة كسب تعاطف ودعم الحركة الجهادية العالمية في حرب محتملة ضدهم من المتوقع أن تشنها تحرير الشام. أما الهيئة فتسعى جاهدة لفرض صفقة مع تركيا، تسمح للأخيرة بتسيير الدوريات المشتركة، مقابل الاعتراف بالهيئة، وتوليها حماية الطريق السريع M4، وإبعاد الفصائل الراديكالية التي تعارض فتح الطريق وأبرزها حراس الدين.

انحسرت سيطرة حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام بسبب عمليات القضم الممنهجة للنظام خلال عام، وغابت استجابتها الإنسانية في موجة النزوح، وتركت أعباء النازحين على عاتق المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية. وفي حال انهيار الاتفاق التركي الروسي واستكمال الأعمال القتالية فإن حكومة الإنقاذ ستتلاشى، وستصبح السيطرة الأمنية لتحرير الشام أكثر وضوحاً. أما إذا توصلت تحرير الشام لاتفاق مع تركيا حول طريق M4، ستكون مسألة الحكم المحلي واحدة من نقاط التفاهم، ومن المتوقع أن تتوجه تحرير الشام إلى حل حكومة الإنقاذ وإعادة بناء كيان حكم محلي أكثر استقلالية، يُشرك مجموعات أوسع من الطيف المدني، بهدف ضمان الحصول على الدعم الدولي وتخفيف عبء الكارثة الإنسانية شمال غرب سوريا. وقد تعهد الجولاني بعدم التدخل بعمل المنظمات التي ترغب بالعودة الى إدلب.[16] ويمكن تفسير استقالة رئيس مجلس الشورى العام، الذي يُعتبر مرجعية حكومة الإنقاذ، في سياق الاحتجاج على تلك الخطوة.[17]

الجزء الثالث: صراع الفاعلين وخياراتهم

يعتبر الاتفاق التركي الروسي الأخير بمثابة الاختبار الحاسم للدول الثلاث الضامنة في مسار أستانا: تركيا وروسيا وإيران. ومن الممكن أن يتعرض المسار إلى زلزال كبير على مستوى العلاقة التي بدأت مطلع عام ٢٠١٧. وتتحمل تركيا مسؤولية إضافية في إدلب، فإذا فشلت في تطبيق تعهداتها مجدداً، والمتعلقة بإعادة تشغيل طريق الترانزيت M4 وبناء ممر أمني بعرض ١٢ كم من أجل حمايته، سيقوم النظام بعملية اجتياح بري جديد تهدد أجزاء كبيرة من الخريطة الحالية بدعم من حليفتيه روسيا وإيران.

وافق أردوغان على توقيع اتفاق يوقف الخسائر، وأقرت تركيا بخطوط التماس الجديدة التي فرضتها المعارك على الأرض حتى يوم ٥ آذار، رغم ميزان القوى العسكري الراجح لها مقابل النظام، وتخلت عن مطالبتها بعودة النظام السوري إلى خلف نقاط المراقبة التركية الاثنتي عشرة. وأدركت أنقرة اختلال التوازن العسكري على الأرض لغير صالح المعارضة، مع رغبتها في استمرار العملية العسكرية على الأرض والسيطرة على طريق M4. كما حاولت وقف الانهيار السريع وغير المتوقع في صفوف المعارضة، وإعادة تشكيلها في ألوية تتبع لها مباشرة. خيار وقف الهجوم سيحفظ لتركيا وجوداً على طريق M4، ويحدّ من خسارتها لطريق M5. ويُعتبر الدافع الرئيسي لهذا التوجه التركي بقبول الاتفاق هو رفض الولايات المتحدة الطلب التركي بتزويدها بمنظومة صواريخ باتريوت، حتى بعد مقتل ٣٤ جندياً تركياً في جبل الزاوية[18] حيث اشترطت واشنطن عدم تشغيل منظومة S400 الروسية، الأمر الذي فهمته أنقرة على أنه رفض وتخلٍّ عنها في تلك المواجهة.

أما روسيا فقد تلخص موقفها بتفضيل بوتين إعطاء حليفه أردوغان فرصة جديدة، والحفاظ على العلاقة الاستراتيجية الحديثة بينهما، وعدم دفع تركيا بالعودة إلى تحالفها القديم والتاريخي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويسعى بوتين إلى رفع التبادل التجاري، والحفاظ على تركيا كسوق كبيرة، خصوصاً للمنتجات العسكرية، على غرار تشغيل المفاعل النووي وبيعها منظومة S400، والتي حالت دون تزويدها بمنظومة باتريوت وحرمتها من طائرات F35، بالإضافة إلى تفعيل خط غاز السيل الشمالي الواصل إلى أوروبا عبر أراضيها.

أما بالنسبة لإيران، فقد شاركت الميليشيات الإيرانية بقوة في الهجوم للسيطرة على طريق M5، وخصوصاً "قوات الرضوان" (قوات النخبة في حزب الله)، الأمر الذي ساعدها على تحقيق مكاسب جديدة عبر توسيع سيطرتها في ريف حلب الجنوبي وريف حلب الغربي والشمالي. الاتفاق الروسي-التركي كان قد أثار غضباً إيرانياً، خصوصاً أنه أتى بعد القصف التركي لمراكز حزب الله والميليشيات الإيرانية قرب طريق حلب-دمشق السريع. وتأمل طهران بانهيار الاتفاق الروسي-التركي، واستمرار العملية العسكرية من أجل استعادة السيطرة على بلدتي الفوعة وكفريا اللتين هجر سكانهما الشيعة في صفقة المدن الأربعة.[19] ولكن طهران لا تسعى لحرب حاسمة تُنهك قواها وتُفسد علاقتها بأنقرة، وتفضل استثمار قوتها شرق سوريا في مواجهة الجيش الأمريكي كما تفعل غربي العراق.

خاتمة

خلال العملية التركية ضد النظام السوري، دعمت الدبلوماسية الغربية تركيا بشكل واضح (بما في ذلك تقديم الولايات المتحدة دعماً إضافياً وقدره ١٠٨ مليون دولار)،[20] ولكن قضية الابتزاز التركي بملف اللاجئين، وصفقة صواريخ S400، حالت دون مزيد من الدعم. وهنا يجب على أنقرة إيجاد مقاربة مختلفة لقضية اللاجئين تخفف من الهواجس الأوروبية، وملاقاة حلفائها التقليديين في منتصف الطريق في مسألة منظومة الصواريخ الروسية بما يشمل تجنّب تشغيلها، ما سيشكل خطوة إيجابية قد تستعيد بها أنقرة دعم حلف شمال الأطلسي، دون أن يُفهم ذلك في موسكو على أنه انقلاب استراتيجي في العلاقة معها.

وترجح تعقيدات الفاعلين المحليين والدوليين في إدلب سيناريو انهيار الاتفاق التركي الروسي. فقد أصبح المشهد أشبه بوعاء ضغط يفتقر لصمام تنفيس. وهنا يتعين تضافر جهود المانحين الدوليين لتجنب الانفجار حفاظاً على الأمن والسلم لجميع الأطراف، وخشية أن يُفرض واقع جيوسياسي جديد شرقي المتوسط، يكرس النفوذ الإيراني والروسي، وينهي عملية الانتقال السياسي الذي سعت إليه الأمم المتحدة. وفي المقابل، على الاتحاد الأوروبي وأمريكا الضغط على روسيا والصين لإعادة تمديد العمل بقرار مجلس الأمن رقم ٢٥٠٤ لعام ٢٠٢٠، والخاص بالآلية العابرة للحدود، والمتعلقة بإدخال المساعدات الإنسانية، والبحث في آلية مستقلة تدعمها من أجل إدخال المساعدات إلى شمال وشرق سوريا.

إلى ذلك، يجب العمل مع أنقرة وباقي الدول المصدّرة للمقاتلين الأجانب المنضوين في صفوف الفصائل المتشددة في إدلب، على رسم خريطة حل لاستعادتهم. ويقدّر عدد الأوروبيين منهم بأقل من ستين مقاتلاً، وهو رقم يمكن احتوائه في الاتحاد الأوروبي، مقارنة بأعداد المتسرّبين إليه في حال انفجار الوضع. وتعتبر مساندة حلف شمال الأطلسي لتركيا وتقديم المساعدة لها أمنياً ولوجستياً في الحرب على هيئة تحرير الشام، إذا رفضت الأخيرة حل نفسها، حجة منطقية للتدخل في إدلب تحت شعار الحرب على الإرهاب. فالقضاء على المتطرفين ينزع الذرائع الروسية باستمرار العمليات العسكرية، وهو أقل كلفة على دول شمال الأطلسي من مخاطر الانفجار الذي سيسببه هجوم النظام.

كذلك، هناك حاجة قصوى لإعادة تفعيل البرامج التي أوقف الاتحاد الأوروبي دعمها، وخصوصاً البرامج السياسية، كبرامج مكافحة التطرف والتمكين السياسي والمجتمعي، وزيادة دعم قطاعات الحوكمة التي لا تملك تحرير الشام هيمنة عليها في إدلب، وأهمها قطاع الصحة الذي يواجه تحدياً كبيراً في مواجهة وباء كورونا، وذلك بالاستجابة العاجلة لبناء مراكز عزل وتقديم المواد المخبرية اللازمة لإجراء الفحوصات والمساعدة بتعزيز الوقاية الصحية وتوفير المواد الطبية اللازمة. من الضروري أيضاً تكاتف الجهود مع بريطانيا، التي تدعم قطاع التعليم في إدلب. فالقطاع يوشك على الانهيار، ولا بد من العمل بسرعة على إعادة الطلاب إلى مدارسهم، وعدم تركهم لإغواء الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة أو الدخول في سوق العمل.

ومن المفيد أن يشارك الاتحاد الأوروبي تركيا في تطوير مبادرة لعودة النازحين إلى المناطق التي هُجّروا منها بسبب العمليات العسكرية منذ ربيع ٢٠١٩، وبضمانة روسية-تركية، بحيث تكون تركيا فاعلة وموجودة على الأرض، ما يشجع النازحين على العودة إلى بيوتهم ويخفّف مخاطر تجمعهم الصحية والأمنية على السواء.

 

* منهل باريش باحث سوري يعمل ضمن المشروع البحثي "زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا"، في برنامج مسارات الشرق الأوسط، الذي يشرف عليه مركز روبرت شومان للدراسات العليا التابع للجامعة الأوروبية في فلورنسا. يركّز باريش عمله على مناطق شمال سوريا.

[1] عدا عن ١٢٠٠ جندي موجودين سابقاً في ١٢ نقطة مراقبة. وبلغ عدد النقاط التركية ٥٦ نقطة عسكرية، حتى ٧ نيسان ٢٠٢٠، وتستمر تركيا بإنشاء نقاط جديدة على طريق M4.

[2] TRT، "تحييد أكثر من ثلاثة آلاف عنصر للنظام السوري منذ انطلاق عملية درع الربيع" ٤ آذار ٢٠٢٠، https://bit.ly/3bFAgCT. دمرت تركيا في ذلك الهجوم القوى المدرعة والجوية للنظام في المنطقة الشمالية، حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل ٣,١٣٨ عنصراً من عناصر النظام، وإسقاط ٣ مقاتلات و٨ مروحيات و٣ طائرات مسيّرة، وتدمير١٥١ دبابة و٥٢ راجمة صواريخ و٤٧ مدفع، و٨ منصات دفاع جوي للنظام السوري منذ بدء عملية درع الربيع.

[3] الشبكة السورية لحقوق الإنسان، "حصيلة الضحايا المدنيين خلال عام منذ بدء تصعيد الحلف السوري الروسي حملته على شمال غرب سوريا"، ١٣ نيسان ٢٠٢٠،  https://bit.ly/3cQbiAS

[4] الجزيرة، "في أكبر موجة نزوح منذ بداية الحرب بسوريا.. أطفال إدلب يموتون برداً"، ١٥ شباط ٢٠٢٠، https://bit.ly/2Y6KBUn

[5] منهل باريش، "مواجهة كورونا في شمال سوريا: مخبري واحد لأربعة ملايين مدني"، القدس العربي، ٢٨ آذار ٢٠٢٠، https://bit.ly/2KAk5ux

[6] مقابلة أجراها الباحث على واتساب مع مدير التربية الحرة في إدلب، حسن شوا، ٧ نيسان ٢٠٢٠، وتحليل بيانات مديرية التربية المنشورة.

[7] أظهر الجولاني نفسه في حوار مع مجموعة الأزمات الدولية على أنه صمام الأمان في إدلب، فقد حارب خلايا تنظيم الدولة الإسلامية بشكل منهجي في إدلب، واحتوى حراس الدين، وأخذ منهم تعهداً بعدم استخدام سوريا كنقطة انطلاق للجهاد الخارجي والاعتراف بحكومة الإنقاذ. كما شدد على عدم وجود متشددين في الهيئة، مؤكداً أن من لا يلتزم بالقرار يصبح خارجها. مجموعة الأزمات الدولية، "العامل الجهادي في إدلب السورية: حديث مع أبو محمد الجولاني"، ٢٠ شباط ٢٠٢٠، https://bit.ly/3aZbJYb

[8] المدن، "إدلب: اشتباكات تخرق الهدنة.. وتفجير يستهدف دورية تركية"، ١٩ آذار ٢٠٢٠، https://bit.ly/3c3MBRd

[9] تتمثل النواة الصلبة للهيئة في الجولاني وعبد الرحيم عطون وأبو ماريا القحطاني ويوسف الهجر ومظهر الويس وأبو أحمد حدود.

[10] أحمد أبازيد، "ما هي الخطوة التالية لهيئة تحرير الشام؟"، منتدى الشرق، ٧ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/3aSdLcw

[11] عبد الجبار أبو راس، "نص اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان في الدوحة (وثيقة)"، وكالة الأناضول، ٢٩ شباط ٢٠٢٠، https://bit.ly/3569mkW

[12] مقابلة أجراها الكاتب على واتساب مع قيادي عسكري في الجبهة الوطنية للتحرير المقربة من تركيا، نقل خلالها أجواء تحرير الشام حسب لقاءاته المتكررة ونقاشه مع قيادة الصف الأول، ٢٠ آذار ٢٠٢٠. مقابلة أجراها الكاتب مع على سكايب مع ناشط سياسي مقرب من مظهر الويس، القيادي البارز في تحرير الشام، ٧ نيسان ٢٠٢٠.

[13] أخبار الآن، "خبير: رسالة زعيم "حراس الدين" ترفض اتفاق روسيا - تركيا وتُقر بضعفها المالي"، ١١ آذار ٢٠٢٠، https://bit.ly/2zaJVTB

[14] شبكة شام، "تسجيل صوتي لسامي العريدي القيادي في حراس الدين يدعو المهاجرين للصبر في شهر رمضان"، ٢٤ نيسان ٢٠٢٠، https://bit.ly/3fcAjI

[15] في ١٢ أيلول ٢٠١٩ خصصت الخارجية الأمريكية مبلغ ثلاثة ملايين دولار للإبلاغ عن فاروق السوري، والعريدي وأبو عبد الكريم المصري. https://bit.ly/2VV8Rak

[16] مجموعة الأزمات الدولية، "العامل الجهادي في إدلب السورية: حديث مع أبو محمد الجولاني"، مصدر سابق.

[17] صحيفة جسر، "استقالة د. بسام صهيوني من رئاسة مجلس الشورى العام في الشمال"، ٧ نيسان ٢٠٢٠، https://bit.ly/359FHr9

[18] الحرة، "البنتاغون: تبلغنا طلب تركيا تزويدها صواريخ باتريوت"، ٢١ شباط ٢٠٢٠، https://arbne.ws/2KzxF1l

[19] في آذار 2017 توصلت المعارضة والنظام وبرعاية قطرية تركية إلى اتفاق إخلاء المدن الأربع وجرى مقايضة إخلاء المدنيين والمقاتلين من بلدتي مضايا والزبداني اللتين تسيطر عليهما المعارضة، مقابل إخلاء المدنيين ومقاتلي حزب من الفوعة وكفريا. وربطت قطر الصفقة بإطلاق سراح صيادين قطريين مختطفين في العراق.

[20] إيه بي سي نيوز، "المبعوث الأمريكي للأمم المتحدة يزور الحدود السورية، ويعلن عن تقديم مساعدات بقيمة ١٠٨ مليون دولار"، ٣ آذار ٢٠٢٠، https://abcn.ws/2Y8KHL7. إيه بي سي نيوز، "المبعوث الأمريكي للأمم المتحدة يزور الحدود السورية، ويعلن عن تقديم مساعدات بقيمة ١٠٨ مليون دولار"، ٣ آذار ٢٠٢٠، https://abcn.ws/2Y8KHL7.  

من نحن

  •  

    أسَّسَ مركز روبرت شومان للدراسات العليا في معهد الجامعة الأوروبية برنامج مسارات الشرق الأوسط في العام ٢٠١٦، استكمالاً للبرنامج المتوسّطي الذي وضع المعهد في طليعة الحوار البحثي الأورومتوسّطي بين العامَين ١٩٩٩ و ٢٠١٣.

    يطمح برنامج مسارات الشرق الأوسط إلى أن يصبح جهة مرجعية دولية للأبحاث التي تتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تنظر في التوجّهات والتحوّلات الاجتماعية-السياسية، والاقتصادية، والدينية. ويسعى البرنامج إلى تحقيق هدفه هذا من خلال تشجيع البحث متعدّد التخصّصات بناءً على نتائج العمل الميداني، والتعاون مع باحثين من المنطقة. ويفيد البرنامج من خبرة باحثين ناطقين بلغات المنطقة الرئيسة، بما فيها العربية الفصحى والعامية، والفارسية، والطاجيكية، والتركية، والروسية.

    للمزيد ...
Funded by the European Union