Home page

يمكن تنزيل منشورات المشروع لأغراض البحث الشخصية فقط. إن أيّ استنساخٍ إضافيّ لأغراض أخرى، سواء على شكل نسخ مطبوعة أم إلكترونية، يتطلّب موافقة المؤلّفين.
أما في حال الاستشهاد بالنص أو اقتباسه، فيجب الإشارة إلى الأسماء الكاملة للمؤلّفين والمحرّرين، إضافةً إلى العنوان، والسنة التي نُشِر فيها، والناشر.

تعافي الاقتصاد المحلي في شمال حلب: الواقع والتحديات

  • الكاتب: سنان حتاحت
  • التاريخ: الثلاثاء, 27 نيسان 2021
  • ترجمة: غسان زكريا

تحميل الملف pdf

ملخّص تنفيذي

أحدثت الحرب في سوريا تغييراً في جوانب عديدة من البيئة الاقتصادية والاجتماعية في شمال البلاد، إلا أن أهمّ تحوُّل طرأ خلال الحرب هو فصل حلب عن الريف المحيط بها، حيث أصبحت ضواحي المدينة، فعلياً، مستقلة اقتصادياً عن المدينة. أدّى نشوء المناطق الآمنة غير الرسمية في منطقة عملية درع الفرات ومنطقة عفرين، نتيجة عمليات التدخل العسكري التركية المتعددة، إلى منح شمال حلب إمكانيات أكبر للتعافي الاقتصادي نظرياً.

تتفاعل عدة قوى فاعلة في بيئة شمال حلب، أهمها المجالس المحلية والجيش الوطني والحكومة السورية المؤقتة، مع تأثير تملكه فصائل المعارضة  في الاقتصاد المحلي، حيث تمارس عدة أنشطة غير قانونية تتركّز في مجالَي التهريب وتجارة العقارات. تتمتّع المجالس المحلية، التي تعمل تحت مسؤولية الوالي التركي الأقرب إليها، بدرجة كبيرة من الاستقلال عن الحكومة السورية المؤقتة، وتنظم المجالس شؤون التجارة وتصدر التوجيهات وتجبي الضرائب وتُبرِم العقود مع القطاع الخاص التركي. تشكل فصائل المعارضة والمجالس المحلية تحدياً لسلطة الحكومة السورية المؤقتة، التي تعاني من شح الموارد المالية وعدم القدرة على التحكم بتوزيع المال العام.

تتمثل أهم أصول شمال حلب الاستراتيجية في أربعة معابر حدودية مع تركيا، حيث يتيح اتصال المنطقة بتركيا شراء مختلف البضائع والمواد الخام اللازمة للإنتاج. كما تغذي تركيا المنطقة بالكهرباء عبر شركتَين من القطاع الخاص، ولكن لم يحدث استثمار جدي في بناء قدرة على توليد الكهرباء محلياً. لم تُعانِ مدن أعزاز وعفرين وجرابلس من نقص المياه، فالمياه السطحية تغطي احتياجات المنازل والأنشطة الزراعية. أما مدينة الباب ومحيطها فتعتمد على المياه الجوفية، ولا تكفي كمية المياه المستخرجة للأنشطة الزراعية. تشتري منطقة شمال حلب الوقود من الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ومن السوق الدولية عبر تركيا، لكن عدداً من أمراء الحرب يتحكمون بهذا القطاع، وأسعار الوقود والغاز أعلى في شمال حلب منها في مناطق الإدارة الذاتية ومناطق سيطرة النظام.

ارتفع إنتاج القطاع الزراعي خلال المواسم الثلاثة الماضية بفضل ارتفاع معدل هطول الأمطار، إلا أن المزارعين ما زالوا يواجهون صعوبة كبيرة في تحقيق الأرباح، الأمر الذي تفاقمه مضايقات بعض الجهات المسلحة لمُنتِجي زيت الزيتون. لم يشهد القطاع الصناعي نمواً يُذكَر، رغم الجهود الرامية لزيادة الاستثمارات في القطاع. ويواجه الصناعيون صعوبات في تصدير منتجاتهم وتسويقها محلياً، وهم لا يحصلون على أي دعم مالي أو مؤسسي. بذلك، يبقى نشاط المنطقة الأساسي هو التجارة، ولكنها تجارة قائمة بشكل أساسي على الاستيراد من تركيا، والاستثمار فيها محصور في أقلية ميسورة.

مقدمة

تُعتَبر مدينة حلب المركز الاقتصادي الأساسي في شمال سوريا، وذلك بسبب دورها التاريخي في التجارة الإقليمية، وتَركُّز الثروات فيها منذ قرون، وكثرة الحرفيين والصناعيين فيها. نتيجة ذلك، توجّه معظم الإنتاج الخام في شمال سوريا - أي إنتاج المزارع والمعادن ومقالع الحجارة وغيرها - إلى المنظومة الصناعية الحلبية. خلال حكم بشار الأسد، تعزّز دور المدينة المحوري في الاقتصاد الإقليمي والوطني إثر نشوء علاقات منفعة متبادلة بين الطبقة التجارية الثرية في حلب وشخصيات من النظام السوري. وترافق تركّز الثروة والأنشطة الاقتصادية في المدينة مع غياب الاستثمار في المناطق الريفية التابعة لحلب، فظلّ الريف من دون تنمية نسبياً، باستثناء مشاريع صغيرة وفّرت الاحتياجات الأساسية في التعليم وتوليد الكهرباء والمياه والإنتاج الزراعي. أدى ذلك إلى ذهاب معظم سكّان ريف حلب إلى "المدينة" بحثاً عن فرص العمل أو التعليم، أو لإنشاء ورشات حرفية أو ممارسة أنشطة تجارية تستفيد من البنية التحتية المتطورة في المدينة.

في تموز ٢٠١٢، سيطرت فصائل المعارضة على ريف حلب والأحياء الشرقية منها. بالإضافة إلى حركات النزوح الواسعة وهروب رؤوس الأموال وتدمير عدد من المدن الصناعية، انقطعت حلب كلياً عن قوة العمل والمواد الخام التي كانت تغذّي نشاطها الصناعي. كما أحدث الصراع أثراً مباشراً غيّر العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي سبق أن جعلت من حلب المركز المالي والصناعي في سوريا، ووضع المناطق الريفية في شمال سوريا، نظرياً، على طريق الاستقلال الاقتصادي.[1] إلا أن محافظة حلب شهدت اشتباكات عنيفة بين تنظيم داعش ووحدات حماية الشعب وقوات النظام وفصائل المعارضة السورية المسلحة. خاضت هذه القوات فيما بينها، وبدعم حلفائها الدوليين والإقليميين، عدة معارك للسيطرة على المناطق الحدودية المجاورة لتركيا، وللوصول إلى السدود الاستراتيجية على نهر الفرات والطرق اللوجستية التي شكّلت ممرّات بين مناطق السيطرة المختلفة. نتيجة هذه الصراعات، تغيرت الجغرافيا السياسية المحلية باستمرار، الأمر الذي أدى إلى حرمان المجتمعات المحلية من الانخراط في أنشطة إنتاجية ومن تطوير بنية إدارية متماسكة ومستقرة يمكنها إدارة الاقتصاد.

منذ عام ٢٠١٦، أطلق الجيش التركي أربع حملات عسكرية في سوريا، اثنتان في محافظة حلب: عملية درع الفرات (آب ٢٠١٦ - آذار ٢٠١٧)، التي أنهت حضور داعش في جرابلس وأعزاز والباب، وعملية غصن الزيتون (كانون الثاني - آذار ٢٠١٨)، التي أخرجت وحدات حماية الشعب من عفرين. أدّت هاتان العمليتان إلى تأسيس منطقة تخضع للسيطرة التركية مساحتها ٤,١١٤ كيلومتر مربع على جانب الفرات من جرابلس إلى المغاير في الشرق، ومنطقة أخرى تحكمها وحدات حماية الشعب وقوات النظام من منبج إلى نبل في الجنوب (الخريطة ١).

في هذه المنطقة، التي نسميها "شمال حلب"، أسّس الجيش التركي منطقة حظر طيران غير رسمية، مُنهياً تهديد الهجوم البري من النظام وقصفه المدنيين عشوائياً. يتراوح عدد المدنيين في هذه المنطقة بين ١.١ مليون و١.٥ مليون نسمة، بينهم ٤٠٠ ألف نازح من مناطق سورية أخرى. ليس للمنطقة عاصمة محلية رسمية، وأهم مدنها وبلداتها هي أعزاز وعفرين والباب والراعي وجرابلس وجنديرس ومارع. وصلت نسبة البطالة في المنطقة في الربع الأخير من عام ٢٠١٤ إلى ٥٧.٧ بالمئة، في حين كانت قبل الحرب ١٤.٩ بالمئة. وبحسب المسوح التي أُجرِيت لدخول ونفقات العائلات، بلغت نسبة الفقر في صيف عام ٢٠٢٠ نحو ٨٠ بالمئة.

تتمتع منطقة شمال حلب ببيئة آمنة نسبياً، وباتصال مع العالم الخارجي، وأراضٍ ذات حدود واضحة مشتركة مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومناطق سيطرة النظام. يمكن للسلطات المحلية في المنطقة استغلال وإدارة الموارد غير المتنازع عليها لإعادة بناء اقتصاد منطقة دمرتها الحرب. بالإضافة إلى ذلك، من شأن الدعم السياسي الذي تتلقاه هذه السلطات من تركيا أن يقدّم لها المساعدة اللوجستية لتحويل الإدارة المحلية إلى بنية حوكمة مستدامة ومرنة. ومن شأن تفحّص طبيعة وشكل التنمية الاقتصادية في هذه المنطقة أن يساعد على فهم مشروع تركيا في المناطق الحدودية ويبيّن العوائق التي تعطّل إعادة الإعمار.

تسعى هذه الورقة إلى تقييم المساعي الرامية إلى إعادة تأهيل حلب منذ عام ٢٠١٦ والتدخل العسكري التركي. وتحدد الورقة القوى الأساسية الفاعلة في المنطقة، والموارد الحيوية المتاحة لتنفيذ استراتيجية إعادة إعمار، ثم تنتقل إلى الأنشطة التجارية والتحديات التي يواجهها رجال الأعمال السوريون حالياً. تستند الدراسة بشكل أساسي إلى التقارير المنشورة و١٥ مقابلة مع أعضاء المجالس المحلية ورؤساء غرف التجارة والصناعة ورجال أعمال ونشطاء محليين في كانون الثاني ٢٠٢١.[2]

الجزء الأول: الحوكمة المحلية في شمال حلب: القوى الفاعلة والهيكليات

نظراً لحضورها العسكري، تركيا هي السلطة الأعلى، ولكن تفاعل أنقرة مع السكان محدود، ويمرّ عبر قوى فاعلة محلية. على المستوى المحلي، ما زالت هياكل الحوكمة شمال حلب غير منظمة وتغيب عنها المركزية كلياً. نتيجة الانقسام وعدم اهتمام تركيا بدعم سلطة مركزية واحدة، تنخرط القوى الفاعلة المحلية في منافسة وصراعات مستمرة على مصالحها. تنقسم القوى الفاعلة المحلية إلى نوعين: أولاً الفصائل المسلحة، التي تبحث عن مصادر دخل متعددة لتحافظ على حضورها وتدفع المكافآت والرواتب لأعضائها والمتعاونين معها، وثانياً الإدارة المدنية المُعارِضة، والتي تتبع نظرياً للحكومة السورية المؤقتة. هذه الحكومة المرتبطة بالمعارضة تبقى أضعف القوى الفاعلة ميدانياً، رغم التكليف الرسمي الذي تلقّته من الائتلاف الوطني السوري. ويعتمد الجيش التركي على الجيش الوطني السوري للحفاظ على أمن المنطقة ومواجهة أي تهديد من حزب الاتحاد الديمقراطي، في حين تعتمد وزارة الداخلية التركية على المجالس المحلية لإدارة المنطقة.

فصائل المعارضة: بين الاستثمار والنهب

كانت الجبهة الشامية، منذ تأسيسها عام ٢٠١٤ وحتى ٢٠١٦، الفصيل المهيمن في مناطق سيطرة المعارضة شمال حلب، ولكن نفوذها تراجع تدريجياً بعد التدخل التركي. فحاجة تركيا لمشاركة المزيد من المقاتلين السوريين في عمليتَي درع الفرات وغصن الزيتون مهّدت الطريق أمام فصائل محلية (مثل لواء المعتصم وفرقة الحمزة)، وقوى جديدة من مناطق أخرى ولا سيما إدلب ودير الزور (مثل لواء السلطان سليمان شاه وتجمع أحرار الشرقية) للظهور على الساحة وتبوء مكانة عسكرية وأمنية استراتيجية،[3] يضاف إليها المجموعات المهجّرة من حمص والغوطة الشرقية.

رغم الوحدة الاسمية بين هذه الفصائل المعارِضة تحت مظلة الجيش الوطني السوري، يتصرف العديد منها باستقلالية. فأفراد فصائل الجيش الوطني يتلقَّون رواتب من تركيا،[4] بالإضافة إلى مخصصات من الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التجارية التي تمرّ عبر المعابر الحدودية الرسمية بين سوريا وتركيا. رغم ذلك، لا يمكن لهذه الموارد المالية وحدها تغطية نفقاتها الحالية أو سلطاتها المحلية أو الانفراد بالحكم بعيداً عن الحكومة السورية المؤقتة أو المجالس المحلية.

في الواقع، أسّس معظم فصائل الجيش الوطني السوري "مكاتب اقتصادية" مسؤولة عن إدارة الموارد المالية. وتدير هذه المكاتب أعمالاً تجارية، وتفرض رسوم عبور على البضائع، وتصون الملكيات العقارية، وتُهرّب البضائع من وإلى المنطقة، وتتوسّط في صفقات بين المنتجين المحليين من جهة والتجار والشركات في تركيا من جهة أخرى.[5] تتشكل الشبكات الاقتصادية التابعة للمجموعات المسلحة من شراكات غير رسمية مع العديد من التجار والوسطاء والمُهرّبين. وقد أظهرت فصائل المعارضة اهتماماً خاصاً بقطاعَين اقتصاديَّين يحقّقان ربحاً سريعاً باستثمار نقدي وعيني منخفض نسبياً: العقارات والتجارة/التهريب.

تُرجِم الاهتمام بالقطاع العقاري إلى أنشطة متعددة، بينها شراء العقارات في المدن والأراضي الزراعية، والاستيلاء على الأصول العامة، وتشييد المباني والمجمّعات التجارية والسكنية.[6] كما توسّعت هذه الأنشطة لتشمل سوق مواد البناء، فعلى سبيل المثال، حصلت الجبهة الشامية على معامل إسمنت ومقالع رمل ومتاجر تبيع مواد بناء مستوردة.[7] علاوة على ذلك، أدان العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بعض ممارسات الجيش الوطني السوري، مثل الاستيلاء على الممتلكات الخاصة والابتزاز. وتشير تقارير إلى حالات استيلاء على المتاجر رغم وجود مالكيها، وقد تم ذلك إما لصالح قادة ميدانيين، وإما للاستغلال المباشر، وإما ليؤجّر الجيش الوطني هذه الممتلكات لنازحين من الغوطتَين الشرقية والغربية.[8]

بالإضافة إلى ما سبق، تشارك فصائل مسلحة متعددة في التحكم في المعابر الحدودية مع تركيا (انظر أدناه). أما الفصائل التي تتحكم بمناطق مجاورة للإدارة الذاتية أو مناطق سيطرة النظام، فتشغّل وتحمي معابر تجارية داخلية، وتفرض رسوماً على الشحنات التي تمر عبرها.[9] وتزيد حالات الإغلاق المؤقت للمعابر الداخلية من أهمية التهريب، الذي يعود بالنفع بشكل خاص على المجموعات المسلحة المشاركة فيه، ولقد اندلعت بالفعل مواجهات بين فصائل الجيش الوطني السوري للسيطرة على معابر التهريب لما تحققه هذه المعابر من دخل.[10]

تتنافس الشبكات الاقتصادية للفصائل مع التجار المحليين والوسطاء، الأمر الذي يعطّل الاستثمار المستقل، حيث يجد التجار أنفسهم مضطرين للعمل مع القادة العسكريين المتنفّذين في الجيش الوطني السوري للحصول على الحماية في سوق تحكمها "مافيات اقتصادية". وينظر الناس إلى فصائل المعارضة عموماً على أنها مجموعات نهب وسلب. في المدن ذات الأغلبية العربية أو التركمانية، مثل أعزاز ومارع والراعي وجرابلس، أظهرت الفصائل حساسية أكبر في محاولاتها لتصدير صورة إيجابية، وللاستجابة لمظالم السكان. أما في عفرين وغيرها من البلدات والقرى ذات الأغلبية الكردية، مثل جنديرس وراجو وشيخ الحديد، فلا تتحلى الفصائل بالانضباط نفسه. وتستغل فصائل الجيش الوطني السوري الهواجس الأمنية التركية من أجل إخضاع السكّان.[11]

سعياً لامتصاص غضب السكان واستجابةً للضغوط الدولية، شجّعت تركيا عام ٢٠١٨ القيادة المركزية للجيش السوري الوطني على تأسيس قوة شرطة عسكرية تفرض الأمن بدل فصائل الجيش الوطني السوري.[12] وأوائل عام ٢٠٢٠، قلّت مظاهر حضور فصائل الجيش الوطني السوري في المدن، ولكنها واصلت عملياتها الاقتصادية وانتهاكاتها للممتلكات الخاصة والعامة. في أيلول ٢٠٢٠، ولتعزيز حس بالمحاسبة الذاتية، أسّس المجلس الإسلامي السوري اللجنة الوطنية للإصلاح ورد المظالم، والتي كان الهدف منها معالجة شكاوى المدنيين وكبح انتهاكات فصائل الجيش الوطني السوري.[13] لم تحقق هذه المبادرة إلا نجاحاً محدوداً، لأن المجلس لا يتمتع بأية سلطة، وفصائل الجيش الوطني تعتبره جهة خارجية.[14] وفي محاولة للتوصل إلى بديل، أطلق أئمة ومشايخ مرتبطون بفصائل الجيش الوطني السوري مبادرة جديدة باسم لجنة رد المظالم في عفرين في تشرين الأول ٢٠٢٠، أملاً في دفع الفصائل المسلحة للمشاركة بشكل أكبر في تسوية الخلافات والنزاعات.[15] حققت هذه المبادرة الأخيرة نجاحاً أكبر بالاستفادة من الأحقاد المتبادلة بين فصائل الجيش الوطني، ولكنها ما زالت تفتقر إلى آليات تمكّنها من ردع أمراء الحرب وقادة الألوية.

الإدارة المدنية: استقلال مقنَّع

من المفترض أن تتعاون المجالس المحلية، التي تأسّست بعد التدخل العسكري التركي، مع وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة. إلا أن هذه المجالس تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال، ونادراً ما تطلب موافقة الوزارة، فأعضاء المجالس معيَّنون أو مدعومون من مسؤولين أتراك، وهم يقبلون سلطة تركيا أكثر من سلطة الحكومة المؤقتة.[16] وفرضت أنقرة نفوذها على المجالس السورية المحلية بربط كل منطقة بالوالي التركي الأقرب، مع اتّباع التقسيم الإداري التركي نفسه، حيث توجد مجالس محلية في المدن الكبيرة ومجالس محلية أصغر تابعة لها في البلدات والقرى المجاورة، كما هو حال البلديات التركية.[17]

تتفاعل المجالس المحلية مع البيئة المحيطة بأشكال مختلفة، منها إصدار الأوامر التنفيذية، وفرض الضرائب، وإدارة الممتلكات العامة، وإبرام العقود مع شركات خاصة لتأمين الخدمات. ويتبع لكل مجلس مكتب اقتصادي ومالي وفريق متخصص في تنظيم التجارة والصناعة والزراعة، وتُقدّم المجالس تقارير لمستشار من الوزارة التركية ذات الصلة.[18] ويتفاوت مدى مشاركة كل مستشار تركي كثيراً حسب استعداده الشخصي للمشاركة في أنشطة المجلس.

بالإضافة إلى المجالس المحلية، تأسست غرف صناعة وتجارة مستقلة جديدة في أعزاز (تشرين الأول ٢٠١٧) والباب وجرابلس (٢٠١٨) وعفرين (٢٠١٩).[19] ويرتبط بهذه الغرف الأربع نحو ٤ آلاف رجل أعمال سوري.[20] وتضم غرفة أعزاز أكثر رجال أعمال المدينة نفوذاً، في حين عيّن والي هاتاي أعضاء غرفة عفرين، أما أعضاء غرفتَي الباب وجرابلس فانتخبتهم جمعية عمومية من رجال الأعمال المحليين. تتمثل أهداف الغرف في تعزيز التعاون في القطاع الخاص، والتفاوض على اتفاقيات مشتركة أفضل مع الشركات التركية، ولعب دور الجسر مع الإدارة المحلية. تعتبر الغرف منظمات مستقلة اسمياً، ولكن ليس هناك فاصل واضح بين غرف الصناعة والتجارة من جهة، والمجالس المحلية من جهة أخرى، حيث ينتمي العديد من أعضاء الغرف للمجالس المحلية، أو يعملون لصالحها، الأمر الذي يخفّف الفصل بين الهيئتين.

تتبع هيكليات الحوكمة في شمال حلب إلى حد كبير نموذج الحوكمة التركي، الذي تتمتع البلديات بموجبه باستقلالية مالية ضمن مناطقها الإدارية. في المقابل، ليس لدى المجالس المحلية السورية المركزية اللازمة لبناء القطاع العام وتنسيق عمله. أدى هذا النموذج اللامركزي إلى غياب المحاسبة والشفافية، حيث يعتمد أداء الهيكلية المحلية أساساً على استعداد أعضائها للعمل، وبدرجة أقل بكثير على الرأي العام. نتيجة لذلك، تحوّلت الحكومة السورية المؤقتة إلى كيان لا يمتلك أية سلطة، إذ ليس لها نفوذ على أي من الجهات الفاعلة المختلفة وأنشطتها المتداخلة، وهي عاجزة عن استغلال الموارد المحلية.

إدارة نقاط العبور: نزاع ومنافسة

يتمثل أهم الأصول الاستراتيجية في منطقة شمال حلب في القرب من تركيا، الذي يجعل من المنطقة بوابة للعالم الخارجي ويوفر لها حماية من عدوان النظام. توجد في المنطقة أربعة معابر حدودية مع تركيا، هي باب السلامة وجرابلس والراعي وباب الحمام. ويعد معبر باب السلامة، المرتبط بالطريق السريع الدولي الذي يقطع سوريا من شمالها إلى جنوبها ويمر بحلب ودمشق، أحد أهم المعابر الحدودية، إلى جانب باب الهوى (الخريطة ١).[21] تمثل الرسوم المفروضة على المعابر الحدودية والمعابر الداخلية مصدر دخل أساسي للقوى الفاعلة محلياً، الأمر الذي جعل إدارة هذه المعابر موضع صراع بين المجموعات المسلحة، وأظهر ضيق مجال المناورة لدى الحكومة السورية المؤقتة.

الخريطة ١: المعابر والطرق الأساسية في شمال حلب

 

المصدر: الكاتب، شباط ٢٠٢١

في تشرين الأول ٢٠١٧، وبعد اشتداد النزاع بين فصائل المعارضة على الدخل المهم الذي يوفره معبر باب سلامة، عُقِدت اتفاقية بوساطة الحكومة التركية بين الحكومة السورية المؤقتة والجيش الوطني السوري.[22] نصت الاتفاقية على أن الحكومة السورية المؤقتة مسؤولة عن إدارة المعابر كافة، وأن الدخل الذي تحققه يُوزَّع بالتساوي على المجالس المحلية وفصائل الجيش الوطني والحكومة المؤقتة.[23] بناء على ذلك، أسست الحكومة المؤقتة مديرية للجمارك لتنظيم أنشطة الاستيراد والتصدير. وتحدّث المديرية رسوم الجمارك والعبور بالليرة التركية، وتودع العائدات في الحساب المصرفي الخاص برئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة في بنك زراعت كاتيليم الذي تملكه الدولة التركية.[24]

رغم ذلك، بقيت فصائل مسلحة متعددة تتحكم عملياً بهذه المعابر. وتحصل فصائل الجيش الوطني السوري على ٤٠ بالمئة من العائدات، والمجالس المحلية على ٤٥ بالمئة، فيما يُخصَّص ٥ بالمئة لنفقات إدارة المعابر، ولا تحصل الحكومة المؤقتة إلا على ١٠ بالمئة.[25] وتبقى سيطرة الحكومة المؤقتة واستقلاليتها محل شك رغم التكليف الرسمي، حيث يُصدر الولاة الأتراك في المحافظات التركية المجاورة توجيهات تحدِّد المبالغ الواجب تخصيصها لكل مجلس محلي يشرفون عليه، وتحدّد وزارة الدفاع التركية الميزانية المخصصة للجيش السوري الوطني الواجب تغطيتها من المعابر الحدودية. وبذلك ينحصر دور الحكومة المؤقتة عملياً في التوقيع علالى الأوراق، من دون أن أي سلطة على المستفيدين الآخرين من العائدات، الأمر الذي يزيد من إضعاف سلطتها.

بالإضافة إلى المعابر الحدودية مع تركيا، تدير الحكومة السورية المؤقتة معابر داخلية مشتركة مع مناطق النظام (مثل أبو الزندين وتادف) ومناطق الإدارة الذاتية الكردية (مثل أم جلود وحلونجي والحمران وأبو هيج وعون الدادات) وإدلب (مثل دارة عزة ودير بلوط). إلا أن سلطة الحكومة في هذه النقاط أيضاً اسمية، وفصائل الجيش الوطني هي من يتحكم بها. أُغلقت نقاط العبور مع الإدارة الذاتية لأربعة أشهر بين تشرين الأول ٢٠١٩ وكانون الثاني ٢٠٢٠ ردّاً على عملية نبع السلام التركية في تل أبيض ورأس العين.[26] من جهة أخرى، أُغلقت كافة نقاط العبور مع مناطق النظام منذ نيسان ٢٠٢٠، نتيجة وباء كورونا ومخاوف أمنية.[27] ورغم جهود الحكومة السورية المؤقتة للتحكم بعبور الأشخاص والبضائع من مناطق الإدارة الذاتية ومناطق النظام، تقوم فصائل الجيش الوطني المتواجدة على خطوط التماس هذه بممارسة التهريب عبر مناطق نفوذها، الأمر الذي يعرقل الجهود الرامية لتنظيم التبادل التجاري وحركة النقل مع جيرانها من السوريين.

الجزء الثاني: المياه والكهرباء

يعاني المدنيون باستمرار من انقطاع الكهرباء وشح المياه خلال سنوات الحرب. وشهدت محافظة حلب اشتباكات عنيفة وقصفاً عشوائياً، تضمّن قصفاً واسع النطاق بصواريخ سكود، الأمر الذي أدى إلى حركة تهجير كبيرة وانخفاض كبير في الإنتاج. لإعادة تدوير عجلة الاقتصاد في شمال حلب، لا بد لتركيا والإدارات المحلية من الاستثمار في البنية التحتية لتأمين المياه وتوليد الكهرباء، بوصفهما عاملين أساسيين في تحقيق الأمن الغذائي وتيسير الإنتاج الصناعي والزراعي.

الكهرباء: الاتّكال على تركيا

قبل اندلاع الثورة السورية، كانت منطقة شمال حلب تحصل على الكهرباء من فرع الشركة العامة للكهرباء في محافظة حلب ومديرية الكهرباء في المنطقة. وفق إحصاءات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، كان الكهرباء تصل إلى ٩٩.٧ بالمئة من المنازل عبر شبكة مرتبطة بمحطة السفيرة الحرارية.[28] ولكن النظام أوقف تمويل خدمات الكهرباء في مناطق سيطرة المعارضة عام ٢٠١٢، الأمر الذي أثّر بطبيعة الحال على صيانة وعمل شبكة توزيع الكهرباء.[29] كذلك لحقت أضرار كبيرة بشبكة التوتر العالي وشبكة محطات التحويل المرتبطة بها نتيجة القصف العشوائي والنهب، الأمر الذي أدى إلى المزيد من نقص الكهرباء.

عام ٢٠١٦، انخفض توليد الكهرباء إلى ٢٥ بالمئة من الاستطاعة الكاملة، وعمد السكان المحليون إلى المولّدات الخاصة العالية الكلفة لتوليد الكهرباء، الأمر الذي زاد من كلفة الإنتاج الزراعي والصناعي.[30] ولتعويض نقص الكهرباء من الشبكة العامة، عمل أفراد على إيجاد وسائل جديدة لتوليد الكهرباء، وتأسَّس سوق لاشتراكات المولّدات. ولكن تبيّن أن هذا كان حلاً مؤقتاً لم يخدم إلا فئة قليلة من الميسورين، في حين افتقر معظم المدنيين للكهرباء.

كان أحد أول الاستثمارات التركية في المنطقة بعد انتهاء العمليات العسكرية تنظيم الإمداد بالكهرباء للاستخدامات المنزلية والصناعية. يأتي اهتمام تركيا بإعادة تأهيل شبكة الكهرباء وإمداد المنطقة بها من الانخفاض النسبي في الكلفة والعائد الفوري. فعلى عكس الحال في قطاعات أخرى، ما زالت البنية التحتية الخاصة بالكهرباء ممكنة التشغيل، ويمكن للاشتراكات المدفوعة أن تغطي كلف الإمداد بالكهرباء مباشرة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر القطاع الخاص التركي إقبالاً أكبر على الاستثمار في هذا القطاع، موفّراً بذلك على أنقرة تفاصيل إدارة شؤون الطاقة.

تتقاسم شركتان حالياً سوق الطاقة في شمال حلب: شركة أك إنيرجي، التي تأسست عام ٢٠١٨ في كيليس،[31] والشركة السورية التركية للكهرباء. تعمل الشركتان حصراً في سوريا، وقد استثمرتا في إعادة تأهيل البنية التحتية الخاصة بالكهرباء، وتركّز استثمارهما في صيانة شبكة الكهرباء وربط أماكن سكن جديدة بها، وذلك حسبما تُظهر حسابات الشركتين على شبكات التواصل الاجتماعي.[32] وتحصل الشركتان على الكهرباء من مولّدات موجودة في المناطق التركية المجاورة ثم تنقلها إلى شمال حلب.[33] وتخضع عقود الإمداد بالكهرباء للقانون التجاري التركي، وهي عقود مُبرَمة بين الشركتين التركيتين والإدارات المحلية السورية.[34]

تتولى المجالس السورية المحلية مسؤولية منح حقوق استغلال الشبكة الكهربائية، ويعمل كل مجلس وحده مستقلاً عن المجالس الأخرى وعن الحكومة السورية المؤقتة.[35] من الناحية النظرية، يبدأ الوالي التركي المُشرف على المنطقة عملية منح الحق بإطلاق مناقصة عامة متاحة حصراً للشركات التركية. ومن المفترض أن يلعب الوالي دور الوسيط بين الإدارة السورية المحلية والشركات المتقدمة للمناقصة.[36] أما عملياً فالوالي يتصرف كصاحب القرار، ويُدعى المجلس المحلي في المرحلة الأخيرة لإضفاء طابع رسمي على الاتفاقية مع الشركة المختارة. وفي الواقع فإن النسخ الأخيرة من العقود توضَع باللغة التركية من دون ترجمة عربية، وتبقى في مكتب الوالي ولا تُرسَل أي نسخ للمجلس السوري المحلي.[37]

تبقى شروط الاتفاقية النهائية غامضة، ولا تتوفر سجلات عامة يمكن للسوريين الاطلاع عليها. وقد صرّح ممثلون عن المجالس المحلية أن مدة العقد عشر سنوات، وأنه يفرض على الشركة المتعاقدة الاستثمار في البنية التحتية، ولكن طبيعة الاستثمار ونطاقه غير محددين وغير واضحين. والاشتراكات كلها مسبقة الدفع، والشركة المتعاقدة تجبي الرسوم من المستهلكين مباشرة عبر فروع شركة البريد التركية الموجودة في المنطقة. وتحتفظ المجالس المحلية بحق إعادة التفاوض على السعر كل عام. ويتفاوت سعر الكيلوواط حسب الشركة المزوِّدة، حيث يتراوح بين ٦٥ و٨٥ قرشاً تركياً للاستخدام المنزلي، وبين ٨٥ قرشاً وليرة تركية واحدة للاستخدام الصناعي والزراعي.[38]

يقود صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا المساعي الأهم لإعادة بناء قطاع الطاقة في المنطقة بالتعاون مع الحكومة السورية المؤقتة. ويتكون هذا الصندوق من متبرعين متعددين، وقد أسسته مجموعة أصدقاء الشعب السوري وفريقها العامل على إعادة الإعمار الاقتصادي والتنموي في أيلول ٢٠١٣.[39] ويجمع المتبرعون أموالهم عبر الصندوق لتمويل المشاريع ذات الأولوية للخدمات الأساسية في مجالات مثل الأمن المائي والكهربائي والغذائي وغيرها. وباستثناء عفرين، التي يمتنع الصندوق عن العمل فيها نتيجة مآخذ حقوقية بعد التدخل العسكري التركي في المنطقة، حصل الصندوق في شمال حلب على وحدات توليد كهرباء بالوقود والرياح والطاقة الشمسية، وعلى وحدات مستقلة بميزانية معلنة بلغت ٥.٢ مليون يورو منذ عام ٢٠١٥.[40] كما رمّم الصندوق شبكات وخطوط توزيع الكهرباء، ومحطات التحويل والمحطات الفرعية، وشبكات توزيع الكهرباء ومدَّها إلى مناطق جديدة، وخطوط التوتر العالي والمتوسط، وخطوط الطاقة للخدمات العامة حيث تدعو الحاجة (مثلاً: مضخات المياه والمستشفيات).

حتى زمن كتابة هذه الورقة، تزيد نسبة الإمداد بالكهرباء في أعزاز والراعي وجرابلس على ٩٠ بالمئة، إلا أنها لا تتجاوز ٧٠ بالمئة في الباب و٦٠ بالمئة في عفرين.[41] ويعود انخفاض المعدل في الباب إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت ببناها التحتية خلال سنوات الصراع. أما في عفرين فيعكس انخفاض المعدل غياب المساعدات الدولية وتأخّر الاستثمار التركي. رغم ذلك، ما يزال لدى الإدارة المحلية أمل في الوصول إلى تغطية مشابهة لمدن المنطقة الأخرى بحلول نهاية عام ٢٠٢١.

المياه: تفاوت في الإمداد

مثل الكهرباء، تشكل المياه ضرورة أساسية لإعادة الإعمار وتنشيط الإنتاج الزراعي. تاريخياً، تولت المديرية العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في حلب إدارة إمداد المحافظة بالمياه، حيث كانت هذه الجهة الحكومية مسؤولة عن توزيع المياه للتجمعات السكنية والأراضي الزراعية من موارد المياه القريبة، وكان نحو ٨٥٠ ألف مسكن (٩٤ بالمئة من المنازل) متصلاً بشبكة المياه.[42] واعتمدت منظومة المياه في المحافظة سابقاً على مشاريع ضخ المياه من سد تشرين وسد الطبقة على نهر الفرات، وعلى سد ١٧ نيسان (ميدانكي) على نهر عفرين، لتمد مدينة حلب ومحيطها بالمياه.[43] واعتمد المزارعون أيضاً على الآبار لري أراضيهم.

منذ اندلاع الحرب في سوريا، استُخدِمت المياه كسلاح ضد الخصوم والسكّان المقيمين في مناطق سيطرتهم،[44] حيث انقطعت المياه من مصدرها أحياناً، واستهدفت الغارات الجوية البنية التحتية المائية أحياناً، ومُنِع العمّال من الحفاظ على خدمات المياه في أحيان أخرى. نتيجة لذلك، لم تتلقَّ البنية التحتية المائية وشبكات الصرف الصحي صيانة منتظمة، كما لحقت أضرار كبيرة بالبنية التحتية المائية نتيجة تزايد عدد النازحين المقيمين شمال حلب، حيث زاد ذلك الضغط على البنية التحتية وعلى شبكة التوزيع.

يتفاوت توزيع المياه وتوفرها بشكل كبير بين منطقة وأخرى. يغذي سد ميدانكي مدينتي عفرين وأعزاز والأراضي الزراعية المحيطة بهما بنحو ١٥ مليون متر مكعب سنوياً. وتستفيد منطقة عفرين أيضاً من النهر الأسود ونهر عفرين وقناة مائية تروي ٣١ ألف هكتار.[45] وتتمتع جرابلس وريفها بوفرة في الموارد المائية من نهر الفرات ونهر الساجور.[46] في المقابل، تعاني مدينة الباب من شح في المياه، فمواردها المائية موجودة في مناطق سيطرة النظام وهي مقطوعة كلياً. لذلك، اضطرت المدينة ومحيطها إلى الاعتماد كلياً على آبار يتراوح عمق كل منها بين ١٠٠ و١٥٠ متر، الأمر الذي يشكل ضغطاً هائلاً على احتياطي المياه في منطقة يعتبر هطول الأمطار فيها منخفض نسبياً.[47]

تعمل عدة منظمات غير حكومية سورية ودولية في هذا القطاع لخفض الاعتماد على المياه الجوفية وتحسين شبكة الري وتخفيف الهدر.[48] ومعظم المشاريع الممولة تنفّذها وكالات ومنظمات دولية في منطقة عملية درع الفرات، ولا يوجد في عفرين إلا بضعة مشاريع. تتضمن هذه المشاريع استعادة منظومات توزيع المياه، وإمداد وصيانة محطات الضخ ومنظومات معالجة المياه وقنوات الري ومياه الشرب. وقد استفاد نحو ٢٥٠ ألف مدني من برامج المياه والإصحاح والنظافة (WASH)،[49] ولكن معظم مشاريع المنظمات مؤقتة وقائمة على الاستجابة للطوارئ.

لم تُجرِ تركيا استثماراً يُذكَر في قطاع المياه، حيث تجلى تدخلها بشكل أساسي في المساعدة الإنسانية التي قدمتها رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ والهلال الأحمر التركي ومؤسسة الإغاثة الإنسانية. ويعود عدم الاهتمام التركي بإعادة تأهيل شبكة المياه إلى ارتفاع الكلفة المطلوبة، بما يشمل شق قنوات الري وبناء منشآت متطورة لمعالجة المياه. ونظراً لتصنيف الأمم المتحدة لهذه الأنشطة تحت بند "إعادة الإعمار"، تمتنع الدول المانحة عن دعم مثل هذه الأنشطة مالياً.

النفط والوقود: ارتفاع الأسعار وانتشار الاحتكار

في ظل غياب مصادر الطاقة البديلة أو مبادرات لإنتاج الطاقة المتجددة، يمثل الوقود ركيزة أساسية لأي نشاط من أنشطة إعادة الإعمار في سوريا. فهو يُستخدَم لتغذية المولّدات المحلية لإنتاج الكهرباء، وللتدفئة ومضخات المياه والزراعة والصناعة وآلات البناء. ولا تنتج منطقة شمال حلب النفط الخام، وتعتمد للحصول على النفط المكرَّر على مصدرين: الإدارة الذاتية الكردية والسوق الدولية عبر تركيا. وتتناسب جودة الوقود المُنتَج من تكرير النفط الخام المُستخرَج من مناطق الإدارة الذاتية مع الاستخدامات الصناعية والزراعية، في حين تُستخدَم منتجات النفط الأجود المستوردة عبر تركيا في المنازل والأعمال التجارية.

يُعبّأ النفط الآتي من مناطق الإدارة الذاتية من الجوادية واليعربية في خزانات، ويُنقَل إلى المنطقة عبر نقطة عون العودات قرب منبج. تجدر الملاحظة أن نسبة كبيرة من هذا النفط مُخصّص لشركتَي كاف ووتد اللتين تعملان في إدلب.[50] وما يزيد من النفط المكرر يُوزَّع مباشرة عبر بائعين محليين في أكبر مدن شمال حلب، في حين يُنقَل النفط الخام المستورد إلى مصافٍ/محارق بدائية قرب مدينة الباب.[51] وتفرض الإدارة الذاتية ضرائب على النفط الخام السوري، كما تفرض عليه فصائل الجيش الوطني رسوم عبور.[52] ويُشترى البنزين والديزل وغاز البوتان من السوق الدولية، ثم تستوردها شركات تركية عبر ميناء مرسين وتُنقَل إلى معبر باب السلامة،[53] وتفرض السلطات التركية عليها رسوم عبور، في حين تفرض عليها الحكومة السورية المؤقتة رسوماً جمركية.[54]

لا تتوفر بيانات رسمية حول حجم النفط المستورد من مناطق الإدارة الذاتية. وتدخل كميات كبيرة منه إلى المنطقة عبر طرق التهريب التي تشغلها فصائل الجيش الوطني السوري، وهي لذلك مستثناة من البيانات. أما النفط المستورَد عبر تركيا، فيمر ما معدله التقريبي ٤٥ ألف طن من الديزل و٢٢ ألف طن من البنزين و٢٢ ألف طن من غاز البوتان عبر معبر باب السلامة شهرياً، بكلفة تُقدّر بنحو ٢٦ مليون دولار سنوياً.[55] تتولى أربع شركات محلية توزيع المنتجات النفطية في شمال حلب.[56] تتفاوت الأسعار تفاوتاً كبيراً نتيجة تفاوت رسوم صرف العملات، ولا تخضع لتنظيم قانوني من أية جهة مركزية.[57] وقد بحثت الحكومة السورية المؤقتة إمكانية توحيد عملية شراء مشتقات النفط في شمال حلب، ولكنها لم تجد الموارد المالية الضرورية لتمويل هذه العملية، ولم تتمكّن من وضع خطة قابلة للتنفيذ لتجاوز مقاومة فصائل الجيش الوطني السوري والتي تحقق عائدات كبيرة من تجارة الوقود. لذلك فإن أسعار النفط غير المُنظّمة قانونياً أعلى من نظيرتها في شمال شرق سوريا.[58]

من شأن توفّر موارد مستقرة للمياه والكهرباء، إلى جانب إتاحة الوصول إلى تركيا، أن يعزز الإنتاج في مختلف أنحاء المنطقة. رغم ذلك، واجهت مناطق المعارضة في شمال حلب تحديات صعبة منعت المجتمع المحلي من تحقيق نمو مستدام في الإنتاج أو صياغة نماذج تجارية بديلة صالحة. ويتفاوت مستوى الرضا عن الخدمات المقدمة، فالسكّان مسرورون باستمرار خدمات الكهرباء، ولكنهم يعتبرون أسعارها مرتفعة. إلى جانب ذلك، يتفاوت مستوى توفر المياه، حيث يعاني السكان في منطقة الباب من شح المياه، الأمر الذي يعطّل الإنتاج الزراعي المستدام. والأهم من ذلك كله، يتمثل الخوف الأساسي في انعدام العملية القانونية التي يمكنها حماية المستهلك، إذ لا يمكن للسكّان، سواءً في حالة شركات الكهرباء التركية أم موزعي النفط أم المجالس المحلية السورية، محاسبة أي من هذه الجهات. وبالتالي يمتنع المستثمرون من ضخ مبالغ كبيرة من المال في المنطقة.

يُضاف إلى ذلك سوء حال الطرق الذي يعطّل نقل البضائع والأشخاص، فالطرق التي تربط بين مدن المنطقة الأساسية لاستكمال اللوازم اللوجستية للقطاع التجاري في شمال حلب قليلة، وهي في حال بالغة السوء. ولا يمكن الوصول إلى الطريق الدولي السريع إلا من باب السلامة إلى أعزاز، والطرق الأخرى طرق ذات مسارَين فقط ومحدودة السعة، وهي تختنق بحواجز الجيش الوطني السوري والشرطة العسكرية.[59] ولم يُخصَّص أي استثمار يُعتَدّ به لإعادة تأهيل الطرق، إلا الطريق الجديدة التي تصل باب الحمام بجنديرس، وطريق أخرى تصل أعزاز بباب السلامة وصوران.

الجزء الثالث: تعافٍ بطيء في القطاعات الإنتاجية لكن التجارة مزدهرة

يُعتَقد على نطاق واسع أن منطقة شمال حلب تتمتع بإمكانية كبيرة لتتحول إلى مركز تجاري وصناعي لمناطق سيطرة المعارضة، بما في ذلك إدلب وشمال شرق سوريا. ولكن رجال الأعمال والصناعيين المحليين يترددون في استكشاف فرص النمو الجديدة بعد سنوات القتال العنيف. ولدى تركيا أيضاً مصلحة كبيرة في إعادة تفعيل قدرة المنطقة الإنتاجية لتشجيع عودة اللاجئين. ولكن المخاوف الأمنية وتدخّل الفصائل والعقبات الإدارية المتعددة تحرم المجتمع المحلي من اختبار هذه الإمكانية. من جهة أخرى، ما زال التبادل التجاري بين تركيا وسوريا نشطاً، ولكنه في معظم الأحوال يعود بالمنفعة على تجار وصناعيين أتراك وشركائهم السوريين. ساهم هذا التبادل التجاري في إعادة تشكيل شبكات تجارية في شمال سوريا أنشأت مراكز اقتصادية جديدة مهمة مرتبطة بتركيا، ولكن هذه المراكز تضرّ بالإنتاج المحلي.

الزراعة: عائد قليل ودعم محدود

تقع معظم مساحة محافظة حلب ضمن الحزام الأكثر خصوبة في سوريا. تاريخياً، تركّزت مساهمة حلب الأساسية في الإنتاج الزراعي السوري في محاصيل القمح والزيتون والقطن (الخريطة ٢). عام ٢٠١٠، أنتجت المحافظة أكثر من ٦١٦,٢٤٦ طن من القمح (٢٠ بالمئة من إجمالي إنتاج القمح السوري)[60]، وأتت حلب بذلك في المركز الثاني بين المحافظات المنتجة للقمح (بعد الحسكة) والأولى في إنتاج الشعير والعدس. وقُدِّرت مساحة الأرض الزراعية في المنطقة بنحو ١,١٠٧,٠٠٠ هكتار (٢٣ بالمئة من إجمالي الأراضي الزراعية في سوريا)، معظمها في شمال وغرب حلب.[61] وقد كان حوالي ثلث الإنتاج الزراعي السوري، بما في ذلك محاصيل الحقول والخضار، يُنتَج في شمال حلب، وأكثر من ٨٠ بالمئة من إنتاج الزيتون وأشجار الفاكهة في عفرين.

الخريطة ٢: الأراضي الزراعية في شمال حلب

 

المصدر: الكاتب، شباط ٢٠٢١

خلال سنوات الحرب، عانى القطاع الزراعي من خسائر كبيرة أدت إلى انهيار إنتاج القطاع.[62] وشهدت منطقة شمال حلب دمار منظومة الري، ونهب وحرق المحاصيل، ونقص السماد والبذور والوقود، ونقص اليد العاملة في الزراعة. ساهمت هذه العوامل مجتمعة في تراجع الإنتاج الزراعي تراجعاً كبيراً. في المقابل، تزامن انتهاء العمليات العسكرية التركية في عفرين مع زيادة في هطول الأمطار خلال السنوات الثلاث السابقة، معززاً الإنتاج الزراعي في حلب ضمن ظروف أمنية أفضل.

وحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، أنتجت محافظة حلب كاملة ٥٨٦ ألف طن من القمح عام ٢٠١٩، في زيادة بنسبة ١٦٢ بالمئة مقارنة بعام ٢٠١٨. ولوحظت زيادات شبيهة في إنتاج الخضار والفستق الحلبي والبطاطا.[63] رفعت هذه الزيادة من مستوى الأمن الغذائي محلياً، ولكن الطلب ما زال يفوق العرض، وما زالت المنطقة تعتمد على استيراد الأغذية. وقامت الحكومة السورية المؤقتة وصندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا ومنظمات غير حكومية سورية وتركية بتقديم القمح للحفاظ على الأمن الغذائي،[64] كما زودت المحافظات التركية القريبة المجالس المحلية بالطحين بسعر مخفّض.

أما بالنسبة للزيتون والقطن، المحصولين اللذين يُزرعان عادة للتصدير، فالأمر مختلف. يتركز إنتاج الزيتون بشكل رئيسي في منطقة عفرين، وقد تراجع تراجعاً كبيراً منذ التدخل العسكري التركي. في مواجهة الإهمال والنهب وغياب الأمن، وقطع الأشجار بشكل غير قانوني للاستفادة من أخشابها، يواجه منتِجو زيت الزيتون صعوبات متعاظمة في تحقيق أرباح أو عائد إيجابي على الاستثمار، وقد تراجعت قدرتهم على بيع منتجهم في الأسواق المحلية والدولية، الأمر الذي يزيد من إضعاف القطاع. أما القطن فقد توقّف إنتاجه كلياً منذ بدء القتال. ويعتمد مُنتِجو القطن على حوافز الدولة وتوفر المياه، لكن بعضهم تحول لإنتاج محاصيل أخرى أو تخلوا عن العمل في الزراعة. ومن الصعوبات الإضافية لقطاع القطن غياب النسّاجين المحليين، الأمر الذي قطع دورة التصنيع وألغى إمكانية تحقيق الربح.

بالمثل، واجه مربّو الماشية والدواجن تحديات صعبة في الحفاظ على أنشطتهم، حيث تغيّر وضع الماشية تغيراً كبيراً. ومن العوائق المهمة ارتفاع أسعار العلف، ومحدودية خدمات البيطرة، وانخفاض عدد الأطباء البيطريين وخبراء تربية المواشي المتخصصين، وعدم توفر المفرخات لإعادة إطلاق أنشطة تربية الدواجن، والصعوبات في الحصول على قروض للإنتاج. ويبيع المربّون منتجاتهم نقداً بأسعار منخفضة للمهرّبين، الذين يبيعون الماشية بدورهم بسعر أغلى في تركيا، وهم بذلك يحققون الربح الأعلى. نتيجة لذلك، تُقدِّر منظمة الفاو أن المحافظة خسرت نحو ٣٠ بالمئة من مواشيها منذ عام ٢٠١١ بنسبة انخفاض سنوية وصلت إلى ١٨ بالمئة منذ عام ٢٠١٨.

استجابةً للتحديات التي يواجهها القطاع الزراعي، تدخلت عدة منظمات سورية، وكذلك صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، لتعزيز دعم الحكومة السورية المؤقتة للمزارعين المحليين، فقدمت هذه المنظمات البذور والمواد الكيميائية الزراعية والأسمدة والآلات الزراعية. وفي آذار ٢٠٢١، نجحت الحكومة المؤقتة في التفاوض على استلام صوامع الحبوب الواقعة قرب مدينة الباب من مجموعات معارِضة مسلحة، وأعادت تأهيلها منذ ذلك الحين لاستخدامها للتخزين.[65] إلا أن حجم المساعدة اللازمة لإصلاح وتحديث هذا القطاع المتضرِّر يفوق مواردها. ويعاني العديد من المزارعين للحصول على مياه كافية لري محاصيلهم، ولا يحصلون على المستلزمات بأسعار منافسة، ويعجزون عن بيع منتجاتهم بأسعار تحقق لهم أرباحاً. نتيجة ارتفاع الكلفة، يبحث المزارعون الآن عن وسائل جديدة لاستغلال أراضيهم، مثل تأجيرها للمنظمات الإنسانية لإقامة مخيمات ومنشآت للنازحين داخلياً.[66]

الصناعة: استثمار متردد وتحديات التسويق

تمركزت معظم المصانع السورية تاريخياً في حلب، ولكن الدمار والنهب الناتجَين عن الحرب دفعا معظم الصناعيين إلى تغيير أماكن مصانعهم إلى غرب سوريا أو خارج البلاد، ولاسيما تركيا ومصر. بالمقارنة، كانت المصانع المقامة سابقاً في ريف حلب الشمالي صغيرة الحجم، واعتمدت على الإنتاج الزراعي المحلي. وكانت في معظمهما معاصر زيتون أو مصانع للمنظفات أو الأدوات البلاستيكية أو ورشات صناعة أقمشة وأحذية.

ولم يطرأ تغيّر كبير على طبيعة النشاط الصناعي في المنطقة بعد التدخل العسكري التركي. منذ عام ٢٠١٧، عملت غرف التجارة والصناعة المؤسسة حديثاً على الضغط على المجالس المحلية وولاة المحافظات التركية المجاورة للحصول على الحوافز وتشجيع رأس المال على الاستثمار في القطاع الصناعي. ومن الحوافز التي تحقّقت تيسير استيراد المواد الخام عبر تركيا. كما دشّنت مدن الباب وأعزاز والراعي وجرابلس مجمّعات صناعية لجذب المُصنّعين وإيجاد فرص عمل للسكان المحليين.[67] وتتمثل ميزة هذه المجمّعات الأساسية في اتصالها المباشر بشبكة الكهرباء والطرق، وبكونها تحت حماية قوات الأمن المحلية، وبتواجدها على أرضٍ منخفضة السعر نسبياً.[68] وأملاً في الاستفادة من انخفاض كلفة القوة العاملة، نظّمت غرف التجارة والصناعة زيارات لرجال الأعمال والصناعيين الأتراك لإقناعهم بنقل جزء من إنتاجهم إلى المنطقة.

رغم هذه الأعمال، لم يحدث استثمار في الصناعة يستحق الذكر في شمال حلب. فباستثناء عودة بعض المُصنِّعين المحليين وتأسيس ورشات صغيرة للأقمشة والمُعلّبات الغذائية، في أعزاز وجرابلس بشكل أساسي، لم يشهد القطاع الصناعي تحسناً ملحوظاً. ويعود عدم اهتمام رأس المال إلى أسباب تتنوع وتتراوح من اضطراب البيئة المالية إلى المخاوف الأمنية. ولعل السبب الأهم في تردد المستثمرين هو غموض مستقبل المنطقة السياسي.

من الناحية المالية، ليس في المنطقة مصارف أو مؤسسات مالية تقدم القروض أو خدمات التأمين. فباستثناء القروض الصغيرة،[69] ولا يحصل رجال الأعمال على أي دعم من أي نوع، ولا تُقدَّم أية حوافز مالية للصناعيين السوريين لتشجيعهم على نقل مصانعهم إلى المنطقة. افتتحت مؤسسة البريد التركية ١٢ مكتباً في شمال حلب، ولكنها مخصصة حصراً لإرسال واستقبال الأموال. وانتشرت إشاعات بأن المصرف الحكومي التركي زراعت كاتيليم قد يبدأ بتقديم خدماته في أعزاز، ولكن هذا غير مرجح على المدى القريب بسبب القلق من العقوبات والمخاوف الأمنية.

بالمثل، أثار ضعف هيكليات الحوكمة القانونية وتشتُّتها مخاوف عديدة في أوساط المستثمرين المحتملين، فغياب سلطة قضائية تحكم في الخلافات التجارية وعدم توفُّر حماية من المجموعات المسلحة يعرّضان الاستثمارات المحتملة إلى مخاطر خارجية عديدة. وينطبق الأمر نفسه على قوة العمل، فهي متروكة بلا حماية في ظل غياب قانون يحكم علاقات العمل وعدم وجود محكمة متخصصة لحماية حقوق العمّال وضمان حدّ أدنى من الأجور. لذلك، يفضّل العمّال من أصحاب المهارات الهجرة إلى تركيا، أو تغيير مهنهم والعمل في القطاع الخدمي لانخفاض الكلفة اللازمة والسرعة النسبية في تحقيق عائد على الاستثمار.

رغم ذلك كله، تبقى نقطة الضعف الأساسية في القطاع اعتماده الكلي في الإنتاج على المواد الخام المستوردة، حيث يؤدي ذلك إلى نتيجتين. أولاً، بما أن المواد كافة تُستَورد من تركيا أو عبرها، ويُدفَع ثمنها إما بالدولار وإما بالليرة التركية، يضطر المنتجون إما لبيع منتجاتهم بأسعار مرتفعة في السوق المحلية أو للتصدير، الأمر الذي يُفقِد هذه المنتجات ميزتها التنافسية في السوق المحلية والدولية. ثانياً، يؤدي عدم استخدام المحاصيل والمواد المحلية إلى فائض زائف في الإنتاج يُجبِر المزارعين على تصدير محاصيلهم بأسعار منخفضة للخروج بأقل الخسائر الممكنة. وفي الحالتين، يُحرَم المجتمع المحلي من المنتجات الأرخص ثمناً المصنوعة محلياً، ويزداد اعتماده على المنتجات الواردة من مناطق سيطرة النظام وتركيا.

التجارة: معرض مفتوح للمنتجات التركية

قبل الحرب، تركزت مساهمة عفرين وجرابلس الأساسية في الاقتصاد السوري في الزراعة والمواشي. وفي أعزاز، كان النشاط التجاري الأساسي تهريب البضائع من سوريا وإليها. كان المهرِّبون يمرّرون الإلكترونيات والأقمشة وقطع غيار السيارات والجلود من تركيا، وبالمقابل، يبيعون منتجات النفط المدعومة من الدولة السورية في تركيا. منذ انسحاب قوات النظام من شمال حلب عام ٢٠١٢، تشكّلت القوة المحلية التي تدير معبر باب السلامة من أفراد من أعزاز ومارع وتل رفعت. أدى قرب أعزاز من المعبر الحدودي ومن شبكة التهريب قبل الحرب إلى جعلها المركز التجاري الأساسي في المنطقة منذ تموز ٢٠١٤، حيث كان رجال الأعمال المحليين، بعد أن تخلّصوا من الرسوم الجمركية وسيطرة الدولة، يستوردون كل شيء من جيرانهم الأتراك، من الأغذية المعلّبة الرخيصة إلى المعدات الثقيلة والإسمنت والفولاذ.

خلال سنوات الحرب، ظل التبادل التجاري بين تركيا وسوريا نشطاً، وهو من أهم مصادر إثراء مجموعات صغيرة من المتربّحين على الجانب السوري. في حين استمرت الصادرات التركية إلى سوريا بمعدلات مرتفعة نسبياً، شهدت الصادرات السورية إلى تركيا انخفاضاً كبيراً بعد الانتفاضة السورية، حيث تراجعت قيمتها الإجمالية من ٣٦٦ مليون دولار عام ٢٠١١ إلى ٩٠ مليون دولار عام ٢٠١٩.[70] وكما ذُكر سابقاً، التصدير أكثر جاذبية للمنتجين من البيع في السوق المحلية، لتحقيق الأرباح أولاً، وللحصول على العملة الصعبة ثانياً. إلا أن المزارعين والصناعيين ورجال الأعمال الراغبين في تسويق منتجاتهم في تركيا والخارج يواجهون عقبات، منها الفساد والتحديات القانونية المتعددة، ومنها منع تصدير منتجات يُنتَج مثلها في تركيا. وتتألف نحو ٧٥ بالمئة من الصادرات السورية إلى تركيا عام ٢٠١٩ من الزيتون والشعير واليانسون والشمر والكزبرة والكمون والكراوية والخضار المجففة، وحقَّق منتجان منهما نجاحاً ملحوظاً في التصدير هما الزيتون، الذي ارتفع من نحو ٩ ملايين دولار عام ٢٠١٨ إلى نحو ٤٥ مليون دولار عام ٢٠١٩، والشعير، الذي لم يحقق أي عائد عام ٢٠١٨ ثم بلغت قيمة صادراته ١٠ ملايين دولار عام ٢٠١٩.[71]

مع ذلك، تحتكر الجهات الحكومية التركية وتجمّعات مرتبطة بها شراء هذين المنتجَين، حيث تم الترخيص لمجلس الحبوب التركي بشراء القمح من المزارعين مباشرة، وتحتكر جمعية التسليف الزراعي في هاتاي حق شراء زيت الزيتون من منطقة عفرين المجاورة. وتصوّر الحكومة التركية عملية شراء القمح على أنه برنامج مساعدة للمزارعين السوريين، وبالتالي يبقى السعر - الذي تَحدَّد بعد مفاوضات مع الحكومة السورية المؤقتة - مرتفعاً نسبياً. أما زيت الزيتون فيُشتَرى بسعر أقل بكثير من سعر السوق، ثم يُباع في السوق الدولية بربح لا يُستهان به.[72] ورغم جودته العالية المعروفة عالمياً، خسر زيت الزيتون المُنتَج في عفرين قيمته السوقية، ويعود أحد أهم الأسباب في ذلك إلى المجموعات المسلحة الفاسدة التي تفرض نفسها على المزارعين لأداء دور الوسيط مع جمعية التسليف وتُجبرهم على خفض الأسعار لبيع المزيد.

ومن الوجهات الإضافية للمُصدِّرين السوريين العراق وليبيا ودول الخليج العربي،[73] ولكن المنتجين يواجهون تعقيدات قانونية كبيرة تمنعهم من عقد الصفقات التجارية بسهولة. فمن شروط التصدير تقديم شهادة تُثبت أصل المنتج، وبما أن النظام لا يقدم شهادات لمن هم خارج مناطق سيطرته، يواجه المُصدِّرون السوريون خارج مناطق سيطرة النظام أزمة كبيرة. لتجاوز هذه الصعوبات، وافقت تركيا على السماح بعبور البضائع السورية في أراضيها إلى وجهات أخرى ما دامت الدولة المُستورِدة تسمح باستيراد المواد. وأدى هذا الحل إلى فرض المزيد من التعقيدات والبيرقراطية التي تمثل مجال ربح جديداً لسماسرة الجمارك ذوي الصلات والنفوذ ممن يعملون مع فصائل المعارضة.

في المحصلة، تحول التبادل التجاري مع تركيا وعبرها إلى عمل مقتصر على النخبة، لا يمارسه إلا قلة من رجال الأعمال الأثرياء والمتربّحين من أصحاب النفوذ والقوة. فنتيجة انعدام سلطة الحكومة السورية المؤقتة، فرض مجلس أعزاز المحلي رسماً سنوياً للحصول على موافقات الاستيراد أو التصدير عبر معبر باب السلامة. ويبلغ الرسم ٢٠٠٠ دولار، ويشمل سماحاً بالدخول إلى تركيا بدون تأشيرة، وهذا المبلغ المفروض على المُنتِجين المحليين قد يغطي نفقات عائلة كاملة لستة أشهر أو أكثر.

من الخيارات الإضافية المتاحة إجراء تبادل تجاري مع مناطق الإدارة الذاتية ومع مناطق سيطرة النظام، ولكن المنتجين عموماً يترددون في ذلك لسببين: أولاً اشتراط رجال الأعمال المرتبطين بالإدارة الذاتية وبالنظام الشراء بالليرة السورية، رغم أنهم يبيعون منتجاتهم بالدولار، الأمر الذي يؤدي إلى استنزاف احتياطي العملة الصعبة لدى رجال الأعمال المحليين ويعرضهم لعواقب انخفاض قيمة الليرة السورية المستمر؛ وثانياً الاستخدام المستمر لطرق التهريب، فمنذ صدور قرار الحكومة السورية المؤقتة بمنع التبادل التجاري مع مناطق سيطرة النظام، أصبحت الوسيلة الوحيدة لنقل البضائع إلى حلب أو حماة دفع رسوم تبلغ ٢٠٠٠ دولار لأمراء الحرب من أصحاب النفوذ لتمرير شحنة واحدة. ولا يصبح هذا الخيار مجدياً إلا إذا بيعت البضائع بهامش ربح مرتفع نسبياً.

تزيد التحديات المالية والقانونية التي تعطّل النشاط التجاري بنسبة كبيرة على العوامل المُشجِّعة على إجراء هذا النشاط بما يحقق فائض قيمة حقيقياً. وأدى ذلك إلى زيادة اتكال المجتمع المحلي في المنطقة على المساعدات الإنسانية، وإلى دفع القِلّة القادرة على الاستثمار لضخ أموالها في القطاعات الخدمية مثل الضيافة أو تجارة التجزئة.

خاتمة

طرحت شخصيات من المعارضة السورية وعدد من المحللين اللامركزية كنموذج ممكن لإدارة سوريا، وكإطار شامل يحافظ على استقلال فئات الشعب السوري ويزيد مشاركتها السياسية على مستوى الدولة كاملة. كذلك مثّلت الدعوة إلى اللامركزية استجابة لتشظي الواقع السياسي والأمني، حيث نُظِر إليها كوسيلة لاستيعاب القوى الفاعلة والمؤثرة وتجميد النزاع. وينطوي هذا النهج البراغماتي القائم على قبول تفكك السلطة الحتمي على الكثير من النقاط المُقنِعة، ولكنه يؤدي إلى تراجع أكثر مما يؤدي إلى تقدم في حال جرى تنفيذه بشكل سيء. فكما بيّنت هذه الورقة، من شأن عدم التنبّه إلى الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها مختلف فئات الشعب السوري حالياً أن تعطّل تعافيها الاقتصادي رغم النوايا الحسنة.

أدى عجز الحكومة السورية المؤقتة عن فرض سلطتها إلى قصور كبير في المنظومة القانونية والإدارية والمالية في شمال سوريا. فالمجالس المحلية تتصرف بشكل مستقل وتنفّذ سياسات متناقضة، وفصائل المعارضة تتدخل وتفرض نفسها دون خشية من عواقب سلوكها. وأدى ذلك إلى انتشار اليأس بين السكّان، وفرض تحديات مستحيلة على المبادرات المحلية لإعادة إحياء الاقتصاد المحلي. إضافة إلى ذلك، تحول التعامل والتفاوض مع تركيا، القوة الاقتصادية الإقليمية الكبيرة، إلى جنة للمتربّحين من دون أن يعود ذلك بأي نفع اقتصادي على السكان.

تتمثل مصلحة تركيا الأساسية في نشر الاستقرار في المنطقة التي تسيطر عليها في شمال تركيا، فمن شأن إعادة تأهيل الاقتصاد المحلي تشجيع عودة اللاجئين السوريين وتخفيف الضغط على حدود تركيا الجنوبية. رغم ذلك، لم تنجح الجهود التركية لحماية وتيسير جهود إحياء الاقتصاد حتى الآن. فعدا استثمارات قليلة لترميم أجزاء من شبكة الكهرباء وبعض الطرق، ظلّت مساهمة تركيا مقتصرة في معظمها على إيصال المساعدات الإنسانية، أو عقد صفقات تجارية مع القطاع الخاص. وعيّنت أنقرة مستشارين للمجالس المحلية، ويشارك محافِظو المحافظات التركية المجاورة بشكل محدود في إعادة إعمار المنطقة، في حين يقتصر أداؤهم على ضبط نظرائهم السوريين ومراقبتهم عوضاً عن إيجاد حلول مستدامة للصعوبات الحالية.

ونتيجة انشغالها بالمخاوف الأمنية، لم تضع أنقرة استراتيجية مناسبة للتعافي الاقتصادي في شمال سوريا. ولكن حتى إذا خصصت تركيا الزمن والطاقة اللازمَين لحل هذه المشكلة، فإن جهودها وحدها غير كافية، ذلك أن المجتمعات المحلية في سوريا بحاجة إلى مستوى كبير من المشاركة الدولية لتحقق أقصى إمكانياتها. وإذا كان للمجتمع الدولي أن يقدم الدعم، فيجب ألا يقتصر ذلك على الدعم المالي، بل أن يشمل الدعم المؤسسي لإصلاح هياكل الحوكمة والاقتصاد المحليين. وإذا تُرِك السوريون في المنطقة دون دعم ومساعدة، فسيظلون عُرضة للمحسوبية والفساد والتطرّف.

 

*سنان حتاحت زميل باحث في منتدى الشرق ومركز عمران للدراسات االستراتيجية، وهو مساهم في مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سورية في معهد الجامعة األوروبية في فلورنسا. تشمل اهتماماته البحثية ديناميات االقتصاد الوطني والمحلي، والجهات الفاعلة غير الحكومية، والحركة السياسية الكردية، والنظام اإلقليمي الجديد في منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا.

 

[1] خضر خضور، "دمار الحرب، نهاية النظام السياسي في حلب وشمال سوريا" (بالإنكليزية)، مؤسسة فريدريش إيبرت، تشرين الأول ٢٠١٧، https://bit.ly/2R6tSPm 

[2] واجه الباحث مصاعب كبيرة في الحصول على بيانات موثوقة والتحقق من دقة هذه البيانات. وبما أن المنطقة لا تقع ضمن مجال وحدة إدارية واحدة، ليس هناك جهة تجمع البيانات وتقيّمها، لذلك ثمة ثغرات في البيانات ونقص في الأرقام الدقيقة.

[3] خير الله الحلو، "التدخل التركي في شمال سوريا: استراتيجية واحدة وسياسات متباينة"، تقرير مشروع بحثي (فلورنسا: معهد الجامعة الأوروبية، برنامج مسارات الشرق الأوسط، زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا، ١٤ كانون الثاني ٢٠٢١)، https://bit.ly/3elLD5j

[4] سبق أن تلقى ٢١ فصيلاً من فصائل الجيش الوطني السوري، البالغ عددها ٣٦، دعماً من الولايات المتحدة على شكل تدريب أو رواتب أو معدات. مراد يشلتاش، ميرف سيري، نجدت أوزتشلك، "عملية درع الفرات: التنفيذ والدروس المستفادة" (بالإنكليزية)، تقرير (إسطنبول: سيتا، ٢٠١٧)، https://bit.ly/396gotl

[5] مقابلة مع عضو في غرفة التجارة والصناعة في عفرين، كانون الثاني ٢٠٢١.

[6] محمد حمص، "عقارات عفرين.. ملف شائك بين المالكين والمهاجرين"، عنب بلدي، ٧ تشرين الأول ٢٠١٨، http://bit.ly/2QsuGxL؛ روداو، "من هو المدعو ’أبو عمشة‘ الذي اقترن اسمه بأبشع الجرائم والانتهاكات في عفرين؟"، ٢٠ تشرين الثاني ٢٠١٩، https://bit.ly/2PkGSju

[7] مقابلة مع ناشط محلي، جنديرس، كانون الثاني ٢٠٢١.

[8] هيومن رايتس ووتش، "سوريا: استيلاء جماعات تدعمها تركيا على الممتلكات في عفرين"، ١٤ حزيران ٢٠١٨، http://bit.ly/2HWu3Wo؛ نينار خليفة، "استيلاء وانتفاع وإتاوات.. من يحمي حقوق الملكية في عفرين؟"، عنب بلدي، ٢٢ تموز ٢٠٢٠، http://bit.ly/3cY8h34؛ سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، "عفرين: شيخ الحديد: تخويف وتضييق اقتصادي" (بالإنكليزية)، ٩ آذار ٢٠٢٠، https://bit.ly/3rjXt4A

[9] وصلت الرسوم إلى ٢٠٠٠ دولار على الشاحنة الآتية من مناطق سيطرة النظام بحمولة تبلغ ٢٠ طناً. مقابلة مع مالك عمل تجاري، أعزاز، كانون الثاني ٢٠٢١.

[10] صحيفة جمهوريت التركية، "مواجهات بين جنود الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا: قتيلان و١٧ جريحاً" (بالتركية)، ١٤ تشرين الأول ٢٠١٦، http://bit.ly/3rSBBOE؛ فهيم تاستكين، "تركيا تتصرف وكأنها على أرضها في سوريا" (بالإنكليزية)، المونيتور، ٢٩ أيار ٢٠١٩، http://bit.ly/3raPIh3

[11] مقابلة مع إمام في لجنة رد المظالم، عفرين، كانون الثاني ٢٠٢١.

[12] خالد الخطيب، "المعارضة تعلن عن تشكيل الشرطة العسكريّة في منطقة درع الفرات"، المونيتور، ٢٢ آذار ٢٠١٨، http://bit.ly/3bJ1V8d

[13] فراس فحّام، "تشكيل لجنتين لـ "رد المظالم" و"الإصلاح" في الشمال السوري"، تلفزيون سوريا، ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3vrxsCQ14 

[14] مقابلة مع إمام محلي عضو في لجنة رد المظالم، عفرين، كانون الثاني ٢٠٢١.

[15] حسين عمر، "حقوق الإنسان في عفرين: لجنة ’رد المظالم‘ لن تعيد للكورد بيوتهم المستولى عليها من المجموعات المسلحة"، روداو، ٥ تشرين الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/3tL4AnX

[16] رغم ترشيح وزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة لرئيس مجلس عفرين المحلي، سعيد سليمان، في أيلول ٢٠١٩ بهدف تشجيع التعاون، ما زالت المجالس المحلية تتصرف باستقلال عن الحكومة السورية المؤقتة، وتعطل بذلك الجهود الجماعية الرامية إلى تسيير عملية الحوكمة الاقتصادية.

[17] كيليس تشرف على أعزاز ومارع، وغازي عنتاب على جرابلس والباب والراعي، وهاتاي على عفرين وجنديرس. الحلو، "التدخل التركي في شمال سوريا".

[18] لوزارات الصحة والتعليم والاقتصاد والتجارة والصناعة والشباب التركية مندوبون في كل من المجالس المحلية الأساسية.

[19] رؤساء غرف التجارة والصناعة هم إبراهيم درباله (أعزاز)، وخلاوي رمضان (جرابلس)، وعبد الناصر حسو (عفرين)، وأحمد حمزة (الباب).

[20] مقابلات مع أعضاء في غرف التجارة والصناعة، كانون الثاني ٢٠٢١.

[21] كان معبر جرابلس، الأصغر حجماً والأقل أهمية، يُستخدَم بشكل أساسي لعبور المدنيين قبل عام ٢٠١١، ولم يرقَ للاستخدامات التجارية إلا عام ٢٠١٦. افتتحت تركيا معابر جديدة لتيسير حركة المعدات العسكرية لقواتها وحركة البضائع التجارية. ثم افتُتِح معبر الراعي في أواخر عام ٢٠١٧، ومعبر باب الحمام في نيسان ٢٠١٨ لربط جنديرس بهاتاي. شبكة شام، "تركيا ترفع تصنيف معبر جرابلس ليكون معبر بري تجاري"، ٢٣ تشرين الأول ٢٠١٦، https://bit.ly/3udoUjc؛ عنب بلدي، "افتتاح معبر الراعي رسمياً مع تركيا"، ١٦ كانون الأول ٢٠١٧، http://bit.ly/3sg7Jf8

[22] عنب بلدي، "الحكومة المؤقتة تستلم معبر باب السلامة شمالي حلب"، ١٠ تشرين الأول ٢٠١٧، https://bit.ly/3k1QSZ3

[23] يُقدَّر عائد المعابر الحدودية التي تتولى الحكومة المؤقتة إدارتها بين ٤ و٦ ملايين دولار شهرياً. ووصل إجمالي الصادرات التركية عبر معبر باب السلامة ومعبر الراعي إلى ٥٦٠ مليون دولار عام ٢٠١٨. حرييت، "غازي عينتاب تزيد صادراتها إلى سوريا" (بالتركية)، ١٣ تشرين الأول ٢٠١٨، http://bit.ly/3d1njov

[24] رئاسة الحكومة السورية المؤقتة، وزارة المالية والاقتصاد، "القرار رقم ٢٥ وقائمة التعرفة الجمركية لرسوم الاستيراد لعام ٢٠٢١"، ٣ شباط ٢٠٢١، http://bit.ly/31aqfda

[25] عشتار الشامي، "ساحات الحرب في سوريا تفرق الخصماء لكن المعابر المربحة تجمعهم"، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ٣ آذار ٢٠٢٠، http://bit.ly/2P0yWEf

[26] المرصد السوري لحقوق الإنسان، "بعد ٣ أشهر على إغلاقه..  معبر ’أم جلود‘ يفتح أبوابه أمام الحركة التجارية بين مناطق ’قسد‘ والفصائل الموالية لتركيا"، ٢٨ كانون الثاني ٢٠١٩، http://bit.ly/30ISv6e

[27] بين الأسباب المعلنة لإغلاق نقاط العبور تجارة المخدرات غير القانونية. الحكومة السورية المؤقتة، "تعميم لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة بشأن تشديد الإجراءات على المعابر وخطوط التماس"، ٧ نيسان ٢٠٢٠، http://bit.ly/3qRog7Q

[28] تمت تغذية المنطقة الشمالية من محافظة حلب بمولّدات بتوتر ٢٠ كيلو فولت من محطات فرعية بتوتر ٦٦/٢٠ كيلو فولت. صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، "إعادة تأهيل شبكة التوتر المنخفض والمتوسط في المناطق المدينية وشبه المدينية والريفية في المنطقة الشمالية من حلب" (بالإنكليزية)، ٢٨ حزيران ٢٠١٩، https://bit.ly/2Q2dIGp

[29] المرجع السابق.

[30] صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، "منظومة مستدامة لإنتاج الطاقة الشمسية لمضخات المياه في المناطق الريفية شمال حلب - المرحلة الأولى" (بالإنكليزية)، ١٢ كانون الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3tku1ge

[31] تيكلا، "شركة إيه كي إنيرجي للكهرباء المحدودة" (بالتركية)، http://bit.ly/3lF2C5Y

[32] تربط الشركة السورية التركية للكهرباء مدينة صوران بشبكة كهرباء عفرين. الشركة السورية التركية للكهرباء، "يواصل الفريق الفني عمله بمد خط التوتر المتوسط من محطة مدينة عفرين إلى محطة مدينة صوران"، فيسبوك، ١٢ آذار ٢٠٢١، http://bit.ly/3eBCvLD؛ إيه كي إنيرجي، "الصفحة الرسمية على فيسبوك"، فيسبوك، http://bit.ly/31bJfry؛ الشركة السورية التركية للكهرباء، "الصفحة الرسمية على فيسبوك"، فيسبوك، http://bit.ly/3sgadKz

[33] في زمن كتابة هذه الورقة، لا توجد إشارات على تأسيس محطات طاقة جديدة في سوريا، الأمر الذي يزيد من اتكال المنطقة الكامل على تركيا في الإمداد بالطاقة.

[34] مقابلة مع عضو في غرفة التجارة في عفرين، عفرين، كانون الثاني ٢٠٢١.

[35] مقابلة مع موظف في المكتب التجاري في أعزاز، أعزاز، كانون الثاني ٢٠٢١.

[36] المرجع السابق.

[37] مقابلة مع غرفة تجارة عفرين، عفرين، كانون الثاني ٢٠٢١.

[38] كشف أعضاء في المجالس المحلية أن المجالس تحصل على حصة من الاشتراكات، ولكنهم لم يكشفوا عن حجم الحصة بدقة. إلا أنهم صرّحوا أنها حصة صغيرة وأنها تكاد لا تغطي فواتير الكهرباء الخاصة بالمجالس. مقابلات مع أعضاء في المجالس المحلية، كانون الثاني ٢٠٢١.

[39] صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، "نظرة عامة" (بالإنكليزية)، ٢١ تشرين الأول ٢٠١٤، http://bit.ly/3f708Md

[40] صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، "المشاريع الموافَق عليها في قطاع الكهرباء" (بالإنكليزية)، http://bit.ly/31ddBtM

[41] مقابلات مع رجال أعمال في أعزاز وجرابلس وعفرين والباب، كانون الثاني ٢٠٢١.

[42] ريليف ويب، "حلب - ملف المحافظة من مشروع تحليل احتياجات سوريا" (بالإنكليزية)، آذار ٢٠١٣، https://bit.ly/38Dam3b

[43] مشروع فاناك، "موارد المياه في سوريا" (بالإنكليزية)، ٢٣ تموز ٢٠١٩، http://bit.ly/3971S4C

[44] إيريكا واينثال، ندى ظواهري، جيني ساورز، "تحول المياه والمناخ والهجرة إلى قضايا أمنية في إسرائيل والأردن وسوريا" (بالإنكليزية)، الاتفاقيات البيئية الدولية: السياسة والقانون والاقتصاد ١٥، عدد ٣ (٢٠١٥)، ٢٩٣ – ٣٠٧.

[45] مجلة القلعة، "إعادة تأهيل سد ميدانكي" (بالإنكليزية)، ٢٠٢٠، ١٩.

[46] مقابلة مع عضو في غرفة التجارة والصناعة في جرابلس، جرابلس، كانون الثاني ٢٠٢١.

[47] مقابلة مع عضو في غرفة التجارة والصناعة في الباب، الباب، كانون الثاني ٢٠٢١.

[48] أبرز المنظمات المشاركة هي صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، ومنظمات غير حكومية سورية (إحسان للإغاثة والتنمية، عطاء، بنفسج، هيئة الإغاثة الإنسانية، هيئة ساعد الخيرية، أورانج، بناء، منظمة حياة، الرواد للتدريب والتطوير)، وجهات مرتبطة بالمعارضة السورية (وحدة تنسيق الدعم، لجنة استعادة الاستقرار)، وجهات دولية (كير، الهلال الأحمر القطري).

[49] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية - خدمة التتبع المالية، "خطة الاستجابة الإنسانية في سوريا ٢٠١٥-٢٠٢٠" (بالإنكليزية)، http://bit.ly/3thqMWD؛ تقرير سوريا، "مشاريع صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا" (بالإنكليزية)، ٣٠ أيلول ٢٠٢٠، http://bit.ly/31dKKW8؛ إحسان للإغاثة والتنمية، "المياه والإصحاح والنظافة" (بالإنكليزية)، https://www.ihsanrd.org/wash/

[50] خالد الخطيب، "نفط ’قسد‘ يدخل مناطق ’تحرير الشام‘.. بعد ’الخوّة‘"، المدن، ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٠، http://bit.ly/3bM94ol

[51] مقابلة مع مدير منظمة غير حكومية محلية، أعزاز، كانون الثاني ٢٠٢١.

[52] زينب مصري وعلي درويش ونور الدين رمضان، "موردان رئيسان وعوامل تضغط على الأسعار، من يتحكم بقطاع المحروقات في الشمال السوري"، عنب بلدي، ٢٣ آب ٢٠٢٠، http://bit.ly/398oYHU

[53] مقابلة مع موزع محلي، عفرين، كانون الثاني ٢٠٢١.

[54] الحكومة السورية المؤقتة، "وزارة المالية والاقتصاد تصدر قرارين بخصوص التعرفة الجمركية للبضائع المستوردة والمصدرة عبر المعابر الحدودية"، ١٥ شباط ٢٠٢١، http://bit.ly/3ldxb2i

[55] قُدِّرت هذه الكميات بحساب ١٦٠ صهريج ديزل و٧٥ صهريج بنزين و٧٠ صهريج غاز في الشهر. تتفاوت سعة كل صهريج بين ٢٠ و٢٧ طناً.

[56] هذه الشركات هي: السلام، المملوكة لرجل أعمال محلي يُعرَف باسم عبد الله الدك، وشركة روضة وشركة عماد وشركة القلعة، ولم يتمكّن الكاتب من تحديد مالكيها. يعتقد السكّان أن الشركات ملك رجال أعمال مرتبطين بفصائل الجيش الوطني.

[57] تُشترى مشتقّات النفط بالدولار وتُباع بالليرة التركية، الأمر الذي يُخضِع الأسعار لتفاوت سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار.

[58] للمقارنة، في كانون الثاني ٢٠٢١، بلغ سعر البنزين في القامشلي ٢٣ سنتاً أمريكياً، في حين بلغ في أعزاز ٦٤ سنتاً، وبلغ سعر لتر الديزل ٤ سنتات، في حين بلغ في أعزاز ٤٣ سنتاً، وبلغ سعر أسطوانة الغاز العادية ٧٠ سنتاً في القامشلي و١٠ دولارات في أعزاز. قامشلو الآن، "ارتفاع سرع لتر البنزين المدعوم إلى ٤٧٥ ليرة وغير المدعوم إلى ٦٧٥ ليرة"، فيسبوك، ١٩ كانون الثاني ٢٠٢١، http://bit.ly/3qMilRE؛ تلفزيون سوريا، "سعر الليرة السورية مقابل الدولار في سوريا"، ١٩ كانون الثاني ٢٠٢١، http://bit.ly/3rM8I6x؛ اقتصاد، "أين تجد أرخص محروقات ضمن "الشمال المحرر"؟"، ٢٣ كانون الثاني ٢٠٢١، http://bit.ly/3lGic1b

[59] ثمة طرق تصل المدن الأساسية كافة بالحدود التركية، وطريق واحدة فقط تعبر المنطقة من الشرق إلى الغرب، وهي الطريق بين جرابلس وعفرين.

[60] منظمة الفاو، "بعثة تقييم المحاصيل والأمن الغذائي من برنامج الغذاء العالمي إلى الجمهورية العربية السورية" (بالإنكليزية)، ٥ أيلول ٢٠١٩، http://bit.ly/3w0JPqD؛ المكتب السوري المركزي للإحصاء، "استعمالات الأراضي حسب المحافظة ٢٠١٠"، ٧ نيسان ٢٠١١، https://bit.ly/3vRpvb0

[61] الهيئة العامة السورية للبحوث الزراعية، "لمحة عن الزراعة في سورية ومساهمتها في الاقتصاد الوطني"، ١٦ شباط ٢٠١٥، https://bit.ly/3f7Sh1e

[62] شين مدلتون وآخرون، "الصمود عبر المساعدة الإنسانية: الزراعة في النزاع السوري" (بالإنكليزية)، غلوبال كوميونيتيز (أيار ٢٠١٨): ٣٦، https://bit.ly/2NIACSi

[63] منظمة الفاو، "بعثة تقييم المحاصيل والأمن الغذائي من الفاو/برنامج الغذاء العالمي إلى الجمهورية العربية السورية".

[64] صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، "المشاريع الموافق عليها - الأمن الغذائي" (بالإنكليزية)، http://bit.ly/2OZXo8T؛ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية - خدمة التتبع المالية، "خطة الاستجابة الإنسانية في سوريا ٢٠١٥-٢٠٢٠".

[65] المؤسسة العامة السورية للحبوب، "المؤسسة العامة للحبوب تستلم موقع لإنشاء مبنى مطحنة قباسين في ريف حلب الشمالي"، ١ آذار ٢٠٢١، http://bit.ly/3ctVhBR

[66] مقابلة مع مدير منظمة غير حكومية محلية، أعزاز، كانون الثاني ٢٠٢١.

[67] يبقى مدى انسجام هذه المجمّعات مع القانون محل شك، فهي تُبنى على ملكيات عامة ثم تُباع لأفراد من دون صكوك رسمية تعترف بها الدولة السورية.

[68] على سبيل المثال، يبلغ سعر المتر المربع في مدينة أعزاز الصناعية نحو ٣٠ دولاراً، أي أقل بنسبة ٢٠ بالمئة من سعر الأرض في المدينة.

[69] مناف قومان، "اقتصاد سورية ٢٠٢٠.. أي العوامل أشد وطأة؟"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، شباط ٢٠٢١، https://bit.ly/3vSzblw

[70] مؤسسة الإحصاء التركية، "مؤشر التبادل التجاري الخارجي لشهر كانون الأول ٢٠٢٠" (بالتركية)، ١٠ شباط ٢٠٢١، https://bit.ly/3aNWxjM

[71] وزارة التجارة والتمثيل الخارجي والفعاليات الدولية، "الإحصاءات المتعلقة بسوريا" (بالتركية)، ٣ حزيران ٢٠٢٠، https://bit.ly/2ZCD3IF

[72] تقدر تقارير أن جمعية التسليف الزراعي في هاتاي اشترت نحو ٩٠ ألف طن من زيت الزيتون من عفرين منذ عام ٢٠١٨. جمهوريت، "زيت الزيتون الآتي من عفرين، لا زيت الزيتون التركي، يُصدَّر إلى الولايات المتحدة" (بالتركية)، ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٠، http://bit.ly/397Q5mw

[73] يستورد العراق الخضار والأقمشة والمعلبات الغذائية ومنتجات التنظيف والمواد البلاستيكية، في حين تستورد ليبيا ودول الخليج الحجر الكلسي والإسفلت ومواد بناء أخرى.

من نحن

  •  

    أسَّسَ مركز روبرت شومان للدراسات العليا في معهد الجامعة الأوروبية برنامج مسارات الشرق الأوسط في العام ٢٠١٦، استكمالاً للبرنامج المتوسّطي الذي وضع المعهد في طليعة الحوار البحثي الأورومتوسّطي بين العامَين ١٩٩٩ و ٢٠١٣.

    يطمح برنامج مسارات الشرق الأوسط إلى أن يصبح جهة مرجعية دولية للأبحاث التي تتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تنظر في التوجّهات والتحوّلات الاجتماعية-السياسية، والاقتصادية، والدينية. ويسعى البرنامج إلى تحقيق هدفه هذا من خلال تشجيع البحث متعدّد التخصّصات بناءً على نتائج العمل الميداني، والتعاون مع باحثين من المنطقة. ويفيد البرنامج من خبرة باحثين ناطقين بلغات المنطقة الرئيسة، بما فيها العربية الفصحى والعامية، والفارسية، والطاجيكية، والتركية، والروسية.

    للمزيد ...
Funded by the European Union