مقدّمة
ترسم التقارير الصادرة عن أعضاء مجتمع الأعمال السوري في الآونة الأخيرة مشهداً يندفع فيه آلاف رجال الأعمال لمغادرة البلاد.[1] ولئن كانت هجرة رجال الأعمال السوريين ليست بالظاهرة الجديدة، تختلف هذه الموجة عن سابقاتها، إذ تأتي في خضمّ حملة يشنّها النظام ضدّ مجتمع الأعمال لانتزاع الأموال منه، وفي سياقٍ غير مشجّع على الهجرة الإقليمية والعالمية. ما من بيانات رسمية تتيح لنا قياس الحجم الحقيقي لما يحصل، إلا أن عشرات المؤسسات تقفل أبوابها كل يوم في دمشق وحلب.
يمكن تصنيف رجال الأعمال السوريين تقليدياً في فئتَين كبريَين: نخبة رجال أعمال تحظى برعاية النظام وحمايته؛ ومجموعة من رجال الأعمال المستقلّين نسبياً، الذين آثروا الحفاظ على بعض الاستقلالية عن المؤسسة السورية الحاكمة. ويتّصف رجال الأعمال المستقلّون بسمتَين رئيسيتَين: علاقاتهم الاجتماعية والمؤسّسية، حيث يعتمدون في المقام الأول على السياقات الأُسَرية والحضرية؛ وأنشطتهم الاقتصادية، حيث يعملون أساساً في قطاعات الإنتاج التقليدية، ومن ضمنها الأعمال التجارية الزراعية، والصناعات النسيجية والخفيفة، وأنشطة التجارة الداخلية والتصدير ذات الصلة التي تتمحور حول منتجاتهم.
شهد العقدان السابقان للصراع السوري تخفيفاً نسبياً للقيود المفروضة على الأنشطة الاقتصادية، وبدأ آنذاك رجال الأعمال المستقلّون يوسّعون أعمالهم. ومع اندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١، توقّع النظام تضامن رجال الأعمال معه، لا بل طالب بهذا التضامن. بيد أن المستقلّين منهم تصرّفوا بطرق مختلفة، حيث اختار بعضهم دعم معسكر على الآخر، في حين بقيت الغالبية منهم على الحياد. ومع اشتداد الصراع حدّة، نَقَلَ البعض مؤسساته ومصانعه إلى خارج البلاد، فيما ثابر البعض الآخر مختاراً البقاء في سوريا على الرغم من الصعوبات المتزايدة.
لكن بعد سنوات من العمل في ظلّ ظروف غير مستقرّة، وجد مَن بقوا في البلاد أنفسَهم أكثر فأكثر في وضع غير مريح. فهؤلاء كانوا في متناول يد الدولة، وعانوا من ابتزاز الأجهزة الأمنية، ومن الغرامات المالية بمفعول رجعي وفوائد مركّبة، ومن اقتصاد آخذ في التفكّك السريع مع عملة محلية غير مستقرّة. تنظر هذه الورقة في الخيارات المُتاحة لرجال الأعمال السوريين في مواجهة هذا الواقع الجديد. ما هي التحدّيات والفرص التي قد تكون أمامهم إذا ما قرّروا مغادرة البلاد، والانتقال إلى إحدى الأسواق المجاورة القليلة التي يمكن ولوجها؟ وما هي تكاليف أو منافع بقائِهم في الوطن ومحاولتِهم المحافظة على رأس مالهم، على الرغم من تهديدات النظام المتواصلة؟
لرجال الأعمال المستقلّين أهمية، نظراً إلى تأثيرهم الهائل على الاقتصاد بوصفهم مساهمين في خلق وظائف قابلة للتداول، وفي نشاط إعادة الإعمار مستقبلاً. فهؤلاء يوظّفون مجتمعين معظم القوة العاملة في قطاعات الإنتاج. أضِف إلى ذلك أن طبيعة أنشطتهم المتنوّعة في قطاعَي الصناعة والتجارة، بغضّ النظر عن ناتجها، مُكيَّفةٌ بما يتناسب والسوقَين الوطنية والإقليمية، وهي بالتالي واعدة على صعيد النموّ الاقتصادي والاستدامة. استند التحليل في موجز السياسات هذا إلى مقابلات عدّة أُجريَت منذ العام ٢٠١٧ مع أكثر من ستة وثلاثين رجل أعمال، وصناعي، ومحاسب، ومحام، يقيمون في دمشق، وحلب، وحماة، وحمص، وبيروت، والقاهرة، والدوحة، ودبي، واسطنبول، والرياض.
الجزء الأول: عُدّة النظام
عقب التدخّل الروسي في العام ٢٠١٥، بدّل النظام أسلوب تعاطيه مع مجتمع الأعمال. فقد شعرت النخبة الحاكمة بأنها في موقع أكثر استقراراً وأمناً، وبأنها غير مضطّرة جداً إلى تحمّل أيّ مؤشّر على الاستقلالية قد يبديه رجال الأعمال. ثم أتى كلٌّ من المكاسب الإقليمية الجديدة لصالح النظام، والحاجة إلى إعادة دمج آلاف الميلشيات الموالية في مؤسسات الدولة، ليفرض على الدولة نفقات جديدة. ف حَوَّلَ النظامُ سياساته من المحافظة على القدرة الإنتاجية إلى الابتزاز الشرس. وبدءاً من العام ٢٠١٦، وضع النظام ثلاثة إجراءات رئيسية: الإجراءات القانونية للمطالبة برسوم مالية من المؤسسات؛ والقيود على المعاملات المالية كافّة لكي تُجرى عبر مصارف تملكها الدولة أو تسيطر عليها، وعبر بضعة مكاتب الصرافة المُرخَّص لها؛ والابتزاز المباشر والإكراه مقابل حرية رجال الأعمال.
الامتثال أو الدفع
تُعَدّ سوريا واحدة من الأسواق الأكثر خضوعاً للضرائب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فالقانون يلزم المؤسسات السورية بدفع ٢٠ نوع ضريبة مختلفة سنوياً، مقارنةً بمتوسّط إقليمي يبلغ ١٦٫٥ نوع. ويبلغ إجمالي الضرائب المفروضة على الشركات في المتوسّط ٤٢٫٧ في المئة من أرباحها، وهي أيضاً نسبة أعلى من المتوسّط الإقليمي البالغ ٣٢٫٥ في المئة. والواقع أن أصحاب المؤسسات المحليين اعتادوا في ما مضى التهرّب من الضرائب باستغلال الفساد القائم والسوق غير الرسمية الواسعة. ومعظم الرسوم الضريبية هي عبارة عن ضريبة أرباح (على مكاسب رأسمال والدخل)، وضريبة عمل (اشتراكات أرباب العمل في الضمان الاجتماعي).[2]
حاولت المؤسسات تقليل مساهماتها الضريبية عبر التصريح عن مستويات دخل أقلّ. وفعلت ذلك باستخدام دفترَي حسابات، أحدهما حقيقي لأغراض داخلية، والآخر عام يتضمّن فواتير أصغر، تصرّح فيه المؤسسة عن رواتب أقلّ لموظّفيها أو تبقيهم خارجه كليّاً. وكان من الممارسات المُستخدَمة على نطاق واسع التصريحُ فقط عن راتب أساسي، منخفض عادةً، تُضاف إليه الحوافز. هدفت هذه الممارسة إلى تقليل الاشتراكات في الضمان الاجتماعي، وتقليص تسويات نهاية العقود. وإلى جانب الاحتيال المالي، اعتاد الصناعيون والمستوردون أيضاً شراء مدخلات التصنيع أو البضائع المتداولة بفواتير مُزوَّرة، كي يسدّدوا التزامات جمركية أقلّ.[3] وقد انتشرت هذه الممارسات في المؤسسات الصغيرة والمتوسّطة، في حين كانت المؤسسات الأكبر ذات أحجام الصادرات الكبيرة أكثر استعداداً للامتثال.[4]
تغاضت دمشق لسنوات طويلة عن الفساد والتهرّب الضريبي بما يتيح بطريقة غير مباشرة للمسؤولين الحكوميين انتزاعَ الرشاوى من مجتمع الأعمال. فجهاز الدولة الذي ينظّم السوق لم يتدخّل إلا في حالات محدّدة.[5] وقد استخدمت الحكومة، عبر حملات متفرّقة لمكافحة الإرهاب، المخالفات التي ارتكبها بعض أعضاء مجتمع الأعمال إما لإيقافهم عن العمل، وإما لدفعهم إلى عقد شراكة مع عضو من النخبة الموالية للنظام. ثم بدأت الأمور تتغيّر في العام ٢٠١٦، حيث اتُّخِذَت إجراءات صارمة ضدّ المخالفات المالية كافّة، ازدادت في منتصف العام ٢٠٢٠ عقب الانهيار الدراماتيكي لليرة السورية. وقد ترافق ذلك مع تنفيذ عقوبات قيصر، وارتبط أيضاً بالأزمة المصرفية في لبنان، وتراكُم الخسائر في مختلف القطاعات الاقتصادية أثناء الصراع.[6]
وكانت طريقة العمل المعتادة التي اتّبعتها الدولة في هذه المرحلة الجديدة تبدأ بإجراء سلطات الجمارك، والهيئة العامة للضرائب والرسوم، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ومداهماتٍ لمقارّ الشركات.[7] فتُصادَر الوثائق الورقية والإلكترونية كافّة، بما فيها الحواسيب، والفواتير، ودفاتر الحسابات، والأهمّ أيّ دليل على تجارةٍ أو تعاملٍ بالدولار الأميركي.[8] إضافةً إلى ذلك، يُفرَض على الموظّفين التصريح عن رواتبهم الحقيقية، ونوع وحجم الأنشطة التي يضطّلعون بها في الشركة، وتُجرى جردة للمستودعات.[9] ويبدو أن الشركات تُنتَقى عشوائياً، إلا أن نطاق الحملة يطال القطاعات كلها، من المؤسسات الصغيرة إلى المؤسسات الكبيرة.[10]
بعد إجراء المداهمة، تُغرَّم الشركة عادةً بمبلغ يتراوح بين ١٠٠ ليرة و٢٥٠ مليون ليرة (من ٤٠ ألف إلى ١٠٠ ألف دولار بحسب سعر الصرف الرسمي في تشرين الأول ٢٠٢١، أي ٢٥١٢ ليرة للدولار الواحد).[11] ويُخمَّن المبلغ على أساس دخل الشركة المُقدّر.[12] فعلى سبيل المثال، تقدّر الهيئة العامة للضرائب والرسوم ضريبة الأرباح بناءً على أعلى فاتورة صادرة عن الشركة. وترهّب المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الموظّفين لدفعهم إلى كشف تجاوزات أرباب عملهم، وتُحتسَب اشتراكاتهم في الضمان الاجتماعي على أساس أعلى راتب في الشركة. بعد ذلك، يُمنَح صاحب المؤسسة فترة سماح لتسديد مستحقّاته، مع تهديده بالتعرّض للسجن أو تجميد أصول شركته. وتتفاوت فترة السماح هذه إلى حدّ كبير من حالة إلى أخرى، لكن أصحاب المؤسسات لا يحصلون إلا على فترة قصيرة "لتصحيح" وضعهم، مع التشديد على الطابع الملحّ لهذه المسألة. فيمكن مثلاً تجميد الأصول مؤقّتاً، أو اعتقال مدير من الشركة أو فرد من أفراد أسرته لإضافة الترهيب الجسدي إلى الترهيب المالي.
المرور من خلالنا فقط
تَمثَّلَ الأثرُ الرئيسي لأزمة المصارف اللبنانية على النظام السوري في فقدان الوصول إلى العملة الصعبة. لذا عمدت حكومة النظام السوري، سعياً إلى زيادة رصيدها من الدولار واليورو، إلى اتّخاذ إجراءات صارمة للغاية بحقّ مكاتب الحوالات غير الرسمية كافّة في البلاد.[13] وكانت النتيجة المباشرة لهذه الإجراءات تمرير معظم التحويلات المالية عبر مكاتب الصرافة المُرخَّص لها، وإلزام المؤسسات بشراء العملات الصعبة لتمويل وارداتها من مصارف الدولة فقط.
تجدر الإشارة إلى أن مكاتب الحوالات كانت عُرضةً للمداهمات المُنتظَمة في السنوات الخمس الأولى من الصراع، لمنعها في المقام الأول من تحويل الأموال إلى قوات المعارضة. وفي حين سُمِح لأصحاب المكاتب الذين امتنعوا عن لعب هذه اللعبة الخطيرة بمتابعة عملهم، أُلزِموا بالكشف عن قوائم زبائنهم، وإطلاع المفتّشين أو الفرع الأمني في المنطقة على بعض عائداتهم الربحية.[14] لكن في العام ٢٠٢٠، شُنَّت حملة موسّعة لإقفال هذه المكاتب كلّها في دمشق وحلب وحمص، ولم يُسمَح إلا لعدد قليل من الشركات بالعمل رسمياً.[15] هذا واتُّخِذَت التدابير القانونية بحقّ الشركات التي تملك العملة الصعبة من دون إثبات التعامل مع مكتب مُرخَّص لها.
بعد ذلك، أصدر المصرف المركزي تدابير لتمويل الصادرات والواردات، أبرزهما القراران ١٠٧٠ و١٠٧١ الصادران في ٣١ آب ٢٠٢١، اللذان كان الهدف منهما إلزام رجال الأعمال بتمويل صفقاتهم عبر المؤسسات المالية المُرخَّص لها من الدولة. فقد أجاز القرار ١٠٧٠ لمكاتب الحوالات والصرافة بيعَ العملة الصعبة للمستوردين بسعر صرفٍ قدره ٣٢٩٠ ليرة تقريباً للدولار الواحد، مقارنةً بسعر الصرف الرسمي البالغ ٢٥١٢ ليرة.[16] أما القرار ١٠٧١ فيُلزِم المصدّرين ببيع ٥٠ في المئة من العملة الأجنبية التي يجنونها من صادراتهم للحكومة بسعر الصرف الرسمي،[17] إضافةً إلى هامش تشجيعي يحدّده المصرف المركزي يومياً.[18] وفي ما يتعلّق بنسبة الـ٥٠ في المئة الباقية، يستطيع المصدّرون إيداع الأموال في حساباتهم في المصارف المحلية، أو استخدامها لتمويل معاملات الاستيراد الأخرى، أو بيعها عبر المصارف المحلية. باختصار، يرمي هذان الإجراءان إلى الحدّ من خسارة العملات الأجنبية في الاقتصاد، من خلال إجبار عدد أكبر من الناس على استخدام سعر الصرف الرسمي، وبالتالي تقليص الضغط من السوق السوداء.
يصل الفارق في سعر الصرف بين سعر البيع للواردات وسعر الشراء للصادرات، نسبةً تناهز الـ٤٠ في المئة. وفي ما يخصّ الصناعيين الذين يعتمدون على المواد الخام المستوردة، لا يمكن إضافة هذا الفارق إلا إلى سعر البيع الخاص بسلعهم، وإلا تترتّب على الصادرات خسائر كبيرة. وحتى في هذه الحالة، تكون هوامش الربح الضئيلة عرضةً للغاية لتقلّب سعر صرف الليرة، ما يعني أيضاً زيادة مُقابِلة في أسعار المنتجات القابلة للتصدير للمستهلكين في السوق المحلية.
حملات ابتزاز
تعرّضت نخب الأعمال المرتبطة بالنظام لحملات منهجية للإخضاع شركاتها وأصولها تحت مراقبة النظام، ولم يَسلَم رجال الأعمال المستقلّون من حملات "التطهير". وعلى عكس المطالبة بالرسوم المالية حيث تتولّى الهيئات الحكومية حملة مكافحة الاحتيال، تُناط مهمّة تنفيذ هذا الجزء من الحملة الحكومية بإدارة المخابرات العامة.
وتبدأ هذه العملية باستدعاء رجل الأعمال إلى أحد فروع المخابرات، ثم يُصار إلى اعتقاله إلى أن يدفع أحد أفراد أُسرته أو أحد شركائه المال لإطلاق سراحه.[19] لكن هذه الإجراءات ليست بقانونية، والمحاكم لا تتدخلّ في الاستدعاء أو الاعتقال. وعادةً ما يكون الأفراد المُستهدَفون صناعيين ورأسماليين أثرياء، وقد تصل الفدية لإطلاق سراحهم إلى ١٠ في المئة تقريباً من ثروتهم المُقدَّرة.[20] أما الأفراد الذين لا يتمكّنون من الدفع، وخصوصاً مَن اعتُقِد أنهم أثرياء، ولكن لم يستطيعوا تكبّد هذه الفدية، فيُنقَلون إلى سجن عدرا من دون تحديد تاريخ لإطلاق سراحهم.[21]
وعلى خلاف الضرائب، لا تُحوَّل المبالغ المطلوبة إلى الحسابات المصرفية الحكومية، بل تُحوَّل مباشرةً إلى الحسابات المصرفية التي يديرها القصر الجمهوري وتعود إليه، مثل مؤسسة الشهيد. بيد أن دوافع النظام وراء هذا التطهير المتواصل ليست مشروعاً لكسب المال فحسب، بل نتاج انعدام الثقة العميق في مجتمع الأعمال، والخوف من قدرته على النموّ بشكل مستقلّ عن سلطته. يُشار إلى أن هذا الإجراء محدودٌ أكثر من الإجراءات الأخرى، ومُخصَّص أساساً لأغنى رجال الأعمال المتبقّين في البلاد، مع العلم أن مئات رجال الأعمال تعرّضوا لهذه المعاملة في الأشهر الثماني عشر الماضية في دمشق وحدها.
الجزء الثاني: بين المطرقة والسندان
لقد أعرب رجال الأعمال في المقابلات التي أجريناها معهم عن ثقتهم في صلابة الشعب السوري، وقدرته على تخطّي أقسى الظروف. لكن ما لا يستطيع هؤلاء مواجهته هو سلوك النظام حيال مجتمعهم. وبالفعل، لقد أقنعت عدائية النظام إزاء رجال الأعمال مَن يعملون في هذا المجال بأنهم المعنيون الوحيدون بإعادة ملء خزائن الدولة. نتيجة ذلك، تأزمت علاقة رجال الأعمال المستقلّون أكثر وأكثر بالنظام، وازداد شعورهم بأنهم أمام معضلة. فهل يتركون البلاد مُخاطِرين بتكبّد المزيد من الخسائر، أم يبقون فيها مُخاطِرين أيضاً بمواجهة المزيد من الاستنزاف؟
مخاطر البقاء
يواجه مجتمع الأعمال المستقلّ تحدّيات جمّة في المناخ الاقتصادي السائد في سوريا حالياً. فتكاليف التصنيع آخذة في الارتفاع مع ارتفاع أسعار المواد الخام، كما إن الوصول إلى الكهرباء والوقود (اللازم لتشغيل مولّدات الكهرباء الخاصة) غير منتظم، ويتسبّب بتعطيل الإنتاج بشكل مستمرّ. أَضِف إلى ذلك أن المنتجين المحليين يعانون من عدم انتظام سلاسل الإمداد، وتأخيرات كبيرة في الشحن والخدمات اللوجستية، وزيادة حادّة في التكاليف ذات الصلة. ويواجه أصحاب المعامل أيضاً صعوبات في توظيف العمّال الموهوبين والمهرة، الذين يفضّلون الهجرة إلى الأسواق المجاورة أو إلى أوروبا.
على الصعيد القانوني، يشعر المنتجون المحليون بأنهم معرّضون بشكل دائم ومستمر لتحقيقات الدولة من دون أيّ حماية قانونية. وحجم تدخّل النظام محسوسٌ في معظم القطاعات الاقتصادية، إلا أنه يتركّز بشكل أساسي في المناطق الحضرية مثل دمشق وحلب وحمص. وعادةً ما يتفاوض المنتجون، عند مواجهتهم السلطات المالية، حول الضرائب المفروضة عليهم، حيث تتّخذ المفاوضات شكلَين: إما يدخلون في الجوانب التقنية، ويحاولون إعادة احتساب الضرائب (ونادراً ما ينجحون في ذلك)؛ أو يعمدون إلى استيعاب المطالب الفاسدة من خلال دفعهم الرشاوى بالأموال أو البضائع.[22]
نتيجة ذلك، اتّخذ أصحاب المؤسسات الاحتياطات اللازمة لحماية أنفسهم، حيث نقلوا مثلاً حساباتهم إلى ملفّات التخزين في السحابة الإلكترونية على أجهزة الحاسوب بغية التخلّص من دفاتر الحسابات المادية. وفي حالات أخرى، نقل التجّار مستودعاتهم إلى أماكن سرّية، محتفظين بالحدّ الأدنى فقط من المخزون في مكاتبهم الرسمية. وهذا الإجراء الأخير يقلّل أيضاً من تأثير تقلّب أسعار السلع على السوق. كذلك عمدوا في بعض الظروف القصوى، كما عند سماعهم شائعات حول مداهمة منظّمة وشيكة للسوق، إلى إغلاق محالهم أو معاملهم أو مكاتبهم، وانتظار مرور العاصفة. مع ذلك، لا يزال رجال الأعمال الأكثر حذراً أو التزاماً بالقانون معرّضون لغرامات تعسّفية من البلديات أو السلطات التنظيمية الأخرى.
في غضون ذلك، وإذ يكافح رجال الأعمال هؤلاء من أجل البقاء، تتراجع قيمة أصولهم يوماً بعد يوم. فالسيولة مشكلة بسبب الانخفاض المنتظم لقيمة الليرة السورية، وامتلاك العملة الصعبة يُعَدّ جنحة.[23] وتنطبق هذه الحال أيضاً على الأصول غير المنقولة حيث لا يوجد مشترين مهتمّين، وإذا وُجِد مَن يرغب في الشراء، فيجب أن تودَع عائدات البيع في حساب مصرفي تابع للدولة السورية. هذا ولا يمكن سحب سوى مليونَي ليرة في اليوم، وإن كان يمكن زيادة المبلغ في بعض الحالات.
وعليه، يجد معظم رجال الأعمال أنهم يخسرون رأسمالهم بدلاً من زيادته أو على الأقل الحفاظ عليه. وأحد السبل المحتملة للخروج من هذه المشكلة التحوّل إلى الصناعات القائمة على الخدمات، مثل استيراد المواد الخام، والمواد الغذائية الأساسية، والسلع التكنولوجية، والسياحة، والعقارات. بيد أن هذه القطاعات تسيطر عليها النخب المرتبطة بالنظام، وثمّة خطر في أن يجد رجال الأعمال أنفسهم في خلاف مع منافسين نافذين. ومن الخيارات الأخرى نقل المؤسسة أو الهجرة. ولكن بأيّ تكلفة وإلا أين؟ ما من أجوبة سهلة على هذه الأسئلة.
مغامرة الانتقال
شهد العامان ٢٠١٢ و٢٠١٣ الموجة الأولى من هجرة رجال الأعمال السوريين، ولا سيما إلى تركيا ومصر والأردن،[24] ولكن أيضاً إلى كردستان في العراق، ولبنان، وبدرجة أقلّ إلى دول الخليج (دول مجلس التعاون الخليجي). فقد غادر رجال الأعمال سوريا إما لاعتباراتٍ اقتصادية، سعياً منهم إلى الاستقرار، والوصول المنتظم إلى مدخلات التصنيع، وإما نتيجة مخاوف أمنية مع استعار الحرب من حولهم.
يُذكَر أن رجال الأعمال كانوا في هذه الموجة المبكرة من الهجرة يملكون سيولة كبيرة، إلا أن الخبرة التشغيلية كانت تعوزهم في هذه الأسواق الخارجية. وفي حين لا توجد دراسات كمّية تقيّم بدقّة رأس المال الذي استثمره رجال الأعمال في الخارج، تأخذ معظم التقارير في عين الاعتبار رأس المال الأوّلي فقط، الذي لا يشكّل سوى جزء بسيط من إجمالي المبلغ المُستثمَر. ووفقاً للبيانات الصادرة عن جمعية الأعمال السورية العالمية، تراوحت قيمة صناديق الاستثمار التي تَمكَّن رجال الأعمال السوريون من الوصول إليها، من بضع مئات آلاف الدولارات، إلى عشرات ملايين الدولارات في بعض الحالات القليلة جداً. وكان متوسطّ رأس المال لغالبية رجال الأعمال ما دون المليون دولار.
وبعد مضيّ عقد من الزمن، يبدو سجلّ هذه الموجة الأولى من رجال الأعمال في المهجر متبايناً. لقد واجه هؤلاء بشكل جماعي تحدّيات سياسية وقانونية وتشغيلية، كبّدتهم خسائرَ كبيرةً في رأس المال، قبل أن يتمكّنوا من الاستقرار في بيئتهم الجديدة.[25] وعلى مرّ السنين، روى رجال الأعمال في المهجر عن كفاحاتهم لتحذير أصدقائهم وزملائهم الذين اختاروا البقاء في الوطن، ويبدو التصوّر العام هنا سلبياً. في المقابل، إن الهمّ الأكبر لأصحاب المؤسسات الذين يفكّرون في مغادرة سوريا هو غياب خطط الطوارئ عند الانتكاسات المالية. ثم إنهم سيفتقرون في الخارج إلى الدعم الاجتماعي والعائلي الذي يحظون به في مسقط رأسهم. كذلك يخشى هؤلاء الفشل، ناهيك عن خشيتهم من احتمال العودة إلى الوطن مُفلِسين.[26] واليوم يبدو رجال الأعمال الذين يفكرّون في نقل أعمالهم إلى سوق جديدة أكثر حذراً من أسلافهم، ويقيّمون عوامل عدّة قبل الانتقال.
والواقع أن رجال الأعمال يحبّذون من الناحية المالية البلدان ذات نفقات المعيشة المنخفضة، ورأس المال اللازم للبدء وإدارة الأعمال التجارية، وما يترتّب على ذلك من تكاليف التشغيل. وهنا تبدو مصر الخيار الأكثر جاذبية، تليها تركيا، وإقليم كردستان، والأردن، ودول مجلس التعاون الخليجي، ثم لبنان في المقام الأخير. تتشابه تكلفة إنشاء مؤسسة جديدة في كل ّمن تركيا ومصر، إلا أن تكاليف التشغيل في مصر أرخص بسبب الأجور المنخفضة، والطرق الأسهل للتهرّب من الضرائب.[27] وبالفعل دفع هذه الأسباب بعض رجال الأعمال إلى إعادة تقييم خياراتهم، حتى لو بعد حين، فعلى سبيل المثال انتقل من تركيا إلى مصر العديد من رجال الأعمال السوريين الناشطين في مجال الصناعات الغذائية والمطاعم.
إلى جانب الاعتبارات المالية، ثمّة اعتبارات قانونية أيضاً. فالإجراءات في بعض البلدان من أجل الحصول على رخصة إقامة والحفاظ عليها، وتأسيس هيئة قانونية للأعمال أكثر سهولة. وفي هذا المجال أيضاً تبدو مصر الوجهة الأفضل، ولا سيما بعد تنامي المشاعر المُعادية للاجئين السوريين في تركيا في السنوات القليلة الماضية. على النحو نفسه، تقوّض المتطلّبات القانونية والمالية الصعبة فرص ولوج السعودية والأردن ولبنان، ناهيك عن أن هذه البلدان لا تقدّم للسوريين إطاراً قانونياً للقيام بالأعمال فيها. فعلى سبيل المثال، ترفض معظم المصارف في لبنان فتح حسابات مصرفية للشركات المملوكة من مواطنين سوريين. وفي الأردن يحتاج السوريون إلى تصريح خاص من الحكومة لإنشاء هيئة قانونية، في حين أن معظم القطاعات محظورة عليهم.[28] ومنذ أواخر العام ٢٠١١ وأوائل العام ٢٠١٢، توقّفت السعودية، وقطر، والبحرين، والكويت، عن إعطاء رخص الإقامة للمواطنين السوريين الوافدين إليها حديثاً.[29] لكن في تموز ٢٠٢١، أفسحت الإمارات العربية المتحدة المجال أمام المواطنين السوريين للدخول إليها، والتقدّم بطلب الحصول على رخصة إقامة، وحتى لتأسيس شركات تعمل بكامل طاقتها، مع الوصول المنتظم إلى الخدمات المالية، مثل الحسابات المصرفية والقروض. مع ذلك، يبقى هيكل التكاليف باهظاً، وبالتالي أكبر مما يستطيع الكثير من رجال الأعمال تكبّده.
يُذكَر أن تركيا اعتُبِرَت لمدّة طويلة الخيار الأفضل لرجال الأعمال، نظراً إلى صلابة بنيتها التحتية المالية ومؤسساتها، وإمكانية الوصول منها بشكل أسهل إلى السوق العالمية، والجالية السورية الكبيرة التي تضمّها. إلا أن مصر تحوّلت إلى وجهة مُحبَّذة لرجال الأعمال السوريين في السنتَين الأخيرتَين، حيث أسّس أصحاب الشركات السوريون عدداً من النوادي والمنظمات لتنظيم أنفسهم، على غرار تجمّع رجال الأعمال السوري في مصر، ولجنة المستثمرين السوريين في مصر، التي تتمتّع بنفوذ لا يُستهان به، وهي ضمن الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية. وتتركّز الاستثمارات السورية في مصر في قطاعات المنسوجات والصناعات التكاملية، وتصنيع الأدوية البسيطة، والمفروشات، والمنتجات الغذائية. كذلك ينشط السوريون في قطاعَي التجارة والخدمات، وقد فتحوا مطاعم ومتاجر في البلاد. ولا يخفى أنهم أكثر ارتياحاً في مصر، بفضل غياب حاجز اللغة، والاحترام الذي تحظى به مهاراتهم واحترافهم، وبفضل المنافسة الأقلّ مع الشركات المحلية. كما إن مصر تتمتّع بسوق محلي كبير، ويمكن الوصول منها إلى أسواق دول مجلس التعاون الخليجي بشكل أسهل. فضلاً عن ذلك، تشهد مصر مؤخّراً استقراراً ونموّاً في اقتصادها. وبالفعل، سجّلت مصر ازدياداً في عدد الشركات التي أسّسها أفراد انتقلوا إليها مؤخّراً من سوريا، كما من لبنان وتركيا. في المقابل، تبقى دول مجلس التعاون الخليجي البديل الأكثر جاذبية للأفراد الذين يرغبون في ممارسة وظائف مدفوعة الأجر، خصوصاً في المهن التي يكثر عليها الطلب.
خاتمة
إن البقاء في سوريا يعني للعديد من رجال الأعمال تقليصَ حجم أنشطتهم، وخفض نفقاتهم، وتحويل مواردهم، والتخطيط على المدى القصير، وتعرّضهم للابتزاز والتهديد الدائم بالالتزامات المالية. بيد أن الانتقال إلى الأسواق الإقليمية المجاورة ليس بالخيار السهل، لما يرتبط به من تكاليف مرتفعة، وفرص أقلّ، ومخاطر مالية. واليوم يواجه رجال الأعمال السوريون، أكثر من أيّ وقت مضى أثناء الصراع، معضلة معقّدة من دون أيّ ضمانة للاستمرار. فقد انخرط النظام في حملة إعلامية لتغيير السردية، وإذلال رجال الأعمال "الجبناء" الذين "يخونون" بلدهم في وقت الضيق.
في غضون ذلك، يسعى النظام إلى الانخراط مجدداً مع المجتمعَين الإقليمي والدولي. فالسبب في اندفاع الأسد إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية مع جيرانه سياسي، يعود إلى رغبته في أن يعترف به خصومه على أنه منتصر. هذا ويُنظَر إلى إعادة التأهيل السياسي لدمشق على أنها شرط مسبق للمشاركة الاقتصادية والاستثمارات الأجنبيّتَين. فمن شأن هذه الأموال أن تتيح للنظام إعادة توطيد سلطته، وترسيخ النصر العسكري للأسد.
قد تنطوي الاستثمارات في قطاعات العقارات والسياحة والتجارة على مخاطر عالية، وقد تدرّ إيرادات كبيرة، ولا تتطلّب في الغالب سوى شروط مؤاتية توفّرها السلطات. هذه هي الأنشطة الأكثر جذباً للمستثمرين الأجانب في سوريا اليوم، إضافةً إلى بعض الاهتمام في قطاع الطاقة. إلا أن هذه القطاعات مُخصَّصة في معظمها لنموّ رأس المال، وليس لها أثر يُذكَر على سوق العمل. لذا، من المتوقّع أن تُثري هذه الاستثمارات النظامَ وشركاءه، ولكن من المستبعد أن تولّد نموّاً اقتصادياً مستداماً لبقية السكان.
أما الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية فتخلق فرص العمل، ولها أثر أطول وأكثر استدامةً على الاقتصاد. بيد أنها تحتاج إلى الاستقرار والشراكات المحلية لتنجح. قد يكون المستثمرون على استعدادٍ لغضّ الطرف عن أوجه القصور الهيكلية، والعقوبات، وانعدام الاستقرار الأمني، من أجل الاستثمار في الأنشطة القائمة على الخدمات. ومع ذلك، من الصعب تصوّر استثمارات كبيرة في مجال الإنتاج، في وقت يفرّ رجال الأعمال والصناعيون والمنتجون السوريون من البلاد، أو يقفلون مؤسساتهم.
لقد حاول مسؤولو النظام السوري، إدراكاً منهم للتأثيرات طويلة الأمد لأزمة الثقة في مجتمع الأعمال السوري، أن يُطَمئِنوا أفرادَ هذا المجتمع، ولكن من دون جدوى حتى الآن. ثم إن تقلُّص قطاعات الإنتاج قد يتيح فرصاً لنخب رجال الأعمال المرتبطة بالنظام لتوسيع احتكاراتها في قطاعَي الخدمات والتجارة. ومن شأن ذلك أيضاً أن يعيق كل نموّ اقتصادي محلي مستقلّ، ناهيك عن أن انعدام الثقة في الدولة يلغي أيّ خارطة طريق نحو التعافي.
* سنان حتاحت باحث رئيس في منتدى الشرق، ومركز عمران للدراسات الاستراتيجية، وباحث مساعد في مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا، في برنامج مسارات الشرق الأوسط، في مركز روبرت شومان للدراسات العليا (معهد الجامعة الأوروبية). تشمل اهتماماته البحثية ديناميات الاقتصادَين الوطني والمحلي في سوريا، والجهات الفاعلة غير الحكومية، والحركة السياسية الكردية، والنظام الإقليمي الناشئ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
[1] عدنان عبد الرزاق، "نظام الأسد يتخوف من زيادة هجرة الصناعيين السوريين إلى الخارج"، العربي الجديد، ١ تشرين الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3jQ0jNN
[2] مجموعة البنك الدولي، "ممارسة أنشطة الأعمال في العام ٢٠٢٠ – لمحة عن سوريا" (بالإنكليزية)، ٢٤ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٩، https://bit.ly/3jQJ1QF
[3] إضافةً إلى البضائع المُهرَّبة، ولا سيما من تركيا ولبنان.
[4] لكن بفضل المداخيل الكبيرة التي حقّقتها هذه المؤسسات، استطاعت الوصول إلى مستويات أعلى في الدولة. نتيجة ذلك، استفادت أكثر بكثير من فساد المسؤولين ومحاباتهم.
[5] أبرز الهيئات المعنيّة بتنظيم السوق هي المديرية العامة للجمارك، وأربع وزارات (وزارة المالية، ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ووزارة الصناعة)، والبلديات.
[6] مقابلة عبر سكايب مع رجال أعمال مقيمين في دمشق وبيروت واسطنبول، بين تموز ٢٠٢٠ وأيلول ٢٠٢١.
[7] جرى التأكيد على هذه الممارسة في المقابلات التي أجريناها بين أيار وآب ٢٠٢١ مع ثلاثة رجال أعمال مقيمين في اسطنبول ودمشق. وأفادت عنها أيضاً وسائل إعلامية سورية مختلفة. أنظر مثلاً زينب مصري، "هجرة غير مسبوقة لصناعيين وحرفيين سوريين"، عنب بلدي، ٢٦ أيلول ٢٠٢١، https://bit.ly/31a9IJj؛ وعمر يوسف، "الهروب من المركب الغارق"، الجزيرة، ٧ تشرين الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3bFAYlf
[8] مقابلة عبر سكايب مع محاسب مقيم في دمشق، ١٢ تموز ٢٠٢٠.
[9] تُجرى الجردة للكشف عن أيّ عدم تطابق بين الفواتير ومحتويات المستودع. إذا لم يتم إيجاد بضاعة ما، فتقدّر الجمارك قيمتها بأعلى سعر ممكن. وإذا اشتُبِه بتهريب أيّ من البضاعة من الخارج، وخصوصاً تركيا، فيمكن أن يخضع صاحب المؤسسة لعقوبة السجن. مقابلة عبر سكايب مع تاجر بساطات مقيم في دمشق، ١٨ أيار ٢٠٢١.
[10] خضع أصحاب المؤسسات كلهم الذين أجرينا مقابلات معهم لهذه المداهمات مرّة واحدة على الأقلّ منذ العام ٢٠١٦.
[11] مقابلات عبر سكايب مع صناعي مقيم في ريف دمشق، ١٥ تموز ٢٠٢١، ومحاسب مقيم في دمشق، ١٢ تموز ٢٠٢٠، وصانع مواد تنظيف مقيم في سوريا، ٢ أيلول ٢٠٢١. هبة محمد، "النظام السوري يحجز على أموال رجل أعمال في حلب ويغرمه بأكثر من ٥٠٠ مليون ليرة"، القدس العربي، ٢٥ أيلول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3nLWBWz
[12] مقابلة عبر سكايب مع محاسب مقيم في دمشق، ١٢ تموز ٢٠٢٠.
[13] لكن فعالية هذه الحملة مشكوك فيها، نظراً إلى أن مكاتب الحوالات غير الرسمية لا تزال تعمل ولكن بشكل سرّي أكثر، وفي ظلّ مخاطر أكبر. عنب بلدي، "مصرف سوريا المركزي يهدد مكاتب الحوالات غير المرخصة"، ١ حزيران ٢٠٢٠، https://bit.ly/3vZAHTc
[14] مقابلة مع مالك مكتب حوالات خاص في منطقة الحريقة في دمشق، اسطنبول، تشرين الثاني ٢٠١٥.
[15] شركات الصرافة هذه كانت الهرم، والفاضل، والشركة المتحدة للصرافة، والأدهم، والفؤاد، وشخاشيرو، ومايا، وشام، وزمزم، والنضال، والثقة، والديار. لكن في الممارسة وحدها شركات الهرم، والفاضل، والمتحدة للصرافة، ووسترن يونيون، تتعامل بالعملة الصعبة. أما الشركات الباقية فتعمل فقط في تحويل المبالغ بالليرة السورية من محافظة إلى أخرى.
[16] يُعرَف سعر الصرف هذا بسعر المنصّة، ويثبّته المصرف المركزي. وهو أقلّ من سعر السوق، ولكن الهدف منه أن يظلّ سعراً مشجّعاً لرجال الأعمال، بدلاً من أن يخاطروا ويضطّروا إلى دفع غرامة كبيرة في حال تعاملوا مع مكاتب الصرافة غير الرسمية. مصرف سورية المركزي، القرار ١٠٧٠ القاضي "بتمويل مستوردات القطاعين الخاص والمشترك"، https://bit.ly/3CpQRI5
[17] يعيد هذه القرار تفعيل تدبير جرى تعليقه في منتصف العام ٢٠١٦. عندما كانت قيمة الدولار ثابتة، لم يكن التدبير باهظاً. لكن مع انخفاض قيمة الليرة السورية، ترك المصدّرون أرباحهم من العملة الصعبة في حسابات مصرفية في الخارج، ودفعوا للمصرف المركزي بدولارات اشتروها في السوق السوداء، ما أدّى إلى رفع الطلب على الدولار.
[18] مصرف سورية المركزي، القرار ١٠٧١ – "التزام جميع المصدرين بتنظيم تعهد إعادة قطع التصدير للبضائع المراد تصديرها"، https://bit.ly/3EzHaaN. تُجمَع الأموال بالعملات الأجنبية في خمسة مكاتب إقليمية في بيروت، وعمّان، وبغداد، واسطنبول، ودبي.
[19] في بعض الحالات يُحتجَز أشقّاء رجل الأعمال أو أبناؤه رهائن.
[20] ما من طريقة معيّنة لاحتساب نسبة الأموال المطلوبة من رجال الأعمال هؤلاء، إلا أن المقابلات والروايات المختلفة تتّفق على هذا المبلغ.
[21] مقابلة مع محاسب مقيم في دمشق، اسطنبول، ٢١ آب ٢٠٢١.
[22] بعد مداهمة الجمارك مستودعَ أحد مستوردي مواد الأرضيّات الصناعية في دمشق في حزيران ٢٠٢١، وافق ضابط الجمارك على خفض الغرامة بنسبة ٦٠ في المئة مقابل حصوله على كمّيات كبيرة من البضائع في المستودع، بما يساوي تقريباً قيمة الغرامة المُخفَّضة. مقابلة عبر الهاتف مع صاحب مستودع في ١٤ حزيران ٢٠٢١.
[23] سكاي نيوز، "دمشق تشدد العقوبة على المتعاملين بغير الليرة"، ٢٩ كانون الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/3ox3uLG
[24] تشينغ أن تشانغ، "تحوّل مجتمع الأعمال السوري عقب انتفاضة العام ٢٠١١: تشكيل جالية من رجال الأعمال في الخارج بفعل الحرب، وإعادة تنظيم شبكاتهم" (بالإنكليزية)، دكتوراه في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية، جامعة إدنبرا، ٢٠١٧، https://bit.ly/3cnKARZ
[25] انخرط رجال الأعمال في مختلف الأنشطة، وخصوصاً في مجالات المطاعم، والعقارات، والاستيراد والتصدير، والحوالة وتكنولوجيا المعلومات في القطاعات القائمة على الخدمات، إضافةً إلى تربية الماشية، والمشاريع الزراعية الصغيرة، والصناعات النسيجية، والأغذية المُصنَّعة، والصناعات الخفيفة الأخرى في القطاعات الإنتاجية.
[26] تصف الروايات التحذيرية على الدوام كيف أن رجال أعمال شباب طموحين خسروا رأس مالهم في انفجار فقاعة العقارات في دبي، وكيف اضطّروا إلى تقليل خسائرهم، واكتفوا بدخل قليل بعد عودتهم إلى سوريا. ثمّة قصص أيضاً عن رجال أعمال انتقلوا إلى تركيا، واستجوبتهم السلطات السورية خلال زياراتهم إلى سوريا. لقد قيل الكثير عن المنفعة المادية الضئيلة التي جناها رجال الأعمال مقابل تعرّضهم لمخاطر أمنية عالية.
[27] تبلغ التكلفة القانونية لإنشاء شركة محدودة المسؤولية في تركيا حوالى ١٠٠٠ دولار، بحدّ أدنى من رأس المال قدره ٥٠٠٠ دولار. أما في مصر، فتبلغ تكاليف تأسيس شركة محدودة المسؤولية ٩٧٥٠ دولاراً في السنتَين الأولى والثانية، و٢٤٥٠ دولاراً لاحقاً.
[28] تشمل القطاعات المحظورة الخدمات المكتبية، وأعمال البيع، والطاقة، والهندسة المعمارية، والاتصالات، والكهرباء، وصيانة السيارات، وتصفيف الشعر، والخدمات اللوجستية، والأمن، وأنشطة تجارية مختلفة في قطاعات الأغذية، والأدوية، والخبز، ومواد البناء. وزارة العمل الأردنية، "المهن المغلقة أمام العمالة غير الأردنية"، ١٤ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/3ozc2Sj
[29] جدّدت هذه الدول رخص الإقامة للمواطنين السوريين الذين دخلوا أراضيها قبل العام ٢٠١١. وفي بعض الحالات الاستثنائية، مُنِح أفراد سوريون بارزون رخص إقامة، ولكن اعتماداً على تدخّلات كبار المسؤولين.