Home page

يمكن تنزيل منشورات المشروع لأغراض البحث الشخصية فقط. إن أيّ استنساخٍ إضافيّ لأغراض أخرى، سواء على شكل نسخ مطبوعة أم إلكترونية، يتطلّب موافقة المؤلّفين.
أما في حال الاستشهاد بالنص أو اقتباسه، فيجب الإشارة إلى الأسماء الكاملة للمؤلّفين والمحرّرين، إضافةً إلى العنوان، والسنة التي نُشِر فيها، والناشر.

تنافس وتواطؤ وتهريب: حدود سوريا مع تركيا والعراق

  • الكاتب: سنان حتاحت وأيمن الدسوقي
  • التاريخ: الجمعة, 18 آذار 2022
  • ترجمة: مايا صوّان

تحميل الملف pdf

نبذة

لطالما كان تهريب السلع إلى سوريا ومنها إلى تركيا والعراق جزءاً أساسياً من الاقتصاد السوري. خلال الصراع السوري، اضطّلعت جهاتٌ فاعلةٌ جديدةٌ بالتهريب، بعد أن كان قبلَه محصوراً في يد جهاتٍ تابعةٍ للنظام السوري. ويعود ازدياد أنشطة التهريب أثناء الصراع إلى عوامل عدّة، في حين اتّخذ الاتجار غير المشروع أشكالاً مختلفةً بحسب درجة التواطؤ والتعاون بين الأطراف. فكان أن نشأت عن التهريب شبكاتُ محسوبيةٍ معقّدة حيث يعمل الخصوم معاً. لذا، يجب أن يعتمد صانعو السياسات مقاربةً شاملةً، إذا ما أرادوا وضع استراتيجيات ملائمة للحدّ من التدفّقات غير الشرعية، ولكي تكون التدابير فعّالةً، ينبغي ألا تقتصر على الأمن وحده. 

مقدّمة

خلال الصراع السوري، قامت جهاتٌ فاعلةٌ جديدةٌ بملء الفراغَ في الأمن والحكم، الناشئ عن انسحاب الدولة من أجزاء واسعة من البلاد. والواقع أن التهريب ليس بالظاهرة الجديدة في سوريا، ولكنه تطوّر أثناء الحرب، حيث نشأت أسواق كبيرة غير شرعية للوقود، وتهريب البشر، والمخدّرات، والسلع الاستهلاكية. وقد قاتلت شبكات إجرامية، ومحاسيب من رجال الأعمال، ومجموعات مسلحة، ودول، من أجل السيطرة على هذه "الموارد" الجديدة. فكان أن قَضَت هذه الأطراف على المنافسة المحلية في سعيها إلى الهيمنة، وأنشأت شبكات محسوبيةٍ جديدة، وتلاعبت بالأسواق، وتعاونت مع الأعداء لتوسيع نطاق انتشارها وإيراداتها.

قسّم الصراع في سوريا البلادَ إلى أربعة مناطق نفوذ ذات سلطات وأنظمة سياسية واجتماعية خاصة بها. ومع تراجع حدّة الصراع في السنتَين الأخيرتَين، وطّدت سلطات الأمر الواقع هذه مواقعَها عبر السيطرة على الموارد والأصول المحلية، وإنشاء اقتصادات حماية جديدة.[1] وتستخدم الأطراف المسلحة العنف، والابتزاز، والفساد، وتوزيع الريع على المتعاونين معها، وذلك في مجالات التجارة والجريمة والحكم. وفي هذا السياق يشكّل التهريب قوةً طاردةً مركزيةً لتمكين التجارة، وزيادة الأرباح من الاتجار غير المشروع إلى أقصى حدّ ممكن. وعليه، إن الجهات الأكثر نفوذاً ونجاحاً هي الجهات التي تمتلك القدرة الأكبر على التحكّم بتدفّق التهريب.

سلّطت الأبحاث الضوء على الترابط بين الجريمة والصراع في السياق السوري، وتأثير التهريب على تمويل الصراع في سوريا، وتورّط الجهات الفاعلة غير الحكومية في الاتجار غير المشروع بالمخدّرات.[2] بيد أننا لا نعرف الكثير عن كيفية تأثير هذه الأنشطة على الديناميات الاجتماعية السياسية المحلية. لذا، عوضاً عن تحليل عواقب التهريب على الإجرام أو الإرهاب أو الأمن الإقليمي، يجب اعتماد مقاربة شاملة. من شأن هذه المقاربة سبر الطريقة التي تؤسّس بها الجهات الفاعلة غير الحكومية سيطرتها على التهريب؛ والنظر في كيفية استخدامها التهريب لتوطيد نفوذها على المجتمعات المحلية، وفي مكامن الضعف التي تستغلّها للحفاظ على سيطرتها.

يتناول موجز السياسات هذا مسألة التهريب بين سوريا وتركيا والعراق، في المناطق الحدودية السورية التي تجمعها سمةٌ مشتركةٌ وهي خضوعها لهيمنة الجهات الفاعلة غير الحكومية. يسعى الموجز إلى الإجابة على ثلاثة أسئلة مترابطة: كيف يعمل التهريب في سوريا؟ وكيف تستغلّ الجهات الفاعلة غير الحكومية إيرادات التهريب وأنشطته للحصول على النفوذ والاحتكارات والمحسوبية؟ وكيف يؤدّي التهريب إلى التعاون أو التنافس بين مختلف الجهات الفاعلة ومناطق النفوذ؟ يستند الموجز إلى بحث ميداني أُجري في شمال غرب سوريا خلال العام ٢٠٢١؛ ومقابلات أُجريَت في الفترة نفسها حتى شباط ٢٠٢٢، مع رجال أعمال محليين، ومجالس، وأطراف مسلحة، وناشطين؛ ومقالات من مصادر مفتوحة حول التهريب بين سوريا والبلدان المجاورة لها.

الجزء الأول: الجهات الفاعلة والتدفّقات غير الشرعية

بعد أحد عشر عاماً من الصراع، أصبحت أسواق النفط، والمخدّرات، والسلع، وتهريب البشر، مصادر الدخل الأكثر استقراراً للعديد من المجموعات. فمع مرور الوقت، ساهم اعتماد الجهات المسلحة والمحاسيب من رجال الأعمال على التهريب والاتجار، في توطيد سيطرتهم على الحكم المحلي والاقتصادات المحلية. وغالباً ما جرت تسوية الخلافات حول هذه الاقتصادات بواسطة العنف.

تركيا: السلع والأشخاص والقطع الأثرية

يجري تدفّق السلع التركية والأجنبية إلى المناطق الحدودية السورية الشمالية بطريقة قانونية في الغالب، وعبر القنوات التجارية الرسمية، بفضل سبع معابر حدودية عاملة مع تركيا (الخريطة ١). على الجانب السوري، تخضع الحدود لسيطرة هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، والجيش الوطني السوري في شمال حلب وشمال الرقّة. أما المعابر الحدودية الأخرى، فمغلقةٌ وتراقبها تركيا بإحكام. يتيح الوصول إلى الأسواق التركية توفير مختلف أنواع البضائع والمواد الخام اللازمة للإنتاج، بما في ذلك المواد الغذائية، والأدوية، ومواد البناء، والآلات، والمواد الكيميائية، والمنسوجات، والنفط المكرّر.

إن تحقيق الأرباح من التدفّقات غير الشرعية من السلع والأشخاص من تركيا ممكنٌ أساساً بفضل الحجم الكبير للتجارة المشروعة التي تتمّ عبر الحدود من تركيا إلى سوريا. فقد قُدّر متوسّط عدد الشاحنات التي عبرت الحدود في العام ٢٠٢١ بـ٤١٠ شاحنات يومياً، مع العلم أن الرسوم منخفضة نسبياً (من ٨٠ إلى ٣٠٠ ليرة تركية أو من ٦ دولارات إلى ٢٢ دولاراً للطنّ لمعظم السلع)،[3] وإجراءات العبور غير معقّدة. الواقع أن الحفاظ على تدفّقات تجارية كبيرة نسبياً بين البلدَين كان ممكناً نتيجة انهيار قدرات الإنتاج المحلية في قطاعَي الزراعة والصناعة في سوريا، إضافةً إلى الحضور المؤسّسي السوري الضعيف في مجال تنظيم التجارة.[4]

لا يزال التهريب من سوريا إلى تركيا نشاطاً رئيسياً، وهو يشمل مرور الأشخاص غير الشرعي، وتهريب المخدّرات والشحنات الصغيرة من السجائر، والهواتف المحمولة، والقطع الأثرية.[5] وينتشر التهريب على طول الحدود مع محافظتَي إدلب وحلب. من المستحيل طبعاً تقدير حجم السلع المُهرَّبة بحسب المنطقة، ولكن يبدو أن أنشطة التهريب في الأراضي الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب، أكثر بكثير من مثيلاتها في شمال حلب حيث السيطرة للجيش الوطني السوري. وأسباب ذلك عديدة. أولاً، عطّل القتال العنيف في شمال حلب، حتى نهاية عملية غصن الزيتون في ربيع العام ٢٠١٨، التدفّقات غير الشرعية، ما حال دون بروز جهات وشبكات ثابتة للتهريب. ثانياً، ازدادت تكلفة التهريب ومخاطره في شمال حلب بسبب الوجود العسكري التركي القوي هناك، في حين أن الجيش التركي في إدلب يتمتّع بقدرة أقلّ على التنقلّ، ولا يحظى بحرية استكشاف المنطقة. ثالثاً، خلافاً للعلاقة التبادلية بين هيئة تحرير الشام وتركيا، ترتبط فصائل الجيش الوطني السوري استراتيجياً بالجهة الداعمة لها، ولذا هي أقلّ مَيلاً إلى الانخراط في التهريب خشية الإضرار بعلاقتها بتركيا.

تُعَدّ هيئة تحرير الشام الجهة الرئيسية التي تُمكّن التهريب وتستفيد منه، حاصدةً بذلك كلاً من الدخل والنفوذ. فعلى الصعيد الداخلي، تتولّى فروع الهيئة في سلقين، وأطمة، وحارم، وخربة الجوز، ودركوش، إدارة التهريب، وجباية الرسوم من المهرّبين والوسطاء.[6] تعوّل الهيئة على بضعة أفراد موثوقين، منهم مصطفى قديد وأبو ابراهيم سلامة.[7] وقديد الملقّب بأبو عبد الرحمن زربة هو من شمال إدلب، وكان على صلة وطيدة بشبكات التهريب ما قبل الحرب. يُزعَم أنه مسؤولٌ عن تحديد السياسات والرسوم الخاصة بالمرور التجاري في الأراضي الخاضعة لسيطرة الهيئة، وبالتهريب منها وإليها. أما سلامة فهو من مدينة مارع (شمال حلب)، المعروفة أيضاً بأنها مركزٌ للتهريب قبل الصراع، وتعود أهميتُه إلى علاقته بالمجتمعات المحلية، وبالزعماء المحليين، وأعضاء المجموعات المسلحة في المنطقة. هذه العلاقة تسهّل امتداد الهيئة وقدرتها على بناء الشبكات بعيداً عن معقلها.

يُشار إلى أن تهريب الأشخاص يشكّل أحد أنشطة هيئة تحرير الشام الأكثر درّاً للإيرادات. فبعدما علّقت الحكومة التركية العمل بإعفاء المواطنين السوريين من تأشيرة الدخول إلى تركيا في كانون الثاني ٢٠١٦، أصبح السوريون في حاجة إلى المساعدة لعبور الحدود بشكل غير قانوني. والعوامل الأساسية التي تدفع السوريين إلى فعل ذلك هي فقدان سبل المعيشة، وتفاقم الظروف الاقتصادية، وتدهور الأمن الشخصي، وغياب البنية التحتية. فمنطقة شمال غرب سوريا تضمّ حوالى ٥،٥ ملايين نسمة، نصفهم من النازحين داخلياً،[8] و٨٥ في المئة منهم يعيشون تحت خطّ الفقر. من الطبيعي إذاً أن يسعى العديد منهم إلى اللجوء في تركيا أو أوروبا (عبر تركيا)، بعد أن استُنزِفوا مالياً وضاقت بهم سُبُل العيش الكريم. وهؤلاء ليسوا وحدهم مَن يرغبون في الخروج، فالمدنيون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا يطمحون أيضاً إلى مغادرة البلاد. والطريق الأسهل للعديد منهم يمرّ عبر شمال غرب سوريا، على الرغم من أنه محفوف بالمخاطر.[9] هذا الأمر أتاح لهيئة تحرير الشام والمهرّبين فرصاً إضافية لابتزاز الأشخاص، عند تسهيلهما مرورهم غير الشرعي إلى تركيا.

تجري تدفّقات المهاجرين غير الشرعية في شمال غرب سوريا وفق ثلاثة أنماط مختلفة. يتمثّل أوّلها بتولّي ضباط أتراك فاسدين نقلَ الشخص بسيارته أثناء تناوب دوريات الحدود، وهي عملية تكلّف ٥ آلاف دولار لكلّ عبور. ويتمثّل النمط الثاني في عبور السوريين الحدود عبر أنفاق محفورة تحت الأرض بالقرب من بلدتَي بابسقا وخربة الجوز الحدوديّتَين في الجبال التركية، وفي منطقة الراعي. تبلغ تكلفة هذا العبور ٢٧٠٠ دولار.[10] أما النمط الثالث، فيتمثّل في عبور الحدود سيراً على الأقدام، وهو عبور يكلّف ٥٠٠ إلى ٣٥٠٠ دولار (بحسب تواطؤ دوريات الحدود التركية في العملية).[11] يُذكَر أن هيئة تحرير الشام لا تتعامل مباشرةً مع الضباط الأتراك بسبب القيود المفروضة من الجيش التركي، بل تستعين عوضاً عن ذلك بوسطاء ومهرّبين للتفاوض وتسهيل المعاملات. وتحصل الهيئة على ٢٠ في المئة من الرسوم مقابل قنوات التهريب الأكثر أمناً وضمانة، و١٠ في المئة مقابل الطرق الأكثر خطورة.[12] وتعمل بالطريقة نفسه أيضاً فصائل الجيش الوطني السوري، لكنها قلّما تتورّط في ذلك، بسبب تدقيق سلطات التركية الصارم في أنشطتها.

الخريطة ١: التهريب في شمال غرب سوريا

المصدر: المؤلّفان

إضافةً إلى ذلك، تشكلّ القطع الأثرية أيضاً مصدراً مهمّاً لإيرادات التهريب. فمنطقة شمال غرب سوريا تضمّ ٧٦٠ موقعاً أثرياً، بما في ذلك خمس بلدات تاريخية موضوعة على قائمة الأونسكو للتراث العالمي.[13] وقد تعرّضت هذه المواقع للنهب المنتظم على أيدي صائدي الكنوز والمهرّبين. في إدلب، تهيمن هيئة تحرير الشام على هذا النشاط، حيث تنخرط مباشرةً في التنقيب عن القطع الأثرية. وفي عفرين، يبدو أن لواء السلطان سليمان شاه ينخرط أيضاً في هذا النشاط، ولا سيما في نهب الموقع الأثري في تل أرندة.[14] معظم القطع الأثرية المهرّبة هي قطع صغيرة مثل النقود المعدنية، وقطع الزجاج، والأواني الفخارية والمنزلية. وفي بعض الأحيان يُصار أيضاً إلى تهريب قطع أكبر حجماً وأكثر قيمةً من مناطق أخرى في جنوب سوريا ووسطها إلى خارجهما، بالتعاون مع وسطاء يعملون مع كلّ من الفرقة الرابعة التابعة للنظام وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). تُنقَل القطع إلى تركيا، حيث يُعاد بيعها لتجّار تحف فنية محليين أو في الأسواق العالمية، وتتراوح قيمتها من بضع مئات الدولارات إلى مئات آلاف الدولارات.[15] ثم توزَّع إيرادات البيع على الخبير، والمهربّ، والوسيط، والمجموعة المسلحة التي تتولّى حماية الموقع. كذلك يُدفَع للعاملين في الموقع الأثري رسمُ تنقيبٍ لا يتخطّى الـ٥٠ دولاراً للشخص.[16]

في المقابل، تُعَدّ الإيرادات المتأتّية عن تهريب السجائر والهواتف المحمولة منخفضة نسبياً. وبالفعل، إن الأرباح قليلةٌ إلى حدّ تتجنّب فيه هيئة تحرير الشام في الغالب هذا النوع من التهريب، مع أن الأسعار المنخفضة في سوريا، مقارنةً بتركيا حيث الضرائب عالية، تتيح جني بعض الأرباح. تجدر الإشارة إلى أن عمليات التهريب تجري في معظمها على يد الفصائل المحلية والسكان، بالتعاون مع جنود أتراك فاسدين يقومون بدوريات على الحدود.[17] وتتراوح الأرباح من عشرات الدولارات إلى ١٠٠ دولار للشحنة كحدّ أقصى، وتُوزَّع على المهرّب والجنود الأتراك الفاسدين. هذه القنوات نفسها تُستخدَم لتهريب الكحول، والأدوية الرخيصة، والمخدّرات بكميات قليلة.[18]

العراق: النفط والمقاتلون والمخدّرات

تتقاسم قوات سوريا الديمقراطية التي يهمين عليها الأكراد، وقوات النظام وحلفاؤها من الميليشيات المدعومة إيرانياً، السيطرةَ على الحدود العراقية على الجانب السوري (الخريطة ٢). أما على الجانب العراقي، فتشكّل سيطرة قوات البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان على الحدود الشمالية موضعَ خلافٍ مع بغداد. في المقابل، غالباً ما تتحدّى قوات الحشد الشعبي سلطة الجيش العراقي على الحدود الجنوبية.[19]

يجري التبادل التجاري الثنائي القانوني بين العراق وسوريا عبر معبرَي سيمالكا والبوكمال، ويتفاوت كثيراً في نوع المنتجات المتبادلة وحجمها، وفي المستفيدين منها والعملاء والمستهلكين. فمعبر سيمالكا الذي أُنشِئ في العام ٢٠١٣، يمثّل شريان الحياة الرئيسي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لشراء السلع، وإدخال المساعدات الإنسانية والعسكرية من الولايات المتحدة، وغيرها من الأطراف الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية.[20] أما معبر البوكمال فأُغلِق في العام ٢٠١٢، ولم يُعَد فتحه إلا في خريف العام ٢٠١٩. ويبقى حجم السلع التي تمرّ عبر بواباته، والمُنتَجة في معظمها في غرب سوريا، منخفضاً نسبياً.[21] إجمالاً، يشكّل المعبر مركزاً لوجستياً للميليشيات المدعومة من إيران على الجسر البرّي الذي يربط إيران، أقلّه نظرياً، بالبحر المتوسط.

إذا ما قورِنَت هذه المنطقة بالحدود السورية التركية، فيتّضح أنها تتّسم بثلاث سمات مميّزة. أولاً، تكاد تخلو المنطقة من السكان، وتمتدّ على مسافات قاحلة من البادية السورية. ثانياً، كان التبادل التجاري والاقتصادي عبر الحدود قبل الصراع يشمل في معظمه سلعاً مُنتَجةٌ في أجزاء أخرى من البلدَين. ثالثاً، يقع جانبا الحدود أمنياً وإدارياً تحت سيطرة مجموعةٍ متنوّعةٍ من الجهات الفاعلة. وصحيح أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يسيطر على أراضٍ على الحدود، إلا أنه يمتدّ إلى المنطقة من مناطق مجاورة.

لقد جعلت هذه الحقائق الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية الحدودَ منطقةً مثاليةً للتهريب. وفي ضوء ذلك، تحول تحدّيات عدّة دون جهود مكافحة التهريب التي تبذلها الحكومة العراقية والتحالف الدولي. أولاً، تتطلّب مراقبة الحدود موارد بشرية وتكنولوجية كبيرة. ففي حين أن الطرق والمعابر التي تربط البلدَين قليلة، تمرّ طرق التهريب عبر الصحراء في مناطق نائية وغير خاضعة للرقابة. ناهيك عن ذلك، يستفيد المهرّبون أيضاً من الشبكات والطرق السابقة التي نشأت في أعقاب الغزو الأميركي للعراق، وهي طرق رُسّخَت أثناء حكم تنظيم الدولة الإسلامية بين العامَين ٢٠١٤ و٢٠١٨. ثانياً، لا يحمل التبادل التجاري القانوني الضئيل بين سوريا والعراق الكثيرَ من الفرص الاقتصادية للسكان المحليين، ولذا يميلون أكثر إلى التهريب. ثالثاً، يعيق وجود جهات فاعلة متنافسة وأحياناً متعادية في العراق، التعاونَ الحدودي الضروري لمكافحة التدفّقات غير الشرعية، ما يزيد احتمال تورّط الضباط وزعماء المجتمعات المحلية في التهريب.[22]

الخريطة ٢: التهريب في شرق سوريا

المصدر: المؤلّفان

غالباً ما يُستخدَم التهريب كشكلٍ بديلٍ للطريق التجاري. فالمعابر الحدودية القانونية تخضع للضرائب المرتفعة، واستغلال الأطراف المسلحة، وفترات الانتظار الطويلة، كما يمكنها أن تكون عرضةً للظروف السياسية والأمنية.[23] نتيجة ذلك، يختار التجّار طرق التهريب لاستيراد سلعهم وتصديرها اختصاراً للوقت وتوفيراً للمال، أو لتجنّب ابتزاز سلطات الأمر الواقع على المعابر الحدودية العادية. يُشار إلى أن طرق التهريب تخضع لإشراف السلطات نفسها التي تتولّى المعابر الداخلية، حيث يُدار النقل عبر شبكات المهرّبين التي تتعامل هذه السلطات معها. وغالباً ما يقتصر التهريب على السلع والبضائع ذات هوامش الربح والطلب العالية، بالرغم من الرسوم الباهظة التي تُدفَع لنقلها. وتشمل هذه السلع السيارات الأوروبية، والإسمنت، والحديد، المستوردة كلّها من الأسواق العالمية، والتي يُنقَل بعضها عبر المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، إلى أراضي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. كذلك تشمل السلعُ النفط والوقود المهرّبَين من شمال شرق سوريا إلى شمالها وجنوبها.

وتتألّف التدفّقات غير الشرعية الأساسية من المواشي، والتبغ، والمخدّرات، والنفط، والأسلحة، والقطع الأثرية، والأشخاص. ويُهرَّب النفط في اتّجاهَين: النفط السوري الخام من شمال سوريا إلى حكومة إقليم كردستان، والنفط العراقي المكرّر من العراق إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام السوري. يأتي تهريب النفط بإيرادات مربحة، فهو المصدر الأهمّ للدخل والعملات الأجنبية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.[24] كما إنه يمكّن السلطات من اتّباع أجندتها الخاصة، والسيطرة على جزء أكبر من السكان المحليين عن طريق توزيع الريع. ثم إن تهريب النفط يعني المزيد من الدخل للمحاسيب من رجال الأعمال العراقيين ورعاتهم في حكومة إقليم كردستان.[25] في المقابل، تتيح ندرةُ النفط المكرّر في الأراضي التابعة للنظام الفرصةَ للميليشيات المدعومة من إيران، وشركائها التجاريين، لاستغلال السكان المحليين في شرق سوريا، وزيادة نفوذهم على النظام. أما قوات الحشد الشعبي فتعمل من خلال استغلال موارد العراق النفطية السيادية، وترسل بعضها إلى مصفاة بانياس، وتعمد إلى تكرير الباقي من أجل بيعه للسوريين بأسعار مرتفعة.[26] وبينما لا توجد بيانات رسمية عن النفط المهرّب، تقدّر مصادر محلية حجمه بـ١٥ ألف برميل في اليوم تقريباً.[27] وفي الاتجاه المعاكس، لا تزال الميليشيات العراقية، على الرغم من وجود التحالف بقيادة الولايات المتحدة، تتولّى تهريب شحنات النفط إلى سوريا، بمساعدة المجتمعات المحلية السنّية في غرب العراق.[28] يُقدَّر حجم النفط المهرّب هناك بـ١٠ آلاف برميل في اليوم.[29]

فضلاً عن ذلك، لا يزال تهريب المخدّرات، وخصوصاً الكابتغون والكوكايين النقي (crack cocaine)، والمواد المخدّرة (crystal meth)، يشكّل أيضاً مصدراً مهمّاً للإيرادات لكلّ من المهرّبين، وتنظيم الدولة الإسلامية، والشبكات الإجرامية التابعة للنظام، والمجموعات المدعومة من إيران. لا يوجد الكثير من الأدلّة على أن المخدّرات تُنقَل بكمّيات كبيرة من الأراضي التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا إلى العراق، ربما لعدم وجود إنتاج محلي يُذكَر في المنطقة. ولكن في المقابل تُغرِق المواد المخدّرة غير المشروعة كلاً من الرطبة والقائم في العراق.[30] وتُنقَل المخدّرات المُنتَجة في سوريا عبر البادية السورية إلى غرب العراق، ومن هناك إلى بقيّة البلاد، والأردن، والسعودية.[31] كذلك يُهرَّب كلٌّ من الأسلحة وأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية عبر الطرق والشبكات نفسها. وقد أشارت وسائل إعلام عراقية تابعة لقوات الحشد الشعبي إلى شاكر عبود، أمير داعش في الأنبار، على أنه مهرّب المخدّرات الأكثر نشاطاً، حيث يعمل في المنطقة بالتواطؤ مع ضباط فاسدين في القوات العراقية الخاصة.[32] ومع ذلك، لا توجد أدلّة على هذا الاتهام. في المقابل، أفادت مصادر محلية بأن قوات الحشد الشعبي ومقاتلين مدعومين من سوريا وإيران يستخدمون المخدّرات بشكل كبير.[33] وبالفعل، يُشتبَه بمشاركتهم في تهريب المخدّرات، نظراً إلى تورّط حزب الله وأفراد من عائلة الأسد في إنتاج المخدّرات وتهريبها.[34] وفي حين شهدت صحراء الأنبار في جنوب غرب البلاد عدداً من عمليات ضبط المخدّرات في الأشهر الأخيرة،[35] لا توجد مؤشّرات تدلّ على حدوث انخفاض ملحوظ في حجم التهريب.

تُستخدَم طرق التهريب أيضاً لأغراض التجارة في المنطقة. فالأنشطة التجارية للسكان المحليين في شرق سوريا محدودة إجمالاً، إذ يعملون بصورة رئيسية في الزراعة وتربية المواشي، إضافةً إلى عملهم في المشاريع التجارية الصغيرة والمشاغل. والواقع أن أنشطة التهريب تتيح لهم فرصتَين، وهما إيصال منتجاتهم إلى أسواق أفضل، وإمكانية العمل في الشبكات الإجرامية المحلية. لذا، ينخرطون في التهريب على نطاق صغير، حيث يهّروبن الأغنام، والتبغ، والأدوية، والأجهزة الإلكترونية الصغيرة. وفي الأراضي التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تشهد المنطقة المحيطة بمعبر ربيعة الحدودي المُغلَق معظم أنشطة التهريب، ولا سيما في بلدات مسيكة، وتل كوشك، وخربة حسن، وخزنة عرنوكي. يرتاد المهرّبون أيضاً المنطقة المجاورة لمعبر القائم جنوباً.[36] ويمرّ التهريب عبر الأسلاك الشائكة الفاصلة بين البلدَين، وعبر مواقع السواتر الترابية التي أزالتها داعش في العام ٢٠١٤،[37] علماً أن تكلفة تهريب حمولة شاحنة ما تتراوح بين ٥٠٠ و٣٥٠٠ دولار بحسب حجم الشاحنة والحمولة.[38]

وبينما تختلف أنشطة التهريب مع تركيا والعراق من حيث الاتجاه والمحتوى والحجم، تتشابه في الدوافع، والديناميات الاجتماعية والاقتصادية، وفي الدور الذي تؤدّيه فيها السلطات المحلية. في الحالتَين تسيطر الجهات غير الحكومية على التجارة غير الشرعية، وتستفيد منها لأسباب مماثلة، إذ تتيح عائدات التهريب لكلّ من هيئة تحرير الشام، والجيش الوطني السوري، وقوات سوريا الديمقراطية، توطيد نفوذها، وترسيخ استقلاليتها في مواجهة الدولة.

الجزء الثاني: اقتصادات الحماية والاحتكارات

تطال تشعّبات التهريب مع تركيا والعراق الديناميات المحلية في سوريا. فالتحكّم بالمعابر الخارجية والداخلية ضروري من أجل الاستفادة من الإيرادات التجارية، وهو ما يفاقم التنافس بين الجهات الفاعلة المحلية في كل منطقة. في غضون ذلك، يزيد الترابطُ الاقتصادي بين مختلف مناطق النفوذ السورية التهريبَ أهميةً، نظراً إلى ضرورته لتخطّي الانقطاعات في التجارة "المنتظمة"، وهذا ما يشجّع التعاون بين الخصوم. هذان النمطان أساسيان لتفسير سبب قيام شبكات المحسوبية الراسخة، والترابط بين الخصوم والحلفاء على السواء، وتوطيد الاحتكارت الاقتصادية.

التنافس داخلياً والتعاون مع الأعداء

لقد وطّدت الجهات الفاعلة غير الحكومية كافّة (هيئة تحرير الشام، وقوات سوريا الديمقراطية، والجيش الوطني السوري، والميليشيات المدعومة من إيران) سيطرتها على التدفّقات غير الشرعية، عن طريق الاستيلاء على الأراضي التي تحدّ تركيا أو العراق، والتي لها خطّ مواجهة مع المناطق الواقعة تحت نفوذ قوى محلية أخرى. فالاستحواذ على حدودٍ فاصلةٍ بين منطقتَين مختلفتَين يتيح إقامة مناطق عبور ضرورية لتهريب السلع إلى البلاد ومنها، علماً أن ترسيخ السيطرة على الأراضي غالباً ما يقوم على الاقتتال بين المجموعات المسلحة.

في إدلب، تمكّنت هيئة تحرير الشام من إخضاع جميع الفصائل المتنافسة بعد ثلاثة أعوام من ظهورها للمرة الأولى في المنطقة. فعقب سلسلة من المواجهات الدامية مع فصائل مُعارِضة أخرى، عزّزت الهيئة نفوذها على المنطقة بمعظمها، حيث بسطت سيطرتها على الطرق الرئيسية والمنافذ الحدودية مع تركيا، وخطوط المواجهة مع النظام. على نحو مماثل، قامت وحدات حماية الشعب، الفصيل المهيمن في قوات سوريا الديمقراطية، بالقضاء على المنافسة المحلية برمّتها، عبر إطاحتها المجلس الوطني الكردي ومجموعات المعارضة العربية المحلية الأخرى. كما إن المساعدة والدعم اللذين تلقّتهما الهيئة من التحالف الدولي، أتاحا لها القضاء على معاقل داعش في شمال شرق سوريا، واحتواء القوات الموالية لها في القامشلي والحسكة. وفي الحالتَين، تُرجِمَت هيمنة المجموعة على منطقة معيّنة إلى احتكاراتٍ لمختلف الأنشطة الاقتصادية وأنشطة التهريب هناك.

أما في كلّ من شمال حلب والبادية السورية، فأرسى التنافس الداخلي ضمن قوات سوريا الديمقراطية والمجموعات الموالية للنظام، بيئةً مختلفة. لم يستطع أيٌّ من هذين الطرفَين الاستحواذ على السلطة، ولمّا كان كلاهما خاضعاً لقوى خارجية تؤدّي دور الحَكَم بينهما، اختُبِرَت خطّتان مختلفتان للحدّ من المنافسة هناك. تمثّلت الأولى في تقسيم القطاع الجغرافي بين الجهات الفاعلة المحلية ، حيث تسيطر كل مجموعة على منطقة فرعية محدّدة بدقّة، وتفرض عليها سلطتها العليا. تلك كانت الحال في شمال حلب، حيث منحت تركيا كل فيلق من فيالق الجيش الوطني السوري منطقةً مع منفذ حدودي واحد على الأقلّ إلى تركيا، وخطّ مواجهة إما مع النظام، وإما مع قوات سوريا الديمقراطية. أما الخطّة الثانية فمنحت أدواراً تكميلية للمجموعات المتحالفة، كي يُصار إلى توزيع الأدوار في الأمن، والتجارة، والجمارك، والنقل، والشراء، توزيعاً متساوياً في ما بينها. اعتمد النظام وروسيا وإيران هذه المقاربة في البادية السورية.

على الرغم من ذلك، لا يزال الاقتتال الداخلي قائماً. ففي شمال حلب، سَعَت مثلاً الجبهة الشامية ولواء السلطان مراد مراراً وتكراراً إلى الاستيلاء على الأصول الاستراتيجية لأحدهما الآخر.[39] وعلى النحو نفسه، حاول كلٌّ من أحرار الشرقية، وجيش الشرقية، وفيلق الشام، والفرقة ٢٠ في الجيش الوطني السوري، التغلّب أحدهم على الآخر في وقت من الأوقات.[40] وفي البادية السورية أيضاً يُظهِر الموالون للأسد السلوك عينه، إلا أن الاقتتال في ما بينهم يقوم على أُسُس إيديولوجية، وقلّما يحدث بين الأطراف المدعومة مباشرةً من الكيان نفسه.[41] في المقابل، نادراً ما تتقاتل الميليشيات المدعومة من إيران في ما بينها، بل تُبدي قدراً أكبر من الانضباط. وقد يُعزى ذلك إلى حماستها الدينية وتجانسها، وخضوعها للرقابة الوثيقة من الحرس الثوري الإيراني. ولا بدّ من الإشارة إلى أن التدخّل الأجنبي دائماً ما يكون مطلوباً عندما تحدث الاشتباكات. لذا، يُصار إلى التهديد إما باستخدام القوة، وإما بإعادة هيكلة توزيع الريع، بما في ذلك إيرادات المعابر الحدودية. فعلى سبيل المثال، توزّع تركيا إيرادات معبر باب السلامة بالتساوي على فصائل الجيش الوطني السوري للحؤول دون التنافس على سيطرة المعبر.[42] وقد شجّعت في الآونة الأخيرة إنشاء تحالف عزم لتعميم التواصل والتعاون في ما بين فصائل الجيش الوطني السوري.[43]

إلى جانب هذا التنافس بين الأشقّاء، كانت التجارة بين الأطراف المتخاصمة المسيطرة على أجزاء مختلفة من سوريا، ذات أهمية خلال الحرب باعتبارها مسألة ترابطٍ اقتصادي. اضطّر الخصوم إلى هذا التعاون التجاري لعدم وجود مناطق مكتفية ذاتياً، فدَعَت الحاجة إلى شراء المنتجات من الأراضي المجاورة أو عبرها للاستهلاك المحلي والصناعي. وهكذا، أُقيمَت نقاط عبور رسمية على خطوط المواجهة، وإن كانت لا تعمل على نحو منتظم (الخريطة ٣).

لقد ساهم التعاون في مجال التهريب على خطوط المواجهة في بروز شراكات فريدة بين الخصوم السياسيين، قامت على قدرٍ كبيرٍ من البراغماتية. فتدفّق البضائع من منطقة إلى أخرى، سواء لغرض التجارة أم التهريب، يتطلّب إجراءات مُنسَّقة لحماية القوافل، والحرص على وجود سلسلة نقل فعّالة. وتعمل الجهات الفاعلة مثل هيئة تحرير الشام، وقوات سوريا الديمقراطية، والفرقة الرابعة التابعة للنظام، مباشرةً إحداها مع الأخرى بهدف تنسيق تدفّقات البضائع عبر خطوط المواجهة، أو من خلال شبكة من الوسطاء للتفاوض حول شروط المعاملات. فعلى سبيل المثال، تنخرط شركات تابعة للنظام، على غرار مجموعة قاطرجي الدولية، وأفرادٌ مرتبطون به، مثل عمار السوسي، إلى حدّ كبير في شراء النفط السوري ونقله من دير الزور والرقّة إلى كلّ من حلب وحمص. وفي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، يتولّى فؤاد محمد (أبو دلو)، المهرّب الشهير من القامشلي، تسهيل التجارة مع النظام.[44] كذلك تستخدم هيئة تحرير الشام مجموعة كبيرة من الوسطاء، الذين يتعاملون مباشرةً مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أو مع فصائل الجيش الوطني السوري المتمركزة قرب منطقة منبج، لضمان التدفّق المتواصل للسلع، خصوصاً النفط، إلى إدلب.

الخريطة ٣: التجارة عبر الخطوط وطرق التهريب

المصدر: المؤلّفان

تُلاحَظ تدفّقات التجارة والتهريب عبر خطوط المواجهة بوضوح من خلال مراكز وطرق النقل الجديدة التي يجري تشكيلها. فمحور المنبج-الرقّة مثلاً برز بوصفه الطريق الرئيسي لنقل البضائع والأشخاص من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام إلى مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. على النحو نفسه، تؤّدي مدن سرمدا، وعزة، وجرابلس، ومنبج، الغرضَ نفسه في ما يتعلّق بالتدفّقات من المناطق الخاضعة للمعارضة إلى المناطق التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. بيد أن هذه الطرق لا تمرّ دوماً في المسارات الأسهل أو الأقصر، بل غالباً ما تحدّدها السياسة. ففي الرقةّ مثلاً، يميل التجّار إلى الاعتماد على سوق سرمدا لتأمين المنتجات الغذائية والمعدّات الصناعية، بدلاً من الاعتماد على أعزاز أو كردستان (العراق). وتقوم هذه الشراكة بين سرمدا والرقّة على درجة كبيرة من الثقة بين التجّار والجهات المسلحة المسيطرة على المدينتَين. 

توطيد النفوذ والاحتكارات الاقتصادية

ثمّة رابطٌ واضحٌ بين الاحتكارات الاقتصادية وتوطيد النفوذ، الذي غالباً ما يُستخدَم لإنشاء اقتصادات حماية قائمة على شبكاتِ محسوبيةٍ معقّدة. وفي هذه الحالة، تمنح السيطرة على الحدود وخطوط المواجهة السلطةَ القائمةَ حقوقاً حصريةً في الجمارك، ورسوم النقل، وإيرادات التهريب. وتُستكمَل هذه السيطرة بآليات إنفاذٍ لحماية كلّ من التدفّقات غير الشرعية والشركاء. كما إن السلطات غالباً ما تسعى إلى السيطرة على الاقتصاد المحلي باحتكارها القطاع المالي، وعملية توزيع السلع الأساسية كالمياه والكهرباء والوقود والخبز. وفي نهاية المطاف، تستغلّ هذه السلطات المسؤولة عن الأمن والاقتصاد، مكامنَ الضعف المالية لدى المجتمعات المحلية التي تبسط نفوذها عليها، فيسهل بذلك تجنيدُها ونَيلُ تعاونها. تتجلّى هذه الدينامية بوضوح في الأراضي الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية.

تبذل هيئة تحرير الشام، الخاضعة لعقوبات المجتمع الدولي والتي صنّفتها الأمم المتحدة منظمةً إرهابية، جهوداً لحجب أنشطتها الاقتصادية، فتعتمد بالتالي على شبكة معقّدة من التجّار، والمهرّبين، والقضاة، وقادة المجموعات المُنافِسة، والمُخبِرين. كذلك تعمل حكومة الإنقاذ السورية، ذراع الحكم التابعة للهيئة، بوصفها جهةً منظّمةً ومُحكّمةً نيابةً عن الهيئة. وتحافظ هذه الأخيرة على احتكارها من خلال مكتبها الاقتصادي، حيث تسعى إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية، مُبرِمةً الاتفاقات مع التجّار والوسطاء المحليين.[46]

يُذكَر أن التجّار المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بهيئة تحرير الشام يحتكرون تجارة السكر، والطحين، والوقود، ومواد البناء، وهي سلع يتمّ شراؤها بالكامل من خارج إدلب. تموّل الهيئة حقوقاً حصرية في إنتاج هذه السلع في معامل ومطاحن جنوب تركيا،[47] وتمنع مرورها عبر أراضيها إذا ما اشتراها رجال أعمال غير مرتبطين بها. كذلك تتحكّم هيئة تحرير الشام مباشرةً بشبكة الحوالة في إدلب من خلال بنك الشام،[48] وبعمليات شراء الوقود من خلال شركتَي وتد للبترول وكاف. وهذان القطاعان ترفدهما بالدرجة الأولى الأوراقُ النقدية المُهرَّبة من الأراضي الخاضعة للنظام، وتركيا، والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والشراء الجزئي للوقود (المهرّب) من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. فضلاً عن ذلك، توسّع هيئة تحرير الشام شبكتها من المتعاونين معها خارج نطاقها الإقليمي، حيث تعمد مثلاً إلى دفع الرواتب لقضاة وضباط عاملين في وزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقّتة في شمال حلب، وتستخدمهم للحصول على المعلومات حول المداهمات التي تستهدف عمليات التهريب التي تقوم بها. وتعتمد الهيئة أيضاً على هؤلاء المسؤولين للإفراج عن شركائها، بعد إلقاء الشرطة العسكرية القبض عليهم.[49]

في المقابل، لا تُخفي قوات سوريا الديمقراطية احتكاراتها من خلال الجهات التابعة لها. فناهيك عن أنها تدير هيئة تنفيذية مُنظَّمة، تتمتّع بالدعم غير المشروط من الهيئات الإدارية التشريعية والمحلية. وهيكل الحكم هذا يتيح قيام اقتصاد مركزي وإدارة مالية في الشمال الشرقي. وتسيطر الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بواسطة لجان ومكاتب تنفيذية، على إنتاج النفط وتسويقه، وتوزيع الوقود والمياه والكهرباء، وتنظيم قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة.

يجدر ذكره أن منطقة شمال شرق سوريا تُعَدّ مُنتِجاً صافياً للنفط، خلافاً لبقيّة سوريا، إلا أنها تعاني من تراجع قدرة المصافي المحلية. لهذا السبب زادت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا اعتمادها على المصافي المحلية البدائية، المعروفة بالمحارق، لإنتاج كمّيات ضئيلة من الديزل، واعتمدت على وسطاء للتفاوض على مبيعات النفط مع الجيش الوطني السوري والنظام. ومع ذلك، يؤدّي النفط الخام دوراً مركزياً في إقامة اقتصاد الحماية الخاص بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. فتوزيع ريع النفط يتيح لقوات سوريا الديمقراطية المحافظة على سيطرتها على السكان المحليين، بمَن فيهم العشائر العربية الحليفة والمجموعات المسلحة. وبغية التحكّم بأسعار الوقود، حظّرت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا على تجّار الوقود المحليين والمصافي بيع منتجاتهم لأيّ زبون آخر. وفي ما يتعلّق بالحلفاء العرب، خصوصاً في دير الزور، تخصّص الإدارة الذاتية حصّةً من الإنتاج المحلي للمجموعات المسلحة المحلية، كي تبيعها وتهرّبها مقابل الولاء.

أما قوات سوريا الديمقراطية فتستكمل احتكاراتها من خلال تنظيم التجارة، عن طريق فرض الرسوم والضرائب الجمركية، وتقديم معاملة تفضيلية للتجّار المحسوبين عليها. وعلى التجّار المحليين طبعاً أن يستحصلوا على رخصة استيراد وتصدير من غرف التجارة المحلية قبل البدء بأيّ نشاط. بيد أن التكلفة التي يتكبّدها التجّار المحليون المستقلون لاستيراد السلع الأساسية، أعلى من تلك التي يتكبّدهها التجّارُ شركاءُ حزب الاتحاد الديمقراطي، الذين يخضعون لقدرٍ أقلّ من الرقابة.[50] إضافة إلى ذلك، تقدّم شخصيات رئيسية ضمن إدارة هذه القوات لشركائها التجاريين شراكات شبه حصرية مع مكاتب الحوالة التي تتحكّم بها.[51]

في المقارنة، تبدو احتمالات إنشاء الجيش الوطني السوري احتكاراتٍ له أكثر تعقيداً، نظراً إلى أن الأمر يتطلّب الخوض في مشهدٍ تتضارب فيه المصالح، وتتقاطع فيه موجات العنف. مع ذلك، تسعى بعض المجموعات إلى احتكار أسواق أو قطاعات محدّدة. فعلى سبيل المثال، تستغلّ الجبهة الشامية سلطتها في أعزاز، السوق الأكبر في شمال حلب، بغرض التحكّم بقطاع البناء. وعلى هذا النحو أيضاً يحتكر الجيش الوطني السوري مقالع الحجارة بالقرب من جرابلس. ولكن غالباً ما يوضَع عمقُ وصلابةُ شبكات المحسوبية التابعة له على المحكّ، نظراً إلى تغيُّر الولاءات، وتأثُّرها بعوامل خارجية مثل قيام تركيا بتعيين قادة جدد.

تنخرط المجموعات المسلحة غير الحكومية في جميع أنواع الاقتصادات غير المشروعة، ناهيك عن أن إيرادات التهريب تغذّي حلقات مفرغة بتمكينها الشبكات الإجرامية. وكلما ازدادت المجموعات المسلحة ثراءً، زادت نفوذها عن طريق توزيع الريع. فغياب سبُل العيش الموثوقة والمستدامة يجعل السكان المحليين عرضةً للاستغلال من هذه المجموعات. وفي نهاية المطاف، يضطّر الشباب والتجّار والمنتجون إلى العمل مع هذه النخبة التجارية الجديدة من أجل البقاء أو إنقاذ أعمالهم التجارية المتدهورة.

خاتمة

ينطوي التهريب في السياق السوري على تداعيات تتجاوز الآثار الاقتصادية والإجرامية. فبروز عدد لا يُعَدّ ولا يُحصى من اقتصادات الحماية الصغيرة يعقّد أكثر إمكانية استعادة الوحدة الوطنية والاقتصاد الكامل. تدير التهريب مروحة متنوّعة من المجموعات المسلحة، وهو يشمل تجّاراً ووسطاء وشبكات إجرامية. وبينما تتفاوت آليات إدارة التدفّقات غير الشرعية من منطقة إلى أخرى، تساهم الإيرادات في تعزيز الشبكات الاقتصادية التابعة لسلطات الأمر الواقع في كل منطقة. ولا تختلف هذه الشبكات من ناحية الامتيازات والحماية الممنوحتَين لأعضائها، ويبقى شغلها الشاغل تحقيق الربح السريع عبر التجارة والتهريب والاستثمار في القطاعات المُدرّة للريع. إن من شأن تنامي هذه الشبكات أن يقوّي الاحتكارات التي تديرها السلطات المحلية، وبالتالي إشراك المزيد من السكان في الهياكل الاقتصادية التي أقامتها الجهات الفاعلة السياسية والعسكرية. فضلاً عن ذلك، تعيق هذه الشبكات الاحتكارية مشاركة المستثمرين المستقلّين، وتشكّل تهديداً للإنتاج المحلي برمّته. في غضون ذلك، يزدهر التهريب متنامياً بفعل الانخراط المتزايد للسكان المحليين في أنشطته، إذ يرون فيه مصدراً للرزق بعد أن خسروا جزئياً أو بالكامل مصادر دخلهم السابقة.

مما لا شك فيه أن سلطات الأمر الواقع استفادت في الغالب من التهريب بسبب تدمير القدرات الإنتاجية، وانقطاع التجارة القانونية عبر الحدود وخطوط المواجهة. عليه، يتطلّب التصدّي الناجح لمشكلة الاتجار غير المشروع أن يصبّ المانحون الدوليون والإقليميون التركيزَ في تدخّلاتهم على إعادة إنشاء قطاعات إنتاجية على المستوى المحلي، في مجالَي الزراعة والصناعة على حدّ سواء. فمن شأن هذا النوع من الاستثمارات أن يقلّص الاعتماد المحلي على السلع المهرّبة، ويساهم في بناء قوة عاملة أكبر، ويثني السكان المحليين عن اللجوء إلى التهريب. ثم إن العمل على تنظيم التجارة عبر خطوط المواجهة، من خلال إنشاء معابر حدودية داخلية ثابتة، وتحديد رسوم عبور منخفضة، وضمان التدفّق المنتظم من دون انقطاع، قد يساهم أيضاً في فكّ التجارة عن التهريب. لا بدّ من القيام بهذه الخطوات لإنجاح جهود مكافحة التهريب في المستقبل، والحدّ من تأثيره على الاقتصاد المحلي المشروع، خصوصاً أن تراجع حدّة الحرب في سوريا في السنتَين الأخيرتَين قد يشجّع هذه الديناميات. 

 

* سنان حتاحت باحث رئيس في منتدى الشرق، ومركز عمران للدراسات الاستراتيجية، وباحث في مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا، في برنامج مسارات الشرق الأوسط، في مركز روبرت شومان للدراسات العليا (معهد الجامعة الأوروبية). تشمل اهتماماته البحثية ديناميات الاقتصادَين الوطني والمحلي في سوريا، والجهات الفاعلة غير الحكومية، والحركة السياسية الكردية، والنظام الإقليمي الناشئ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
** أيمن الدسوقي باحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومساهم في مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سورية في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا. يركز على الاقتصاد السياسي والحكم والمجالس المحلية في سورية.

تولّت ترجمة هذه الورقة مايا صوّان.

 

[1] اقتصادات الحماية: أنظمة بيئية تسيطر عليها وتديرها سلطات الأمر الواقع، المتمثّلة في السياق السوري بجهات مسلحة فاعلة ومهيمنة في مناطق النفوذ الخاصة بها. تتدخّل هذه السلطات بانتظام في شؤون الأسواق وقدرات الإنتاج، وتفرض على نحو منهجيّ عقوبات على الأنشطة الاقتصادية. وهكذا لا يبقى للقطاع الخاص، سواء أكان من المؤسسات أم من الأفراد، إلا مجال قليل للتحرّك، في حين أن القطاع العام غائب أو غير فعّال. تيوسداي رايتانو ومارك شاو، "ليبيا: سياسات القوة والحماية، والهوية، والتجارة غير الشرعية" (بالإنكليزية)، مركز جامعة الأمم المتحدة لبحوث السياسات، سلسلة الترابط بين الجريمة والصراع رقم ٣، أيار ٢٠١٧، https://bit.ly/3MXz4xJ؛ مارك شاو، "قصّة مدينتَين: سيطرة المافيا، واقتصاد الترفيه الليلي، وأسواق بيع المخدّرات بالتجزئة في جوهانسبرغ وكيب تاون، ١٩٨٥-٢٠١٥" (بالإنكليزية)، مجلة Police Practice and Research، المجلّد ١٧، رقم ٤ (٢٠١٦): ٣٥٣-٣٦٣.

[2] مات هربرت، "الحزبيون والمستفيدون والمجرمون: اقتصاد سوريا غير الشرعي" (بالإنكليزية)، مجلة منتدى فليتشر للشؤون العالمية ٣٨، رقم ١ (٢٠١٤): ٦٩-٨٦، https://bit.ly/3q8OepO؛ ماكس كرافيتز وويل نيكولز، "أمر يصعب قبوله: الروابط بين الكابتاغون وسوريا والخليج" (بالإنكليزية)، مجلة الشؤون الدولية ٦٩، رقم ٢ (٢٠١٦): ٣١-٤٤، https://bit.ly/36l3QQ8؛ رايتشل ماكغراث، "الصراع والجريمة: التهريب إلى تركيا من العراق وسوريا" (بالإنكليزية)، مجلة بيت للسياسات Pitt Policy Journal ٩٨، (٢٠٢٠)؛ كريستينا ستينكامب، "الترابط بين الجريمة والصراع والحرب الأهلية في سوريا" (بالإنكليزية)، الاستقرار: المجلة الدولية للأمن والتنمية ٦، رقم ١ (٢٠١٧): ١-١٨، https://bit.ly/34LjX99

[3] مقابلة مع أحد المصدّرين المحليين، إدلب، ٣ كانون الثاني ٢٠٢٢. رئاسة الحكومة السورية المؤقّتة، "قرار رقم (٢)"، ١ كانون الثاني ٢٠٢٢، https://bit.ly/3rSexSF

[4] في العام ٢٠١٠، كانت تركيا تُعَدّ الشريك التجاري الأبرز لسوريا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما ما يزيد عن مليارَي دولار. وحافظت تركيا على موقعها هذا خلال سنوات الحرب، حيث وصل التبادل التجاري إلى ١،٦ مليار دولار في العام ٢٠٢١. "ترايدنغ إيكونوميكس"، "صادرات تركيا إلى سوريا – بيانات العام ٢٠٢٢ والتوقّعات للعام ٢٠٢٣ والبيانات التاريخية للأعوام ١٩٨٩-٢٠٢٠" (بالإنكليزية)، آذار ٢٠٢٢، https://bit.ly/3CNhcRo

[5] راتشيل شابي، "نُهِبَت في سوريا وبيعَت في لندن: متاجر التحف البريطانية تتاجر بالقطع الأثرية المُهرَّبة على يد داعش"، (بالإنكليزية)، ذا غارديان، ٣ تموز ٢٠١٥، https://bit.ly/3tfJ2Tf؛ دايلي صباح، "ضبط التهريب ينقذ قطعاً أثرية من تركيا، سوريا" (بالإنكليزية)، ١٥ حزيران ٢٠١٩، https://bit.ly/3u6zeu5

[6] مقابلة مع ناشط محلي، إدلب، ١٧ كانون الأول ٢٠٢١.

[7] مقابلة عبر سكايب مع عضو سابق في هيئة تحرير الشام في أنطاكية، ١ آذار ٢٠٢٢. ومقابلة عبر سكايب مع رجل أعمال محلي في دركوش، ٣ آذار ٢٠٢٢.

[8] وحدة تنسيق المساعدة، "السكان وحركتا النزوح والعودة في شمال سوريا" (بالإنكليزية)، تبادل البيانات الإنسانية، ٩ شباط ٢٠٢٢، https://bit.ly/35e6WVX

[9] عبدالله الجباصيني، "الهجرة من جنوب سوريا بعد الحرب: دوافعها وطرقها ووجهاتها" (بالإنكليزية)، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا: معهد الجامعة الأوروبية، برنامج مسارات الشرق الأوسط، مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا)، ٦ كانون الثاني ٢٠٢٢، https://bit.ly/3rerjJp؛ السورية، "الهجرة من مناطق النظام.. طريق ووجهات متعددة لبلوغ ’الخارج’"، ١٤ تشرين الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3tih3kq؛ وكالة أسوشيتد برس، "الفقر والخوف يدفعان إلى الهجرة من عاصمة تنظيم داعش" (بالإنكليزية)، أخبار صوت أميركا (VAO)، ٢٢ شباط ٢٠٢٢، https://bit.ly/3sq5yIG

[10] تمتدّ هذه الأنفاق على مسافة ٢٠٠ متر، ويكلّف حفرها ١٠٠ ألف دولار.

[11] إذا كان ضابط تركي مشاركاً في نقل الشخص من الحدود إلى بلدة قريبة، فعندئذ تبلغ تكلفة العبور ٣٥٠٠ دولار. وإذا جرت رشوته لئلا يبلغ الدرك التركي بالعبور غير الشرعي، فتكون التكلفة ١٠٠٠ دولار، إلا أن الشخص يخاطر بأن يُلقى القبض عليه من إحدى الدوريات التي تجوب المنطقة. أما إذا لم يشارك أيّ ضابط تركي في عملية التهريب، فيعبر الشخص بمساعدة المهرّبين، لكن على مسؤوليته الخاصة، مقابل ٥٠٠ إلى ٧٠٠ دولار.

[12] مقابلة عبر سكايب مع مهرّب من سراقب، ٢٧ كانون الأول ٢٠٢١؛ ورجل أعمال في دركوش، ٢ كانون الثاني ٢٠٢٢؛ وباحث في إدلب، ٥ كانون الثاني ٢٠٢٢.

[13] نينار خليفة، "هل نحمي ما تبقى من تاريخنا أم نبكي على الأطلال؟" آثار إدلب.. حضارات على قوائم النسيان"، عنب بلدي، ٢٤ شباط ٢٠٢١، https://bit.ly/352HW3C

[14] ألكسندر أيوب، "سورية: انتعاش تهريب الآثار... والمعارضة والنظام متهمان"، العربي الجديد، ١٣ أيار ٢٠١٣، https://bit.ly/3LFJYre

[15] ستيف سوان، "القطع الأثرية المنهوبة في سوريا والعراق تُباع على الفايسبوك" (بالإنكليزية)، بي بي سي نيوز، ٢ أيار ٢٠١٩، https://bbc.in/3u102eX

[16] مقابلة مع منقّب سابق عن الآثار من سراقب، ٣ تشرين الثاني ٢٠٢١.

[17] مقابلة مع ناشط محلي، إدلب، ١٩ كانون الأول ٢٠٢١. جرى التأكيد على هذه المعلومات أيضاً في العديد من المقابلات التي أجريناها مع التجّار، وأعضاء المجالس المحلية، ومقاتلي المجموعات المسلحة، بين آذار وكانون الأول ٢٠٢١.

[18] المرجع السابق.

[19] حارث حسن وخضر خضّور، "تحوّل الحدود العراقية السورية: من حدود وطنية إلى حدود إقليمية" (بالإنكليزية)، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، ٣١ آذار ٢٠٢٠، http://bit.ly/3blbMjl

[20] معبر سيمالكا هو الممرّ القانوني الوحيد من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا إلى العراق للأشخاص والسلع المُنتَجة محلياً. هذا المعبر صغير وغير مجهّز لوجستياً لاستيعاب التدفّقات الكبيرة، وعرضة لسوء الأحوال الجوية، وغالباً ما يجري إغلاقه بسبب التوترات السياسية بين حكومة إقليم كردستان والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

[21] تُعَدّ التكاليف المرتبطة بحماية القوافل التجارية العابرة من غرب سوريا إلى الحدود مرتفعة نسبياً، وتتطلّب توظيف شركات أمنية يملكها محاسيب من رجال الأعمال وأمراء حرب، ما يثبط بالتالي التجارة بهوامش صغيرة.

[22] مقابلة مع إياد الراوي، عضو في المجلس المحلي في القائم، ١٣ تموز ٢٠٢٠.

[23] على سبيل المثال، غالباً ما تهدّد سلطات حكومة إقليم كردستان بإغلاق معبر سيمالكا للضغط على خصمها حزب الاتحاد الديمقراطي. فقد أُغلِق المعبر في الآونة الأخيرة لمدّة ثلاثة أشهر، من كانون الأول ٢٠٢١ حتى أواخر شباط ٢٠٢٢. وعلى النحو نفسه، أُغلِقَت المعابر الحدودية القانونية كلها لفترات زمنية طويلة خلال العام ٢٠٢١ بسبب قيود جائحة كوفيد-١٩. أمين العاصي، "إغلاق معابر شرقي الفرات: حصار جزئي على ’الإدارة الذاتية’ في سورية"، العربي الجديد، ٢١ كانون الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3t9cAC1

[24] تتلقّى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ما يُقدَّر بـ٦٠٠ ألف إلى ٧٥٠ ألف دولار يومياً من إيرادات بيع النفط.

[25] تفيد التقارير بأن النفط السوري يُعاد بيعه بنسبة أرباح تتراوح بين ١٠ و١٥ في المئة في الأسواق السوداء.

[26] مقابلة عبر سكايب مع ناشط محلي في بغداد، ٢٣ شباط ٢٠٢٢.

[27] مقابلة عبر سكايب مع باحث محلي في القامشلي، ٢٤ شباط ٢٠٢٢.

[28] هرمان وانغ، "التهريب غير الشرعي للنفط العراقي إلى سوريا يتواصل وسط الجهود الأميركية لمكافحته" (بالإنكليزية)، موقع S&P Global، ١٢ آذار ٢٠٢٠، https://bit.ly/3pmmq0M

[29] المرجع السابق.

[30] شيلي كيتلسون، "حثّ العراق على "تجويع" المستفيدين من تجارة المخدّرات المتنامية" (بالإنكليزية)، المونيتور، ٢٧ كانون الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3K5efya

[31] شيلي كيتلسون، "تنظيم الدولة الإسلامية يستولي على نقطة حدودية في الصحراء العراقية مع ’الوالي مهرّب المخدّرات’" (بالإنكليزية)، المونيتور، ٨ أيار ٢٠٢١، https://bit.ly/3srqiQ2

[32] وان نيوز، "’شاكر عبود’ يظهر مجدداً ليقود تجارة المخدرات"، فايسبوك، ١١ أيار ٢٠٢١، https://bit.ly/3hl8Rum

[33] مقابلة عبر سكايب مع ضابط في قوات الدفاع الوطني، ٢٤ شباط ٢٠٢٢.

[34] بين هابرد وهويدا سعد، "امبراطورية مخدّرات تزدهر على أنقاض سوريا" (بالإنكليزية)، نيويورك تايمز، ٦ كانون الأول ٢٠٢١، https://nyti.ms/3HmIQFD

[35] مركز الصحافة الاجتماعية، "السلطات العراقية تضبط شحنة مخدرات دخلت إلى البلاد من سوريا"، ٢٨ كانون الثاني ٢٠٢٢، https://bit.ly/3pp9kzV؛ عدنان أحمد، "العراق يضبط شحنة مخدرات قادمة من سورية.. وتحرك أميركي ضد نظام الأسد"، العربي الجديد، ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢١، https://bit.ly/3pr8tif؛ وزارة الدفاع العراقية، "سبعة ملايين حبة مخدرات وكمية من مادة الكريستال في قبضة الاستخبارات العسكرية"، يوتيوب، ٢١ نيسان ٢٠٢١، https://bit.ly/3D19mnv

[36] هشام الهاشمي، "تنظيم الدولة الإسلامية على الحدود العراقية السورية: شبكات تهريب مزدهرة" (بالإنكليزية)، معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسات، ١٦ حزيران ٢٠٢٠، https://bit.ly/3COzphn

[37] مقابلة عبر سكايب مع مقاتل سابق في قوات الدفاع الوطني، ٢ تموز ٢٠٢٠.

[38] سلام الجاف ومحمد علي، "’بزنس’ المليشيات: ملايين الدولارات من التهريب بين العراق وسورية"، العربي الجديد، ٨ آب ٢٠١٩، https://bit.ly/2F48WTv

[39] شبكة شام الإخبارية، "عودة التوتر بين الشامية والسلطان مراد بريف حلب الشمالي ينذر بصدام مسلح بين الطرفين"، ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧، https://bit.ly/٣HuF٣Gj؛ فرات بوسط، "الجبهة الشامة تشن هجوم على الحمزات والعمشات تعرف على الأسباب"، ٢٣ آب ٢٠٢١؛ https://bit.ly/٣tikOq٢

[40] تلفزيون سوريا، "اقتتال بين ’أحرار الشرقية’ وفصيل من ’فيلق الشام’ بعدة مناطق من ريف الرقة"، ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢١، https://bit.ly/3vmAwmQ؛ وكالة ستيب الإخبارية، "اقتتال بين تجمع أحرار الشرقية والفرقة عشرين المدعومتان تركياً بمناطق شمال وشرق حلب.. والتفاصيل!"، ١٦ كانون الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/3vpWXrb

[41] محمد الأحمد، "سورية: قتلى باشتباكات عنيفة بين مليشيات مدعومة روسياً وأخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني"، العربي الجديد، ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3Iw13lc

[42] سنان حتاحت، "تعافي الاقتصاد المحلي في شمال حلب: الواقع والتحديات"، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا: معهد الجامعة الأوروبية، برنامج مسارات الشرق الأوسط، مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا)، ٢٥ آذار ٢٠٢١، https://bit.ly/3jBdWkd

[43] إزغي يازجي، "استعراض حول تركيا: ٢٧ أيلول– ١٢ تشرين الأول" (بالإنكليزية)، معهد دراسة الحرب، ١٥ تشرين الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3id2Znl

[44] سنان حتاحت، "الاقتصاد السياسي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا: معهد الجامعة الأوروبية، برنامج مسارات الشرق الأوسط، مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا)، ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٩، https://bit.ly/3iPT8nR

[45] نداء سوريا، "نداء سوريا توثّق احتكار ’تحرير الشام’ لتجارة بعض البضائع والمواد في إدلب"، ١٠ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/3c8OEVH

[46] مقابلة أجراها عن بُعد باحثون مع مصدر محلي مقيم في شمال سوريا، آب ٢٠٢٠.

[47] يحجز رجال الأعمال المرتبطون بالهيئة إنتاجَ عامٍ من الإسمنت للأسواق السورية في جنوب تركيا. مقابلة عبر سكايب مع رجل أعمال سوري في مرسين، ١١ كانون الثاني ٢٠٢٢.

[48] نظام الحوالة هو قناة غير رسمية لتحويل الأموال من موقع إلى آخر عبر مزوّدي خدمات. أمين العاصي، "سطوة ’هيئة تحرير الشام’ تتسع: انتهاكات وتهديدات واحتكارات"، العربي الجديد، ١٥ كانون الأول ٢٠٢١، https://bit.ly/3IsXOuU 

[49] مقابلة مع محام محلي في أعزاز، ٢٢ كانون الأول ٢٠٢١.

[50] مقابلة عبر سكايب مع مصدّر سوري في إربيل، ٢١ شباط ٢٠٢١.

[51] مقابلة مع مالك مكتب حوالة سوري في إسطنبول، ١٣ أيلول ٢٠٢١.

من نحن

  •  

    أسَّسَ مركز روبرت شومان للدراسات العليا في معهد الجامعة الأوروبية برنامج مسارات الشرق الأوسط في العام ٢٠١٦، استكمالاً للبرنامج المتوسّطي الذي وضع المعهد في طليعة الحوار البحثي الأورومتوسّطي بين العامَين ١٩٩٩ و ٢٠١٣.

    يطمح برنامج مسارات الشرق الأوسط إلى أن يصبح جهة مرجعية دولية للأبحاث التي تتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تنظر في التوجّهات والتحوّلات الاجتماعية-السياسية، والاقتصادية، والدينية. ويسعى البرنامج إلى تحقيق هدفه هذا من خلال تشجيع البحث متعدّد التخصّصات بناءً على نتائج العمل الميداني، والتعاون مع باحثين من المنطقة. ويفيد البرنامج من خبرة باحثين ناطقين بلغات المنطقة الرئيسة، بما فيها العربية الفصحى والعامية، والفارسية، والطاجيكية، والتركية، والروسية.

    للمزيد ...
Funded by the European Union