يمكن تنزيل منشورات المشروع لأغراض البحث الشخصية فقط. إن أيّ استنساخٍ إضافيّ لأغراض أخرى، سواء على شكل نسخ مطبوعة أم إلكترونية، يتطلّب موافقة المؤلّفين.
أما في حال الاستشهاد بالنص أو اقتباسه، فيجب الإشارة إلى الأسماء الكاملة للمؤلّفين والمحرّرين، إضافةً إلى العنوان، والسنة التي نُشِر فيها، والناشر.
نبذة
في نهاية العام ٢٠١٦، انتهى الحصار المفروض من قبل قوات النظام السوري على بلدتي كناكر وزاكية في ريف دمشق الجنوبي باتفاقيتي مصالحة قامتا أساساً على عدم دخول قوات النظام العسكرية والأمنية إلى المنطقتين، مقابل تهجير رافضي المصالحة، وتسوية وضع لعناصر المعارضة المسلحة وتسليم سلاحهم. عزز الفراغ الذي أعقب انتهاء فترة حكم المعارضة المسلحة حاجة المجتمعات المحلية لممثلين عنها، للقيام بالوساطة مع سلطات النظام المستجدة. وقد استفاد فاعلون متعددو المنابت والخلفيات من هذا الفراغ، للقيام بالوساطة، وانضموا إلى لجان المصالحة المحلية في المنطقتين. لعب أعضاء لجان المصالحة دور الوسطاء بين المجتمعات المحلية والنظام السوري حتى عام ٢٠١٩ حين بدأ تلاشي وتحول أدوارهم تدريجياً. استناداً إلى مقابلات مع وجهاء محليين، قادة مجموعات مسلحة، صحفيين، وناشطين، وبالاعتماد على أرشيف كبير من المواد الصحفية المنشورة خلال السنوات الماضية، تدرس هذه الورقة مجريات المصالحة في بلدة كناكر ومدينة زاكية، ثم تسلط الضوء على صعود وتحول أدوار الوسطاء فيهما وعلاقتهم مع النظام.
نبذة
منذ اندلاع الحرب في سوريا في العام ٢٠١١، استقطبت مصر عدداً كبيراً من رجال الأعمال السوريين، الذين وصلت قيمة مشاريعهم الاقتصادية التي نفّذوها هناك منذ العام ٢٠١٢ إلى ما يزيد عن ٨٠٠ مليون دولار على الأرجح. وإذ أخذ عددُ رجال الأعمال الذين غادروا سوريا إلى مصر في الازدياد، أجرى مسؤولون في الحكومة السورية زيارات عدّة إلى مصر بهدف تشجيعهم على العودة إلى البلاد التي مزّقتها الحرب والاستثمار فيها. بيد أن هذه المساعي باءت في معظمها بالفشل. يتقصّى هذا التقرير البحثي وضعَ رجال الأعمال السوريين في مصر، فينظر في أنشطتهم الاقتصادية ودور تجمّع رجال الأعمال السوري في مصر، كما يحلّل العقبات والتحدّيات التي يواجهها رجال الأعمال السوريون عند عودتهم إلى سوريا للاستثمار وإعادة الاستثمار فيها.
نبذة
أسفر النزاع السوري المتواصل منذ العام ٢٠١١ عن واحدةٍ من أكبر أزمات اللاجئين في التاريخ، إذ أجبر ٦،٨ ملايين سوري على الفرار من البلاد بالكامل، فيما لا يزال ٦،٩ ملايين من السوريين نازحين داخلياً. وقد عمدت المنظمات المحلية، بفضل توقّف حملات القصف الجوي المكثّف، واستبداد الأمن النسبي منذ العام ٢٠٢٠، إلى تسريع بناء وحدات سكنية جديدة وتسليمها في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوّار في شمال سوريا. وسواء أكان الهدف تحسين نوعية حياة الناس من خلال مساعدتهم على الانتقال من المخيمات إلى المباني، أم بيع هذه الوحدات السكنية في السوق وتحقيق الأرباح المالية، تنتشر مشاريع البناء الجديدة في أنحاء شمال سوريا كافة بشكل كبير وسريع. لكن في ظلّ الغياب التام للتخطيط الحضري الاستراتيجي، يُظهِر التقييم المبكر للمشاريع السكنية القائمة تحسّناً جزئياً فقط في نوعية السكن، ولا يُظهِر أيّ أثر فعليّ على مستويات معيشة النازحين داخلياً. استناداً إلى ٢٩ مقابلة مع مدراء تنفيذيين لمنظمات غير حكومية، ومدراء مجالس محلية، ومقاولين، تبحث هذه الدراسة في ظاهرة المجمّعات السكنية الجديدة للنازحين داخلياً في شمال سوريا. وتنظر الدراسة في تطوّر المجمّعات السكنية الجديدة وتحدياتها وأثرها، وفي الدور الذي تضطّلع به منظمات المجتمع المدني وسلطاته في الإشراف على هذا النشاط.
ملخّص تنفيذي
أعاد حزب البعث في الانتخابات المحلية ٢٠٢٢، تكرار أدواره المعهودة في الانتخابات المحلية والبرلمانية السابقة، وأهمها صناعة كتلة مرشحين ضخمة من أعضائه بغرض الدعاية، في محاولة لإخفاء تدني المشاركة الشعبية أو غيابها، وتنظيم العملية الانتخابية نفسها، والتحكم المسبق بنتائجها. ومجدداً، أحرز البعث أغلبية كبيرة داخل المجالس المنتخبة، ولا سيما على مستوى رؤسائها وأعضاء مكاتبها التنفيذية، مع بعض الاختلافات من محافظة إلى أخرى أو من مجلس إلى آخر.
هيمن نموذج الموظف الحكومي، ولا سيما البعثي، في المكاتب التنفيذية للمجالس المحلية الجديدة. ومن خلاله تنشأ المزيد من الروابط بين المجالس والمركز الحكومي والسياسي. ومن فئة الموظفين الحكوميين تحديداً، يأتي التكنوقراط كضمانة لقدرة المجالس على تأدية الحد الأدنى من أعمالها في المجالات المختلفة. وعلى العكس من سردية النظام وتعليمات قيادة حزب البعث، التي ركزت على تمثيل النساء والشباب، بقي هذا التمثيل منخفضاً، ما يؤكد الاستخدام الدعائي لتمثيل هاتين الفئتين.
وبينما نفذ حزب البعث استراتيجية النظام للسيطرة على المجالس المحلية، كان لعلاقات المحسوبية الدور الرئيسي في اختيار المرشحين الفائزين. فلكل عضو داخل المكاتب التنفيذية للمجالس مركز قوة أو شخصية كبيرة متنفذة تدخلت لصالحه في عملية الاختيار النهائي. وكان لهذا التدخل تأثير حاسم، يضاف إليه تأثير الرأسمال السياسي لكل عضو، وفي بعض الحالات تأثير الأسرة إن كان لها تاريخ بارز داخل السلطة. وبدا أن لكل محافظة خصوصيات تؤثر في مستوى الشخصيات المتدخلة ونوع الرأسمال السياسي الفعال. فبينما أثر بعض المسؤولين المركزيين في دمشق، ظهرت مراكز قوى محلية أخرى، مثل أجهزة المخابرات وقادة حزب البعث وبعض الشخصيات المحلية المتنفذة، في محافظات ريف دمشق وحمص وحلب واللاذقية.
ومن مناصبهم القيادية داخل المجالس، يطور رؤساؤها وأعضاء مكاتبها التنفيذية علاقات نفعية مع الشخصيات المتنفذة التي تدخلت لصالحهم؛ فمقابل الدعم والحماية التي تقدمها هذه الشخصيات، يخدم أعضاء المجالس مصالحها المادية. ومن ناحية أخرى، تتيح المجالس لأعضائها فرصاً متنوعة لخدمة مصالحهم الشخصية، الاقتصادية بالدرجة الأولى، اعتماداً على تنوع أعمال المجالس وتقاطعها مع مجالات اقتصادية مختلفة، ولا سيما البناء وتجارة العقارات. كما تتيح عضوية المجالس فرص الصعود السياسي، حيث تعدّ هدفاً مرحلياً، قد يساعد على الترقي نحو مناصب أعلى مستقبلاً. وأخيراً تساعد عضوية المجالس على الصعود الاجتماعي، حيث تصنع المكانة بالنسبة للقادمين من الهوامش، أو ترسخها بالنسبة للوجهاء وأصحاب المكانة العائلية المتوارثة.
تشهد السويداء احتجاجات أهلية يومية منذ أشهر عديدة للاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشية. وقد تفاقمت حدة الأوضاع سوءاً بسبب النقص الحاد في المحروقات والانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي. وتسبب ذلك في توقف حركة التنقل بين أرجاء المحافظة، وتعطل العمل في المؤسسات الرسمية، وغياب التدفئة عن البيوت والمدارس، وانقطاع الاتصالات السلكية واللاسكلية، وانقطاع الاتصال بالانترنت، وتعطل ضخ ماء الشرب من الآبار، وغياب وسائل التدفئة والتحطيب الجائر حتى للشجر المثمر، وعدم القدرة على حراثة الأرض وزراعة المحاصيل التي يعتمد عليها أهل المحافظة للعيش. ويلجأ المحتجون عادة إلى قطع الطرقات الرئيسية بالاطارات المشتعلة، واغلاق الدوائر الرسمية ومنع الموظفين من دخولها، واحتجاز صهاريج المحروقات القليلة المخصصة للمحافظة ومصادرتها لتشغيل مقاسم الاتصالات اللاسلكية ومضخات المياه.
ملخّص تنفيذي
بعد اندلاع الثورة السورية في آذار ٢٠١١، طرأت تحولات عديدة على الجمعيات غير الحكومية المرخصة رسمياً في مدينة حلب، على صعيد حجمها العددي، وتركيبتها البشرية، ومصادر تمويلها، والاحتياجات التي تسعى لتلبيتها. وفي أثناء الحرب التي شهدتها المدينة في ٢٠١٢-٢٠١٦، خضعت هذه الجمعيات لضغوطات أمنية استهدفت معارضي النظام في إداراتها وكوادرها التطوعية، كما فقدت أغلبيتها الحواضن الاقتصادية والاجتماعية التي كانت مصدر تمويلها الرئيسي، قبل أن تظهر مصادر تمويل جديدة تمثّلت في الاستجابة الإنسانية التي أطلقتها وكالات الأمم المتحدة.
ورغم توقف القتال والعمليات الحربية لصالح النظام السوري، الذي فرض سيطرته على كامل المدينة أواخر عام ٢٠١٦، لم تظهر أي مؤشرات واضحة على التعافي، بل ازداد حجم الاحتياجات وعدد مستحقي العون والمساعدة من السكان. يعزى ذلك إلى التدهور الاقتصادي المستمر، وتراجع قدرة المؤسسات الحكومية على تقديم الخدمات الأساسية للسكان الذين يُقدّر عددهم بين ١.٢ و١.٣ مليون نسمة في نهاية ٢٠٢١. في هذا الواقع الاقتصادي والمعيشي المتدهور، تنشط ٦٣ جمعية خيرية وتنموية محلية في مجالات عدّة، من بينها الإغاثة، والصحة، والتعليم، ورعاية الأيتام والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة. إلا أن ضخامة الاحتياجات ومظاهر التمييز تحدّ من أثر هذه الجمعيات على حياة السكان.
تحقق الجمعيات المحلية منافع عدة للنظام من خلال أنشطتها التي تخدم جزءاً من قاعدته الاجتماعية، ومن خلال الموارد المالية التي تخصصها الوكالات الأممية والمنظمات الدولية لمشاريعها المشتركة في مدينة حلب مع الجمعيات. يتدخل النظام في فضاء الجمعيات عبر أدوات متنوعة: رسمية كالوزارات والمحافظ وأجهزة المخابرات؛ وغير رسمية، عبر منظمتين غير حكوميتين هما مؤسسة الأمانة السورية للتنمية ومنظمة الهلال الأحمر العربي السوري. تضاف إلى ذلك شبكات الزبائنية التي تشكلت خلال الحرب خاصة، والتي تضم العديد من رؤساء الجمعيات المحلية وأعضاء مجالس الإدارة فيها، ومنهم تجار ومسؤولون حكوميون وموظفون في وكالات أممية ورجال دين وقادة ميليشيات.
تُتيح هذه الأدوات للنظام التدخل على أربعة مستويات رئيسية: (١) المستوى التأسيسي، وذلك برفض طلبات تأسيس جمعيات جديدة أو حلّ جمعيات قائمة؛ (٢) المستوى البنيوي، بحلّ مجالس الإدارة، أو عزل عضو من أعضائها، أو استبعاد مرشح لعضوية مجلس الإدارة؛ (٣) المستوى الوظيفي، أي التدخل بآلية عمل الجمعيات، مثل رفض أو قبول طلبات الشراكة مع الوكالات الأممية والمنظمات الدولية، أو تحديد أنواع المشاريع ومواقع تنفيذها، أو استبعاد بعض طالبي العون من الاستفادة من خدمات الجمعية؛ (٤) مستوى الموارد، بالاستيلاء على جزء من الموارد المالية أو العينية التي توفرها الشراكات بين الجمعيات المحلية والوكالات الأممية أو المنظمات الدولية. بهذا التدخل، يفرض النظام هيمنته على فضاء الجمعيات المحلية، وما يتصل بها من أطراف داعمة، لخدمة مصالحه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
نبذة
لطالما كان تهريب السلع إلى سوريا ومنها إلى تركيا والعراق جزءاً أساسياً من الاقتصاد السوري. خلال الصراع السوري، اضطّلعت جهاتٌ فاعلةٌ جديدةٌ بالتهريب، بعد أن كان قبلَه محصوراً في يد جهاتٍ تابعةٍ للنظام السوري. ويعود ازدياد أنشطة التهريب أثناء الصراع إلى عوامل عدّة، في حين اتّخذ الاتجار غير المشروع أشكالاً مختلفةً بحسب درجة التواطؤ والتعاون بين الأطراف. فكان أن نشأت عن التهريب شبكاتُ محسوبيةٍ معقّدة حيث يعمل الخصوم معاً. لذا، يجب أن يعتمد صانعو السياسات مقاربةً شاملةً، إذا ما أرادوا وضع استراتيجيات ملائمة للحدّ من التدفّقات غير الشرعية، ولكي تكون التدابير فعّالةً، ينبغي ألا تقتصر على الأمن وحده.
ملخص تنفيذي
نشّطت الحرب السياسة المحلية في طرطوس، إحدى القواعد الموالية للنظام وجزيرة الاستقرار كما توصف، حيث أوجدت بيئة سياسية وأمنية جلبت معها لاعبين جدداً، إلى جانب اللاعبين القائمين. وكانت الروابط العائلية لهؤلاء مرنة باستجابتها لديناميات الحرب ومتطلباتها محلياً ومركزياً. كان لذلك انعكاسات في هياكل السلطة المحلية، والتي أصبحت عملية تشكيلها أكثر محلية وتعقيداً مما كانت عليه قبل الحرب.
تشترك عوائل السيد ورسلان وحسن بأن لها مكانة دينية ومجتمعية في محليّاتهم، إلى جانب صلاتها مع نظام الأسد ، وكان لقراباتهم العائلية أثر ملموس في تشكيل السياسات المحلية في المجالات الدينية والإغاثية واقتصاد الحرب، ليحافظ آل السيد على زعامتهم الدينية باحتكارهم الأوقاف، وآل رسلان على وجاهتهم المحلية بفعل مناصب أبنائها ورأسمالهم الاقتصادي، وعائلة حسن الصاعدة على موقعها في الاقتصاد المحلي، والذي تنشّط بانخراط أبنائها في اقتصاد الحرب.
ضَمِنت العوائل لنفسها مكانة في المنظومة الاجتماعية-السياسية لمرحلة ما بعد الحرب، وكان من شأن ذلك أن وطّد سلطتها محلياً، وعزّز دورها كوسيط لأي قوة خارجية. ورغم ذلك، لا بدّ من الحذر في تقدير قوتها، فهي، من جهة، لم تبلغ مقاماً يمكّنها من تحدي ترتيبات السياسة المحلية غير الرسمية المقرّة مركزياً، والقائمة على توازنات معينة، ومن جهة أخرى، ما يزال النظام قادراً على احتوائها.
نبذة
في العام ٢٠١٨، وسّع النظام السوري سيطرته على غرب البلاد وجنوبها، ومع ذلك، لم يؤدّ هذا التحوّل في السيطرة على الأراضي إلى توقّف الأنشطة غير المشروعة. فالواقع أن النظام عزّز قيام بيئةٍ مؤاتيةٍ أتاحت لشبكات التهريب مواصلة عملها، مستغلةً البيئة الهشّة التي أعقبت الحرب في سوريا، والانهيار الاقتصادي في كلّ من لبنان والأردن. استناداً إلى مقابلات نادرة، أُجريَت بين كانون الأول ٢٠٢١ ونيسان ٢٠٢٢، مع جهات فاعلة تابعة للحكومة وأخرى غير حكومية تعمل في أنشطة التهريب في سوريا، تنظر هذه الورقة في ديناميات التهريب بين سوريا ولبنان، ومن سوريا إلى الأردن، وتستعرض الفاعلين المنخرطين في أنشطته.
شكّل التدخّل الروسي في سوريا، في أيلول ٢٠١٥، نقطة تحوّلٍ مفصلية في الصراع السوري. فالمكاسب العسكرية التي حصدها النظام بفضله، وحالة الجمود التي لحقته منذ العام ٢٠٢٠، ومراوحة المفاوضات السياسية مكانها، وعدم القدرة على إحداث تغييرٍ مُجدٍ في سوريا، كانت عوامل أدّت إلى إحباط مُعارضي الأسد، وإلى تراجع أولويّة الصراع تدريجياً في الأجندة الدولية. ولكن في حين أن الغزو الروسي لأوكرانيا يصرف انتباهَ المجتمع الدولي المتلاشي عن سوريا بشكل أكبر، إلا أنه قد يولّد دينامياتٍ جديدةً على الأرض، ويخلق فرصةً فريدةً لعودة نشاط الدبلوماسية الإقليمية. فمع انشغال روسيا في أوكرانيا، قد تشعر الجهات الفاعلة الإقليمية أن ثمّة فرصة للدفع بأجنداتها في سوريا.
مقدّمة
لا شكّ في أن غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر شباط ٢٠٢٢، هو الحدث التاريخي الأبرز، من ناحية العواقب العالمية التي تبعته، منذ غزو العراق واحتلاله من الولايات المتحدة وبريطانيا في العام ٢٠٠٣. فناهيك عمّا أسفرت عنه الحرب الأوكرانية من تبعاتٍ إنسانيةٍ كارثيةٍ على شرق أوروبا، ألقت الحرب أيضاً بظلالها على الاقتصاد العالمي، ولا سيما أسواق السلع حيث أسعار النفط والغاز في ارتفاعٍ متسارع. يوفّر كلٌّ من روسيا وأوكرانيا ما يناهز ثلث صادرات العالم من القمح، وما يزيد عن ٧٠ في المئة من صادرات زيت دوّار الشمس، و٢٠ في المئة من الذرة، و٢٦،٦ في المئة من الشعير، و١١ في المئة من النفط، في حين تُعَدّ روسيا أحد أهمّ مورّدي السماد والمواد الخام ذات الصلة مثل الكبريت في العالم. ولكن منذ الغزو، أوقفت المرافئ على البحر الأسود جميع أشكال النشاط التجاري تقريباً، ما تسبّب بارتفاع تاريخي في أسعار القمح، التي تخطّت المستويات المُسجَّلة أثناء أزمة الغذاء العالمية في العامَين ٢٠٠٧ و٢٠٠٨. كذلك حظّرت روسيا وأوكرانيا صادرات القمح مؤقّتاً. وتلفت دراسةٌ نشرتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في آذار ٢٠٢٢، إلى أن "التحرّكات في أسعار السلع والأسواق المالية التي سُجّلَت منذ اندلاع الحرب، يمكن أن تؤدّي، إذا ما استمرّت، إلى تراجع نموّ الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من ١ في المئة في السنة الأولى، وإلى ركود عميق في روسيا، كما يمكن أن تزيد تضخّم أسعار الاستهلاك في العالم بحوالى ٢،٥ في المئة".
وسوريا ليست بمنأى عن هذه الديناميات العالمية والضعف الاقتصادي لروسيا. فاعتماد النظام السوري على روسيا اقتصادياً ازداد عقب تدخّلها العسكري في سوريا في العام ٢٠١٥، وإن كانت لم تضطّلع بدور الداعم المالي لدمشق.
مرّت مدينة بنغازي التي تقع في شرق ليبيا، وتُعَدّ ثاني أكبر مدن البلاد، بسلسلة أحداث، من ثورة العام 2011، إلى الصراع المسلّح بين العامَين 2014 و2017، أسفرت عن دمار 30 في المئة منها.[1] وطال هذا الدمار بعض المناطق الاستراتيجية، مثل وسط المدينة الذي كان الحيّ التجاري والإداري الرئيس لها، والمناطق المحيطة بها، مثل حيّ الصابري وحيّ سيدي أخريبيش. فقد تضرّرت البنية التحتية الأساسية والخدمات العامة، ما أدّى إلى عرقلة الحياة في المدينة.
كذلك تضرّرت بعض الأحياء السكنية، مثل بوعطني والليثي في شرق المدينة، و40 في المئة من منطقتَي الهواري وبنينا، حيث يقع مطار بنينا الدولي، والعمارات الصينية.[2] فأصبح أغلب منازل هذه الأحياء حطاماً، وامتلأت طرقها بأكوام الحجارة، وهجرها سكانها. ولم يقتصر الدمار على المنازل فقط، بل طال أيضاً الإرث المعماري مثل منارة أخريبيش، وقصر المنار، وسوق الحوت. تعكس هذه المباني هوية المدينة، وهي مهدّدة وعلى وشك الاندثار.[3]
نبذة
في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، مرّت عصابات الخطف بمراحل متعددة: منذ بداية ظهورها في عام ٢٠١٢ وحتى وضعها الحالي كشبكة إجراميّة معقّدة تحيط عمليّاتها بسرية عالية، ولها ما يشبه نظام السجون. يُمثّل الخطف من أجل الفدية اليوم واحداً من مصادر تمويل عدد من العصابات، ويتطلّب إمكانيات كبيرة من الاستدراج والرّصد ونصب الكمائن، ثم الاحتجاز لفترات طويلة. وتهدّد هذه الجريمة المنظّمة السّلم الأهلي في محافظة السويداء، إذ تتسبب الخطف بحدوث نزاعات قد لا يمكن السيطرة عليها اجتماعياً وأهلياً، ما يكشف عن عطَبِ الأدوات التقليدية في حماية مجتمع الدروز لذاته.
مقدّمة
تسبّبت الحروب والاشتباكات المحلية في ليبيا، بين العامَين 2014 و2018، في ضعف سيطرة السلطتَين الإدارية والأمنية على مرافق البلاد ومنشآتها. فقد تضرّرت العديد من القطاعات إلى حدّ كبير بفعل النزاع وانعدام الأمن، ولا يزال تأثير هذه النزاعات ملموساً حتى العام 2022 في مدينة سبها. أدى ذلك إلى وضعٌ جعل الحياة أكثر صعوبةً في المدينة الجنوبية الغربية الأكثر اكتظاظ بالسكان. ضمن القطاعات التي قد تأثرت بهذه التطورات قطاع المياه والصرف الصحي. وقد أدّت عوامل أخرى عدّة إلى نشوء الأزمة الحالية في القطاع في سبها، منها عدم تطوير القطاع طوال عقود، وتهالك شبكة أنابيب المياه، وسوء الإدارة، وقلّة الدعم.
لقد وضعت حكومة الوحدة الوطنية منذ تأسيسها معالجة هذه الأزمة ضمن أولوياتها كجزء من مشروع "عودة الحياة"، الذي أعلن عنه رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة في 27 آب/أغسطس 2021.[1] ولكن ما هي قدرة الحكومة على إيجاد حلول تعالج الأزمة على المدى الطويل بما يضمن تقديم الخدمات للسكان؟ نستكشف في هذه المدونة مدى تأثير العوامل المختلفة على إدارة قطاع المياه والصرف الصحّي في سبها.
مقدّمة
منذ اندلاع الثورة في ليبيا في العام 2011، ومع تردّي الأوضاع الأمنية جرّاء حروب السنوات الأخيرة، ازدادت الأزمات التي يعاني منها قطاع التعليم العالي في البلاد، ومن أبرزها التوسّع الأفقي للجامعات من دون الالتفات إلى معايير الجودة، ما أضعف جودة التعليم العالي. فقد ارتفع عدد الجامعات من 13 جامعة حكومية في العام 2014، إلى 26 جامعة في العام 2021.[1]
وعلى الرغم من الزيادة الملحوظة لفئة الشباب خلال العقد الأخير في ليبيا، يظلّ هذا التوسّع غير مبرّر. فإجمالي عدد السكان في ليبيا يبلغ 6،871،286 نسمة،[2][3] تشكّل فئةُ الشباب نسبة 56،78 في المئة منهم.[4] وعلى وجه التحديد، تبلغ المعدّلات العمرية لفئة الشباب من 15-34 عاماً نسبة 24،25 في المئة، بما يعادل 1،5 مليون نسمة من إجمالي عدد السكان، وهي الفئة المستهدفة بالتعليم الجامعي بمراحله كافّة،[5] في حين يبلغ عدد طلاب الجامعات حوالى 350 ألفاً.[6] بناءً على ذلك، يمكن القول إن عدد الجامعات المتزايد في ليبيا لا يرتبط بالتوزيع الديمغرافي للفئات العمرية.
وتترتّب عن التوسّع الأفقي للجامعات مشاكل عدّة. تم تسليط الضوء على بعض هذه المشكلات مؤخّراً من خلال محاولة حكومة الوحدة الوطنية لإعادة تفعيل قرارات مبادرات الدراسة بالخارج، التي كانت متوقّفة منذ العام 2014 بسبب الانقسام السياسي، وقلّة المخصّصات المالية لبرنامج الإيفاد إلى الخارج.
ملخّص تنفيذي
لتحصين مدينة حلب من الداخل، وإبقائها ما أمكن بعيداً عن الثورة التي اندلعت في مدن أخرى، استنفر النظام حلفاءه من رجال الأعمال ورجال الدين وزعماء العشائر. ضمن هذا التحالف انخرطت مجموعات منحدرة من عشائر باب النيرب إلى جانب قوات الأمن في قمع الحراك الثوري، دون أن يمنع هذا التحالف تباين مواقف زعماء العشائر أو حدوث انقسامات داخلها. ففي الأحياء الغربية التي ظلت تحت سيطرة النظام، تأسست ميليشيات على يد أبناء عشائر موالين هربوا من معاقلهم في الأحياء الشرقية التي سيطرت عليها فصائل الجيش الحر. شكلت الميليشيا إطاراً التقت فيه العشيرة بالنظام، بمصالح وأهداف مشتركة. فمن جهة النظام، كانت الميليشيا رافداً ضرورياً لتعزيز قواته العسكرية وتعويض النقص العددي الناجم عن الاستنزاف واتساع جبهات القتال. ومن جهة العشيرة، قدمت الميليشيا مظلة لحفظ مصالح أبناء العشيرة وتوفير الحماية لهم ضمن معسكر النظام، كما ساهمت في صناعة زعماء جدد وتعزيز مكانة زعماء سابقين.
بعد انتهاء القتال لصالح النظام، تضاءلت أهمية الأدوار العسكرية للعشائر، ما تسبب في انحلال الكثير من الميليشيات الصغيرة والمتوسطة أو انكماشها، في حين تمكنت الميليشيات التي تعتمد على التدخل الأجنبي، والتحقت بجبهات قتال جديدة من البقاء والنمو. وفي مدينة دُمِّر نصفها الشرقي تدميراً كاملاً، وهُجِّرت أغلب نخبها التقليدية، استندت المجموعات العشائرية على رأسمال متنوع لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مثل أدوارها العسكرية السابقة وموقع زعمائها ضمن شبكات السلطة المتشكلة خلال الحرب. فقد احتل زعماء عشائر باب النيرب العديد من المقاعد في الهيئات التمثيلية الرسمية منذ ٢٠١٦، ولا سيما مجلس الشعب. كما شاركوا متنفذين آخرين من خارج الوسط العشائري في الهيمنة على القطاعات الأكثر ربحية من اقتصاد الظل، والذي فاق حجمه حجم الاقتصاد الرسمي لمدينة حلب. أخيراً، نجح هؤلاء الزعماء في تعزيز مكانتهم الاجتماعية في ثلاثة اتجاهات: نحو عشائرهم ذاتها، ونحو العشائر الأخرى، ولا سيما الفقيرة والمنقسمة منها، ونحو مجتمع المدينة، الذي يعاني من الضعف والافتقاد إلى سند ووسطاء مهمين من أبنائه.
نبذة
مرّت العلاقة بين النظام السوري ورجال الأعمال على مدى سنوات عديدة في مراحل مختلفة، حيث اتّسمت بالعدائية أحياناً والتعاون أحياناً أخرى. ومع ذلك، بقيت علاقةً فاعلةً بوصفها الدعامة التي يرتكز عليها الاقتصاد. بيد أن النهاية المُتصوَّرة التي قد يؤول إليها الخطر الوجودي الذي يتهدَّد بقاء النظام، دفعت هذا الأخير إلى تغيير أسلوب تعاطيه مع مجتمع الأعمال. فازداد شعور رجال الأعمال تدريجياً باستهدافهم من قبل سياسات النظام المالية، فيما يشهد تعرّض رأس ماله وقدرته على النموّ للخطر. يوضح موجز السياسات هذا الخيارات القاسية أمام رجال الأعمال المستقلّين في سوريا اليوم.
نبذة
ينظر موجز السياسات هذا في مسألة استخدام نظام الأسد قرارات العفو العام خلال الصراع السوري. والهدف من هذه القرارات المحسوبة متعدّد الأوجه، ويختلف باختلاف المصالح السياسية والأمنية السائدة والمرتبطة بمسار الصراع. يؤدّي العفو العام دوراً ضمن النهج الراسخ القائم على قمع المدنيين واستغلالهم، والذي ساعد في بقاء النظام السوري طوال عقود من الزمن. ولأسباب متعدّدة، يستطيع النظام أن يختار منح "عفو عام" متى شاء، بدون أيّ خشية من التداعيات السياسية أو الأمنية.
ملخص تنفيذي
لطالما مثّلت العلاقة بين دمشق ومدخلها الشمالي-الشرقي جزءاً من مشهد أوسع يتعلق برغبة العاصمة التحكم بحدود ووظيفة الضواحي والبلدات والعشوائيات في محيطها الإداري القريب. لكن في ظل غياب سياسات سكانية مستدامة، ظلت العاصمة عاجزة عن التأثير، واكتفت بدور مقدّم الحد الأدنى من الخدمات. خلال الحرب، تغيرت مصائر السكان والعمران في مدخل دمشق الشمالي-الشرقي وفق نموذجين: الأول تدمير واسع النطاق، وتهجير المجتمعات المحلية المؤيدة للمعارضة والرافضة للمصالحة؛ والثاني تدمير منخفض الحدة وبقاء السكان الموالين للنظام أو المصالحين له. أما في مرحلة ما بعد النزاع، فإن تفاعل محافظة دمشق مع هذين النموذجين يُعيد تشكيل علاقة العاصمة مع سكان وعمران ضواحيها القريبة. ففي النموذج الأول، تجري إعادة التنظيم والتحضير لإعادة الإعمار من دون أخذ حقوق المهجَّرين بالاعتبار؛ وفي الثاني، يجري التحضير ببطء لعملية التنظيم، مع تعليق تنفيذها نتيجة استمرار وجود السكان في المناطق المنظمة سابقاً، أو نتيجة رفض سكان العشوائيات واستنادهم إلى قوة اكتسبوها خلال الحرب.
نبذة
ارتفعت أسعار المشتقّات النفطية في سوريا في العقد الأخير مع انخفاض دعم الدولة لها. ومنذ تشرين الأول ٢٠٢٠، أصبح الشعب السوري المتضرّر الرئيس من ارتفاع سعر المازوت. فتكاليف المعيشة، ولا سيما تكاليف النقل والسكن، ازدادت على نحو ملحوظ، تاركةً تبعاتها الوخيمة على المواطنين. على النحو نفسه، طالت العواقب الجهات الفاعلة الاقتصادية، ولا سيما الصناعيين والمزارعين الذين ارتفعت تكاليف إنتاجهم.
ملخّص تنفيذي
قبل اندلاع الثورة في العام ٢٠١١، كانت البنية التحتية للكهرباء في سوريا بالكاد تفي بالغرض، حيث سجّل القطاع خسائر كبيرة في الإنتاج والنقل جرّاء الانقطاع المتكرّر بسبب الأحمال الزائدة على شبكة الكهرباء، ولا سيما خلال الصيف. وكانت المؤشّرات الهيكلية ومؤشّرات الأداء في سوريا ضعيفة، إذ بلغت نسبة الطاقة المفقودة حوالى ٢٦ في المئة، في حين وصل انقطاع التيار الكهربائي إلى ٤٣ يوماً في السنة، علماً أن التعرفات كانت منخفضةً بسبب الدعم الحكومي الكبير.
وقد فاقمت سنوات الحرب العشر الأوضاع إلى حدّ كبير، حيث أصبح نصيب الفرد من استهلاك كهرباء الدولة ١٥ في المئة ممّا كان عليه في العام ٢٠١٠. فعلى سبيل المثال، وصل التقنين في التيار الكهربائي في حلب، في النصف الأول من العام ٢٠٢١، إلى عشر ساعات لكلّ ساعة أو نصف ساعة من الكهرباء. في المقابل، سجّلت دمشق خمس ساعات من الانقطاع لكلّ ساعة من الكهرباء. وإن كان ممكناً إصلاح الأضرار التي لحقت بالشبكة ومحطات التحويل الفرعية بأسعار معقولة بخبرة محلية، لا يمكن قول الأمر نفسه عن محطّات توليد الطاقة. فالصراع أدّى إلى تعرّض ٤ من المحطّات الـ١٤ لأضرار جسيمة، أي ما نسبته حوالى ١٨ في المئة من الاستطاعة الإسمية في أرجاء البلاد كافّة ما قبل الحرب. وقد طالت الأضرار أيضاً محطّتَين أخريين قرب حماة ودمشق، جرى إصلاحهما جزئياً مذّاك الحين.
قدّرت وزارة الكهرباء السورية في العام ٢٠٢١ تكلفة إعادة بناء الإنتاج والنقل في القطاع بـ٢،٤ مليار دولار. ومع أن من الصعوبة بمكانٍ إجراء تقدير كمّي للخسائر غير المباشرة في الإنتاج في القطاعات الأخرى جرّاء انقطاع التيار الكهربائي، يُرجَّح أن تكون هذه الخسائر أكبر بكثير من خسائر قطاع الكهرباء. يُذكَر أن الشركات الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري تشير إلى انقطاع الخدمات الأساسية على أنه العقبة الرئيسية التي تقف دون تمكّنها من الاضطّلاع بعملها.
أما استخدام الطاقة المتجدّدة فكان آخذاً في التراجع حتى قبل الصراع، حيث انخفض من نسبة ٢٠ في المئة في أوائل تسعينيات القرن الماضي، إلى ٥ في المئة عند اندلاع الصراع. ومع استمرار التباطؤ في تدفّق المياه من تركيا، والعجز عن إصلاح التوربينات الكهرمائية، ساهمت مصادر الطاقة المائية بنسبة ٢ في المئة لا أكثر من التغذية الكهربائية العامة في العام ٢٠٢٠. ومع أن الحكومة سهّلت على المستثمرين من القطاع الخاص المشاركة في قطاع الكهرباء الخضراء، خصوصاً طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لا تزال مساهمتهم في هذا المجال ضئيلة.
فضلاً عن ذلك، لم تُستَعَد إلا نسبة ضئيلة جداً من القدرة الإنتاجية، على الرغم من كثرة الكلام وتوقيع العديد من مذكّرات التفاهم. فالداعمان الرئيسيان لحكومة دمشق، روسيا وإيران، لم يُبديا رغبةً تُذكَر في متابعة الاتفاقات الموقّعة نظراً إلى عجز الحكومة السورية عن تأمين الأموال اللازمة. والواقع أن أشدّ حاجات البلاد إلحاحاً ليس استعادة القدرة الإنتاجية، بل التزوّد بما يكفي من مصادر الوقود لتحقيق إمكاناتها الحالية، وإصلاح الشبكة المتضرّرة. هذه المشاكل التي يعانيها قطاع الكهرباء معقّدة، تدخل فيها أيضاً السياسات الإقليمية، والعقوبات، والمشاكل التقنية، لكن أزمة الكهرباء الراهنة في سوريا إنما هي مالية في الأساس.
أدى التصعيد المسلح الذي بدأ في إبان هجوم القيادة العامة على العاصمة طرابلس خطر مواجهة دولية في محيط مدينة سرت. وقد بدت المدينة محورية لأطراف الصراع، الذي له أبعاد محلية وإقليمية ودولية. [1],[2],[3] لذا جدد المجتمع الدولي جهود في أغسطس 2020 لتهدئة الوضع في سرت.
تم تنسيق الجهود الدولية عبر البعثة الأممية في قيادة حوار ذي مسارات سياسية واقتصادية وعسكرية. ونجح المسار العسكري في جمع الأطراف المحلية في جنيف للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق نار وتشكيل لجنة عسكرية مشتركة تشرف على تنفيذ الاتفاق. أثار الاتفاق، الموقَّع في جنيف في 23 أكتوبر 2020، بين حكومة الوفاق الوطني والقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، الآمال في تهدئة الوضع في منطقة سرت الحيوية.
ملخّص تنفيذي
في عهد حافظ الأسد، تمكن كبار الضباط والبعثيين من أبناء العوائل الكبرى في مدينة الرستن، شمال حمص، من إحكام سيطرة النظام على المدينة. أما في عهد بشار الأسد فقد فشل رجال الأعمال والقادة الأمنيون من خارج المدينة، وكذلك المسؤولون المحليون المنحدرون من عوائل صغيرة، من لعب دور مماثل. ساهم هذا التغيير في زعزعة قاعدة النظام الاجتماعية، وهو ما كشفته أحداث عام ٢٠١١ بوضوح، بعد عجز مسؤولي الرستن عن احتواء الانتفاضة.
في ربيع ٢٠١٢، وقعت المدينة تحت سيطرة فصائل المعارضة، وباتت جزءاً من منطقة ريف حمص الشمالي. لعب العديد من أبناء عوائل الرستن دوراً قيادياً، حيث شكلوا فصائل مسلحة، وأسّسوا مجلساً محلياً لإدارة شؤون المدينة. لعب بعضهم دوراً غير مباشر في عودة المنطقة إلى سيطرة النظام عبر مجلس العوائل، الذي تشكل بمبادرة روسية وساهم في التوصل إلى اتفاق "المصالحة" في أيار ٢٠١٨، الذي نجم عنه تهجير جزء كبير من سكان المدينة باتجاه الشمال السوري.
منذ ذلك الوقت، سعى النظام إلى إعادة تثبيت سلطته في الرستن، عبر إعادة تشكيل شبكة الوسطاء المحليين. تمثل ذلك في تشكيل لجنة متابعة غير رسمية، مهمتها تنسيق الخدمات بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المحلي. انفرط عقد مجلس العوائل، مع دمج لعدد من أبناء العوائل بشكل انتقائي في لجنة المتابعة، المؤلفة أساساً من مسؤولين محليين من أبناء الرستن، يجمعهم أنهم موالون للنظام وبلا ثقل محلي يهدد هيمنته. ما تزال عملية تشكل المنظومة السياسية الاجتماعية قائمة في الرستن، إلا أن محاولات النظام فرض هيمنته على المدينة تصطدم بقلة موارد مؤسسات الدولة، وتشظّي السلطة محلياً، وضعف الرصيد الاجتماعي لمسؤولي البعث ومجلس المدينة.
ملخّص تنفيذي
في ٢٦ أيار ٢٠٢١، شهدت سوريا انتخابات رئاسية هي الثانية منذ اندلاع الصراع عام ٢٠١١. فاز بشار الأسد كما هو متوقع بولاية رابعة مدتها سبع سنوات، وبأكثر من ٩٥ بالمائة من الأصوات. وقد شكلت هذه الانتخابات اختباراً لقدرات شبكات النظام على التعبئة الشعبية، حيث تفاوتت قدرات التعبئة لهذه الشبكات بحسب مستوى تغلغل النظام في كل منطقة من المناطق، وهو ما يمكن تحديده من خلال (١) المسار الذي شهدته المنطقة خلال الحرب؛ (٢) ونمط عودة النظام بالنسبة للمناطق التي خضعت لسيطرة المعارضة؛ (٣) والدور الذي تلعبه جهات خارجية، ازاء محاولات النظام ترسيخ سلطته، بتسهيل هذه المحاولات أو تقييدها أو تقويضها.
وسواءً في المناطق التي ظلت تحت سيطرة النظام طوال فترة الصراع، أو تلك التي كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة ثم استعاد النظام سيطرته العسكرية الأمنية عليها بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين، سمح المستوى المرتفع لتغلغل شبكات النظام، بتحفيز أو إكراه السكان على إظهار دعم الأسد. ففي دمشق، على سبيل المثال، أو في مدينة حلب، أو في مدينة دوما بريف دمشق، أو في منطقة الساحل، لعبت المؤسسات الحكومية وحزب البعث وتنظيماته ورجال الأعمال وأعضاء مجلس الشعب وقادة الميليشيات ورجال الدين دوراً في التعبئة الجماهيرية طوال الحملة الانتخابية وفي يوم الاقتراع.
في مناطق أخرى ينخفض فيها مستوى تغلغل شبكات النظام، وتشهد انتشار جماعات مسلحة تجمعها علاقة مضطربة مع السلطات المركزية، تمتع السكان المحليون بهامش للمناورة عبّروا من خلاله عن أشكال مختلفة من المقاومة أو اللامبالاة حيال الانتخابات الرئاسية. ففي جنوب سوريا، اقتصرت التعبئة الجماهيرية الفعالة لحملة الأسد على بضعة جيوب صغيرة، في حين كانت المشاركة خارج هذه الجيوب محدودة، مع إضرابات وهجمات مسلحة ملحوظة سُجِّلت في يوم الاقتراع.
وفي المناطق التي تنحسر فيها سلطة النظام إلى جيوب محدودة وتخضع لتقييدات فرضتها الجماعات المسلحة، كانت شبكات النظام غير قادرة على التعبئة الفعالة. حيث تمكنت هذه الجماعات من احتوائها طوال الحملة الانتخابية وفي يوم الاقتراع. ففي محافظة الحسكة، عبّرت الإدارة الذاتية المدعومة من قوات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والتي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، عن رفضها تسهيل عملية التصويت في أراضيها، ما قوّض جهود النظام في تعبئة أنصاره.
ملخّص تنفيذي
أحدثت الحرب في سوريا تغييراً في جوانب عديدة من البيئة الاقتصادية والاجتماعية في شمال البلاد، إلا أن أهمّ تحوُّل طرأ خلال الحرب هو فصل حلب عن الريف المحيط بها، حيث أصبحت ضواحي المدينة، فعلياً، مستقلة اقتصادياً عن المدينة. أدّى نشوء المناطق الآمنة غير الرسمية في منطقة عملية درع الفرات ومنطقة عفرين، نتيجة عمليات التدخل العسكري التركية المتعددة، إلى منح شمال حلب إمكانيات أكبر للتعافي الاقتصادي نظرياً.
تتفاعل عدة قوى فاعلة في بيئة شمال حلب، أهمها المجالس المحلية والجيش الوطني والحكومة السورية المؤقتة، مع تأثير تملكه فصائل المعارضة في الاقتصاد المحلي، حيث تمارس عدة أنشطة غير قانونية تتركّز في مجالَي التهريب وتجارة العقارات. تتمتّع المجالس المحلية، التي تعمل تحت مسؤولية الوالي التركي الأقرب إليها، بدرجة كبيرة من الاستقلال عن الحكومة السورية المؤقتة، وتنظم المجالس شؤون التجارة وتصدر التوجيهات وتجبي الضرائب وتُبرِم العقود مع القطاع الخاص التركي. تشكل فصائل المعارضة والمجالس المحلية تحدياً لسلطة الحكومة السورية المؤقتة، التي تعاني من شح الموارد المالية وعدم القدرة على التحكم بتوزيع المال العام.
تتمثل أهم أصول شمال حلب الاستراتيجية في أربعة معابر حدودية مع تركيا، حيث يتيح اتصال المنطقة بتركيا شراء مختلف البضائع والمواد الخام اللازمة للإنتاج. كما تغذي تركيا المنطقة بالكهرباء عبر شركتَين من القطاع الخاص، ولكن لم يحدث استثمار جدي في بناء قدرة على توليد الكهرباء محلياً. لم تُعانِ مدن أعزاز وعفرين وجرابلس من نقص المياه، فالمياه السطحية تغطي احتياجات المنازل والأنشطة الزراعية. أما مدينة الباب ومحيطها فتعتمد على المياه الجوفية، ولا تكفي كمية المياه المستخرجة للأنشطة الزراعية. تشتري منطقة شمال حلب الوقود من الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ومن السوق الدولية عبر تركيا، لكن عدداً من أمراء الحرب يتحكمون بهذا القطاع، وأسعار الوقود والغاز أعلى في شمال حلب منها في مناطق الإدارة الذاتية ومناطق سيطرة النظام.
ارتفع إنتاج القطاع الزراعي خلال المواسم الثلاثة الماضية بفضل ارتفاع معدل هطول الأمطار، إلا أن المزارعين ما زالوا يواجهون صعوبة كبيرة في تحقيق الأرباح، الأمر الذي تفاقمه مضايقات بعض الجهات المسلحة لمُنتِجي زيت الزيتون. لم يشهد القطاع الصناعي نمواً يُذكَر، رغم الجهود الرامية لزيادة الاستثمارات في القطاع. ويواجه الصناعيون صعوبات في تصدير منتجاتهم وتسويقها محلياً، وهم لا يحصلون على أي دعم مالي أو مؤسسي. بذلك، يبقى نشاط المنطقة الأساسي هو التجارة، ولكنها تجارة قائمة بشكل أساسي على الاستيراد من تركيا، والاستثمار فيها محصور في أقلية ميسورة.
مقدمة
نجحت المواجهة العسكرية في إسقاط دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم داعش في العام ٢٠١٤، وسقط آخر معاقلها في بلدة الباغوز بدير الزور شرقي سوريا في آذار ٢٠١٩. إلا أن التنظيم بقي قائماً، بمقاتليه وعقيدته في سوريا، فقد نفذ أكثر من ١٥٠٠ هجوماً في مناطق مختلفة من سوريا منذ سقوط معقله الأخير وحتى آذار ٢٠٢١، وما تزال تلك الحصيلة في ازدياد كل يوم. [1]
وبينما يستمر نشاط التنظيم في مناطق سيطرة النظام السوري وفصائل المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية - وهي الجسم العسكري لما يعرف بالإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا - إلا أن تلك الأطراف المختلفة وحلفاءها من قوى دولية لا تزال تعتمد النهج العسكري كأسلوب وحيد لمواجهة داعش. ولكن هذا الخيار وحده لن يحول دون انبعاث داعش مرة أخرى ما لم يقترن بخيارات سياسية واقتصادية ودينية أيضاً. فطالما استمر المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ساهم في ظهور داعش في سوريا دون تغيير، سيظل التنظيم قادراً على ترتيب صفوفه، ومواصلة نشاطه، وتجنيد أعضاء جدد، وربما يعاود في المستقبل المتوسط أو البعيد محاولة السيطرة العسكرية على مدن وقرى لإعادة تأسيس دولته.
تقدم هذه الورقة قراءة في حجم ونطاق نشاط داعش في العامين الماضيين، وتحلل العوامل التي تدعم بقاءه، وأخيراً تقترح السياسات المطلوبة لمواجهة نشاط التنظيم في سوريا.
ملخص تنفيذي
بعد مضيّ عامَين على نهاية ولاية مجالس إدارة غرف التجارة السورية في العام ٢٠١٨، أظهر انتخاب مجالس جديدة في أيلول وتشرين الأول ٢٠٢٠، تغييراتٍ كبيرةً في شبكات رجال الأعمال التابعة للنظام السوري. فقد شهدت هذه الانتخابات صعود رجال أعمالٍ وسّعوا أنشطتهم الاقتصادية خلال الحرب، وغالباً ما يرتبطون بالقصر الرئاسي، و/أو يتبعون للفرقة الرابعة والميليشيات الموالية للنظام، خصوصاً في دمشق، وحلب، وريف دمشق، وطرطوس. تعكس خصائص هؤلاء القادمين الجدد تعمّقاً لملامح الاقتصاد السياسي السوري، الذي يتّسم بتطوّر مفرط للتجارة، ولا سيما في قطاعَي الاستيراد والخدمات، مثل البناء، والصرافة، وإنتاج المواد الغذائية وتجارتها، وخدمات المفروشات. في المقابل، لم يُعَد انتخابُ بعض الشخصيات البارزة في مجال الأعمال، والمُقرَّبة من القصر الرئاسي. وقد جرى جزئياً ملءُ المناصب الشاغرة لهذه الشخصيات في غرفتَي التجارة الأهمّ في البلاد، دمشق وحلب، عبر ترقية رجال أعمال أكبر سنّاً وأكثر تقليدية، وإن كانوا بعيدين كل البعد عمّا تتمتّع به الشخصيات الجديدة الصاعدة من ثقل.
ملخص تنفيذي
عجزت الجمعيات غير الحكومية السورية في مدينة دير الزور عن لعب أي دور يخفف من معاناة السكان، أو من بقي منهم، خلال سنوات الحرب والحصار الذي فرضه تنظيم داعش على جيب سيطرة النظام في المدينة. بل إن الجمعيات كادت تتلاشى نتيجة استنزاف مواردها المالية والبشرية بفعل النزوح، لولا تدخل السلطة التي حافظت على هياكلها عبر إعادة تشكيل مجالس الإدارة لبعضها.
بعد انتهاء الحرب لصالح النظام في نهاية ٢٠١٧، وانكشاف حجم التدمير الذي خلّفته الحرب، وسّعت الوكالات الأممية والمنظمات غير الحكومية الأجنبية تدخّلها في دير الزور، الأمر الذي شجّع عدداً من الجمعيات الخيرية والتنموية المحلية على استئناف أنشطتها، وشجّع عدداً متزايداً من الجمعيات الوطنية على تنفيذ مشاريع وافتتاح مكاتب لها في المدينة.
وقد أدت التحولات العميقة التي تعرضت لها الجمعيات المحلية خلال الحرب والحصار إلى تغير كبير في تركيبتها، لتتحول إلى تشكيلات تمثّل مصالح تجارية وعائلية تخص بعض رؤسائها. كما تنقص الجمعيات خصائص المؤسسة العامة من ناحيتي البنية والأداء، وتفتقر إلى الحاضن الاجتماعي، مما أفرز العديد من عوامل الضعف والتحديات التي ما تزال تعاني منها.
ورغم الحاجة الماسّة الناجمة عن عجز المؤسسات الحكومية عن تقديم الخدمات والرعاية الاجتماعية للسكان، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة، إلا أن النظام لم يخفّف القيود والتدخلات المتنوعة التي يفرضها على الجمعيات الخيرية والتنموية. تتجسد هذه التدخلات إما في القوانين الإدارية الناظمة لعمل الجمعيات، أو في التدخل المباشر للمسؤولين المحليين مثل المحافظ وضباط المخابرات، بالإضافة إلى الإتاوات التي يفرضها المكتب الأمني في الفرقة الرابعة على جميع شحنات البضائع والمواد القادمة إلى المدينة، بما فيها تلك المتوجهة للجمعيات الخيرية والتنموية. كما أن شبكة المحاسيب التي ينتمي إليها معظم رؤساء الجمعيات الحاليين أتاحت لمسؤولي النظام المزيد من القدرة على التدخل، ولا سيما في مشاريع الجمعيات المحلية الأربع الأهم في المدينة، والتي يَدين جميع رؤسائها بصعودهم للنظام، سواءً من ناحية استلام مناصب قيادية حكومية أو مراكمة الثروات بطرق غير مشروعة.
في إطار المساعي الرامية إلى التوصل لفهم دقيق لتركيبة الصراع في سوريا واتجاهاته، نظر فريق "زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا" في مجمل الأبحاث التي أُجرِيت حول سوريا في العقد الماضي. في هذا المنشور، نستخدم كلمة "بحث" بالمعنى الواسع الذي يشمل البحث الأكاديمي وأبحاث السياسات والصحافة الاستقصائية وغيرها من الأدبيات المتعلقة بسوريا.
الانتفاضة الشعبية السورية، التي اندلعت منذ عشر سنوات، تبعتها حرب وأزمة إنسانية جعلتها - وفق مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة - أكبر كارثة من صنع البشر منذ الحرب العالمية الثانية. وهي تتراجع إلى خلفية الأحداث مع تغيّر أولويات السياسات الخارجية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ورغم الأزمات المتداخلة والمتبدلة - ومنها حروب بالوكالة – التي شهدتها "الحروب السورية"، يوصَف الصراع اليوم بأنه في حالة جمود، فيما تحظى خمس قوى أجنبية بتواجد عسكري على الأراضي وفي الأجواء السورية، بما يقسم البلاد إلى عدة مناطق نفوذ. على السطح، قد يبدو الوضع داخل سوريا راكداً. في ظل حفاظ النظام العائلي، الحاكم منذ عقود، على سيطرته على ثلثي الأراضي السورية (بما فيها المدن الرئيسية) وعلى أغلبية من بقوا داخل البلاد، فيما يواصل حليفا النظام روسيا وإيران مساندته، قد يبدو لصنّاع السياسات الغربيين، الذين بدأوا حديثاً بالعمل على الملف السوري، أن سوريا عادت إلى حالة "الاستقرار" ما قبل عام ٢٠١١.
ملخّص تنفيذي
اعتمدت تركيا على القوة العسكرية لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تطويق نشاط وحدات حماية الشعب الكردية، والتي تنظر إليها بوصفها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وشنّت تركيا ثلاث عمليات عسكرية بين ٢٠١٦ و٢٠١٩ في ريف حلب الشمالي وعفرين وريف الرقة الشمالي وغرب الحسكة.
وبينما بقي الهدف الاستراتيجي واحداً خلال تلك العمليات، إلا أن السياسة التركية تجاه تلك المناطق تباينت على عدة مستويات. فعلى المستوى الأمني، فقد أظهرت القوات التركية قسوة شديدة للغاية في منطقة عفرين ("غصن الزيتون")، في حين كانت لينة في منطقة ريف حلب الشمالي ("درع الفرات")، مع تباين واضح في سياستها بين مدينتي تل أبيض ورأس العين رغم وقوعهما في منطقة عمليات واحدة ("نبع السلام"). كما أطلقت تركيا يد الفصائل الموالية لها ضد السكان الأكراد، ولا سيما في عفرين، في حين أبدت الفصائل درجة انضباط أعلى في بقية المناطق. كذلك ميّزت السياسة التركية بين المناطق على المستوى الخدمي مثل الإمداد بالكهرباء وصيانة شبكات الطرق. كما مارست تركيا عمليات استهدفت تغيير التركيبة السكانية لمنطقة عفرين خصوصاً، حيث أسكنت عائلات النازحين والمقاتلين الموالين لها في منازل الأكراد المهجّرين، ونقلت النازحين التركمان من حمص واللاذقية إلى المناطق المتاخمة للحدود السورية-التركية.
ويعود هذا التباين في السياسات إلى هاجس الأمن القومي التركي المتصاعد، والذي يتمحور حول تفكيك مشروع الإدارة الذاتية الكردية وتأمين شريط حدودي بعمق ٥ كم داخل الأراضي السورية، ومن هنا تحظى المدن والتجمعات الواقعة على هذا الشريط بأهمية كبيرة وأولوية الحصول على الخدمات بهدف ترغيب السوريين بالإقامة فيها. أما تشابهات السياسة التركية عبر مناطق النفوذ الثلاث فشملت التمركز في معسكرات كبيرة محدودة ونقاط حراسة متقدمة لمواجهة مقاتلي وحدات حماية الشعب. كذلك تم اتباع التقسيم الإداري التركي نفسه في المناطق الثلاث على حساب أشكال الحكم والقوانين التي عملت بها الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، ليجري تقديم الخدمات عبر المؤسسات التركية نفسها وإن بمعايير وحسابات مختلفة. ويعود هذا التشابه إلى رغبة أنقرة بضبط المنطقة أمنياً وإدارياً عبر نموذج مألوف ومنع الحكومة المؤقتة من لعب دور يتجاوز المصالح التركية.
ملخص تنفيذي
بعد عامين من استعادة النظام السوري سيطرته عسكرياً على جميع أنحاء ريف دمشق، يبدو مصير الفاعلين الإجتماعيين المؤثرين، من وجهاء ورجال دين ورجال أعمال ونشطاء مدنيين وقادة عسكريين، مختلفاً من منطقة إلى أخرى، تبعاً لعوامل متعددة منها مستوى التهجير والتدخل الأجنبي. وقد ظهر نتيجة التحليل وجود ثلاثة نماذج متمايزة.
النموذج الأول، يمثّل المناطق التي خضعت لحرب عنيفة، نتج عنها تهجير قسري لكامل أو معظم السكان، مدعوماً بقوة التدخل الأجنبي. وفي هذه المناطق، التي باتت رهينة النفوذ الأجنبي، خضعت المجتمعات المحلية لصدمة كبيرة، تخلخل معها نسيجها الاجتماعي، وفقدت أبرز فاعليها الاجتماعيين. النموذج الثاني، ويمثّلُ المناطق التي شهدت تهجيراً جزئياً، وسط تدخل خارجي محدود. وفي هذه المناطق تراجع دور وحضور الفاعلين الاجتماعيين المحليين الذين قرروا البقاء بعد المصالحة. النموذج الثالث، ويشمل مناطق شهدت تهجيراً جزئياً، وسط تدخل خارجي محدود، ولكن تمكن الفاعلون فيها من الاستمرار ضمن أشكال متعددة. التمايز في مصائر الفاعلين ضمن هذه النماذج الثلاثة، هو أشبه بمسارات متوازية عاشتها مناطق ريف دمشق ذات الخلفيات الاجتماعية المتقاربة، بعدما أثرت عليها مجموعة مختلفة من العوامل الداخلية والخارجية.
ملخّص تنفيذي
تربط روسيا علاقة وثيقة وقديمة بسوريا تعزّزت استراتيجياً بين الاتحاد السوفياتي ونظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في سبعينيات القرن الفائت، ثم أصبحت متينةً مع نظام نجله، الرئيس الحالي بشار الأسد، على أثر تفعيلها في الحرب السورية. فبعد أن فقد الأسد الابن، منذ بداية الانتفاضة السورية في العام ٢٠١١، السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، جاء التدخّل العسكري الروسي لصالح النظام السوري في أيلول ٢٠١٥ ليغيّر موازين القوى. وقد أفضى هذا التدخّل إلى استثمار الشركات الروسية في قطاعات مهمّة من الاقتصاد السوري المتهالك بفعل الحرب، أبرزها مناجم الفوسفات.
الواقع أن للاستثمار الروسي في الفوسفات بُعداً جغرافياً ومناطقياً في سوريا، حيث يُظهِر اقتصاد الفوسفات الحضور الروسي على شكل مثلّث، ضلعُه الأول مناجم الفوسفات قرب تدمر في حمص، والثاني معمل الأسمدة قرب قطينة في حمص، والثالث مرفأ طرطوس، الذي يُصدَّر الفوسفات والأسمدة منه إلى الخارج. تدير روسيا جميع مفاصل مؤسسات الفوسفات، ويبدو أن استثمارها في المناجم بلغ حدّ الانخراط في المجتمع المحلي السوري، داخلاً في تركيبة التقسيمة المناطقية في الساحل والداخل، ناهيك عن أن الحضور الروسي في المناجم ربَطَ البحر الأبيض المتوسط بالصحراء السورية.
وما كان هذا الحضور الروسي في الاقتصاد السوري ليكون ممكناً لولا الشراكة مع النظام السوري. فهذا الأخير يتواجد أمنياً وإدارياً في الاستثمار الروسي للفوسفات عبر الشراكة المباشرة وغير المباشرة بين الجانب الروسي والفرقة الرابعة التابعة للواء ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري. والشراكة المباشرة أمنيّة، تتكفّل بموجبها شركات الترفيق التابعة لرجال أعمال محسوبين على الفرقة الرابعة، نقل وحماية شحنات الفوسفات الخام الخارجة من المناجم إلى معمل الأسمدة في حمص، ثم مرفأ طرطوس. أما الشراكة غير المباشرة فتتمثّل في الوجود الإداري للفرقة الرابعة بواسطة شركة خاصة تدعى صدى لخدمات الطاقة، وهي شركة وسيطة بين الإدارة الروسية والعاملين السوريين، والوكيل القانوني للشركة الروسية "ستروي ترانس غاز" المستثمرة في المناجم، ومعمل الأسمدة، ومرفأ طرطوس.
لكن على الرغم من استثمار "ستروي ترانس غاز" في القطاع عبر عقودٍ مع الحكومة السورية لاستخراج الفوسفات، وإنتاج الأسمدة، وتصديرهما عبر المرفأ، لا تزال تعترض الإدارة الروسية للمؤسسات السورية عقباتٌ ومشاكل عدّة. ففي الفترة الأولى من الاستثمار الروسي، الذي يُفترَض أن تدوم لنصف قرن قادم، تعاني إدارةُ الشركة الروسية "إس تي جي إنجينيرينغ"، المستثمرة لمعمل الأسمدة ومرفأ طرطوس، والتابعة لـ"ستروي ترانس غاز"، حالةً من الارتباك والتخبّط، جرّاء المشاكل الناجمة عن الهيكلية الإدارية الضعيفة للمؤسسات السورية التي تديرها، والتفشّي الكبير للفساد فيها. وتتفاقم هذه المشاكل أكثر بفعل العقوبات الغربية على النظام السوري، والعلاقة المتوتّرة بالعاملين والموظّفين السوريين في تلك المؤسسات، ما يعيق إنتاج الشركة.
ملخّص تنفيذي
في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أُجريت انتخابات مجلس الشعب السوري في تموز 2020 بعد أن تأجلت مرتين عن موعدها السابق احترازاً من تفشي جائحة كورونا. وبالرغم من أن شعارات الحملة الانتخابية التي أطلقها المرشحون، لا سيما المستقلون منهم، تركزت حول الهم الاقتصادي، واقترنت بمساهمات خيرية دعائية من المرشحين، إلا أنها لم تجعل الانتخابات محل اهتمام لدى أغلبية السكان في مناطق سيطرة النظام.
وكما المعتاد، سيطر حزب البعث على أغلبية المقاعد في المجلس المتشكل، وبحضور ضئيل إلى جانبه تمثلت بعض الأحزاب الهامشية المتحالفة معه ضمن ما يعرف بالجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها البعث نفسه، في حين احتل المستقلون المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد بعد أعضاء البعث، مع التذكير بأن الفرز على أساس الانتماء السياسي لا يُحيل إلى معانٍ سياسية متباينة في الموقف تجاه النظام، فالولاء له شرط بديهي يجب أن يتحقق في حالة جميع الأعضاء الـ٢٥٠ بل وحالة جميع المرشحين.
بالرغم من احتفاظ حزب البعث باحتكار العدد الأكبر من مقاعد مجلس الشعب، إلا أن الانتخابات أظهرت عجز قيادته عن إحياء الحزب كأداة سياسية فاعلة وقادرة بقواها الذاتية على التأثير. فقد كشفت تجربة الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحي الحزب ضآلة المشاركة فيها، فضلاً عن اتهامات الفساد والاعتراضات الواسعة التي طالتها داخل الحزب من جهة، وعجز الحزب عن دفع الناس إلى التصويت وفق ما تثبت نسب المشاركة – الأدنى من أي انتخابات سابقة – من جهة أخرى. وأفرزت محاولات تجديد أعضاء مجلس الشعب المزيد من التناقضات، التي تجسدت باتساع الطيف العسكري وشبه العسكري في كتلة أعضاء الحزب (مع صعود الضباط المتقاعدين من الجيش والشرطة) وتصاعد تأثير رأس المال (مع المزيد من رجال الأعمال) وتأثير مراكز قوى خارج الحزب (مع دخول ناشطين في الحقل الخيري والتنموي مدعومين من أسماء الأسد)، ما خلق كتلاً غير متجانسة ضمن كتلة البعث النيابية التي تعبر إلى حد كبير عن واقع الحزب كله اليوم، ليبدو أضعف مما كان قبل اندلاع الثورة.
وفق المؤشرات التي أظهرتها الانتخابات، لم تكن مقاربة النظام نحو مُواليه واحدة، فبينما أبدى حرصاً واضحاً على تمثيل النخب التقليدية من الأقليات، وتمثيل الناشطين في قضايا جرحى الحرب وعائلات القتلى من الجنود منها، إلا أنه لم يكن مبالياً بتمثيل النخب التقليدية الموالية من العرب السنّة، حيث تناقص عدد شيوخ العشائر، وغاب التيار الديني السني نهائياً عن المجلس، رغم الأدوار التي ما يزال يؤديها القادة الرسميون لهذا التيار. ويبدو أن أثرياء الحرب وقادة الميليشيات والضباط المتقاعدين هم البديل الذي اختاره النظام ليقود الأوساط الموالية في المجتمعات العربية السنية في المناطق الخاضعة لسيطرته.
في وقت تراجعت فيه حدة النزاع المسلح وتصاعدت التحديات الاقتصادية، عكست نتائج الانتخابات سعي النظام لتوسيع شراكته مع أثرياء الحرب، الذين أضفوا على مجلس الشعب ٢٠٢٠ صبغة أموال الحرب. فقد تزايد عدد رجال الأعمال إلى ٤٣ عضواً في دورة ٢٠٢٠، بينهم ٣٠ يدخلونه لأول مرة. ومع استبعاد رجال أعمال بارزين في دمشق وحلب، لم يكن معظم رجال الأعمال الفائزين يحظون بشهرة واسعة في وسط الأعمال قبل ٢٠١١ أو قبل وصولهم إلى مجلس الشعب، فقد راكم هؤلاء ثرواتهم أو الجزء الأكبر منها خلال الحرب، بالاتكاء على العلاقات الوثيقة التي تربطهم بمراكز القرار في دوائر النظام، ومن خلال العمل بأربعة مجالات رئيسية غير منتجة ازدهرت في ظل الحرب، هي أعمال التهريب، ومقاولات البناء وتجارة الغذائيات، والوساطة المالية. وبالمقارنة مع الانتخابات السابقة عام ٢٠١٦، حين كان انخراط بعض رجال الأعمال في الأنشطة العسكرية والأمنية الرصيد الأهم الذي أهّلهم للوصول إلى مجلس الشعب، أصبحت الخدمات الاقتصادية التي قدمها الطامحون منهم بالفوز بعضوية مجلس ٢٠٢٠ في المقدمة. فقد شارك معظمهم في الحملات الوطنية التي أطلقتها الحكومة لمواجهة جائحة كورونا أو لدعم الليرة السورية، أو في تقديم الخدمات المتنوعة في مناطقهم، في وقت تعاني فيه مؤسسات الدولة من العجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. قد تشير الزيادة الكبيرة في تمثيل رجال الأعمال بمجلس ٢٠٢٠ إلى عزم النظام على إشراكهم في محاولات النجاة من تأثيرات الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
أخيراً، كشفت انتخابات ٢٠٢٠ عن جانب من التغيرات التي حدثت في الحلقة الحاكمة العليا المحيطة ببشار الأسد، فقد غاب عنها تأثير رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الأسد، وتصاعد بوضوح دور أسماء الأسد زوجة بشار، ولا سيما من خلال وصول ناشطين في الحقل الخيري والتنموي محسوبين عليها إلى المجلس، بالإضافة لانتخاب أو إعادة انتخاب أعضاء آخرين مرتبطين مباشرة بموظفي القصر الجمهوري أو بالزوجين الرئاسيين. وبرز تأثير أسماء الأسد في دوائر دمشق وطرطوس وريف دمشق على وجه خاص، في حين حافظ ماهر الأسد، شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة، على نفوذه بكتلة متجددة من التجار والمهربين المرتبطين بالشبكة الاقتصادية الخاصة بهذه الفرقة، وبما يتناسب مع خريطة انتشارها في ريف دمشق وأجزاء من محافظتي الرقة ودير الزور. وبأهداف ومصالح متنوعة، تجدد التدخل الإيراني، حيث تلقى ما لا يقل عن ١١ عضواً دعماً واضحاً من الإيرانيين لدخولهم مجلس الشعب عام ٢٠٢٠ (ليصعد من ٨ أعضاء تقريباً في دورة ٢٠١٦). وتركز التأثير الإيراني في المناطق المحاذية لنهر الفرات، في دائرة مناطق حلب خصوصاً ثم الرقة ودير الزور شمال شرقي البلاد.
للإطلاع على كامل التقرير البحثي الرجاء
ملخّص تنفيذي
أدى تحرير الاقتصاد، المتزايد بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة قبل عقد من الانتفاضة السورية، إلى تعميق ظروف المعيشة والعمل الصعبة لدى قطاعات واسعة من القوى العاملة في البلاد. وقد تردّى الوضع العام من النواحي كافّة مع بدء الحرب، إذ تقلّصت القوى العاملة بشكل كبير على خلفية دمار البنية التحتية، والعسكرة، والتهجير القسري لملايين السوريين. وفي الوقت نفسه، ارتفعت مشاركة النساء في سوق العمل بشكل ملحوظ، ولكن دون تعزيز دورهنّ الاجتماعي أو الاقتصادي في المجتمع.
يمارس النظام السوري القمع ضد النشاط المستقل للعمال والفلاحين. وقد فرض آلية للتحكم بهم عبر الاتحاد العام لنقابات العمال والاتحاد العام للفلاحين ومؤسسات أخرى، إضافة إلى سياسات مبنية على الزبائنية، والولاء السياسي والطائفي، والتمييز الإثني فرضت عوائق جدية أمام بروز أي حركة عمالية منظّمة ذاتياً وصاحبة هوية طبقية واضحة. وتحت حكم حزب البعث، أًعيد إنتاج وتصوير اتحادات العمال والفلاحين ونقابات المهنيين بصفتها جزءاً من النظام، في خطاب الدولة وتمثلاتها الداخلية والخارجية، كما في تقديمها لخدمات معينة بعد عام ٢٠١١. لقد كانت وظيفة الاتحاد العام لنقابات العمال تعزيز سياسات النظام وتحكّمه بالمجتمع.
لم تمنع هذه الظروف ظهور أشكال صغيرة من الاحتجاج والمعارضة العمالية ضد تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ولكن تلك المعارضة لم تزعزع استقرار النظام بشكل حقيقي. إن غياب حركة عمالية في سوريا يشكل عقبة حقيقية أمام تحسين الأوضاع المعيشية لمختلف قطاعات القوى العاملة.
ملخّص تنفيذي
وجد رجالات النظام السوري الأمنيون والعسكريون والسياسيون قرار الترخيص للشركات الأمنية الخاصة فرصةً استثماريةً جديدة، ومدخلاً إلى زيادة نفوذهم، وإيجاد موارد اقتصادية جديدة مغطّاة بشكل رسمي. وقد عكست تلك الشركات قوة الشبكات الزبائنية بين رجال الأعمال والمستثمرين، وبين القادة الأمنيين والعسكريين والسياسيين.
جاء ظهور تلك الشركات ردَّ فعلٍ على الخلل الأمني في مرحلة ما بعد العام ٢٠١١، حيث عوّض نشاطها إلى حدّ كبير عن النقص في عديد الشرطة، وساهمت في توفير الحماية لرجال الأعمال ومنشآتهم. كذلك حدّت تلك الشركات من تزايد نسبة الجريمة، وعمليات الخطف والابتزاز التي تعرّض لها رجال الأعمال بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة.
وقد ساعدت الشركات الأمنية أيضاً النظام السوري في الحفاظ على ولاء مقاتلي الميليشيات وأُسَر القتلى، من خلال تأمين فرص عملٍ لهم فيها بعد حلّ عددٍ كبيرٍ من الميليشيات، ناهيك عن فرص العمل التي أتاحتها لطلبة الجامعات من أبناء الطائفة العلوية في حمص ودمشق.
ملخّص تنفيذي
دفع التحول إلى اقتصاد السوق، في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، النظام السوري إلى تبني إطار مرن جديد لحكمه السلطوي. وقد تمثلت هذه المرونة جزئياً في التشجيع الحكومي للمجتمع المدني السوري، بهدف تعويض انسحاب الدولة التدريجي من الضمان الاجتماعي، ولكن مع البقاء تحت وصاية الدولة وإشرافها. وبعد اندلاع الثورة السورية، زادت الدولة من إنفاقها العسكري لمحاربة مجموعات المعارضة المسلحة، ليطال البنية التحتية للبلاد أضرار جسيمة. ولمواجهة الوضع الاقتصادي المتدهور، تم تكليف المنظمات غير الحكومية المنظمة حكومياً والجمعيات الخيرية الموالية، بجذب التبرعات الدولية لتمويل توفير الخدمات، ولتنفيذ نظام مكافآت على نطاق واسع موجه للموالين للأسد، كذلك لتجنيد متطوعين للميليشيات والمنظمات الموالية للنظام.
تعتمد غالبية الجمعيات الموالية على المساعدات التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر. وعادة ما تبدأ هذه الجمعيات بتوفير الغذاء وإمدادات الطاقة للمجتمعات الموالية. وفي مرحلة لاحقة، تعمل على تعزيز دورها تدريجياً عبر بالمشاركة في توفير الخدمات، مثل مشاريع المياه والصرف الصحي وبرامج الإنعاش المبكر. ومع ازدياد نفقاتها، تلجأ هذه الجمعيات إلى تنويع مصادر إيراداتها، والاستثمار في مشاريع وأنشطة مختلفة، مثل تقديم القروض المصغرة وإزالة الأنقاض ومشاريع البنية التحتية الصغيرة والخدمات الصحية.
يُظهر تطور هذه الجمعيات أثناء الصراع ثلاث نتائج مهمة. أولاً، يستغل النظام المنظمات غير الحكومية المنظمة حكومياً لإجراء رقابة صارمة على جهود المساعدات الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة، وتقديم المساعدة إلى مواليه. ثانياً، تستخدم الجمعيات المقربة من النظام هذه المنظمات لتعزيز نفوذهم، وبالتالي التنافس مع أقرانهم على الغنائم التي يتيحها قطاع الجمعيات. ثالثاً، أظهرت الجماعات المسلحة ميلاً قوياً لفرض سلطتها المحلية، عن طريق توفير الخدمات ومشاريع البنية التحتية، وبالتالي تمكنت من زيادة استقلاليتها.
مقدّمة
توالى خروج المظاهرات في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية، منذ ٦ حزيران ٢٠٢٠. ورفعت المظاهرات سقف شعاراتها السياسية إلى حدّ المطالبة باسقاط النظام السوري، وتحميل الرئيس بشار الأسد مباشرة مسؤولية الفشل في معالجة الأزمات الاجتماعية والوطنية. المظاهرات استعادت بعض شعارات الثورة السورية، بعد أكثر من خمسة أعوام على آخر مظاهرة معارضة للنظام في السويداء. وإذ رفعت المظاهرات، للمرة الأولى في سياق الثورة السورية، شعارات ذات أبعاد اجتماعية مثل "خبز، حرية، عدالة اجتماعية"، فإنها ركزت أيضاً على البعد الوطني بالهتاف التضامني مع بقية المحافظات السورية والمطالبة بإخراج القوات الإيرانية والروسية من سوريا.
وتأتي مظاهرات السويداء الأخيرة وسط انهيار متواصل لقيمة صرف الليرة السورية وقدرتها الشرائية إلى حدود غير مسبوقة،[1] وسط ثبات لمتوسط الأجور لعمال القطاعين الخاص والعام.[2] كما أن ملاحقة الأجهزة الأمنية لشركات تحويل الأموال التي لا تلتزم بسعر صرف الدولار الرسمي، أثر على قيمة المساعدات والتحويلات التي يرسلها أبناء السويداء المغتربين في الخليج وأوروبا. وترافق ذلك مع أزمة وباء كوفيد-١٩ عالمياً التي أثرت على أعمال الكثير من أبناء المحافظة العاملين في الخارج، وتسببت في كثير من الحالات بعودة كثيفة لهم إلى سوريا من دول الخليج ولبنان، بعدما فقدوا أعمالهم، خلال شهري نيسان وأيار. ذلك المزيج من العوامل تسبب بتراجع شرائح سكانية واسعة إلى ما تحت خط الفقر، وسط عجز شبكات التضامن الأهلية الدرزية القائمة سابقاً على أسس عائلية أو دينية عن احتواء تداعيات هذا الإفقار غير المسبوق.
وسبق المظاهرات الأخيرة، سلسلة اعتصامات ومظاهرات محدودة مطلع العام ٢٠٢٠ تحت عنوان "بدنا نعيش" ركزت على الجانب المعيشي المطلبي فقط، وتجنبت الخوض في الشعارات السياسية. وتسببت الحرائق المتكررة التي طالت في شهري نيسان وأيار مساحات واسعة من سهول القمح غربي السويداء والمناطق الحراجية شرقاً، بموجة غضب شعبية واسعة، حمّلت مؤسسات الدولة السورية المسؤولية بالفشل في اخمادها. وتداعى عدد من النشطاء لإقامة اعتصامات متعددة للتنديد بالحرائق، نهاية أيار، ومنها انبثقت فكرة المظاهرات الأخيرة.
مقدّمة
منذ استيلائه على الغوطة الشرقية، عمل النظام السوري على إدارة بلداتها عبر مؤسساته الأمنية. ونظراً لهشاشة مؤسسات الدولة بعد تسع سنوات من الحرب، يعتبر فيروس كورونا أحد أكبر الإشكاليات التي يواجهها النظام السوري اليوم، خصوصاً في المناطق التي استعادها مؤخراً. ومع انتشار الوباء في سوريا، حيث تم تسجيل ٤٤ إصابة في بداية أيار٢٠٢٠ في جميع أنحاء البلاد،[1] اتخذ النظام السوري تدابير وقائية صارمة في الغوطة الشرقية عبر وزارة الداخلية، في محاولة للحد من انتشار الوباء.
وفقاً لسلسلة القرارات الصادرة من وزارة الداخلية، فُرض حظر تجوال في ٢٧ آذار ٢٠٢٠ بين دمشق وريفها. إلا أن هذه القرارات لم تشمل جميع المناطق، واقتصرت على المناطق التي استعادها النظام مؤخراً مثل الغوطة الشرقية.[2] وفي مطلع نيسان، أعلنت وزارة الصحة عن إصابات في الغوطة الشرقية (دوما وحرستا وسقبا وحمورية).[3]
تأتي الإجراءات الحكومية المتخذة في الغوطة الشرقية على شكل تدابير أمنية أكثر من كونها وقائية. وبالتزامن مع تزايد إعلانات الحكومة السورية عن انتشار فيروس كورونا، عمد النظام السوري إلى توسيع تواجد الفرق التابعة لحزب البعث بهدف تعزيز سلطته في هذه المناطق.
مقدّمة
قاد النظام وحلفاؤه عدة عمليات عسكرية منذ نيسان ٢٠١٩، قضمت منطقة خفض التصعيد الرابعة، شمال غرب سوريا، وأفضت إلى سيطرة قوات النظام على ريف حماة الشمالي وأجزاء من إدلب. وفي منتصف كانون الأول ٢٠١٩، باشر النظام عملية عسكرية جديدة مدعومة بالقاذفات الروسية، وسيطر خلال شهرين ونصف، على طريق M5، الواصل بين مدينتي حلب ودمشق، وعلى المناطق الواقعة شرقه، ومناطق بعمق ٨ كم غربه، إضافة للسيطرة على جيب صغير شمال حلب. وتقدر المساحة التي خسرتها المعارضة في الهجومين بنحو ٣٠٠٠ كم٢.
أتى الرد التركي في نهاية شهر كانون الثاني ٢٠٢٠ بعد أن سيطر النظام وحلفاؤه على معرة النعمان ثاني أكبر مدن محافظة إدلب، الواقعة على طريق M5، اعتبرت تركيا أن استمرار الصراع يطال أمنها القومي، فسعت الى وقف الهجوم عن طريق إرسال نحو ٢٠ ألف جندي إضافي خلال شهرين، وأنشأت نقاط مراقبة جديدة على طريق M5.[1] في شهر شباط، بدأ أول اشتباك مسلح حقيقي بين تركيا والنظام السوري منذ عام ٢٠١١، حيث قتل النظام وحلفاؤه ٣٤ جندياً تركياً في جبل الزاوية، وردت عليه تركيا بقصف انتقامي واسع عبر عملية أطلقت عليها اسم درع الربيع في ١ آذار.[2]
كان يمكن أن تؤدي هذه المواجهة العسكرية المباشرة الأولى بين الجيشين التركي والسوري إلى تهديد العلاقة بين روسيا وتركيا. فأبرم البلدان سريعاً اتفاقية جديدة، في ٥ آذار (ملحق لاتفاقية سوتشي لعام ٢٠١٨)، أعادت العمل بوقف إطلاق النار الهش، فيما بقي الخلاف حول مستقبل إدلب مستمراً ومفتوحاً على احتمالات عنف متصاعدة.
لذا، يقع على عاتق الداعمين الدوليين مسؤولية كبيرة لحماية المدنيين ومنع انهيار الاتفاق، لأنه سينعكس سلباً على العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، ما يهدد بموجة كبيرة من اللاجئين مترافقة مع مخاطر فيروس كورونا، واحتمالات تدفق أعداد كبيرة من الجهاديين بين اللاجئين.
ملخّص تنفيذي
إذ تحدّت انتفاضة العام ٢٠١١ النظام السلطوي بشدّة في عددٍ من المناطق، يبدو تحليل انتخابات ما بعد العام ٢٠١١ محورياً لفهم كيفية سعي النظام إلى تجديد قاعدته الاجتماعية، التي يُفترَض أنها تقلّصت إلى حدّ كبير خلال سنوات الصراع الأولى.
أُجريَت آخر انتخاباتٍ لأعضاء مجلس الشعب السوري البالغ عددهم ٢٥٠ عضواً، في نيسان ٢٠١٦، وذلك في بلدٍ منقسمٍ بشدّة، وفي وقتٍ كانت قوات النظام لا تزال ضعيفةً، وتسيطر على أقلّ من ٤٠ في المئة من الأراضي. وعلى الرغم من الاضطّرابات العميقة التي أسفر عنها الصراع، نظّمت السلطات السورية تلك الانتخابات بطريقةٍ مماثلةٍ للطريقة التي كانت تُجرى بها قبل الحرب، علماً أن القيادة القطرية لحزب البعث اضطّلعت بدورٍ رئيس في الاختيار الأوّلي للمرشّحين، مع أن الحزب كان خسر دوره بوصفه الحزب الحاكم في المجتمع والدولة في دستور العام ٢٠١٢. فقد أشرفت القيادة على عملية تشكيل قوائم "الوحدة الوطنية"، التي ضمّت مرشّحين بعثيين، وآخرين من الأحزاب الأخرى في الجبهة الوطنية التقدّمية، وأحياناً مرشّحين مستقلّين، فازوا جميعاً بهذه الانتخابات.
مقدّمة
تطوّرت الأزمة مؤخراً بين محافظة السويداء الحيادية وبين محافظة درعا التي كانت تحت سيطرة المعارضة حتى اتفاق المصالحة في منتصف العام ٢٠١٨، بسبب أعمال الخطف المتبادل الذي كان قد طال ١٥١ مدنياً من أبناء درعا في السويداء، وأبناء السويداء في درعا، خلال العام ٢٠١٩.[1] وسُجّلت حالات تعذيب واغتصاب متعددة، في ما بات أسلوباً ممنهجاً للعصابات بغية ابتزاز ذوي المخطوفين، لضمان دفع الفدية بشكل أسرع.[2] وفي أذار ٢٠٢٠، جرت مناوشات عسكرية، سقط على أثرها عشرات القتلى، ما بات يُهدد بشكل فعلي السلم الأهلي. وتصاعد على أثر ذلك التحشيد على أسس طائفية ومناطقية، بطريقة غير مسبوقة، وانتشرت عمليات الخطف الإنتقامي على نطاق واسع.[3]
وعلى عكس حالات التوتر السابقة التي كانت تجري بين فصائل المعارضة في درعا وقوات من النظام في السويداء، فإن الملفت في الاشتباكات الأخيرة هو حدوثها بين مسلحين دروز من بلدة القريا يتبعون لميليشيات مختلفة موالية للنظام، ومقاتلين حوارنة من بصرى الشام يتبعون للفيلق الخامس، الخاضع للإشراف الروسي المباشر، والتابع للجيش السوري، والذي كان مقاتلوه ينتمون إلى "قوات شباب السنة" المعارضة قبل اتفاقية المصالحة. ويتزامن ذلك مع حظر تنقل رسمي بين المدن والبلدات السورية، بسبب جائحة كوفيد-١٩، ما ساهم بخفض حدة الاشتباكات إلى حدودها الدنيا، وسط إمكانية تجددها في المستقبل القريب.
ملخّص تنفيذي
يختلف الغرض من انتشار حزب الله اللبناني في سوريا وطبيعته، بحسب المنطقة وأهميّتها الاستراتيجية للحزب، كما تختلف من منطقة إلى أخرى طريقة بناء الحزب تحالفاته وعلاقاته بالمجتمعات المحلية ومؤسسات الدولة. ففي حين ركّز حزب الله على الحدود السورية-اللبنانية والجنوب السوري، عبر تواجده العسكري المباشر هناك، أو عبر خلايا أمنية وميليشيات سورية وكيلة، عمل أيضاً على إنشاء مظلّة واسعة للميليشيات الشيعية السورية، تُعرَف باسم حزب الله السوري، وتنتشر بشكل رئيسي في مناطق سكن الشيعة السوريين في دمشق وحمص وحلب. وقد أتاح ضمُّ تلك الميليشيات إلى صفوف الجيش السوري، بصيغة قوات الدفاع المحلي، فرصةً للحزب لتقوية نفوذه في المؤسسة العسكرية السورية.
ومع تطوّر انخراط حزب الله في الحرب، أخذ باستكشاف الآفاق الاقتصادية لنفوذه السياسي-العسكري، وبدأ برعاية أنشطة اقتصادية كالتهريب وتجارة المخدرات، لتمويل تجربته السورية. فاستفاد من سيطرته على الحدود السورية-اللبنانية لاحتكار تهريب البضائع، ورعى مع شريكه المحلي، الفرقة الرابعة في الجيش السوري، افتتاح سوق الديماس لإمداد مناطق النظام بمختلف أنواع السلع التي تفتقدها السوق السورية. فضلاً عن ذلك، استخدم شبكاته العسكرية والأمنية في تسويق المخدرات المُنتَجة في لبنان ضمن السوق المحلية السورية، وتهريبها إلى الأردن، ومنه إلى الخليج. واستثمر الحزب جزءاً من تلك العائدات المالية في تمويل أنشطة عدّة، منها عمليات شراء الأراضي في أماكن محدّدة كالقصير في ريف حمص، والسيدة زينب جنوب دمشق.
مقدمة
أصبح حزب الاتحاد الديمقراطي – وجناحه المسلح وحدات حماية الشعب[1] – منذ عام ٢٠١٤ قوة سياسية وعسكرية أساسية في الحرب ضد الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا. وقد مكّنه دعم التحالف الغربي من استعادة كامل الشمال الشرقي، ومن إنشاء إدارة ذاتية قادرة على حكم السكان والاقتصاد والأراضي، على الرغم من تبنّيها لأيديولوجيا يراها معظم الخاضعين لسيطرتها على أنها دخيلة. لكن سقوط "دولة الخلافة" عام ٢٠١٩ جاء بمثابة تهديد لهذا النظام السياسي-العسكري. كما أن التقارب بين هذه الحركة الكردية السورية وحزب العمال الكردستاني دفع تركيا إلى التدخل، خاصةً بعد هزيمة داعش التي أدّت إلى تراجع أهمية الحركة والزخم الأميركي الداعم لها.
أعلنت تركيا عن عملية نبع السلام في ٩ تشرين الأول ٢٠١٩، بعد اطمئنانها إلى عدم استعداد الولايات المتحدة لدخول مواجهة ميدانية معها. وهدفت العملية إلى إبعاد قوات سوريا الديمقراطية – التي تشكل وحدات حماية الشعب قوات النخبة فيها[2] – عن الشريط الحدودي بغرض تشكيل "منطقة آمنة" يُنقَل إليها جزء من اللاجئين السوريين المقيمين على الأراضي التركية.[3] وقد تمكّنت تركيا، بفضل تدخل القوات الرديفة المسماة بالجيش الوطني السوري، من بسط نفوذها على المنطقة الممتدة من تل أبيض وحتى رأس العين، أي على مساحة أكثر من ١٠٠٠ كم٢.[4] وفي ١٧ تشرين الأول، وقّعت الولايات المتحدة وتركيا اتفاق وقف إطلاق نار مؤقتاً لمدة خمسة أيام. وقد نصّ الاتفاق على أن القوات المسلحة التركية هي الفاعل الرئيسي في تفعيل "المنطقة الآمنة"، دون إعلان حدود واضحة لها،[5] وهو ما منح تركيا ضوءاً أخضر لتحقيق طموحاتها المعلنة المتمثلة في استكمال الهجوم على الشريط الممتد من جرابلس غرباً وحتى الحدود العراقية شرقاً، أي بطول ٤٤٠ كم وعمق ٣٠٠ كم.
ملخّص تنفيذي
منذ بداية الانتفاضة السورية منتصف آذار عام ٢٠١١، تراجعت قيمة الليرة السورية بشكل مستمر تقريباً، وازداد الفرق بين سعر الصرف الرسمي لليرة وسعرها في السوق السوداء باضطراد. وفي الأشهر الأخيرة من عام ٢٠١٩، لعبت الأزمة المالية في لبنان دوراً في انخفاض قيمة الليرة السورية، إلا أن الأسباب العميقة وراء تراجع قيمتها تكمن في البنية الهيكلية أكثر من الظروف الراهنة، وهي تعكس الوضع المدمّر للاقتصاد السوري، حيث قضت الحرب على الكثير العوامل التي سمحت باستقرار نسبي للعملة السورية خلال العقد الأول من القرن الحالي.
لقد أخفقت السياسات المختلفة التي اتبعها البنك المركزي السوري للحد من تراجع قيمة الليرة. وفي حزيران عام ٢٠١٦، بدأ البنك المركزي باتباع سياسة عدم التدخل في السوق بسبب انخفاض احتياطاته من القطع الأجنبي بشكل كبير، وذلك بعد خمس سنوات من التدخل المباشر في السوق واتخاذ إجراءات للحفاظ على قيمة الليرة. وفي الأشهر الأخيرة من عام ٢٠١٩، شارك رجال أعمال على صلة وثيقة بالنظام السوري في حملات إعلامية لتعزيز الليرة السورية، والتي فشلت في تحقيق نتائج ملموسة.
أدى انخفاض قيمة الليرة السورية إلى عواقب وخيمة على اقتصاد البلاد، وسبب تدهوراً كبيراً في مستوى معيشة السكان بشكل خاص، إذ تراجعت القوة الشرائية لدى السوريين بشدة، ونفدت الكثير من مدخراتهم نتيجة لذلك. كما دفع الانخفاض المستمر في قيمة الليرة السورية معظم العاملين الحكوميين والمجنّدين وغيرهم من الموظفين في المؤسسات السورية إلى البحث عن وظائف إضافية بسبب عجز الأجور التي يتقاضونها عن تأمين تكاليف الحياة.
ملخّص تنفيذي
تنتهج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا نظرياً سياساتٍ تستند إلى مستوى عالٍ من اللامركزية والمشاركة الشعبية، ومع ذلك، تمارس هيئاتها ومكاتبها المركزية قدراً كبيراً من السيطرة على قطاعات رئيسية في الاقتصاد. وفي حين أن حزب الاتحاد الديمقراطي يحتفي بالتعاونيات الزراعية والصناعية باعتبارها ركائز لبنيته الاقتصادية الاجتماعية البديلة، لم تستطع هذه التعاونيات أن تحلّ محلّ الملكية الخاصة، ويبقى تأثيرُها على اقتصاد المنطقة هامشياً. هذا ولم تحُل السيطرة الحصرية الظاهرة لحزب الاتحاد الديمقراطي على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، دون فرض النظام السوري هيكلية سلطةٍ موازيةٍ في القطاعات الاقتصادية الرئيسية في المنطقة، التي لا تزال تعتمد نسبياً على دمشق.
يصعب تعقّب كيفيّة تحصيل وإنفاق إيرادات الميزانية الخاصة بالإدارة الذاتية، إلا أن الموارد الأساسية لهذه الأخيرة تتأتّى عن مبيعات النفط، والضرائب والرسوم على الدخل، والرسوم على المواد والبضائع المستوردة. هذا ويستفيد رجال الأعمال المحليون الذين تربطهم صلاتٌ بمسؤولين نافذين في حزب الاتحاد الديمقراطي من التبادل التجاري مع النظام، والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وحكومة إقليم كردستان، ويشكّلون ركيزةً من ركائز النظام الاقتصادي الجديد. ويشمل إنفاق الإدارة الذاتية كلّاً من الجيش، ومشاريع الإنعاش المبكر، وإعادة تأهيل البنية التحتية مثل قنوات الريّ والطرق، وصيانة شبكة الكهرباء، إضافةً إلى تكلفة إدارة مؤسسات الصحة والتعليم والإدارة المحلية. والواقع أن الإدارة الذاتية تقدّم خدمات ذات نوعية جيّدة نسبياً، ولكن بتكلفة غير متكافئة مع حجم الضرائب والرسوم في نظر السكان المحليين، ناهيك عن أن هذه الضرائب تتفاوت من منطقة إلى أخرى، ما يؤدّي إلى وجود تباينات كانت ولا تزال تثير احتجاج بعض السكان من حين إلى آخر.
لم يسجّل القطاع الخاص في شمال شرق سوريا تطوّراً ملحوظاً منذ إنشاء الإدارة الذاتية، ويبقى مُوجَّهاً إجمالاً نحو الإنتاج الغذائي. في المقابل، شهد قطاع البناء فورةً، حيث ارتفعت أسعار العقارات بشكل ملحوظ جرّاء تدفّق الحوالات المالية من المغتربين وأبناء المنطقة المهاجرين، فضلاً عن ازدياد عدد النازحين داخلياً إلى المنطقة، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاعٍ على الطلب. كما ساهمت المساعدات المُقدَّمة من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية للفئات السكانية الضعيفة في تخفيف عبء هذه الأخيرة على الإدارة الذاتية، فيما تخضع تلك المنظمات لرقابة هيئات الإدارة ومكاتبها.
ملخّص تنفيذي
حاول نظام الأسد في العقد السابق لعام ٢٠١١، ترسيخ هيمنته السياسية عبر اتّباع برنامج إصلاح اقتصادي. أدى هذا البرنامج، الذي سُمِّي في حينه "اقتصاد السوق الاجتماعي"، إلى تقليص التدخل الحكومي والإنفاق العام من دون إلغاء دور الدولة في الضمان الاجتماعي. اختلفت طبقة التكنوقراط والسياسيين التي تولت الإصلاح مع الفئة المدافعة عن سياسات حماية الإنتاج المحلي، والراغبة في الحفاظ على النهج البعثي التقليدي المتمثل في اقتصاد زراعي مدعوم من الدولة. عام ٢٠٠٥، أنهت الخطة الخمسية العاشرة مفهوم الاكتفاء الذاتي البعثي، القائم على الاكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي، واقترحت تحقيق الأمن الغذائي من خلال استيراد السلع، ولا سيما القمح، وتداولها تجارياً. إلا أن سرعة تنفيذ الإصلاحات أدت إلى حالة من البلبلة، وانتهت بتراجع واضح في القطاع الزراعي. تأثر إنتاج الحبوب على وجه الخصوص، ما أدى، معطوفاً على الجفاف بين عامَي ٢٠٠٧ و٢٠٠٩، إلى حدوث أزمة وطنية.
رغم الآثار العميقة للنزاع في سوريا منذ عام ٢٠١١، يبدو أن الحكومة واصلت اتّباع السياسات التي وضعتها للزراعة. فقد تحول دور الإنفاق العام من دعم الإنتاج عبر دعم العمل الزراعي، إلى اعتماد برامج لدعم الأسعار ترمي إلى تشكيل الإنتاج والسوق. عوّضت الحكومة النقص في الإنتاج المحلي بالاستيراد، وأولت اهتماماً أكبر للدور التنافسي للقطاع العام في السوق، حيث كان القطاع العام يتنافس مع جهات غير حكومية لشراء القمح والسيطرة على السوق. وقد عزّز ذلك احتكار الحكومة للشرعية، وفي الوقت نفسه، ساهم في اقتصاد حربٍ عاد بالنفع على بعض رجال الأعمال الموالين للنظام.
ملخّص تنفيذي
طالت الفرقة الرابعة تغييراتٌ خلال سنوات الصراع، حيث تولّى قيادتها ماهر الأسد منذ العام ٢٠١٨، وتنامى دور مكتبها الأمني وتوضّحت هيكليته، واتّسع نطاق صلاحياته وانتشاره الجغرافي خارج العاصمة دمشق. ولا يزال اللواء غسان بلال يترأّس المكتب منذ تشكيله في أواخر تسعينيات القرن الماضي، على الرغم من محاولات الروس لإقصائه. هذا التنامي في دور الفرقة الرابعة إنما يوحي برغبة النظام في تعزيز مؤسساته الخاصة، وإعادة تركيز القوة فيها.
يدير مكتب أمن الفرقة أنشطة اقتصاد الحرب بالتعاون مع شبكة من رجال الأعمال والوسطاء المقرّبين، ممَّن اختيروا بعناية، وأوكِلَت إليهم مهام متعدّدة لدعم النظام، ما منحهم فرصةً أكبر لتطوير دورهم في المنظومة السياسية-الاقتصادية على المستوى المحلي، وربما الوطني. والواقع أن المكتب عمل على تعزيز هيمنته على اقتصاد الحرب منذ العام ٢٠١٦، ليتمكّن من ترسيخ هذه الهيمنة بتسهيلاتٍ من النظام بحلول العام ٢٠١٨.
وقد طرأ تحوّل على طريقة تدخّل الفرقة الرابعة في إدارة مؤسسات الدولة الاقتصادية خلال الصراع. ففي حين كانت تكتفي بالتأثير غير المباشر على عملية اختيار مسؤولي هذه المؤسسات قبل الصراع، والاعتماد على وكلاء لها في إدارتها، أصبحت تديرها بشكل مباشر، كما في مرفأي طرطوس واللاذقية. مع ذلك، تبقى هيمنتها هذه رهن العلاقة بروسيا، وتوجّهات القصر الجمهوري.
ملخّص تنفيذي
استعادت الحكومة السورية في تموز ٢٠١٨ سيطرتها على محافظة درعا إثر مفاوضات بوساطة روسية انتهت باستسلام فصائل المعارضة المسلحة. لم يكفّ العنف عن التصاعد منذ ذلك الحين، فيما واجهت الدولة عدة تحديات لاستئناف تقديم الخدمات. ورغم تشابه الأوضاع في المحافظة إلا أن هناك تباينات على المستوى المحلي، ففي حين تتمتع بعض المناطق التي تعد آمنة نسبياً بخدمات أفضل من مناطق أخرى يتراجع فيها الأمن ويعاني فيها المدنيون لتلبية احتياجاتهم اليومية.
من خلال دراسة التفاعلات الجارية على المستوى المحلي، تخلُص هذه الدراسة إلى وجود الاختلافات التالية: أولاً، تتمتع المنطقة الشرقية في درعا بخدمات وأوضاع أمنية أفضل، وذلك بسبب توافر اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس المدعوم من روسيا وفعاليته. حيث يمكن لأهالي هذه المنطقة الضغط على قيادة اللواء الثامن لينقل مطالبهم إلى المؤسسات المحلية أو السلطات المركزية والتأكد من الإصغاء لها.
ثانياً، تعاني المنطقة الغربية في درعا من تردّي الخدمات وتراجع الأمن. وعلى الرغم من تمركز الجيش العربي السوري ومجموعة واسعة من الأجهزة الأمنية، تشهد المنطقة حرب عصابات مجهولة المصدر، وتفجيرات عبوات ناسفة، وعمليات اغتيال وخطف لمقاتلين سابقين من المعارضة ومسؤولين حكوميين وعناصر من الجيش النظامي والأجهزة الأمنية. بينما يعتمد المدنيون على مبادرات جماعية بحثاً عن حلول مؤقتة فيما يتعلق باحتياجاتهم اليومية، وذلك بسبب عدم توفر الوسيط، فيما قد يتفجر سخطهم أحياناً على شكل احتجاجات، وأحياناً أخرى على شكل مواجهات مباشرة مع القوات المسلحة التابعة للدولة.
ثالثاً، في مدينة درعا، تلعب لجنة المفاوضات المركزية دور الوسيط وتقوم بنقل مطالب المدنيين إلى المؤسسات المحلية أو سلطات الدولة المركزية. إلا أن السلطات تتجاهل مساعي اللجنة إلى حد كبير، ما يجعل السكان المحليين يرون فيها هيئة قليلة الجدوى. في هذه الحالات، يبادر المدنيون لإطلاق مبادرات تهدف لإيجاد حلول مؤقتة لتردّي الخدمات بينما يعبّرون عن سخطهم من سياسات الدولة أيضاً عن طريق الاحتجاج.
ملخّص تنفيذي
اتّخذت الإمارات العربية المتحدة منذ بداية الانتفاضة السورية في منتصف آذار 2011، موقفاً مبهماً إلى حدّ ما إزاء الأحداث في سوريا، حيث دعمت المعارضة السورية رسمياً، مُحافِظةً في الوقت نفسه على صلاتٍ عدّة بنظام الأسد في دمشق. ثم أخذت في العام 2015 تنسحب من الصراع السوري، لتركّز اهتمامها ومواردها أكثر فأكثر على الحرب في اليمن، إلى أن سَعَت بحلول العام 2018 إلى التقارب مع النظام السوري، فأعادت فتح سفارتها في دمشق في كانون الأول من ذلك العام. لكن الهدف الظاهري من هذه الخطوة، والمتمثّل في مواجهة النفوذ المتنامي لتركيا وإيران في سوريا، ليس ما هو عليه فعلياً من نواحٍ عدّة.
تبرز على المستوى الاقتصادي فرصٌ محتملةٌ للاستثمار الإماراتي في شتّى القطاعات في سوريا، مثل العقارات والنقل والتجارة، وهي قطاعاتٌ كانت كلّها تستفيد من الاستثمار الإماراتي ما قبل العام 2011. بيد أن العودة المحتملة للاستثمار الإماراتي إلى سوريا محفوفٌ بالتعقيدات والعوائق على المديَين القصير والمتوسّط، ولا سيما في ضوء العقوبات الأميركية، والصعوبات الاقتصادية التي تعانيها دبي.
والواقع أن إمكانية أن يؤدّي رجال الأعمال السوريون المقيمون في الإمارات دور الوسطاء للمستثمرين الإماراتيين، تبقى محدودةً نوعاً ما. فاحتمال عودة الغالبية العظمى من هؤلاء إلى سوريا ضئيل، أقلّه على المدى القصير، نظراً إلى ما قد يواجهونه من صعوبات أو عقبات متمثّلة في شبكات النظام التجارية التي أحكمت قبضتها على الاقتصاد السوري. وعوضاً عن ذلك، تبدو الشبكات التجارية المقرّبة من النظام في الموقع الأفضل حالياً للاضطّلاع بهذا الدور الوسيط في الاستثمار الإماراتي.
ملخّص تنفيذي
منذ أواخر العام ٢٠١٧، انتشرت ميليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني في منطقة غرب الفرات وجزءٍ من شرقه، في محافظة دير الزور التي كانت سابقاً تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وخلال عامَين من وجودها هناك، نجحت هذه الميليشيات بأنواعها المختلفة، أجنبية وسورية ومحلية، في تطويع الآلاف من الشبّان المحليين في صفوفها، ما حقّق للحرس الثوري اتصالاً مهماً بالمجتمعات المحلية. وتحاول إيران التقرّب من السكان واكتساب الشرعية منهم، عبر أنشطتها وأعمالها المدنية الخيرية الإنسانية، التي اعتمدت فيها بشكل رئيسي على المركز الثقافي الإيراني، ومنظمة جهاد البناء.
في الوقت نفسه، نجحت إيران في بناء علاقات وعقد صداقات مهمّة مع محافظ دير الزور، وقادةٍ في أجهزة مخابرات النظام، ومسؤولين نافذين آخرين في حلقة الحكم العليا في المحافظة. كذلك نجحت، خصوصاً عبر المركز الثقافي الإيراني، في ضمّ شخصيات محلية من النخب الاقتصادية، والاجتماعية، والوظيفية، والدينية الرسمية، إلى شبكاتها المتنوّعة قيد التشكّل، والممتدّة بين دير الزور والعاصمة دمشق، حيث تنشط مؤسساتٌ إيرانيةٌ أخرى. ونتيجة حالة الضعف والتفكّك والإنهاك التي تعاني منها المجتمعات المحلية جرّاء الحرب الطويلة في المحافظة، يُتاح لإيران التمدّد في نسيج هذه المجتمعات، التي فقدت قدرتها على رفض الدور الإيراني، وإن كان يثير الحساسيات في الجانب الديني خصوصاً.
لكن على الرغم من القوة التي تتمتّع بها إيران في محافظة دير الزور، والفرص الكبيرة المتاحة أمامها، لا تزال عوائق كبرى وجذرية تقف في طريقها، وأهمّها التباين المذهبي مع أكثريةٍ سنّيةٍ ساحقةٍ تريد الحفاظ على عقيدتها، بتأثير النظرة السنّية السائدة والمتوارثة عن التشيّع بأنه انحرافٌ عن الإسلام الأصلي. هذه النظرة تغذّيها بحدّةٍ تأثيراتُ السلفية الجهادية مُجسَّدةً بتنظيم داعش، الذي نجح في البقاء كفكرةٍ رافضةٍ وجماعةٍ مقاتلةٍ لا تزال قادرةً على شنّ الهجمات من جيب نفوذها وسط بادية الشام. وتشكّل الهجمات الجوية الإسرائيلية المتصاعدة على مواقع الحرس الثوري في المحافظة، ووجود القوات الأميركية في شرق الفرات، تهديداً آخر للدور الإيراني، فيما يبرز عائق رئيسي آخر، يتمثل في العقوبات الاقتصادية الأميركية المشدّدة على إيران، والتي أسفرت عن تراجع حركة التجنيد، وخفض رواتب العناصر المحليين في صفوف الميليشيات في دير الزور.
ملخّص تنفيذي
يعيش دروز السويداء منذ العام ٢٠١١ حالة من الفوضى والقلق، وتراجع لدور الطبقة الوسطى والزعامات التقليدية والسياسية، وسط انكشاف خطير على التدخل الإقليمي.
تكوين الدروز التاريخي كإثنية تحمل سمتي العشيرة والطائفة، بدأ يتغير لصالح تعاظم الدور الطائفي لديهم على حساب الجزء العشائري. في الآونة الأخيرة، تبدو الزعامة الأكثر تماسكاً للدروز، على مشاكلها وتناقضاتها الداخلية وضعفها، هي المشيخة الروحية، في حين يكاد يختفي أثر الزعامة السياسية الزمنية.
يبدو دروز السويداء اليوم كجماعة بلا رأس سياسي، نتيجة تغيّر علاقات الإنتاج وسط حالة فريدة من تراجع مصادر الدخل المحلية وزيادة التدخلات الإقليمية. الجماعة تعثّرت في إنتاج قيادات سياسية لها خلال السنوات الماضية، رغم تاريخها الطويل الحافل بها.
حالة الحياد التي عاشتها السويداء خلال الحرب السورية، ما زالت قائمة، لكنها تخضع أكثر فأكثر للتدخل الخارجي وللتشتت الداخلي. التدخلات الخارجية تراوحت بين التمويل الإيراني وإنشاء مجموعة واسعة من المليشيات الموالية لإيران، وبين محاولة روسيا استقطاب بعض الفصائل المحايدة، وتصارع دروز إسرائيل ولبنان على استقطاب دروز السويداء واستخدامهم في صراعاتهم المحلية.
وبينما تعتبر الفوضى الأمنية خدمة للنظام على المدى القريب، تتيح له استعادة السيطرة الأمنية على السويداء، إلا أنه يبقى عاجزاً عن تأمين بدائل اجتماعية وحلول اقتصادية لمنطقة مرّت الحرب بجوارها فأرهقتها. فالسويداء تحولت إلى أحد خطوط تهريب المخدرات باتجاه الحدود الأردنية، حيث يعمل حزب الله اللبناني على السيطرة عليها، في حين تمثل عمليات الخطف لطلب الفدية أحد أهم موارد دخل العصابات والمليشيات.
ملخّص تنفيذي
بعد نجاح نظام بشار الأسد في السيطرة على الغوطة الشرقية، التي شكّلت أكبر معاقل المعارضة المتاخمة للعاصمة بين العامَين ٢٠١١ و٢٠١٨، كان لا بدّ أن يعيد إليها معالم الدولة التي غابت طيلة فترة النزاع. فبعد أيام قليلة من اتفاق الاستسلام، في آذار ٢٠١٨، بين النظام وفيلق الرحمن، الفصيل المسلّح الرئيسي للمعارضة في القطاع الأوسط في الغوطة، اتّخذت وحدات الجيش السوري والقوات الرديفة، بمشاركة الأجهزة الأمنية، مواقعها في بلدات القطاع الأوسط، وأنشات حواجز ومتاريس ترابية بين بلدات الغوطة الشرقية. أما مهمّة الجهاز الأمني والعسكري فتركّزت على التحقيق، والاعتقال، والتجنيد، فيما عملت القوات الرديفة على تجنيد الشبّان في صفوفها، تاركةً بذلك علامة استفهامٍ حول مصير السكان الذين فضّلوا البقاء.
لكن بعد مرور أكثر من عامٍ على عودة السيطرة العسكرية للنظام، لم تبذل الحكومة السورية جهوداً ملحوظةً لإعادة الخدمات العامة، إذ لا تزال معالم الحرب تخيّم على أرجاء البلدات مع انتشار حطام الأبنية، والنقص في الخدمات العامة الأساسية. فعَمَد النظام السوري إلى عقد شراكاتٍ بين الحكومة ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، وفق شروطٍ تلبّي حاجة النظام، وتسدّ الثغرات في عمل مؤسسات الدولة.
في ظلّ هذا الغياب شبه الكامل للخدمات، استيقظ حزب البعث من كبوته أثناء انتخابات الإدارة المحلية، في ١٦ أيلول ٢٠١٨، مستعيداً سيطرته على مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والأمنية، ومعزّزاً سلطة النظام. في الوقت نفسه، وطّد هذا الأخير علاقته بوزارة الأوقاف، ناهيك عمّا بذله من جهودٍ لتثبيت الروابط مع الشخصيات الدينية والسياسية، التي كان لها دورٌ في تسهيل عملية الاستسلام.
وقد كافأ النظام شبكة الشخصيات الموثوقة، محدّداً لها نطاقاً واسعاً من المسؤوليات والمهام التي ترسّخ مكانتها، وذلك مقابل تهميش المجتمعات غير الموثوقة وإقصائها. كذلك شرعت روسيا وإيران إلى تحديد مصالحها وتثبيت نفوذها، مستفيدةً من الفراغ الذي طال الدولة في سوريا بعد سنوات الحرب.
ملخّص تنفيذي
استطاعت تركيا بمشاركة فصائل الجيش الوطني الموالي لها السيطرة على عفرين، وبسط نفوذها الأمني فيها، وسط انتهاكاتٍ قامت بها الفصائل من نهبٍ وسلبٍ وخطف، واستيلاءٍ على ممتلكات المدنيين وترهيبهم خلال الأشهر الأولى، الأمر الذي دفع الأكراد إلى مغادرة عفرين.
وقد دعمت تركيا كلاً من الشرطة العسكرية والشرطة المدنية لفرض استقرار أمني نسبي في المنطقة، فاستطاعت بذلك إمساك خيوط اللعبة في عفرين على مستوى الفصائل، والشرطة العسكرية، وقوات الشرطة المدنية وأجهزتها المتنوّعة والمتخصّصة. وهكذا كرّست أنقرة مناخ "الفوضى المنضبطة"، فارضةً معادلةً أمنيةً قلقةً تتيح لها شروط التحكّم والتدخّل كافة، ما يعزّز لدى المجتمع المحلي في عفرين عوامل الخوف المستمر.
لم تفرض أنقرة نموذج حكم ذاتي في عفرين في دلالةٍ واضحةٍ على تفاهم أمني مع الروس ضمن مسار آستانة، الذي أفضى إلى الاتفاق على عدم تحويل المناطق الخاضعة للسيطرة التركية إلى منصّاتٍ بديلةٍ أو منافسةٍ للدولة السورية. وهكذا مارست تركيا سياسة "التوكيل والإشراف"، وأحدثت تغييراتٍ في نسبة التمثيل السكاني عند تشكيل المجالس المحلية في عفرين، فارضةً تقسيماً غير عادل كان للعرب حصّة كبيرة منه، وأُسُساً لوجود التركمان بصفتهم قومية في عفرين. هذا وأوجدت أنقرة نخبة سياسية كردية جديدة من الموالين لها، وأقصت التكنوقراط الأكراد عن العمل في المجالس المحلية.
إضافةً إلى التهديدات الأمنية التي تواجهها تركيا، ونتاج مسار المصالحات في الغوطة الذي أفرز تهجيراً للقوى المُعارِضة في الغوطة الشرقية، دفعت أنقرة باتجاه ملء الفراغ الذي أحدثه نزوح أكراد عفرين وتهجيرهم، عبر نقل آلافٍ من أُسَر المقاتلين في الجيش الوطني وأقربائهم من العرب والتركمان إلى بيوت المدنيين الأكراد.
وقد تراجع الوضع الاقتصادي المرتكز إلى الزراعة أساساً، وغابت التنمية المحلية مقابل تكريس خطط الاستثمار لصالح التجار الأتراك الذين بدأوا ينشطون في عفرين، حيث وجدوا لهم سوقاً جديدةً. في المقابل، اتّجه قادة في الجيش الوطني إلى تشغيل أموالهم مع تجّار سوريين من أبناء الغوطة وحمص المهجّرين قسرياً.
ملخّص تنفيذي
تعرّض قطاع التصنيع أثناء الحرب إلى دمارٍ وضررٍ هائلَين، وعانى من النهب ونقل أنشطته إلى البلدان المجاورة، في وقتٍ تدهورت ديناميات اقتصاد ما قبل الحرب تدهوراً كبيراً. فما كان من صعود اقتصاد الحرب، والطفرة التي شهدها النشاط التجاري، إلا أن شكّلا عائقَين كبيرَين في وجه نهضة قطاع التصنيع. ومع ذلك، يبقى تعافي هذا الأخير ضرورياً، إذ إن من شأنه أن يشجّع فرص العمل البديلة عن تلك المرتبطة مباشرةً باقتصاد الحرب.
بيد أن القطاع يواجه تحدّياتٍ داخليةً وخارجيةً متعدّدةً هي نتيجة مباشرة للحرب (نقص في اليد العاملة، وتراجع قيمة العملة، وأزمة وقود، وارتفاع في تكاليف الإنتاج، وتقلّص السوق الوطنية، وإقفال الأسواق الأجنبية). أضِف إلى ذلك أن تعميق العقوبات العامة واسعة النطاق ضدّ سوريا يؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على تعافي أنشطة التصنيع.
في موازاة ذلك، لا تزال سياسات الحكومة السورية لإعادة تطوير قطاع التصنيع غير كافيةٍ لمواجهة الديناميات العامة للاقتصاد السياسي التي تميل لصالح أنشطة التجارة، والخدمات، والعقارات، والريع. وعندما تتضارب بعض الإجراءات الحكومية المُتَّخذة لإعادة تعزيز قطاعات الاقتصاد الإنتاجية تضارباً مباشراً مع مصالح رأسماليي المحسوبية، وشبكات النخب الاقتصادية الجديدة المرتبطة بالنظام، فإن هذه المصالح عادةً ما تكون هي السائدة.
ملخّص تنفيذي
يبدو مفهوم النظام السوري لإعادة الإعمار مستنداً إلى إقامة مشاريع سياحية وخدماتية فاخرة، بما يضمن تحويل سوق العقارات في دمشق إلى مولّدٍ رئيسٍ للريع. وتمثّل مدينة "ماروتا"، أو ما يُعرَف بـ"ماروتا سيتي"، نموذجاً ريادياً للأعمال في سوريا ما بعد الحرب كما يصوّرها النظام، الذي عمل على إحاطتها ببنيةٍ تشريعيةٍ وقانونيةٍ متكاملة. فقد تمّ لهذه الغاية تشريع عمليات الاستملاك التي نفّذتها محافظة دمشق لعقارات سكان المنطقة التنظيمية خلف الرازي، في ظلّ خروقاتٍ عدة لحقّ الملكية شابت عملية تخمين الأملاك.
وبغرض إنجاز مشروع "ماروتا"، أُسّسَت شركة دمشق الشام القابضة الخاصة لإدارة أملاك محافظة دمشق، في خطوةٍ جاءت بشكل أساسي لحلّ أزمة التمويل التي تواجهها المحافظة. وقد تعاقدت الشركة مع مجموعةٍ من رجال الأعمال، معظمهم لم يكن معروفاً سابقاً، بغية تنفيذ مشاريع سياحية وخدماتية فاخرة، لا يبدو أنها ستلقى اهتمام السوق السورية المحلية، بل أنها موجّهةٌ إلى السوق الخليجية والعربية.
يمثّل رجال أعمال "ماروتا" حالةً من الزبائنية المُفرَطة في الاقتصاد السوري، حيث يتصرّف معظمهم كمدراء أعمالٍ لمتنفّذين كبار في دائرة النظام الضيّقة، أكثر مما يتصرّفون كأصحاب رساميل من القطاع الخاص.
يُعَدّ نموذج إعادة الإعمار الذي يسوّق له النظام انطلاقاً من "ماروتا سيتي"، محاولةً لاستقطاب الاستثمارات الخارجية. لكن إنجاز المشروع لن يكون بالمهمّة اليسيرة للنظام، إذ ستواجهه عقبات عدّة أهمّها التمويل، خصوصاً بعد فرض العقوبات الأوروبية على رجال الأعمال المشاركين فيه وشركاتهم.
وتبدو سوق العقارات مهيمنةً خارج "ماروتا" أيضاً، حيث يُعاد تقييم العقارات التي تملكها الدولة، وطرحها للاستثمار من جديد، ولو اقتضى ذلك نقض عقودٍ قانونيةٍ سارية، وحيث تنشط أيضاً تجارة الردميات من مناطق المعارضة السابقة، والتي يشارك فيها رجال أعمال بارزين مُقرَّبين من النظام.
أسَّسَ مركز روبرت شومان للدراسات العليا في معهد الجامعة الأوروبية برنامج مسارات الشرق الأوسط في العام ٢٠١٦، استكمالاً للبرنامج المتوسّطي الذي وضع المعهد في طليعة الحوار البحثي الأورومتوسّطي بين العامَين ١٩٩٩ و ٢٠١٣.
يطمح برنامج مسارات الشرق الأوسط إلى أن يصبح جهة مرجعية دولية للأبحاث التي تتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تنظر في التوجّهات والتحوّلات الاجتماعية-السياسية، والاقتصادية، والدينية. ويسعى البرنامج إلى تحقيق هدفه هذا من خلال تشجيع البحث متعدّد التخصّصات بناءً على نتائج العمل الميداني، والتعاون مع باحثين من المنطقة. ويفيد البرنامج من خبرة باحثين ناطقين بلغات المنطقة الرئيسة، بما فيها العربية الفصحى والعامية، والفارسية، والطاجيكية، والتركية، والروسية.